مقتل الشاب إلياس الطاهري يخفي غابة من العنصرية بإسبانيا

◆ حسين فاتيش / إسبانيا

شبكات‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬مرتع‭ ‬لاصطياد‭ ‬القاصرين‭ ‬المغاربة‭ ‬بإسبانيا‭.‬

قضية‭ ‬وفاة‭  ‬القاصر‭ ‬المغربي‭ ‬إلياس‭ ‬الطاهري‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬حراس‭ ‬أمن‭ ‬تابعين‭ ‬لشركة‭ ‬خاصة،‭ ‬تتولى‭ ‬إدارة‭ ‬مركز‭ ‬إيواء‭ ‬القاصرين‭ ‬التابع‭ ‬لمدينة‭ (‬ألميريا‭) ‬بإقليم‭ ‬الأندلس،‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬التأكيدات‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬جريدة‭ ‬البايس‭ ‬الإسبانية‭ ‬مؤخرا،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الهالك‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬ميتة‭ ‬طبيعية،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ (‬أوريا‭)‬،‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬الطبيب‭ ‬الشرعي،‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬زهاء‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬المأساوي،‭ ‬لم‭ ‬نر‭ ‬أي‭ ‬تفعيل‭ ‬لمعاقبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬إزهاق‭ ‬روحه،‭ ‬والأغرب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬قيام‭ ‬أية‭ ‬تحركات‭ ‬احتجاجية‭  ‬تعم‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬الأندلس‭ ‬وإسبانيا‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز‭ ‬2019،‭ ‬تاريخ‭ ‬مقتل‭ ‬إلياس،‭ ‬لا‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬مجلس‭ ‬الجالية،‭ ‬ولا‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬َوزارة‭ ‬الجالية‭ ‬التي‭ ‬تنام‭ ‬في‭ ‬عسلها‭ ‬بالرباط‭ ‬ولا‭ ‬بدعم‭ ‬وزيرة‭ ‬تركت‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬ولا‭ ‬بدعوة‭ ‬أو‭ ‬بقيادة‭ ‬من‭ ‬البرلمانيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بإسبانيا،‭ ‬المقيمة‭ ‬بإسبانيا،‭ ‬ولا‭ ‬بتنظيم‭  ‬من‭ ‬أي‭ ‬من‭  ‬فصائل‭ ‬فسيفساء‭ “‬الآلاف‭ ‬المؤلفة‭” ‬من‭ ‬جمعيات‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربة،‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬جمعية‭ ‬العمال‭ ‬المغاربة‭ ‬بإسبانيا،‭ ‬بادت‭ ‬وأصبحت‭ ‬أثرا‭ ‬بعد‭ ‬عين،‭ ‬إذ‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬اتهمتها‭  ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬الإسبانية‭ ‬بعدم‭ ‬تقديم‭ ‬وثائق‭ ‬تثبت‭ ‬مجال‭ ‬صرف‭ ‬أموال‭ ‬عمومية‭ ‬تلقتها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تمويلات،‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل،‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬تحركنا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬المطالبة‭ ‬بالعدالة‭ ‬وفاء‭ ‬لروح‭ ‬إلياس‭ ‬متأخرا‭ ‬بعام،‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬أبدا‭ ! ‬لكن‭ ‬الأفضل‭ ‬والأفضل‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬نتفادى‭ ‬الانتظار‭ ‬حتى‭ ‬حدوث‭  ‬جريمة‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬العنصرية‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬تسونامي‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬جل‭ ‬عواصم‭ ‬العالم،‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬ترطيب‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬التي‭ ‬شاخت‭ ‬نوروناتها،‭  ‬ونتذكر‭ ‬أن‭ ‬لنا‭ ‬مثل‭ ‬سود‭ ‬أمريكا‭ ‬ضحايا‭ ‬العنصرية،‭ ‬لنرفع‭ ‬عقيرتنا‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بإحياء‭ ‬ملف‭ ‬قضية‭ ‬يرقد‭ ‬في‭ ‬أرشيف‭ ‬المحاكم‭ ‬الاسبانية‭. ‬

قضية‭ ‬إلياس‭ ‬الطاهري‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عزلها‭ ‬عن‭ ‬سياق‭ ‬ظاهرة‭ ‬هجرة‭ ‬الأطفال‭ ‬المغاربة‭ ‬أو‭ ‬هروب‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭  ‬جحيم‭ ‬انسداد‭ ‬الآفاق‭ ‬بوطنهم،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬مرتعا‭  ‬خصبا‭ ‬لمافيا‭ ‬الاتجار‭ ‬بمآسي‭ ‬العائلات‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬فقرتها‭ ‬السياسات‭ ‬الطبقية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭  ‬تغييب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬واختلال‭ ‬موازين‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للثروة‭ ‬الوطنية،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تعول‭ ‬على‭ ‬تهجير‭ ‬أبنائها‭ ‬كمخرج‭ ‬وحيد‭ ‬من‭ ‬أزماتها‭ ‬السوسيو‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وكسبيل‭  ‬لتحسين‭ ‬ظروفها‭ ‬المعيشة،‭ ‬وأصبح‭ ‬الالتحاق‭ ‬بإحدى‭ ‬مناطق‭ ‬الجنوب‭ ‬الاسباني‭ ‬يشكل‭ ‬الحلم‭ ‬الأكبر‭ ‬لأولئك‭ ‬الأطفال،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬المغامرات‭ ‬ينتهي‭ ‬أغلبها‭ ‬بأحداث‭ ‬مأساوية،‭ ‬تحت‭ ‬عجلات‭ ‬الحافلات‭ ‬أو‭ ‬شاحنات‭ ‬النقل‭ ‬الدولي‭ ‬للبضائع،‭ ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬ينتهي‭ ‬المطاف‭ ‬بالمغامرين،‭ ‬نزلاء‭ ‬بمراكز‭ ‬إيواء‭ ‬الأحداث،‭  ‬حيث‭ ‬يعاملون‭ ‬معاملة‭ ‬الضيف‭ ‬الغير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يسقطوا‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬المنظمات‭ ‬الإجرامية‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬توظفهم‭ ‬في‭ ‬أنشطتها‭ ‬الإجرامية،‭ ‬مثل‭ ‬السرقة‭ ‬بالعنف‭ ‬المسلح‭ ‬وترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬َوشبكات‭ ‬دعارة‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬الضحية‭ ‬إلياس‭ ‬الطاهري،‭ ‬مختلف‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬الأطفال‭ ‬الحراكا،‭ ‬الذين‭ ‬يصلون‭ ‬إسبانيا‭ ‬عبر‭ ‬ركوب‭ ‬مغامرة‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ “‬الريسكي‭”‬،‭ ‬فهو‭ ‬دخل‭ ‬إسبانيا‭ ‬بطريقة‭ ‬شرعية‭ ‬وتم‭ ‬تسجيله‭ ‬بإحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬بمدينة‭ ‬الجزيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬حيث‭ ‬تقطن‭ ‬أسرته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حظه‭ ‬العاثر‭ ‬شاء‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعاشر‭ ‬رفاق‭ ‬السوء‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬أسرته‭ ‬لإحدى‭ ‬الصحف،‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬ظروف‭ ‬حياته‭ ‬المتقلبة‭ ‬وسوء‭ ‬تكيفه‭ ‬مع‭ ‬وضعه‭ ‬الأسروي‭ ‬الجديد‭ (‬والدته‭ ‬ارتبطت‭  ‬بالزواج‭ ‬مع‭  ‬رجل‭ ‬من‭ ‬جنسية‭ ‬إسبانية‭ ‬ورزقت‭ ‬منه‭ ‬بطفلة‭ ‬هي‭ ‬سادس‭ ‬إخوته‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬جرفه‭ ‬تيار‭ ‬الانحراف‭ ‬فتلقى‭ ‬أولى‭ ‬العقوبات‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مدتها‭ ‬قضاء‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬بمركز‭ ‬الأحداث‭ ‬بمدينة‭ ‬الجزيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬قاده‭ ‬القدر‭ ‬ليكون‭ ‬نزيل‭ ‬مراكز‭ ‬القاصرين‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬قادس‭ ‬وقرطبة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقوده‭ ‬أجله‭ ‬المحتوم‭ ‬نحو‭ ‬مركز‭ ‬القاصرين‭ ‬بألميريا،‭ ‬حيث‭ ‬ضرب‭ ‬له‭ ‬الموت‭ ‬موعدا‭ ‬هناك‭. ‬

ليس‭ ‬من‭ ‬سخرية‭ ‬القدر‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬يتزامن‭ ‬وصول‭ ‬إلياس‭ ‬الطاهري‭ ‬إلى‭ ‬إقليم‭ ‬الأندلس‭ ‬بدخول‭ ‬حزب‭ ‬اليمين‭ ‬العنصري‭ ‬فوكس‭ ‬معترك‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية‭ ‬بالساحة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬وشاء‭ ‬قدر‭ ‬إلياس‭ ‬الماكر‭ ‬أن‭ ‬تكتسح‭ ‬إيديولوجية‭ ‬الكراهية‭ ‬للأجانب‭ ‬جل‭ ‬مناطق‭ ‬أندلسيا،‭ ‬بسبب‭ ‬خطاب‭ ‬الشعبوية‭ ‬الرخيصة‭ ‬لأقطاب‭ ‬فوكس،‭ ‬والذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬بجهة‭ ‬أندلسيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الأطفال‭ ‬القاصرين‭ ‬المغاربة‭ ‬حصان‭ ‬طروادة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬خطابه‭ ‬العنصري‭.‬

أليس‭ ‬حزب‭ ‬فوكس‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ينظم‭ ‬المسيرات‭ ‬نحو‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬القاصرين‭ ‬لتحريض‭ ‬الساكنة‭ ‬على‭ ‬المطالبة‭ ‬بإغلاق‭ ‬تلك‭ ‬المراكز‭ ‬؟؟‭ ‬

وليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هيمنة‭ ‬إيديولوجية‭  ‬اليمين‭ ‬العنصرية‭ ‬على‭ ‬سياسية‭ ‬تدبير‭ ‬إدارة‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬القاصرين،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حرمت‭ ‬إلياس‭ ‬الطاهري‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزيلا‭ ‬بإحدى‭ ‬المشافي‭ ‬النفسية،‭ ‬عوض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزيلا‭ ‬بمركز‭ ‬اعتقال‭ ‬القاصرين‭ ‬الجانحين‭ ‬حيث‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭.‬

معضلة‭ ‬الأطفال‭ ‬القاصرين‭ ‬الغير‭ ‬المرفقين‭ ‬باسبانيا‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬أم‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأسر؟

‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬المغرب‭ ‬تتداول‭ ‬كلمة‭  “‬الخيرية‭  ‬دسبتة‭” (‬خيرية‭ ‬سبتة‭) ‬بشكل‭ ‬لافت‭  ‬وتتناقلها‭ ‬الألسن‭ ‬على‭  ‬نطاق‭ ‬واسع‭  ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أوساط‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬وأصبحت‭ ‬الخيرية‭ ‬ديال‭ ‬سبتة‭ ‬بمثابة‭ ‬الحل‭ ‬السحري‭ ‬والمفتاح‭  ‬لمشاكل‭ ‬معظم‭ ‬الساكنة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬أبناء‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬إعالتهم،‭ ‬ليصبح‭  ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭  ‬يحلمون‭ ‬بإيجاد‭ ‬وسيلة‭ ‬تمكن‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬ولوج‭ ‬مدينة‭ ‬سبتة‭ ‬وتحصيل‭ ‬مكان‭ ‬لهم‭  ‬تحت‭ ‬شمس‭ ‬اسبانيا،‭ ‬بمركز‭  ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬القاصرين‭ ‬الغير‭ ‬المرفقين‭.‬

مافيا‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬واعية‭ ‬بحاجة‭ ‬الأسر‭ ‬إلى‭ ‬خدماتها،‭ ‬لذلك‭  ‬تستغل‭ ‬فقرها‭ ‬وقلة‭ ‬ذات‭ ‬يدها‭ ‬كما‭ ‬تستغل‭ ‬الظروف‭ ‬السوسيو‭ ‬اقتصادية‭ ‬المتدهورة‭ ‬السائدة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وإفلاس‭ ‬منظومتي‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬وانسداد‭ ‬الآفاق‭ ‬وانعدام‭ ‬فرص‭ ‬الشغل‭ ‬أمام‭ ‬معيلي‭ ‬الأسر،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬هؤلاء‭  ‬عن‭ ‬إعالة‭ ‬أطفالهم،‭  ‬وافتقارهم‭  ‬للإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬الكفيلة‭  ‬بضمان‭  ‬مستقبل‭ ‬واعد‭ ‬لهم‭   ‬ببلدهم‭ ‬المغرب،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬مافيا‭ ‬الهجرة‭ ‬ترسم‭  ‬لتلك‭ ‬الأسر‭ ‬معالم‭ ‬مستقبل‭ ‬افتراضي‭ ‬زاهر‭ ‬ينتظر‭  ‬أطفالها‭  ‬القاصرين‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬المغرب،‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬وفرت‭ ‬المقابل‭ ‬المادي‭ ‬الكافي‭ ‬لإدخالهم‭  ‬خلسة‭  ‬إلى‭ ‬سبتة‭ ‬أو‭ ‬مليلية،‭ ‬حيث‭ ‬تنتظرهم‭  ‬فرصة‭  ‬سانحة‭ ‬لمواصلة‭ ‬التسلل‭  ‬نحو‭ ‬الضفة‭ ‬الجنوبية‭ ‬للفردوس‭ ‬الأوروبي‭.. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مافيا‭  ‬الهجرة‭ ‬التي‭ ‬تقوت‭ ‬هياكلها‭ ‬وتشعبت‭  ‬فروعها‭ ‬بشمال‭ ‬المغرب،‭ ‬أصبحت‭ ‬تدعم‭ ‬أنشطتها‭ ‬بالدعاية‭  ‬الإلكترونية،‭ ‬حيث‭ ‬تروج‭ ‬لتقريب‭ ‬الحريك‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬جمهور‭ ‬من‭  ‬الأطفال‭ ‬القاصرين،‭ ‬وتوظف‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغاية‭  ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬فيديو‭ ‬كليبات‭  ‬الراب‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬اليوتوب،‭  ‬تنشطها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬القاصرين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬قاصرون‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الريسكي‭.. ‬هذه‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬تغرق‭ ‬السوق‭ ‬ويتداولها‭  ‬القاصرون‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬كلها‭ ‬تمجيد‭  ‬للحريك‭ ‬وتغن‭ ‬بحسناته‭ ‬وإشادة‭ ‬بانجازات‭  ‬القاصرين‭ ‬الذين‭ ‬نجحوا‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬كما‭ ‬تتضمن‭ ‬تلك‭ ‬الأغاني‭  ‬دعوة‭  ‬وتحريضا‭ ‬للأطفال‭ ‬المغاربة‭  ‬لركوب‭ ‬مغامرة‭ ‬الحريك‭ ‬والريسكي‭ (‬الهجرة‭ ‬بواسطة‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬البواخر‭ ‬والاختباء‭ ‬تحت‭ ‬هياكل‭ ‬شاحنات‭ ‬النقل‭ ‬الدولي‭  ‬للبضائع‭ ‬والمسافرين‭..).‬عوض‭ ‬انتظار‭ ‬الأوهام‭ ‬والذي‭ ‬يأتي‭ ‬ولا‭ ‬يأتي،‭ ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يكذب‭ ‬مضامين‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬دعاية‭ ‬مافيا‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬إلى‭ ‬إيصالها‭ ‬للأطفال‭ ‬المغاربة،‭ ‬فمعظم‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬ويتم‭ ‬إيواؤهم‭  ‬بمركز‭ ‬حماية‭ ‬الطفولة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬لدي‭ ‬ساكنة‭ ‬مناطق‭ ‬شمال‭ ‬المغرب‭ ‬بالخيرية،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يهجرون‭ ‬تلك‭ ‬المراكز‭ ‬المؤطرة‭ ‬بأنظمة‭ ‬متشددة‭ ‬لم‭ ‬يعهدوها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لتبتدئ‭ ‬لديهم‭ ‬فصول‭ ‬مغامرة‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬الريسكي،‭ ‬بولوج‭ ‬عالم‭ ‬التسكع‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬حيث‭ ‬يسقط‭ ‬الكثيرون‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬شراك‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬المخدرات‭ ‬الرخيصة‭ ‬مثل‭ ‬السليسيون‭ ‬والكحول،‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬تحصيل‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬مصاريف‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب،‭ ‬وكذا‭ ‬التعاطي‭ ‬للسرقة‭ ‬وللتسول‭ ‬وأحيانا‭ ‬بالسقوط‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬المنظمات‭ ‬الإجرامية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬توظفهم‭ ‬في‭ ‬دعارة‭ ‬الأطفال‭ ‬وتوزيع‭ ‬المخدرات‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬أجنحة‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭.. ‬والقلة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬بلوغ‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الإيبرية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الريسكي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬جربت‭ ‬حياة‭ ‬أطفال‭ ‬الشوارع‭ ‬أو‭  ‬دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الانحراف‭ ‬من‭ ‬بابه‭ ‬الواسع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬المواد‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تنشرها‭  ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬تيارات‭ ‬اليمين‭ ‬العنصري‭  ‬كالفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬أطفالا‭ ‬قاصرين‭ ‬مغاربة‭ ‬أو‭ ‬مغاربيين‭ ‬يتعاطون‭ ‬لجرائم‭ ‬السرقة‭ ‬بالعنف‭ ‬في‭ ‬واضحة‭ ‬النهار،‭ ‬آو‭ ‬ارتكاب‭  ‬أفعال‭ ‬الاغتصاب‭ ‬الجماعي‭ ‬للنساء‭..‬

بالرغم‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬المتعاطين‭ ‬للأفعال‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬القاصرين‭ ‬المغاربة،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬الصورة‭ ‬المشرفة‭ ‬التي‭ ‬تعكسها‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬مغاربة‭ ‬وصلوا‭ ‬اسبانيا‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬قاصرين‭ ‬وتابعوا‭ ‬دراستهم‭ ‬وكدوا‭ ‬واجتهدوا‭ ‬وكونوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مضرب‭ ‬الأمثال‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى