بصدد الطبقة العاملة.. بعض المُراجعات النظرية
◆ عبد الرحمان النوضة
يستعرض هذا المقال، وجهة نظر تحليلية حول بعض الأفكار المُوجَزَة والمُتَـفَرِّقَة، أو بعض المُرَاجَعَات النظرية الجُزئية، والتي تهم الطبقة العاملة كمكون أساسي في دينامية التغيير المجتمعي بترابط مع التشكيلة الاجتماعية، وتحيين بعض الطروحات التي تقتضي تمحيصها مع حركية الواقع المتسارعة.
المستجدّات
- خلال الأربعين سنة الأخيرة، حدثت تطوّرات في العديد من المجالات (العلمية، والتكنولوجية، والاقتصادية، والمالية، والدَوْلَتِيَة، والعالمية، والسياسية، والإعلامية، والثقافية، الخ). وأثَّرَت هذه التطوّرات في التشكيلات المُجتمعية، وفي الصراع الطبقي، وفي الفكر السياسي، وفي وعي الطبقات، وكذلك في درجات تعبئتها.
- لكي نستطيع التقدّم من قَدِيم ضَعيف، إلى جديد فَعَّال، نحتاج إلى القِيَّام بِتَـقْيِيمات نَـقْدِيَة، وبِتَـقْوِيمَات ثورية، في أفكارنا، وتصوّراتنا، وأساليبنا التنظيمية، والنضالية.
- اِتَّضَحَ اليومَ لأعداد أكبر من المواطنين، وأكثر مِمَّا كان في الماضي، أن «النموّ الـلَّامَحْدُود»، سواءً في الإنتاج الاقتصادي، بل حتّى في الديمغرافية، هو استحالة.بل سَيَتَحَوَّل الإصرار فيه إلى انتحار جماعي للبشرية جمعاء. لأن طاقات الكرة الأرضية لا تتحمّل ذلك«النموّ الـلّامحدود».
- من بين دروس وباء “فيروس كُورونَا”أن «حدود مُجتمعنا»اِتَّسَعَت. حيث لم يَعُد المُجتمع الذي نتأثّر بتطوّراته ينحصر في حدود «تُرابنا الوطني»، بحدوده القانونية القديمة. وإنما أصبح «مُجتمعنا»هو مُجمل الكُرَة الأرضية.حيث نَتَعَايَش مع كلّ مُكَوِّنَات العالم. ويؤثّر فينا كل ما يجري في العالم. وكلما حدثت أزمة مُعَيَّنَة في بلد بعيد مثل الصّين، أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو فرنسا، أو الهند، أو غيرها، فإننا نَتَأَثَّرُ فورًا بامتداداتها، أو بانعكاساتها. وَلَوْ أن أَزَمَاتِنَا المحلّية لَا تُؤَثِّر في باقي العالم سِوَى بدرجة ضعيفة، أو غير محسوسة. وسَتُصْبِح الأُمَمِيَة العَالمية الثورية مَطلوبة أكثر مِمَّا كانت في الماضي.
- حدثت مؤخرا تغييرات هيكلية، ونوعية، في الأجهزة القمعية، وفي وسائل اشتغالها. وتـفرض هذه التغييرات على المناضلين بأن يُراجعوا مجمل أساليب العمل السياسي، والحزبي، والنضالي، والدعائي.
الـطـبـقـات والصراع الطبقي
- أصبحت بعض المفاهيم الطبقية الرَّائِجَة غامضة، وفَضْـفَاضَة، إلى حدّ المُيُوعَة. ومنها مثلا مفهوم «الطبقة المتوسّطة»، ومفهوم «البرجوازية الصغيرة». وكلّ مُتَكَلِّم يُدْخِلُ في هذه المفاهيم فِئَات طبقية مُختلفة.
- هل تُوجد حقًّا الطبقات في المُجتمع؟ وهل يوجد الصِّراع الطبقي؟ يضيق هنا المجال لِتَوْضِيح ذلك بتفصيل. ولكن يمكن الاكتفاء بإشارة واحدة مُعبّرة، من خلال بعض الأحداث الأخيرة المرتبطة بِوَبَاء “فِيرُوس كُورُونَا” (Covid19)، في بداية سنة 2020. فَقَد اتخذت الدُوَل التي اِنْتَشَرت داخلها العَدْوَى إجراءات غير مسبوقة، مثل: إيقاف جزء هام من عجلة الاقتصاد، وفرض منع التَجَوُّل، ومنع السّفر، وإجبارية الكَمَّامَات، ورُخص التنـقّل، ومنح مُساعدات مالية إلى المقاولات، الخ.وهذه الإجراءات الجذرية، تُـفِيدُ الطبقة السّائدة أكثر مِمَّا تُفيد كادحي الشعب. حيث مِن المعروف وجود أمراض أو ظواهر أخرى مُزْمِنَة، تَـقْتُل البشر أكثر من “فيروس كُورونا”، منها مثلًا التدخين، والمُخَدِّرَات، والسرطان، وحوادث السّير، وداء السّل، وأمراض القلب، وداء فقدان المناعة المُكتسب(AIDS)، وتَلَوُّث الهواء، وتلوّث البيئة، والمُبِيدَات(Pesticides)، أو المَوَاد المُخِلَّة بالغُدَد الصَمَّاء(Perturbateurs endocriniens)، وحتى الفقر، وسوء التغذية، إلى آخره. لكن الطبقة السّائدة لا تُبَالِي كثيرًا بهذه الأمراض أو الظواهر. ولم تتّخذ الطبقة السّائدة الإجراءات الضرورية للقضاء على تلك الأمراض أو الظواهر. لأن تلك الأمراض أو الظواهر تَهْلِكُ خُصوصًا فقراء الشعب، ولا تصيب إلّا نادرا جدًّا أفراد الطبقة السَّائدة. بينما “فيروس كُورونا”يقتل خصوصًا أشخاص الطبقة السّائدة (وخاصّة منهما لأفراد الذين يتجاوز عمرهم قرابة 60 سنة، ويكونون في نفس الوقت مصابين بأمراض مُزمنة أخرى تَنْقُصُ المَنَاعَة، مثل أمراض القلب، ومرض السُكَّرِي، وأمراض الجهاز التنفّسِي، والوزن الزّائد، إلى آخره). وهذا مظهر من بين المظاهر الخَـفِيَة للصّراع الطبقي.
- وبعد حُلُول وَبَاء “فيروس كُورُونَا”، لم يستطع النظام السياسي نَشْر سِوَى ما يتوفّر عليه: حيثُ لم يُخرج النظام السياسي جيوش الأطباءَ، والمُمَرِّضِين، وشبكات المُسْتَشْـفَيَات المُجَهَّزَة، والمُختبرات الدقيقة، وإنَّمَا أخرج النظام السياسي مَا يتوفّر لديه: أي جيوش من البوليس، والقوات المساعدة، والمُخابرات، وقوات التدخّل السّريع، وما شابهها. وبعدما قَضَى النظام السياسي، باختياراته الرأسمالية المُتَوَحِّشَة، على الخدمات العُمُومية في مجالات الصِحَّة والتعليم والشغل، هل تستطيع حَقًّا جيوش وأسلحة الأجهزة القمعية أن تُواجِه الأَوْبِئَة الفَتَّاكة مثل أَوْبِئَة الفِيرُوسَات؟
- على عكس ظنون بعض المُوَاطِنِين السُذَّج، فإن الدولة غير محايدة. بل تَسْطُو «طبقة المُسْتَغِلِّين الكبار»على مختلف أجهزة الدولة، وتَسْتَعْمِلُها بِوَقَاحَة لخدمة مصالحها الأَنَانِيَة والخاصّة، وعلى حِسَاب مصالح طبقات الشعب. فلَا الحكومة مُحَايِدَة في ميدان الصِّرَاع الطبقي، ولا البرلمان محايد، ولا القانون مُحايِد، ولا القضاء مُحايد، ولا الإعلام العُمُومي حُرٌّ أو مُسْتَـقِل، ولا الانتخابات نزيهة. بل يَخْتَرِقُ الصراع الطبقي كلّ شيء. وَتَعْبَثُ الطبقة السَّائدة بِمُؤَسَّـسات الدولة كما لو كانت مِلْكِيَة خُصُوصِيَة خاصّة بها.
- بعد مُرور عشرات السِّنِين على تَرْوِيج أُطْرُوحَة «الانتقال الدِّيمُوقراطي»، يفضح استمرار الاستبداد والفساد أنها أُكْذُوبَة مُغَلِّطَة. كما اِنْـفَضَحَت أُكْذُوبة «هَيْئَة الإنصاف والمُصَالحَة». وإن وُجِدَت في بلادنا شَكْلِيَّات الديموقراطية (مثل الانتخابات، والبرلمان، والقانون، والقضاء)، فإن الثَّابِت المُسْتَمِر هو القمع، والاستغلال، والتهميش، والقهر، والفساد، والغِشّ، والبُهْتَان. وما «ثوابت الأمّة ومُقَدَّسَاتها»المَزْعُومَة، سوى مَصَالح وتَـفْضِيلَات طبقة المُسْتَغِلِّين الكبار السَّائِدَة.
- تحتاج الرأسمالية دَوْمًا إلى «تَجْهِيل»الشعب الكادح، وإلى «تفقيره»، و«بَعْثَرَتِه». حتّى وَلَوْ في إطار الديموقراطية البرلمانية الشكلية. لماذا؟ لأن مُمارسة «الاستغلال الرأسمالي»لا تكون سهلة نسبيًّا إلّا إذا كان الشعب جاهلًا، ومحرومًا من ثرواته الطبيعية الوطنية. وحتى إذا كان «تَجْهِيل»و«تَـفْـقِير»الشعب صعب المنال، فإن الرأسمالية تحرص خُصوصًا على حرمان الشعب من ملكية الأرض، والمناجم، ومن المعرفة، ومن التراث الثقافي. ولضمان استمرارية الاستغلال الرأسمالي، تقضي طبقة المُسْتَغِلِّين الكبار على مقاومة الشعب الكادح، ليس فقط بواسطة القمع المُمَنْهَج، بل أيضًا بواسطة السَّطْو على الدولة، وبواسطة القضاء على العقل المُثَـقَّف، وعلى العقل النَّاقِد، وعلى الرأي المُعارض، وعلى تَـقاليد التَضَامُن الجماعي، وعلى أشكال التنظيمات الجماهيرية القاعدية المتنوّعة.
- في الأصل، لَا ينبثـق الوعي السياسي الطبقي الثوري وسط العمال، وإنما المثقّفون الثوريون هم الذين يُبَلْوٍرُونَه، ثم يناضلون بهدف نشره على أوسع نطاق داخل عموم الشعب.
الطبقة العاملة
- هل مَا زال مُصْطَلَح «الطبقة العاملة»صالحًا؟ هل هو دقيق؟ ألم يَحِن الوقت لاستبداله بمُصطلح «طبقة المُسْتَغَلِّين»؟[فيما يخصّ هذه المُصْطَلَحَات الطبقية، أنظر كتاب: “طبقات المُجتمع”، رحمان النوضة، وهو موجود على مُدَوَّنَة الكاتب]. أليس مفهوم «طبقة المُسْتَغَلِّين»أكثر دِقَّةً، وأكثر مُلَاءَمَةً، وأكثر فعاليّةً، من مفهوم «الطبقة العاملة»؟ ولماذا؟ لأن مِقْيَاس الانتماء إلى«الطبقة العاملة»، ليس هو «العمل اليدوي» في مَعْمَل أو ورش صِنَاعِي، وإنما هو التعرّض «للاستغلال الرأسمالي». وليس العمّال هم وحدهم الذين «يعملون»، بل يزعم بعض المُسْتَغِلِّين أنهم «يعملون»هم أيضًا. ولا يكون الشخص المُسْتَغَلّ دائمًا وبالضرورة «عَامِلًا»يَدَوِيًّا في قطاع الصِّنَاعة. بل يمكن أيضًا أن يكون الشخص «المُسْتَغَلّ»تِقْنِيًّا، أو مُهندسا، أو طبيبا، أو محاميا، أو فنّانا، أو مُستخدمًا، أو موظّفًا، إلى آخره.
- لَا تتكوّن «الطبقة العاملة»فقط من العُمّال العاملين في القطاع الصناعي، ومن العمال المُشْتَـغِلِين في القطاع الزراعي، وإنما تتكوّن «طبقة المُسْتَغَلِّين»من كل الأشخاص المُسْتَـغَلِّين، وذلك بغضّ النظر عن مِهَنِهِم، وعن القِطَاع الاقتصادي الذي يشتغلون فيه، سواءً كان صِناعِيًّا، أم زِراعيًّا، أم خَدَمَاتِيًّا.
- يمكن أن نُدْخِلَ أي مواطن راشد في طبقة مُجتمعية مُحَدَّدة. فإمّا أن نُدخل الشخص المحدّد في «طبقة المُسْتَغَلِّين»، وإمّا أن نُدخُله في «طبقة الذين لَا يَسْتَغِلُّون ولا يُسْتَغَلُّون»، أو في إحدى «طبقات المُسْتَغِلِّين» (ونُقَسِّمُ طبقات المُسْتَغِلِّين إلى صغيرة، ومتوسّطة، وكبيرة).
- لَا ينحصر أعداء الطبقة العاملة في طَبقات المُسْتَغِلِّين، بل يشملون أيضًا أنصار الوطنية الضَيِّـقَة الشُّوفِينِيَة، وأنصار الطَائِـفِيَة بكلّ تَلَاوِينِهَا (اللُغَوِيَة، أو الإِثْنِيَة، أو الدِّينِيَة، أو القَبَلِيَة، أو الجِهَوِيَة، أو غيرها)، وكذلك أنصار الفكر الإسلامي الأصولي الذين يريدون فرض «الشريعة الإسلامية» المُتخلّفة.
- على خلاف بعض تعبيرات كارل ماركس، لَا تكون الطبقة العاملة دائمًا وبالضرورة ثورية، أو طليعية. بل يمكن أن تكون مؤقّتًا الطبقةُ العاملةُ طبقةً في ذاتها (en soi)، دون أن تكون طبقةً لِذَاتِهَا (pour soi). كما يمكن للطبقة العاملة أن تكون مؤقّتًا مُسْتَلَبَة (aliénée)، أو مهزومة، أو مُغَلَّطَة (manipulée)، أو مُحَافِظَة، أو غير وَاعِية بأوضاعها، أو غير مُدركة لمصالحها الطبقية. ويمكن أيضًا لحزب الطبقة العاملة هو نفسه أن يتطوّر، وأن يَنْحَرِف، فَيَنْتَـقِل من حزب ثوري، إلى حزب يَمِينِي، أو مُحَافِظ، أو برجوازي، وذلك حسب تطوّر الصراع الطبقي.
- في مرحلتنا التاريخية الحالية، المُتميّزة بإنجازات تكنولوجية غير مسبوقة، يميل الرأسماليون،في قطاع الصناعة،إلى تعويض الأشغال التي تكون بسيطة ومتكرّرة بآلات أو “رُبوطَات” (robots). لكن انخفاض عدد العمال في القطاع الصناعي لا يعني أن النِسبة المِئَوِيَة للأشخاص المُسْتَغَلِّين في المُجتمع سَتَسْتَمِرّ في الانخفاض إلى أن تُصبح ضعيفة جدًّا. حيث تُحدثُ الرأسمالية، في نفس الوقت، تَزَايُدًا في أعداد المأجورين المُسْتَغَلِّين، العاملين في قطاعات أخرى، مثل الخَدَمَات. وعلينا أن لَا نُغَلِّطَ أنفسنا بأطروحة «انقراض الطبقة العاملة». لأنه يستحيل أن يقدر أصحاب «الوزرات البيضاء»على أن يُعَوِّضُوا بشكل كُـلِي ونهائِـي أصحاب «البْلُوزَات الزَّرْقَاء». ولأن «طبقة المُسْتَغَلِّين» لَا تنـقص، بل يستحيل أن تزول في إطار الرأسمالية. ولأنه إذا أمكن لأشكال الإنتاج الرأسمالي أن تتطوّر، وأن تتغيّر، فإن الاستغلال الرأسمالي يبقى هو أساس الرأسمالية المُتواصل.ولأن أعداد المواطنين المُسْتَغَلِّين، وأعداد الأشخاص المُهَمَّشِين، تَـتَّسِع، ولا تَـنْـقُص. ولأن المُسْتَغَلِّين لا يوجدون فقط في المَعامِل والأوراش الصِّناعية، وإنما يوجدون أيضا في المتاجر الكبرى، وفي المدارس الخُصوصية، وفي المُختبرات الطبية، وفي المصحّات، وفي مكاتب الدراسات، وفي النقل الجماعي، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التي لا تَخْطُرُ على بَال. ولأن الحجم الإجمالي لِـ «طبقة المُسْتَغَلِّين»، إمّا أنه يبقى مُستـقرًّا، وإمّا أنه يتزايد. لكنه لَا ينقص سوى مؤقّتًا أثناء أزمات الرأسمالية. وَحتى إذا لاحظنا حدوث انخفاض مؤقّت في نسبة العمال الصناعيّين،مثلًا في بلد صناعي محدّد مثل فرنسا، أو ألمانيا، إلى آخره، يجب علينا أن نتذكّر أن نسبة هؤلاء العمال الصناعيّين ستكون قد ازدادت، بشكل مُوَازٍ، في بلدان أخرى، مثل الصين، أو الهند، أو البرازيل، أو غيرها. نظرًا لِتَرَابُط المراكز بالأطراف. فالعدد الإجمالي للعمال، ولِلْمُستَغَلِّين، على صعيد العالم، يزداد، ولا ينـقص. وإذا انخفض، فإن هذا الانخفاض سيكون مَحَلِّيًا، أو مؤقّتًا، أثناء أزمات الرأسمالية.
- يحتاج تأطير طبقة المُسْتَغَلِّين، ليس فقط إلى خلق خلايا حزبية ثورية، ولكنه يَحتاج أيضا إلى شبكات متنوّعة ومتعدّدة مِن التنظيمات التمويهية (الترفيه، التَنَزُّه، الرياضة، الكشفية، الثقافة، الفنون، الخ). والهدف هو خلق فُرص اللّقاء، والحوار، والتفاعل، والترفيه.
أهمية النظرية الماركسية
- يستحيل فهم الرأسمالية، أو نقدها، بدون نظرية الماركسية الثورية.
- بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ظنّ معظم المناضلين أن هذا الانهيار يُثبت خطأ الماركسية، أو استحالة الاشتراكية. لكن بعد تكاثر، وتعمّق، أزمات الرأسمالية عبر العالم، وبعد تفاقم بعض التناقضات فيما بين مختلف الإمبرياليات، بدأ هؤلاء المناضلون يُدركون أن الرأسمالية آيِلَة لانهيار أكبر. وشرعوا في تطوير تـفهّمهم للنظرية الماركسية.
إشكالية بناء حزب الطبقة العاملة
- لا يمكن بناء حزب الطبقة العاملة دون التوفّر على تواجد مهم في الطبقة العاملة، واستثمار هذا الامتداد داخل الطبقة العاملة لِنشر الوعي البْرُولِيتَارِي، أو لِخَوْض عمل سياسي اشتراكي، أو ثوري. وخوض النضال النقابي الذي يسمح بِخَوْض هَامِش من النضال السياسي الثوري، لكن ما هي الضمانات التي تُمَكِّن المناضلين العاملين في النقابة مِن عدم كَبْتِ طُمُوحاتهم السياسية الثورية؟ وفي حالة إذا ما حصل في المستـقبل تواجد مُهِمّ داخل الطبقة العاملة، والسؤال المطروح هو : ما الذي يضمن أن تكون علاقة الحزب بالطبقة العاملة سليمة ؟، فاِنْتِمَاء نسبة هامّة من أعضاء الحزب إلى العُمَّال، لا يضمن بأن يكون هذا الحزب المعني ثوريا، أو اشتراكيا، أو شيوعيّا. حيث تُوجد عناصر سياسية أخرى، تلعب دورا هامًّا في مجال إنتاج ثورية الحزب، أو اشتراكيته. وهذه العناصر تُوجد مثلًا في نوعية أعضاء الحزب، وفي مُكَوِّنَات الخطّ السياسي، وفي مناهج التفكير، وفي أساليب التنظيم والنضال. وهي التي يتوجب البحث فيها، واكتشافها، وتعميقها، والالتزام بها.
- طرح مهمّة بناء حزب الطبقة العاملة. إذا تحوّلت إلى نوع مِن «الاقتصار»على العمل وسط العمال المشتغلين في القطاع الصناعي، فإن هذه الأطروحة ستصبح مؤسفة، وخاطئة. لماذا؟ لأن ثورية الطبقة العاملة لا تظهر إلّا عبر تفاعلها النضالي مع مجمل طبقات الشعب. ولأن كل طبقات المُجتمع مترابطة فيما بينها. ولأنه لا يمكن تثوير الطبقة العاملة دون تثوير مُجمل طبقات الشعب. ويستحيل التـقدّم في مجال التجذّر في الطبقة العاملة في حالة إهمال العمل المُوَازِي داخل مُجمل طبقات الشعب.
- يُفترض في حزب الطبقة العاملة أنه يضمّ مجمل المُسْتَغَلِّين الثوريّين، والطليعيّين، المُتَوَاجِدِين في هذه الطبقة، بالإضافة إلى المثـقفين الثوريين. ومن بين مهام هذا الحزب تَعْبِئَة الطبقة العاملة، وتَوْعِيَتُهَا، وتَنْـظِيمها، وإنجاح كفاحها، بهدف إسقاط نمط الانتاج الرأسمالي، وتعويضه بنمط إنتاج شيوعي.
النضال النقابي
- يُغَلِّطُنَا بِسُهولة النضال النقابي. لماذا؟ لأن كل شخص يلتزم بمنطق عدم تجاوز حدود المطالبة بالزيادة في الأجور، وبتحسين ظروف الشّغل، يَغْفِلُ الهدف الأساسي. وهذا الهدف الأساسي، لا ينحصر في تحسين ظروف «الاستغلال الرأسمالي»، وإنما يَتَّسِعُ لِيَشْمَل التحرّر من «الاستغلال الرأسمالي»، ومِن «علاقات الإنتاج الرأسمالية»، ومن «نمط الإنتاج الرأسمالي».
- من مظاهر النضال النقابي الضَيِّق، أنه يَتَـقَيَّدُ بالقوانين السّائدة، وَلَا يهتمّ سوى بالتضامن المحدود والمبني على أساس الاشتغال في مِهَن مُتشابهة. بينما التضامن المطلوب هو التضامن المَبْنِي على أساس مُجتمعي، وَطَبَقِي، وإنساني،وَتَحَرُّرِي.
- من طبيعة التيارا ت “الاشتراكية الديموقراطية” (Sociale démocratie) أنها تكتـفي بالنضال الإصلاحي، وبالنضال النـقابي، ولا تُؤمن بإمكانية تعويض نمط الإنتاج الرأسمالي بنمط إنتاج اشتراكي.
- يستحيل أن تصل الطبقة العاملة، من خلال النضال النقابي وحده، إلى الوعي السياسي الثوري. وكل مَن يُسَـقِّـفُ النضال النـقابي بِسَقْف مطالب الزيادة في الأجور، وتحسين ظروف الشّغل، يُؤَدِّي إلى إغراق المُسْتَغَلِّين في أوهام رأسمالية، ويُبْـقِيهِم في خُضوع متواصل للإستغلال الرأسمالي. فَلَا يمكن أن يكون النضال النـقابي الإصلاحي ذا جَدْوَى إلَّا إذا كان تَابعًا للنضال السياسي الثوري.
التحالفات الطبقية المطلوبة
- لا يكفي التحالف الطبقي الاستراتيجي بين العمال والفلاحين. بل التحالف الطبقي الاستراتيجي المطلوب، والأكثر دِقَّة، هو التحالف بين طبقة المُسْتَغَلِّين، وطبقة الذين لَا يَسْتَغِلُّون ولَا يُسْتَغَلُّون، وطبقة المُسْتَغِلِّين الصِّغَار.
الإمبريالية
- بشيء من التبسيط، «التبعية للإمبريالية» في بلاد مُحدّدة هي مثل الاستعمار، لكن بدون الحاجة إلى وُجُود مُستعمرين مباشرين. حيث، في إطار هذه «التبعية للإمبريالية»، تحصل المراكز الإمبريالية على استغلال نفس الثروات الوطنية، وعلى الاستفادة من نفس التسهيلات الاستغلالية التي كانت تحظى بها في إطار الاستعمار القديم، لكن بدون الحاجة إلى وجود مُستعمرين مباشرين. بل يلعب الحُكّام المحلّيون دور المستعمرين القدامى. ويتـقاضون، مقابل خِدمتهم، نصيبًا مهمًّا من استغلال ثروات البلاد (البشرية والمادية). ويحصلون أيضًا على امتيازات أخرى، منها مثلًا تهريب الأموال المنهوبة، وضمان استثمارها في مشاريع اقتصادية داخل المراكز الإمبريالية، دون مراقبة، ولا محاسبة.