كورونا المغرب وسؤال المستقبل
◆ ذ. رشيد العلوي
كثيرة هي الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه شعوب العالم مع جائحة كوفيد19 ، وكثيرة أيضا هي النقاشات التي تناسلت هنا وهناك حول مستقبل العالم. ومما لا شك فيه أن العديد من التغيرات ستحصل بعد الخروج من الكارثة، بل إن هناك من يتحدث عن نظام عالمي جديد ستفرزه الصراعات الخفية والباردة بين الصين وأمريكا.
استبقت السلطات المغربية الحدث واتخذت إجراءات غير مسبوقة في إعلان حالة الطوارئ والحجر المنزلي، كما اعتمدت سياسة تضامن اجتماعي رغم هزالتها، ويقظة طبية مدنية وعسكرية مبكرة.
بعد الإعلان عن أول حالة مصابة يوم 2 مارس تم إغلاق المدارس يوم 16 مارس، وتجندت الأطقم الطبية المدنية والعسكرية بسرعة فائقة، ومعها رجال التعليم وعمال النظافة والشرطة ورجال السلطة المحلية. شكر الجميع جنود السلام هؤلاء وأثنوا على جهدهم ويقظتهم، رغم ما سجل من عدم انضباط المواطنين للحجر المنزلي، مما دفع السلطات المحلية إلى استعمال لغة القمع والترويع ودفع الأمن القضائي إلى شن بعض الاعتقالات في صفوف الذين خرقوا الحجر المنزلي. وتبين من جديد استعادة المخزن لهيبته وتهميش دور الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، رغم توسع دائرة الشباب والبسطاء من الأميين والمهشمين والمفقرين.
ومن الطريف أن تعمل الجماعات الدينية على تجيبش مريديها لقراءة اللطيف في بعض المدن لخرق حالة الطوارئ رغم الحالة العصيبة للوباء، وهو ما سخر منه المغاربة. فقد أبانت تلك الجماعات عن تخلفها وتشبثها بالثقافة المحافظة والظلامية، فالمشكل لا يكمن في قراءة اللطيف أو التذرع إلى الله لإبعاد الجائحة ولكن قمة الإشكال في طبيعة تلك الحركات الدينية السياسية التي تستغل كل مناسبة للدعاية والتحريض لمشروع سياسي غامض، قد يذبح الوطن من الوريد إلى الوريد، علما أن حكومة الإسلاميين ساهمت خلال ولايتين متتاليتين في الإجهاز على الخدمة العمومية ودمرت المؤسسات العمومية وأغرقتها في الإفلاس. وهذا بشهادة زعمائها أنفسهم بل ويتبجحون بأنهم ماضون في سياستهم اللاشعبية واللاجتماعية لخدمة الرأسمال.
فعلى الرغم من أن المغرب في وضع مستقر نسبيا إلى حدود الأسبوع الرابع من أبريل فقد تم تجديد الحجر إلى غاية 20 ماي المقبل، فهل سينجح المغاربة في ذلك؟
الملحوظ أن الجائحة أبانت عن الواقع المتردي للخدمات العمومية وفضحت كل المزاعم السابقة حول التقدم والنمو والسير الحثيث نحو العصرنة، فلا تقدم دون حرية وديمقراطية وعقلنة التسيير والقضاء على الفساد ونظام الريع، فكل الخطابات الرنانة التي تقترب من الأطروحات الليبرالية، وهي لا تشبهها في شيء، أفاقت ذات يوم من أيام مارس 2020 وهي ترنو لحالها، أمام انهيار اختياراتها.
ليس غريبا أبدا أن يظهر الوجه الخفي للعولمة المتوحشة التي سلعت كل شيء وأرغمت مواطني العالم على الخضوع لسلطة المال ومنطق العرض والطلب، بل أنه حتى في البلدان المتقدمة انهارت الخدمات الصحية، ونحن نشاهد ما يقع في أوروبا الهرمة وأمريكا، أما عندنا في المغرب فليس غريبا أن يظهر الوجه الخفي لحكومة الإسلاميين التي تطبق بالحرف إملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، مدافعة بشراسة عن الخوصصة وإلغاء صندوق المقاصة من أجل الاحتفاظ بالكرسي وخدمة المصالح الشخصية.. ولكن لماذا الانتظار عقدين من الزمن لتتضح صحة أطروحات مناهضي العولمة الذين خرجوا مع بداية الألفية الثالثة موجهين سهامهم للنيوليبرالية بفضح مؤامراتها؟ لم تكن القوى الاجتماعية تدرك هول الكارثة. هذا ناهيك عن القمع المسلط على تلك الحركة. واليوم يراوح اليسار العالمي رغم النقاشات الدائرة في صفوفه تلمسا لسيناريوهات المستقبل. ربما تكون هذه الأزمة مناسبة لإعادة بناء قوى النضال الاجتماعي والسياسي، بدل انتظار مقترحات الامبرياليات للخروج من الأزمة، والتي سيتوافق عليها في دوائر صنع القرار العالمي. ألم يحن الوقت لإعلان فشل المنظومة الكوكبية المبنية على الجشع والاستغلال الرأسماليين؟
يبدو أن بوادر أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، أمام انهيار كبريات البورصات العالمية وتوقف دائرة الإنتاج وتأثيرها على أسعار النفط التي بلغت يوم 20 ابريل 0,37 دولار للبرميل الواحد وهو اقل بكثير من سعره في أزمة 1929. فغالبية الدول الرأسمالية تصارع من أجل إعادة عجلة الإنتاج إلى الدوران ولو بشكل بطيء، فالخسارة التي تتكبدها الرساميل العمومية والخاصة افضع مما يمكن تخيله. ونحن نعلم جيدا أن الرأسمالية يمكنها أن تضحي بكل شيء من أجل فائض القيمة.
أما عن وضعنا فلا مجال للحديث عنه بالنظر لضعف بنياتنا الاقتصادية والمالية، واللجوء دوما إلى الاستدانة التي كانت وستظل إلى جانب الفساد، المسؤول الأول عن الوضع الذي عرته كورونا: الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمالي وتدهور القطاعات الاجتماعية، من صحة وتعليم أساسا، فبالأمس القريب لا أحد من القوى السياسية المشاركة في اللعبة تستطيع سن سياسة اجتماعية كفيلة بالرقي بوضع المغاربة الاجتماعي وتعليمهم وصحتهم، وفي المقابل تستنزف جيوب المواطنين عبر التعليم الخصوصي والعيادات والخدمات الطبية الخاصة، وفي نفس الوقت تظل قوى المعارضة في وضع الاستكانة لآمر الواقع، مما يقتضي خطة هجومية لاستعادة المبادرة خصوصا من طرف اليسار. فقد كان المبرر دوما هو أن هاته القطاعات غير منتجة وتبين بالملموس بطلان حجتهم. نعم نريد إنتاج الثروة بالقدر الذي نريد تقاسمها أيضا بشكل عادل. غير آن الثروة ليست بالضرورة مادية وقابلة للحساب، فالصحة والتعليم محركين لإنتاج الثروة وتقاسمها بشكل عادل.
النقاش حول ما بعد كورونا في مغربنا غائب كليا، ونترقب ما تجيد به مؤسسات صنع القرار الامبريالي، في حين أن الأزمة الراهنة ستفرز تحالفات دولية وإقليمية، جديدة وربما ستظهر التنافسية بين أمريكا والصين توازنات جديدة أو ستلجأ إلى الحرب الخفية لتصفية الحسابات ولإعادة تقسيم العالم. فهل سنكون في مستوى رهان التحدي المقبل؟