يا عمال كورونا اتحدوا
◆ ذ. رشيد العلوي
على غير العادة لم تخلد القوى العمالية هذه السنة الاحتفال بفاتح ماي العيد الأممي للطبقة العاملة بسبب الحجر الصحي، والذي التزمت به غالبية البلدان التي اجتاحها وباء كوفيد 19، واكتفت تلك القوى ببيانات واعلانات وكلمات بالمناسبة وخصصت ندوات افتراضية وحملات تحسيسية الكترونية.
تدعونا الظرفية الراهنة إلى التساؤل حول مستقبل ومآل ملايين العمال في مختلف البقاع: كيف أثر الحجر الصحي على معيشهم؟ ما تأثير فقدان الشغل على الأسر والمجتمع ككل؟ كيف يدبر العامل البسيط أموره، علما أن قوته اليومي مرتبط بالخروج للعمل يوميا، ولا سيما العاملون والعاملات في القطاعات غير المهيكلة؟ هل يمكن أن نتحدث عن وضع عمالي ما بعد كورونا؟
عديدة هي الأفكار التي تتبادر إلى الذهن لمقاربة جل التساؤلات التي يثيرها وضع الطبقة العاملة في مختلف القطاعات الانتاجية (الصناعة، التجارة، الخدمات، الفلاحة، الوظيفة العمومية، السياحة، التوزيع…)، كما أن القوى العمالية كرست جهودها لشن حملات توعية وتحسيس بأوضاع العمال في ظل انتشار الوباء بشكل غير منظور من ذي قبل، وكتبت مقالات عديدة في الموضوع، إلا أن الجهود لا تزال ضعيفة للغاية بالمقارنة مع حجم الأزمة الراهنة والمتعددة الأوجه والتي ستتجاوز سابقاتها، فالأزمة الراهنة: صحية ومالية واقتصادية وطاقية وقد تطول وستخلف أثارا عميقة لن تخرج منها البلدان إلا بسياسات تقشف جديدة ومكلفة جدا على حساب الطبقة العاملة.
قدرت منظمة العمل الدولية أن يتراوح إجمالي الأجور المهدورة جراء فقد ملايين الوظائف بين 860 مليار دولار إلى 3.4 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2020، بحيث سيتضرر من الجائحة ما يقارب 1.6 مليار شخص على الأقل عبر العالم. بينما أظهرت دراسة للاتحاد الأفريقي تحت عنوان “تأثير فيروس كورونا على اقتصاد أفريقيا” أن نحو 20 مليون وظيفة في هذه القارة باتت مهددة بسبب تأثير وباء كورونا، وانكماش ما يقارب 15% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، علما أن إيرادات القارة السمراء برسم سنة 2019 بلغت 500 مليار دولار، ستخسر منها هذه السنة ما بين 20% و30%، وستتراجع الصادرات والواردات بنسبة 35% مقارنة بمستويات 2019، لتؤدي إلى خسارة في قيمة التجارة بنحو 270 مليار دولار. وسيكون هذا في وقت تؤدي فيه مكافحة انتشار الفيروس إلى زيادة الإنفاق العام بمقدار 130 مليار دولار على الأقل. فالأزمة المرتقبة بالقارة ستشمل قطاع السياحة والبناء وإنتاج النفط والزراعة والخدمات والتجارة.. باستثناء القطاعات المعنية مباشرة بالحجر الصحي، وستختفي مهن وحرف عديدة، وستنتشر أكثر فأكثر التجارة الرقمية والمعاملات المالية الالكترونية، وسيرتفع استهلاك مواد التنظيف والأجهزة والآلات الالكترونية وألعاب التسلية لاسيما الرقمية. إننا ازاء بوادر تشكل عالم جديد غير واضح المعالم عموما، ولكنه يرسم نفسه وكأنه قدر تاريخي فرضته الطبيعة بالقوة والتي بينت أن ادعاء الانسان التفوق والتحكم الكلي في دواليبها مجرد تعبير ممسوخ عن جنون العظمة، وهو ما يبين صحة مطالب الحركة من أجل سياسة بيئية بديلة التي كرست جهودها منذ عقود لبيان حجم الكارثة التي سببتها الرأسمالية طوال ثلاثة قرون.
إن استمرار تدمير البيئة والاستهلاك المفرط لموارد الأرض الطبيعية، والتوجه الجنوني نحو التسلح الفائق السرعة والقوة التدميرية الخيالية للأسلحة البيولوجية والنووية، يعبر عن الجشع والاستغلال الرأسماليين، ما أدى إلى الاتساع المتفاقم لهوة الاستعباد الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية، وهو ما يؤكد صحة أطروحة كارل ماركس الذي لم يغب عن النقاشات طوال قرنين: “الرأسمالية تحفر قبرها بنفسها”.
يزداد الوضع في المغرب استفحالا، أكثر فأكثر لأن الطبقة العاملة المغربية تعاني قبل انتشار وباء كوفيد 19 من مشكلات جوهرية أهمها: الاستغلال المفرط، عدم التصريح بالعديد من العمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التضييق على الحريات النقابية، الاجهاز على مكتسبات الحماية الاجتماعية، التسريح غير القانوني من العمل، ارتفاع نسبة القطاع غير المهيكل (العاملون بالصالونات والمقاهي والمطاعم وعمال البناء والتنظيف والحراسة ومحلات الملابس ودور الإيواء، الباعة المتجولون…) والمهن الحرة بالقطاعات المهيكلة. حيث يساهم القطاع غير المهيكل بما يزيد على 11.5% من الناتج الداخلي، وتبلغ عدد وحدات إنتاجه 1.68 مليون وحدة، ويوظف حوالي 2.4 مليون شخص، يشكلون 36% من العاملين في المملكة، باستثناء قطاع الزراعة.
اتخذت لجنة اليقظة الاقتصادية (CVE) في اجتماع عملها الثاني يوم الخميس 19 مارس 2020 بمقر وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، عدة تدابير احترازية للحد من تفاقم الوضعية الاقتصادية وتأثيرها المباشر بالوضع الاجتماعي لملايين المغاربة، وشملت التدابير ثلاثة مجالات كبرى: المستوى الاجتماعي لفائدة الأجراء الذين توقفوا عن العمل؛ دعم المقاولات الأكثر تضررا من الأزمة؛ تأجيل التصريح الضريبي إلى نهاية يونيو 2020 بدل نهاية مارس.
صحيح أن العديد من الاجراءات قد تخفف نسبيا من حدة الأزمة، لكن الثمن في نهاية المطاف ستؤديه الطبقة العاملة بالدرجة الأولى وعموم الفئات الشعبية، وتقع أيضا ضحية الخيارات السياسية المهيمنة واستغلال جماعات الإسلام السياسي، بتجييشها لأتباعها لغايات في نفس زعمائها. فالرأسمالية لا تعرف غير الربح السريع على حساب الطبقة العاملة. وعلى القوى العمالية إطلاق العنان للنقاش المسؤول، وهذا البناء يرتكز على معطيات واقعية وفعلية وتحليل إحصائي دقيق يواكب النقاشات الجارية في العالم، من أجل تلمس البدائل الممكنة للنهوض بالمقاومات الاجتماعية والسياسية نحو اختيار مستقبل شعوبها، وكبح عجلة السياسات النيوليبرالية التي تنهجها الامبريالية العالمية، والوقوف ضد أي مشروع يريد بناء عالم رأسمالي توتاليتاري متحكم فيه بالوسائل التكنولوجية لخدمة حفنة من مجانين العالم الذين يجعلون من المال دينهم الجديد.