زمن الحجر: محاولة لتطوير مفهوم العيش المشترك في الحد الأدنى..
◆ ذة. أمينة الصيباري | شاعرة وسينمائية
الحجر الصحي كلمة لم يكن لها أي صدى في حياتنا اليومية قبل مجيئ فيروس كورونا. من منا كان يتخيل أنه سيجد نفسه بين ليلة وضحاها محتجزا في المنزل؟. لا أحد بالطبع. بالنسبة لي، العزلة كانت مطلبا شاعريا في زمن آخر. كنتُ أتمنى أن أجد نفسي في المنزل، غير مطالبة بالخروج، لأقرأ أو أكتب وأمارس طقوسي كامرأة. لكن أن تتحقق الأمنية بإيعاز من فيروس فتاك فذاك أمر أخر. فرق كبير بين أن تختار العزلة وأن تكون مفروضة عليك. هنا تنقلب المعادلة. في الأيام الأولى كانت مسألة التأقلم أصعب، رغم أن حياة امرأة بالمنزل غالبا ما تؤثثها مشاغل عديدة طيلة النهار، فبدأت تطفو حكايات المساجين في كل الأدبيات التي اطلعت عليها في السابق آو في الأفلام العالمية، الإحساس بالاحتجاز أمر لا يطاق. في البداية تعذرت علي القراءة أو حتى الكتابة وتملكني خوف مما سيأتي، ورعب من أن لا أرى ابنتي ثانية، لكن سرعان ما انتبهتُ إلى أن قيمة الحياة في الحجر ربما هي أهم من قيمتها في الحياة العادية لأن اليومي، غالبا ما يجرفنا فلا نكاد نجد وقتا للتأمل والتفكير فيما نفعل. الإيجابي في الحجر هو إعادة تشكيل علاقة مع الذات ومع الأخر. كيف يمكنك ترويض الحيوان الاجتماعي فيك، فتمتنع عن زيارة الأهل والأصدقاء وتكتفي بارتياد أماكن بعينها لتدبر أمر المعيشة. الحجر أيضا مكن من إعادة تشكيل العلاقات داخل الأسرة وفق منطق التواجد طيلة الوقت في نفس الحيز ومحاولة تطوير مفهوم العيش المشترك في الحد الأدنى، وفق شروط جديدة تمكن من استغلال كل فضاءات المنزل بما في ذلك رفع القداسة عن الصالون الذي كان معدا سلفا لاستقبال الضيوف. هذا التأقلم يفترض تأمين الاكتفاء الذاتي في كل شيء حتى في الأشياء التي تعودنا اقتناءها من الخارج من قبل، وخلق جو يساعد على التخفيف من وطأة التواجد في نفس الفضاء ليل نهار. في العزلة حل التواصل في الفضاء الافتراضي محل اللقاءات المباشرة، فأصبح التدوين أكثر من ذي قبل وكذا الانخراط في التحسيس ونشر الأفكار الايجابية، فضلا عن تقاسم البسمة مع الآخرين كشكل من أشكال الترويح عن النفس. الأكيد أن التجربة ستطبع حياتنا فيما بعد وستجعلنا نغير أشياء كثيرة فينا بما فيها نظرتنا للحياة.