الشباب المغربي: بين طموح الحياة الكريمة، وواقع التشغيل الهش
◆ عبد العاطي اربيعة
لطالما كان تشغيل الشباب المطلب الأكثر إلحاحية بالمغرب، خصوصا لدى فئة الشباب، فهو يعتبر من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي من دونه لا تستقيم الحياة الكريمة، ففي ظل الأنظمة الرأسمالية، والتي تعمل على خوصصة كل الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن، يعتبر العمل المدخل الوحيد للاستفادة من باقي الحقوق. فإلى أي حد يستفيد الشباب المغربي من حقه في العمل الذي تنص عليه المواثيق الدولية، بل حتى الوطنية؟ وهل يعتبر التعليم بالمغرب مؤهلا لتأهيل الشباب لسوق الشغل؟ وهل يجيب الاقتصاد المغربي عن حاجيات الشباب إلى شغل قار يضمن لهم حياة كريمة؟
وقبل الدخول في محاولة الإجابة عن الأسئلة الآنفة الذكر، لا بد من استحضار الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة 23 منه: على أن لكل شخص الحق في العمل، وفي حرِية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة. وأن لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي. كما أن لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية. وأيضا أن لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
وللوقوف على مدى استجابة واقع التشغيل بالمغرب لتطلعات الشباب، لا بد من استحضار مجموعة من المؤشرات، أولها المتعلق بالبطالة، فحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2019، فإن نسبتها لدى الشباب بين 15 و24 سنة تبلغ 24.9 في المئة، في حين تبلغ 7 في المئة لمن هم فوق 25 وسنة، هذه الأرقام التي ترتفع بشكل ملحوظ بالنسبة للوسط الحضري، حيث تصل إلى 39.2 في المئة بالنسبة للشباب بين 15 و24 سنة، و9.9 في المئة لمن هم فوق 25 سنة.
وهنا لا بد من استحضار مؤشر ثان وهو علاقة هذه النسب بالمستوى التعليمي، حيث ترتفع بشكل ملموس مع ارتفاع مستوى التكوين، حيث تصل لدى حاملي الشهادات إلى 15.7 في المئة، إذ تسجل نسبة 12.4 في المئة لدى حاملي الشهادات المتوسطة، و21.6 في المئة لدى حاملي الشهادات العليا، و23.9 في المئة لدى التقنين والأطر المتوسطة، فلدى حاملي شهادات المستوى العالي تزداد عن حاملي شهادات المستوى المتوسط ب 78 في المئة و67.5 في المئة على التوالي.
وبالعودة إلى صيغة حساب نسبة البطالة، والتي تمثل خارج المعطلين على القوة العاملة نسبة أكبر، فإن الأرقام الرسمية السابقة التي تبدو مهولة لا تعبر عن الواقع الحقيقي، حيث يستثنى من حساب المعطلين مجموعة من الفئات، على رأسها، الذين توقفوا عن البحث عن عمل بسبب فقدانهم الأمل في الحصول عليه، وما أكثرهم ببلادنا، وكذلك الذين يشتغلون في قطاعات غير مهيكلة (بائعو السجائر بالتقسيط على سبيل المثال)، والعمال الموسميين، وذوو الحاجات الخاصة… وفئات أخرى كثيرة. وهو ما يعني أن الأرقام الحقيقة للشباب المعطلين تفوق بكثير ما تعلن عنه الأرقام الرسمية، ولعل الوقوف على هذه المعطيات، سيظهر واقع الهشاشة الذي يعيشه شبابنا اليوم.
أما فيما يخص سوق الشغل نفسه، فأغلب الشباب يشتغلون إما في إطار القطاعات الغير المهيكلة، أو مع شركات المناولة، وبعقود أغلبها قصيرة الأمد، وفي أغلب الأحيان بأجور لا تصل إلى الحد الأدنى، كما ينتشر ما يسمى بالشغل الناقص بشكل مهول “الغير المستوفي لساعات العمل والدخل اللازم وعدم الملاءمة مع مؤهلات الشغل”، فقد وصل العدد به إلى 1.001.000 شخص حسب معيار المكتب الدولي للشغل، ناهيك عن العاملات والعاملين بالقطاع الزراعي والضيعات الفلاحية، ومراكز الاتصال.
ويزداد الأمر سوء بالوظيفة العمومية يوما بعد آخر، بعد التوجه نحو فرض التوظيف بالتعاقد بمجموعة من قطاعاتها، والتي كانت انطلاقته من قطاعي التعليم والصحة، وهو ما دفع عشرات الآلاف الخاضعين لهذا النظام إلى خوض احتجاجات بطولية من أجل دمجهم في سلك الوظيفة العمومية، والتي لم توقفها ميدانيا إلا حالة الحجر الصحي، لكنها لا زالت مستمرة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
إن ما وصل إليه قطاع التشغيل بالمغرب هو نتيجة طبيعية، للاختيارات الاقتصادية والاجتماعية اللاديمقراطية واللاشعبية، المرتهنة بالمؤسسات المالية المانحة، والتبعية للنيوكولونيالية، خصوصا بعدما وصلت نسبة المديونية إلى مستويات قياسية، حيث يتم الإجهاز على كل مقومات بناء اقتصاد وطني، خصوصا بعد خوصصة جل المؤسسات الاقتصادية الوطنية، ولعل مصفاة لاسامير لخير مثال على ذلك، وليتم فتح الباب على مصراعيه للشركات المتعددة الجنسية، الباحثة عن اليد العاملة بأجور زهيدة لتطلق يدها بالمغرب، هذه الشركات غالبا ما يتم إدارتها من طرف إدارة أجنبية، ليظل العامل المغربي آخر تفكيرها.
وهو نتيجة حتمية أيضا للسياسات التعليمية المتبعة منذ عقود، والتي جعلت هذا القطاع بعيدا كل البعد عن تأهيل الشباب لسوق الشغل، بل جعلت كل همها هو تسييد الثقافة التسليعية حتى للإنسان والموارد البشرية، عوض اعتبار التعليم مدخلا للنهوض بالوطن، كما هو حال العديد من الدول التي جعلت من البحث العلمي أولوية بالنسبة لها، باعتباره مدخلا أساسيا لبناء اقتصاد وطني، يجيب عن تطلعات شباب الوطن، في شغل قار يضمن كرامتهم.
ومن هذا المنطلق، فإنه لا بديل اليوم للخروج من هذا الوضع الذي يعانيه شبابنا عن التغيير الديمقراطي الحقيقي، الذي يمكن الشعب المغربي من تقرير مصيره، ويقطع مع كل أشكال التبعية للمؤسسات المالية المانحة، وللدول الإمبريالية، ويمهد لبناء اقتصاد وطني قوي، قادر على رفع التحديات والإجابة عن حاجة المغاربة قاطبة، وخصوصا فئة الشباب. فهل نأخذ الدرس مما تعيشه بلادنا في ظل هذا الوباء المستشري؟