وباء كورونا بين الطب النفسي والانتربولوجيا
المحللة النفسانية والأنتربولوجية والكاتبة : غيثة الخياط -- ترجمة: محمد معطسيم
إن تجربة الحجر الصحي ستترك فينا، وفي كل الشعوب أثارا سيكولوجية أكيدة، فهي تخلق رابطا مع الأغيار والعالم، والذات والأقرباء، لم نكن أبدا على وعي به. هذه التجربة في الوقت الحالي، تجسر روابط لا محدودة أكثر من تفكيكها!
فمن حسن الحظ الأشخاص كونهم متصلين، بفضل استعمال الانترنيت والهاتف، وعلى معرفة بأحوال بعضهم البعض، في تبادل لم يقفوا على جدواه من ذي قبل، يتذكرون أصدقاء قريبين وبعيدين، طالهم النسيان أو لم يسمح الوقت لوصلهم، ووالدين بعيدين، وأشخاصا وحيدين، وأشخاصا مسنين…. إلخ
وللخروج من هذا الحجر الصحي بأقل الخسارات، علينا أن نشغل أنفسنا بذكاء، وأن نساعد الآخرين بكل الصيغ الممكنة (كلمات، تشجيعات، مناقشات، نوادر، إلخ،) وأن نشتغل، وان نقرأ، وأن نشاهد التليفزيون والأفلام، وأن نستمع إلى الموسيقى، وأن ندعو ونصلي، وان نتأمل.. ألا نضيع هذا الوقت الثمين، داخل الحجر الصحي، وسنخرج أكثر قوة، ونحن نمتلك الإحساس بالقدرة، على قهر العزلة والانغلاق، وتقييد التنقلات البعيدة إلى حد ما.
التأمل في الذات، وفي الحياة، وفيما يعيق الوصول إلى السعادة. إدراك أن فيروسا، أي عنصرا حيا أصغر من أصغر ميكروب، يستطيع أن يربك الأرض كلها، فهذا يضعنا أمام نسبية ما أوتينا من قوة، وما نملكه من قدرات، وما انتهبنا إليه من إخفاق ونجاح.
مرحلة ما بعد كورونا، يتم فيها الاستئناف، وبشكل خاص، ببطء وهدوء: فلا جدوى من الاعتقاد أننا سنتدارك ما ضاع من الوقت، بما أنه لم يكن وقتا ضائعا بل معيشا..
بوصفي أنثروبولوجية، أفكر في هذا الوباء( في الواقع، جائحة عالمية) فأنا أعكف على دراسة مجموعات كبرى من الأشخاص، إلى حد ما. من الواضح أن تركيب المجموعات الاجتماعية متفاوت، ويطرح مشاكل متأصلة للجنسين، وللأعمار، وللشروط الخاصة لكل فرد، ولأمراض موجودة سلفا، وشروط مادية، إلخ
هذا الاختلاف بين الأفراد، وتعدد المجموعات الاجتماعية، يزيد من صعوبة تدبير الأشخاص في وقت الأزمة، وهذه حالة العالم بأسره. نحن وعلى صعيد واسع جدا في طور الإحساس من جديد، بأننا مترابطون على هذه الأرض، بمعنى أننا نعيش كلنا هذه الفترة الصعبة والخاصة من الحياة الإنسانية، ذات التهديد المباشر للصحة والحياة. في الظروف العادية لا وجود ل “حياة بصفر خطر”…هذا الخطر حاليا يداهمنا بشكل غير طبيعي، يتسبب لنا في الإصابة بالمرض، بل التعرض للموت. المجتمعات تدافع عن نفسها بما لديها من إمكانات، وبلا هوادة، لكن الأفراد الذين تكون شخصياتهم هشة، هم أكثر عرضة، في هذه الفترة، لكل أشكال الصعوبات.
فتكون إذن ردود أفعالي، بوصفي طبيبة نفسية (خريجة جامعة بوردو) بالاشتغال مع كل شخص على حدة طبيا. فالوقاية أساسية، وطب الشغل يكون أكثر تخصصا بضبط هاته الوقاية في الشروط المهنية الواجب اتخاذها، وبالتالي فإنه يلقن بطريقة نظامية هذا المفهوم الأساسي” الوقاية خير من العلاج” لا سيما عندما لا يتوفر علاج واقعي، أثبت فعاليته علميا، حسب الأصول.
من المؤكد أن الحجر الصحي ضروري، وهو واجب تجاه الذات عينها والأغيار، كل الأغيار، الأقرباء وكل الذين يكونون العائلة، الحي، المدينة، البلد، واليوم، فإن كل بلدان العالم معنية به. يبقى الحجر الصحي هو أفضل وقاية، والوقاية هي فعلا خير سلوك للصحة، والنظافة العموميتين.
من ناحية أخرى، وبصفتي طبيبة نفسية، فإن تهديد المرض، بل التعرض للموت، يطرح مشكلات سيكولوجية، في العالم كله. فالقلق طبيعة إنسانية من هذا المنظور، فهناك حالات تعاني مشكلا حقيقيا، بسبب الحجر الصحي، خصوصا بالنسبة لأولئك الذين يعانون من رُهاب الأمكنة المغلقة، وأولئك الذين يصابون بقلق مرضي، ومرضى الرهاب، ومن لديهم وسواس المرض، وهو شكل من الأمراض التوهمية؛ من ناحية أخرى فإن الحجر الصحي يمكن ان يكون ميسرا للعلاقات البيتية والشخصية بين الزوجين، وفي كنف العائلة، أوعلى العكس من ذلك، يمكن بروز حالات مشاكل وصراعات، وتفاقم الخلافات، ومناسبة للتصعيد والعدوانية. الوضعيات عديدة للغاية وحرجة، إلى حد بعيد. ففي الحجر الصحي، يلزم على كل حال، إيجاد لحظات من العزلة لأن الفرد في حاجة إلى أن يركز على ذاته، والاهتمام بها والاهتمام بها، وإيقاظ الإحساس بالمشاعر.