المغرب وسط زوبعة انهيار أسعار البترول

◆ بدر الصادق

 لفهم مسببات انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، من المنهجي مقاربة الموضوع على مرحلتين، زمن ما قبل وباء فيروس كورونا ومرحلة ما بعد تفشيه، وتفكيك العلاقة بين المتدخلين العالميين في تحديد سعر البرميل الخام، وكذا تمحيص تأثير هاته التقلبات على الوضع المغربي.

 

في‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬قامت‭ ‬أوبك‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للبترول‭ ‬خارج‭ ‬المنظمة،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬روسيا،‭ ‬وسميت‭ ‬إذاك‭ ‬ب‭ “‬أوبك‭ ‬بلوس‭”‬،‭ ‬وتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬التخفيض‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬للنفط‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭,‬1‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬بالأساس‭ ‬هو‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬توسع‭ ‬منتوج‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬الزيت‭ ‬الصخري‭.‬

بعد‭ ‬توسع‭ ‬دائرة‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كوفيد‭-‬19،‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬اختلالات‭ ‬السوق‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬إجراءات‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مواجهتها‭ ‬للفيروس،‭ ‬فرضت‭ ‬تخفيض‭ ‬استهلاكها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬لمشتقات‭ ‬النفط‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سينتج‭ ‬ضمنيا‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬وبالخصوص‭ “‬الصين‭” ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬العالمي‭ ‬للنفط‭.‬

هذا‭ ‬الانهيار‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي،‭ ‬دفع‭ ‬دول‭ ‬الأوبك‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للاجتماع‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬واتفقوا‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬للنفط‭ ‬ب‭ ‬1‭,‬5‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لمواجهة‭ ‬قلة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬وتجنب‭ ‬سقوط‭ ‬ثمن‭ ‬البرميل‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية،‭ ‬وأصبح‭ ‬مفروضا‭ ‬عليها‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الاتفاق‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المشكلة‭  ‬ل‭ “‬أوبك‭ ‬بلوس‭”‬،‭ ‬وخصوصا‭ ‬روسيا‭ ‬لكي‭ ‬تخفض‭ ‬بدورها‭ ‬إنتاجها‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬عالية‭ ‬للنفط‭ ‬عالميا،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬هي‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والمكسيك‭ ‬أي‭ ‬تخفيض‭ ‬لإنتاجهما،‭ ‬بحجة‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬اقتصادهما‭ ‬الداخلي،‭ ‬فكان‭ ‬إذاك‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬لمحاولة‭ ‬تجنب‭ ‬الكارثة،‭ ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬بالفعل‭ ‬إقناع‭ ‬المكسيك‭ ‬لخفض‭ ‬إنتاجها،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬معها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الخسائر،‭ ‬بالمقابل‭ ‬أصر‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬قراره‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬إنتاجه،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومباشرة‭ ‬مع‭ ‬السعودية،‭ ‬بحيث‭ ‬قررت‭ ‬هاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬أيضا‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬إنتاجها‭ ‬اليومي‭ ‬بشكل‭ ‬قياسي،‭ ‬لدفع‭ ‬الأسعار‭ ‬للهبوط‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬السعوديين‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬لأن‭ ‬اقتصاد‭ ‬هاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬حسبان‭ ‬السعودية‭ ‬ولا‭ ‬أمريكا،‭ ‬أن‭ ‬لروسيا‭ ‬سيناريوهات‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬سقف‭ ‬إنتاجها‭ ‬بشكل‭ ‬صاروخي،‭ ‬وصرحت‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬أن‭ ‬اقتصادها‭ ‬لن‭ ‬يتضرر،‭ ‬وأن‭ ‬روسيا‭ ‬اتخذت‭ ‬كل‭ ‬احتياطاتها‭ ‬لذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الهدف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الخفي‭ ‬لروسيا‭ ‬كان‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬مع‭ ‬السعودية،‭ ‬فمرامي‭ ‬روسيا‭ ‬كانت‭ ‬بحشر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الزاوية،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والحصار‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬وللتذكير‭ ‬فالنفط‭ ‬الصخري‭ ‬الأمريكي‭ ‬تكلفة‭ ‬إنتاجه‭ ‬عالية‭ ‬جدا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بالنفط‭ ‬العادي‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬35‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭.‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ستضطر‭ “‬أوبك‭ ‬بلوس‭” ‬للاجتماع‭ ‬والاتفاق‭ ‬هاته‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمعدل‭ ‬10‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نتيجة‭ ‬لاستمرا‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭% ‬تقريبا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الأسعار‭ ‬ترتفع‭ ‬نسبيا،‭ ‬ولكن‭ ‬هاذ‭ ‬القرار‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬شيئا،‭ ‬لأن‭ ‬أغلبية‭ ‬الدول‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اشترت‭ ‬ما‭ ‬يلزمها‭ ‬من‭ ‬البترول‭ ‬عندما‭ ‬تهاوت‭ ‬أسعار‭ ‬البترول،‭ ‬وحتى‭ ‬إمكانياتها‭ ‬للتخزين‭ ‬وصلت‭ ‬لنسب‭ ‬قياسية،‭ ‬وقاربت‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬العالمية‭ ‬للتخزين‭ : ‬500‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬الحل‭ ‬الأخير‭ ‬المتبقي‭ ‬أمام‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬لإنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬مخاطرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬رجوع‭ ‬دورة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬لحالتها‭ ‬العادية،‭  ‬هو‭ ‬اللجوء‭ ‬لاكتراء‭ ‬ناقلات‭ ‬عملاقة‭ ‬للنفط،‭ ‬وذلك‭ ‬بثمن‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬لليوم،‭ ‬والذي‭ ‬وصل‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل،‭ ‬إذن‭ ‬المضاربة‭ ‬الآن‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬إلى‭ ‬إكراهات‭ ‬التخزين‭ ‬فالدول‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬معادلتين‭ : ‬انهيار‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬مقابل‭ ‬التكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬للتخزين‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بالطلب‭ ‬على‭ ‬البترول‭ ‬للتراجع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬استمرت‭ ‬سلسلة‭ ‬انهيار‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬كالتالي‭: ‬ففي‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬كان‭ ‬ب60‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭ ‬ووصل‭ ‬لأقل‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬الأمريكي‭ ‬أصبح‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭.‬

هاته‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬سعر‭ ‬براميل‭ ‬النفط،‭ ‬والتي‭ ‬عراها‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬والتي‭ ‬أفرزت‭ ‬انخفاض‭ ‬ثمن‭ ‬البترول،‭ ‬فالرابح‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬المستهلكة‭ ‬للذهب‭ ‬الأسود،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المغرب،‭ ‬ولكن‭ ‬اختيارات‭ ‬الدولة‭ ‬ورعونتها‭ ‬دمرت‭ ‬القدرة‭ ‬التخزينية‭ ‬للمغرب،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬مصفاة‭ ‬لاسمير‭ ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬الدور‭ ‬كبير،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التخزين‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التكرير‭ ‬والتوزيع،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬الكبير‭ ‬لاستخلاص‭ ‬العبرة،‭ ‬بتغيير‭ ‬سياساتنا‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬دائما‭ ‬رهينة‭ ‬بتقلبات‭ ‬السوق‭ ‬الخارجية‭ ‬وإملاءاتها،‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬درس‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬عندما‭ ‬دمرت‭ ‬الدولة‭ ‬المستشفى‭ ‬العمومي‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى