الرشـوة الحكـومية

◆ زياد السادري

دأب‭ ‬المغاربة،‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الرشوة‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬شخص‭ ‬ما،‭ ‬لمشرف‭ ‬على‭ ‬مرفق‭ ‬حكومي؛‭ ‬كي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬غرض‭ ‬لا‭ ‬حق‭ ‬له‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬لدرء‭ ‬تعسف‭ ‬سلطوي‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬له،‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه؛‭ ‬وقد‭ ‬سارت‭ ‬الألسن‭ ‬بأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬مثل‭ ” ‬دهن‭ ‬السير‭ ‬يسير‭”. ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الرشوة‭ ‬الحكومية‭ ‬المقدمة‭ ‬لشخص‭ ‬أو‭ ‬لشريحة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لا‭ ‬حق‭ ‬لهم‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬كي‭ ‬تحصل‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬الدولة،‭ ‬على‭ ‬غرض‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬بل‭ ‬يعاكسها‭ ‬ويلوي‭ ‬عنقها؟

أمام‭ ‬الحكومة‭ ‬حاليا‭ ‬مشروع‭ ‬مرسوم‭ ‬لتناقشه،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اجتماعاتها‭ ‬المقبلة،‭  ‬قدمه‭ ‬لها‭ ‬وزير‭ ‬الصحة،‭ ‬يسمح‭ ‬بتعويضات‭ ‬لمديري‭ ‬المستشفيات‭ ‬الجهوية‭ ‬والإقليمية‭ ‬عن‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يقومون‭ ‬بها،‭ ‬وبتعويضات‭ ‬عن‭ ‬استعمال‭ ‬السيارات‭ ‬الخاصة‭ ‬لحاجات‭ ‬المصلحة،‭ ‬ولكي‭ ‬يعلل‭ ‬الوزير‭ ‬هذه‭ ‬التعويضات‭ ‬ويعطيها‭ ‬تفسيرا‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬الاستشفائية،‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬أنه‭ : “‬بالإضافة‭ ‬للمهام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬المديرون‭ ‬سابقا،‭ ‬فقد‭ ‬تزايدت‭ ‬التفويضات‭ ‬الممنوحة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية،‭ ‬بالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬التعويض‭ ‬المخول‭ ‬لهم،‭ ‬لا‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬جسامة‭ ‬المهام‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقهم،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المناصب‭ ‬شاغرا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الترشيح‭ ‬للتباري‭ ‬بشأنها‭ “.‬

لو‭ ‬أخذنا‭ ‬كلام‭ ‬الوزير‭ ‬على‭ ‬علاته‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نشكره‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الالتفاتة،‭ ‬لنقطة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬وهي‭ ‬انتباهه‭ ‬وملاحظته‭ ‬لظاهرة‭ ‬تزايد‭ ‬المهام‭ ‬والتكليفات‭ ‬على‭ ‬الموظف،‭ ‬وبقاء‭ ‬التعويضات‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬ونضيف‭ ‬نحن‭ ‬بقاء‭ ‬الأجور‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬بل‭ ‬وتآكلها‭ ‬المستمر‭ ‬بالغلاء‭ ‬والاقتطاعات‭ ‬والضرائب‭ … ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬نحلل‭ ‬المسألة‭ ‬حتى‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رشوة‭ ‬حكومية‭ ‬بمظلة‭ ‬قانونية‭. ‬لماذا‭ ‬؟

50%‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬يتقاضون‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬درهم،‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬يزيد‭ ‬قليلا‭ ‬عن‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬موظف‭ ‬مدني،‭ ‬وحوالي‭ ‬10‭% ‬تتقاضى‭ ‬بين‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬و‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬درهم،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التعويضات‭  ‬حقا،‭ ‬يزداد‭ ‬حجم‭ ‬الرواتب،‭ ‬ويقل‭ ‬عدد‭ ‬الموظفين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثلثي‭ ‬الموظفين‭ ‬الملقى‭ ‬عليهم‭ ‬عبء‭ ‬المهام‭ ‬لا‭ ‬تحصل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭  ‬بينما‭ ‬الثلث‭ ‬الباقي‭ ‬يتقاضى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬و130‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬ومنهم‭ ‬مديرو‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬والموظفون‭ ‬السامون،‭ ‬والأغرب‭  ‬البرلمانيون‭ ‬أيضا‭ ‬الذين‭ ‬حولتهم‭ ‬الدولة‭ ‬برضاهم‭ ‬إلى‭ ‬موظفين‭ ‬وما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬بموظفين‭ .‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الثلث‭ ‬يتقاضى‭ ‬الرواتب‭ ‬العالية،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬الأعباء‭ ‬الثقيلة،‭ ‬فلماذا‭ ‬إذن‭ ‬هذه‭ ‬الرواتب؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مقابلها؟‭.. ‬ليست‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬تعويضات‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬العالية‭  ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تقضم‭ ‬من‭ ‬رواتب‭ ‬الثلثين‭ ‬من‭ ‬الموظفين،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬الحزب‭ ‬الأغلبي،‭  ‬ويمكن‭ ‬ان‭ ‬نلاحظ‭ ‬على‭ ‬العموم،‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬الثلثين‭ ‬قد‭ ‬صوت‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬الأغلبي‭ ‬الحكومي،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير،‭ ‬عزله‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الزاوية،‭ ‬ويوجه‭  ‬إليه‭ ‬الضربات‭ ‬الموجعة،‭ ‬وفضل‭ ‬عليه‭ ‬تعليف‭ ‬الثلث‭ ‬لأنه‭ ‬اكتشف‭ ‬الدور‭ ‬الخطير‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬أدارات‭ ‬الدولة‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬الثلثين‭.‬

الحالة‭ ‬المتردية‭ ‬للمستشفيات،‭ ‬وقلة‭ ‬التجهيزات،‭ ‬وغياب‭ ‬الأدوية،‭ ‬والتضييق‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬بالرفع‭ ‬المستمر‭ ‬للأداء،‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬به‭ ‬المواطن،‭ ‬والتوجه‭ ‬الدائم‭ ‬للحكومة‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬العلاج‭ ‬المجاني،‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬الرشوة‭ ‬الجديدة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ “‬القانوني‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬تهرب‭ ‬الموظفين‭ ‬من‭ ‬الترشح‭ ‬والتباري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقلد‭ ‬هذا‭ ‬المنصب،‭ ‬لأنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬فوهة‭ ‬البركان‭ ‬أمام‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬وأمام‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضين‭.‬

إن‭ ‬دور‭ ‬هذا‭ ‬الثلث،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يدعيه‭ ‬مرسوم‭ ‬الحكومة،‭ ‬لا‭ ‬يتقن‭ ‬ولا‭ ‬يقوم‭ ‬إلا‭ ‬بدور‭ ‬دراسة‭ “‬المقالب‭ ‬القانونية‭” ‬وضبط‭ ‬الواقع‭ ‬المزري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إدارة‭ ‬من‭ ‬إدارات‭ ‬الدولة،‭ ‬والعمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬وتنزيل‭ ‬السياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬نفر‭ ‬منها‭ ‬المجتمع،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬الجزء‭ ‬المفضل‭ ‬عند‭ ‬الدولة،‭ ‬ومنذ‭ ‬عقدين‭ ‬بدأت‭ ‬تتسابق‭ ‬إليه‭ ‬أيضا‭ ‬عدة‭ ‬أحزاب‭ ‬لخطب‭ ‬وده‭ ‬والتملق‭ ‬له،‭ ‬ولعمري،‭ ‬فإن‭ ‬مآل‭ ‬أي‭ ‬حزب‭ ‬يمر‭ ‬منه‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬وفي‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية‭ ‬المتسمة‭ ‬بتدهور‭ ‬القيم،‭ ‬وغلبة‭ ‬الفردانية‭ ‬على‭ ‬المواطنة،‭ ‬هو‭ ‬الركوع‭ ‬والاستسلام،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الحزب‭ ‬ثورا‭ ‬اسبانيا‭ ‬هائجا‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى