الوباء ومعاناة الكادحين في أرقام
◆ المصطفى زوبدي
إن المتتبع لتدبير مؤسسات الدولة للشأن العام، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مختلف مستوياته القطاعية والمجالية، مدرك تمام الإدراك أن هذا التدبير طبقي بامتياز، يكرس فيه الاستغلال في أبشع تجلياته، وأن كل محاولات الترقيع غايتها التلميع والتنفيس ليس إلا، ويبدو أن جائحة كورونا كشفت المستور،وجعلت أغلب المغاربة يدركون حقيقة الوضع المزري، وتأكيدا لما تمت الإشارة فلنفتحص المعطيات والأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية.
على مستوى الأجراء:
بالنسبة لهذه الطبقة (عمال+موظفون)، يسجل أن أوضاعها كانت مزرية قبل وباء كورونا بفعل الاستغلال البشع والتجاوزات التي تطال الحقوق والمكتسبات من بعض تجلياتها :
- التسريحات بالجملة، والتي تطال مئات العمال بدون مبرر موضوعي أو مسوغ قانوني، وغالبا ما يتم التحايل بافتعال الأزمات، حيث يتم إغلاق ما يفوق 8000 مقاولة شهريا بداعي الإفلاس، مما يؤدي إلى تسريح العمال بالمئات.
- عدم تصريح معظم المقاولات بأغلبية العمال، أو التصريح الجزئي بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما يؤدي إلى حرمانهم من حقوق عديدة، وخاصة على مستوى التغطية الصحية والاجتماعية، وقد كشفت تداعيات كوفيد-19 المستور، حيث تؤكد الأرقام الرسمية أن عدد المقاولات التي صرحت بتسريح العمال بلغ 132 ألف مقاولة من أصل 216 ألفا، وأدى ذلك إلى تسريح ما يفوق 808000 عامل وعاملة، ولم يستفد من الدعم لحد الآن إلا 716 ألفا.
– وإذا كانت تداعيات الجائحة لم تؤثر على الموظفين، فإن إجراءات ظالمة طالت مكتسباته، وحالت دون انتزاعهم لحقوقهم منذ 2012 (إجراءات إصلاح التقاعد – تجميد الأجور – الاقتطاع عن أيام الإضراب – التوظيف الأكاديمي بالعقدة….) وهو ما دفع العديد من الموظفين إلى القيام بعملية أشبه بالهروب وخاصة بقطاع التعليم، من خلال التقاعد النسبي، هذا غيض من فيض بالنسبة للأجراء، فماذا عن الفئات الأخرى.
وضعية الفقر والبؤس المعيشي:
إذا كانت معاناة الأجراء كما أوضحنا عميقة، فإن الفئات الأخرى أعمق وأخطر، بحكم أنها تدبر قوتها اليومي بالكاد، ويوما بيوم (عاطلون - باعة متجولون – حرفيون – تجار صغار – عمال زراعيون موسميون..) فهذه الفئات تعاني من البؤس المعيشي والفقر المدقع، وهذا ما يتضح من الأرقام التي كشفتها تداعيات الوباء.
- أكدت التصريحات الرسمية أنه تم تخصيص 2 مليار درهم من ميزانية صندوق الجائحة ل: 4 ملايين و 300 ألف أسرة (إذا كان معدل الأسرة 5 أفراد، فإن البؤس المعيشي يطال 21,5 مليون نسمة) وأن 2.300000 مليون لهم بطاقة رميد، و 2 مليون بدونها.
- إذا أضفنا إلى الرقم 4 ملايين و300 ألف، رقم الأجراء المسرحين 808000 سيصبح الرقم هو 5 مليون 100 ألف أي ما نسبته 77%، فالرقم مهول، خاصة وأن معظم المنتمين ل:23% مهددون بالنزول إلى عتبة الفقر، مع تراكم تبعات الأزمة.
انطلاقا من المعطيات أعلاه، فرغم تسجيلنا أن مبادرة الدولة قد تكون خففت نسبيا من معاناة المستضعفين، فإن تداعيات ما بعد كورونا قد تكون أخطر، وهو ما يستدعي طرح السؤال: هل ستتحرك عجلة الاقتصاد بمجرد رفع الحجر الصحي؟ وهل سيتم تمكين كل المتضررين من استعادة مورد عيشهم بسرعة؟ وهل الدولة ستقوم بتدابير تستحضر الجانب الاجتماعي في عملية التعافي من تداعيات الجائحة، خصوصا ما يتعلق ب (الصحة-التعليم-الشغل-السكن-الأمن الغذائي..)، أم أن الأمر سيعود إلى ما كان عليه من قبل، ولربما أسوأ؟
يبدو أن اعتماد المقاربة الأمنية لازال حاضرا بقوة، وهذا ما يتضح من خلال تضييق الخناق على المواطنين الذين قد يضطرون لخرق الحجر الصحي، أو الذين يحتجون على تجاوزات بشكل مباشر أو عبر تدوينات، (المتابعون ما يقارب 80000 منهم 3000 في حالة اعتقال)، كما أن مشاريع قوانين تطبخ للمزيد من التضييق على حرية التعبير (مشروع قانون 20-22)، عوض اتخاذ خطوة انفراج سياسي تتمثل في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف.
إن الوضع سيكون صعبا ومقلقا، وهو ما يفرض على كل القوى الديمقراطية وعلى رأسها اليسار، والإطارات النقابية والحقوقية المناضلة الاستعداد والتحضير للمطالبة بإصلاحات حقيقية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وأكيد أن ذلك لن يتحقق إلا بالنضال، والمزيد من النضال على جميع المستويات.
كل الآمال معقودة على أن يأتي فاتح ماي 2021 وتكون القوى المناضلة قد ساهمت بشكل فعال في الدفع بعجلة الإصلاح والدمقرطة الضامنة للعدالة الاجتماعية.