إما الاشتراكية أو البربرية

◆ محمد امباركي

الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬ضحية‭ ‬كبرى‭ ‬للعولمة‭ ‬المزدوجة،‭ ‬عولمة‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬وعولمة‭ ‬الأوبئة،‭ ‬فبحكم‭ ‬موقعها‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإنتاج،‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬الأمامي‭ ‬لمواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬الزمن‭ ‬الليبرالي‭ ‬المعولم‭ ‬والزمن‭ ‬الوبائي‭ ‬المعولم،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬فالقول‭ ‬أن‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬لا‭ ‬هوية‭ ‬طبقية‭ ‬له،‭ ‬قول‭ ‬غير‭ ‬سديد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬شروط‭ ‬مواجهتها‭ ‬والوقاية‭ ‬منها‭ ‬تتحدد‭ ‬كثيرا‭ ‬حسب‭ ‬الموقع‭ ‬الطبقي‭ ‬داخل‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والذي‭ ‬تحكمه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬السوسيو‭ ‬اقتصادية،‭ ‬كطبيعة‭ ‬الشغل‭ ‬المزاول،‭ ‬واقع‭ ‬الحقوق‭ ‬الشغلية‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية‭ ‬والمؤسساتية‭ ‬السائدة،‭ ‬مستوى‭ ‬التدريب‭ ‬المهني‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬المهنية‭ ‬ومدى‭ ‬تفعيل‭ ‬آليات‭ ‬الحماية،‭ ‬نوعية‭ ‬السكن‭..‬،‭ ‬وتشكل‭ ‬البؤر‭ ‬المهنية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لانتشار‭ ‬العدوى،‭ ‬نموذجا‭ ‬صارخا‭ ‬لويلات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الطفيلية‭ ‬ومآسيها،‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬ثمنها‭ ‬غاليا‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هيمنة‭ “‬باطرونا‭ ” ‬جشعة‭ ‬و‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬المفهوم‭ ‬الليبرالي‭ ‬للمقاولة‭ ‬المواطنة‭.‬

وتشمل‭ ‬البؤر‭ ‬المهنية‭  ‬غالبا‭ ‬المقاولات‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬النسيج‭ ‬وتصبير‭ ‬السمك‭ ‬والخدمات‭ ‬التجارية‭ ‬والمناجم‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭..‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الانتشار‭ ‬المتكرر‭ ‬للعدوى‭ “‬مقاولاتيا‭”  ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭  (‬القنيطرة،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬فاس،‭ ‬طنجة،‭ ‬العرائش،‭ ‬مراكش‭..)‬،‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬استهتار‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬بالتدابير‭ ‬الاحترازية‭ ‬للسلامة‭ ‬الشغلية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬هذا‭ ‬الاستهتار‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لانتهاك‭ ‬الحقوق‭ ‬الشغلية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوقاية‭ ‬والسلامة‭ ‬المنصوص‭ ‬عليهما‭ ‬في‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لجنة‭ ‬المقاولة‭ ‬ولجنة‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬المهنية‭ ‬والأدوار‭ ‬المنوطة‭ ‬بأطباء‭ ‬الشغل‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مفتشية‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الحرجة،‭ ‬وتحرص‭ ‬كثيرا‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬التقيد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتفاقياتها‭ ‬وتوصياتها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلجوء‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ “‬المقاولات‭” ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬بطنجة‭ ‬كان‭ ‬جوابا‭ ‬متأخرا‭ ‬على‭ ‬معضلة‭ ‬تغييب‭ ‬صحة‭ ‬العمال‭ ‬والعاملات‭ ‬من‭ ‬المخطط‭ ‬الوطني‭ ‬لمواجهة‭ ‬الوباء،‭ ‬وكذا‭ ‬محاباة‭ ‬لباطرونا‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬غير‭ ‬الربح‭ ‬وتكثيف‭ ‬شروط‭ ‬الاستغلال‭ ‬الطبقي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬اللامبالاة‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكله‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬العمال‭ ‬والعاملات‭ ‬والمجتمع‭ ‬ككل‭ . ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوحدات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬نظرا‭ ‬لتمويلها‭ ‬للسوق‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬بالمواد‭ ‬الأساسية‭ ‬كشركات‭ ‬الحليب‭ ‬والجبن‭ ‬والمطاحن‭ ‬والمستلزمات‭ ‬الطبية‭..‬،‭ ‬لكن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المصانع‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تفشي‭ ‬الوباء‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إنتاجها‭ ‬لمواد‭ ‬موجهة‭ ‬للتصدير،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مؤخرا‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬شركات‭ ‬موحدة‭ ‬لصناعة‭ ‬الأحذية‭ ‬المجهزة‭ ‬للتصدير‭ ‬إلى‭ ‬أوربا،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬الحدود‭ ‬مغلقة،‭ ‬و‭ ‬تضم‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬حوالي‭ ‬1000‭ ‬عامل،‭ ‬حيث‭ ‬تعرض‭ ‬حوالي‭ ‬33‭ ‬عاملا‭ ‬للإصابة‭ ‬بفيروس‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬الإصابات‭ ‬وسط‭ ‬عمال‭ ‬آخرين‭ ‬وأسرهم،‭ ‬إذ‭ ‬يخضع‭ ‬مئات‭ ‬العمال‭ ‬للتحليلات‭ ‬المخبرية،‭ ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬تناقلته‭ ‬الصحف‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬الشركة‭ ‬يلجأ‭ ‬الى‭ ‬المكر‭ ‬والتحايل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إخفاء‭ ‬عشرات‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مغلقة‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬اللجنة‭ ‬الصحية‭ ‬لمراقبة‭ ‬مدى‭ ‬احترام‭ ‬الشركة‭ ‬لمعايير‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬الوباء‭.‬

إن‭ ‬النقاش‭ ‬المستجد‭ ‬والجاري‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬تصنيف‭ ‬فيروس‭ ‬كورنا‭ ‬كمرض‭ ‬مهني‭ ‬لديه‭ ‬مبرراته،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ارتباط‭ ‬اختراقه‭ ‬للوحدات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬بسبب‭ ‬أخطاء‭ ‬رب‭ ‬العمل،‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬التدابير‭ ‬الوقائية‭ ‬والاحترازية‭ ‬كالمسافة‭ ‬الآمنة،‭ ‬توفر‭ ‬مواد‭ ‬التعقيم‭ ‬وتعقيم‭ ‬فضاء‭ ‬العمل،‭ ‬الكمامات‭..‬،‭ ‬فوقوع‭ ‬العمال‭ ‬وأسرهم‭ ‬ضحية‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬يستوجب‭ ‬التأمين‭ ‬والتعويض،‭ ‬و‭ ‬يطرح‭ ‬تحديات‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬النقابية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل‭ ‬والضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصادقة‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬اتفاقيات‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية،‭ ‬وكذا‭ ‬ملائمة‭ ‬تشريعات‭ ‬الشغل‭ ‬المحلية‭ ‬مع‭ ‬نصوصها‭ ‬وتوصياتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬إجهاز‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬وتعطيل‭ ‬آليات‭ ‬الحوار‭ ‬والتشاور‭ ‬باسم‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬الصحية‭ ‬والحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تلجأ‭ ‬فيه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقاولات‭ ‬والمعامل‭ ‬إلى‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬والعاملات‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬مهينة‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬المرحلة‭ ‬الوبائية،‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬تهديدهم‭ ‬بتسريحهم‭ ‬تعسفا‭. ‬وهنا‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬عريضا‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬والقضاء‭ ‬ومفتشي‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬المراقبة‭ ‬والزجر‭ ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬مدونة‭ ‬الشغل‭ ‬على‭ ‬علاتها‭.‬

إن‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬أطرت‭ ‬مواجهة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬لوباء‭ ‬كوفيد‭  ‬19،‭ ‬حكمتها‭ ‬قاعدتين‭ ‬أساسيتين،‭ “‬دعه‭ ‬يعمل،‭ ‬دعه‭ ‬يموت‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬منتجا‭”‬،‭ ‬ثم‭ “‬أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‭”‬،‭ ‬مما‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬اللامسؤول‭ ‬واللاأخلاقي‭ ‬والمتوحش‭ ‬لليبرالية‭ ‬المعولمة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬لشعار‭ ‬ماركس‭ ‬وإنجلز‭ ‬الخالد‭ ‬والذي‭ ‬ختما‭ ‬به‭ ‬البيان‭ ‬الشيوعي‭ (‬1848‭)  “‬يا‭ ‬عمال‭ ‬العالم‭ ‬اتحدوا‭ !” ‬كل‭ ‬راهنيته،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عولمة‭ ‬المقاومة‭ ‬ومشروعية‭ ‬الأفق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ “‬إما‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬البربرية‭”.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى