الحجر الصحي: عودة للتفاصيل الصغيرة وللزمن الوجودي…

◆ د. محمد خفيفي | مسؤول نقابي وباحث في الخطاب السردي

أتاحت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬ومعها‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يتنصل‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬اليومي‭ ‬واكراهات‭ ‬العمل‭ ‬وثقل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬والارتباطات‭ ‬والالتزامات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بخنق‭ ‬الأجندة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الراحة‭ ‬والصحة‭ ‬والعائلة،‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬هزة‭ ‬نفسية‭ ‬أشعرتنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الانتباه‭ ‬وأن‭ ‬دائرة‭ ‬التفكير‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬لفضاءات‭ ‬ظلت‭ ‬مركونة‭ ‬في‭ ‬الهامش‭ ‬والمنسي‭ ‬واللامفكر‭ ‬فيه‭.‬

أحس‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬عملي‭ ‬كنقابي‭ ‬يستنزفني‭ ‬كثيرا،‭ ‬يحرمني‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬الوجود‭ ‬الغامرة‭ ‬بالمحبة‭ ‬والدفء‭ ‬وعشق‭ ‬التفاصيل،‭ ‬جريٌ‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة‭ ‬نفقد‭ ‬فيه‭ ‬بوصلة‭ ‬الأولويات،‭ ‬شفيعنا‭ ‬فيه‭ ‬قضاء‭ ‬حوائج‭ ‬الناس‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭. ‬وهو‭ ‬معطى‭ ‬يسكننا‭ ‬ويقض‭ ‬مضجعنا‭ ‬الآن‭ ‬بالتفكير‭ ‬في‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة،‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ومدى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد،‭ ‬وكذلك‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المرابطين‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صحة‭ ‬المغاربة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المتابعة‭ ‬لما‭ ‬يعتمل‭ ‬داخل‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬مستجدات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬ونقاشات‭ ‬حول‭ ‬مآل‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬والامتحانات‭  … ‬

أعادني‭ ‬الحجر‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬مكتبتي،‭ ‬إلى‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغرى‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬إنسانيتي،‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬أستطبع‭ ‬في‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الأشياء‭: ‬مشي‭ ‬وقراءة‭ ‬وطبخ‭ ‬ونوم‭ ‬وحلم،‭ ‬شغب‭ ‬طفولي،‭ ‬ومتابعة‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬عبر‭ ‬الفضائيات‭ ‬والسؤال‭ ‬عن‭ ‬الأبناء‭ ‬والأهل‭ ‬والرفاق،‭ ‬لكن‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬أتاح‭ ‬لي‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬القراءة‭ ‬بشكل‭ ‬أعاد‭ ‬لي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬قدرتي‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬والمواكبة‭ ‬النقدية‭. ‬أنهيت‭ ‬قراءة‭ ‬ثلاث‭ ‬روايات‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ “‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دوني‭” ‬التي‭ ‬أهدتها‭ ‬لي‭ ‬الكاتبة‭ ‬عائشة‭ ‬البصري‭ ‬وأنهيت‭ ‬أيضا‭ ‬رواية‭ ‬السوداني‭ ‬حمو‭ ‬ريادة‭ “‬شوق‭ ‬الدرويش‭” ‬ومعتكف‭ ‬على‭ ‬إتمام‭ ‬رواية‭” ‬حدائق‭ ‬الله‭” ‬للتونسي‭ ‬سعيد‭ ‬الصافي،‭ ‬بجانب‭ ‬ذلك‭ ‬تأخذ‭ ‬مني‭ ‬الكتابة‭ ‬حيزا‭ ‬مهما‭  ‬للإنجاز‭ ‬والتفكير،‭ ‬فقد‭ ‬وضعت‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬حول‭ ‬رواية‭ ‬نسائية،‭ ‬ودخلت‭ ‬تجربة‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعمل‭ ‬النقابي‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬مستقبلي‭ ‬نروم‭ ‬الوقوف‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الإشكالات‭ ‬النقابية‭ ‬التي‭ ‬اعترضتنا‭ ‬أثناء‭ ‬مسارنا‭ ‬النضالي‭…‬

متأكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬ستفرز‭ ‬كتابات‭ ‬قد‭ ‬تصنف‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬الكورونا،‭ ‬نتابع‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬وينشره‭ ‬أصدقاؤنا‭ ‬وصديقاتنا،‭ ‬المبدعون‭ ‬والمبدعات،‭ ‬من‭ ‬يوميات‭ ‬وخواطر‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬مآلنا‭ ‬الحميمي‭ ‬لقهر‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬وفك‭ ‬الحصار‭ ‬وزرع‭ ‬أنزيمات‭ ‬الأمل‭ ‬والرجاء‭… ‬جرعات‭ ‬ندفئ‭ ‬بها‭ ‬حاجة‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬التماهي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬نطمح‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ….‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى