التعليم المغربي بين إكراهات الواقع ورهان المستقبل
◆ ذة - سعاد كريفطي

يعد التعليم من بين أهـــم أوراش الاصلاح التـــي حظيت باهتمـــام وعنايـة الفعاليـــات السياسيــة والاجتماعيـة والثقافيــة والمهنيـة، وتدل المراهنـة علـــى هذا القطاع على الوعي بأهميته وثقله وقوة تأثيره فــي التنميــة الاقتصاديــة والبشريــة، خاصــة وأن تقارير كثيــرة أعدتهــا هيئـــات وطنيــة ودوليـة حـول أزمـات القطاعــات المجتمعيــة والاقتصاديـة كانت توجه بأصابع الاتهـام إلى نظام التربية والتعليــم، ولا شك أن المنـاخ الدولــي وسياقاتــه تزيد مـــن جسامة التحديــات وأبرزها تحدي الاندمـاج الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة، بوصفه أفقا كونيا يستقطب كل الدول وفرصة حقيقية لبلادنا من أجل اختصـار المسافــة وتحقيــق التنميــة بمختلـــف أشكالهـــا.
لا مناص أن تكون الخيارات المجتمعيـة أو السياسات الوطنيـة منصهرة خلـف أبجديـات السياسـة العامـــة خصوصا وأنه أمام واقع تطبعه تحولات عميقة ومتسارعــة على الصعيدين الوطنـــي والدولــي نلاحظ أن أغلب الحكومات على تباين أنظمتها السياسية واتجاهاتها الفكرية ، اتجهت إلى سلك المسار الاستراتيجي في سياسة التغييــر وهكــذا، فإن مجمل المقاربات التي تناولت هذا الموضوع سواء في قراءة واقعها أو استشراف أفقهـا، تسلك لازمة التعقيد في مدخلاتها ومخرجاتها التي تبقى عصيــة الاستيعــاب من خلال دراســة سطحيــة ينقصهــا الامكانيــات. من حيث أنهـا بنية ذات تعقيد وتقعيد ” نصوص قانونية، الوسائل، الواقع وسلطة البرامج… ” في ظل متطلبات منظومة القيم الاستراتيجية الحديثة ” عقلنة وترشيد، فعالية ومردودية، تتبع وتقييــم … ” .
إن الوصول إلى الهدف من السياسات العامـة يجب أن يصاحبه استراتيجيـة تعمل على هندسة القرار بإحاطتــه بمجموعــة من التساؤلات التــي تتمحــور بالأساس حول المسار التاريخي للمنظومة التعليمية بالمغرب، وفي هذا الصدد فدوركايم يؤكد أنه :” لكي يتم فهم النظام التربـوي لا يكفي أن ننظر إليه بالصورة التي يوجد عليها اليـــوم، لأن النظام التربـوي نتاج التاريخ، والتاريخ وحـده قادر على تفسيـره، إنه مؤسسـة اجتماعية حقيقية ..” .ويعزى تفسير الاصلاحات التربوية انطلاقا من التاريخ لدى دوركايم إلى كون أنه يتعذر إدراك التحولات التي يشهدها النظام التعليمي دون ربطها بالتحــولات التــي تخترق البنيات الاجتماعية، ولذلك فبواسطــة الماضي يمكــن استشـراف المستقبــل.
إن المحطـات الأساسيـة البارزة في تاريخ المنظومة التربوية الوطنية يمكن الوقوف عندها في مرحلــة ما بعد الاستقلال في إطار المخططـات، بحيث شكل إصــلاح 1985 محطة هامة في تاريخ المنظومــة لأنـــه ينـدرج فــي إطــار التقويــم الهيكلـي استنادا إلـى توجيهـات البنك الدولــي والتي أعطت الأهميـة للتوازنـات الماليـة علــى حســاب القضايــا الاجتماعيــة.
ومن أجل تقييم وتشخيص حالة المغرب من جوانب عدة، قام البنك الدولي في شتنبر 1995 بإنجاز تقريـر عـــن أوضـــــاع المغرب وقـــدم تشخيصا مرفقـــا بتوجيهـــات تخص القطاعـــات التاليـــة “الاقتصـــاد، الادارة، التعليـــم،” كما قال الراحــــل الملك الحسـن الثانـي في خطــابه للسنــة التشريعيــة أمـــــام البرلمـــان 1995: ” لقـد قرأنا هـذه التقاريـر فوجدنا فيهـا فصاحة موجعة ، وأرقاما في الحقيقة مؤلمة تجعـل كـل ذي ضميــر لا ينام “.
لقد شكل تقرير البنك الدولي إنذارا قويا مما جعل التفكير في الاصلاح مليا من خلال بلورة ميثــاق وطنــي للتربية والتكوين، وعلى الرغم من المستجدات التي جاء بها إلا أنه وجهت إليه العديد من الانتقادات ، ولذلك تقدم صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابـه أمــام البرلمـان فـي افتتــاح الدورة التشريعية الخريفية لسنة 2007 بإعطاء تعليماته السامية من أجل إنجاز مخطط استعجالـي لتسريــع وثيــرة الاصــلاح ولإعطــاء نفس جديــد للميثــاق.
واستجابة لكل هذا، وضعت وزارة التربية الوطنيـة برنامجــا استعجاليــا وامتد على أربع سنوات من سنــة 2009 إلى 2012، ممــا خلــق ديناميــة وحوافــز وانتظارات جديــدة لدى الفاعليـــن الميدانييـن
بعد ذلك تم وضع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015/2030 والتي تقوم على إرساء مدرسة جديدة قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص وترسيخ الجودة والإعمال الفعال للنموذج البيداغوجي .
ولعل التعليم وفق هذه الرؤية يبقى بوابة المستقبل، وعندما يطرح باعتبــاره قضيــة وطنيــة فإن ذلك معنــاه أن المجتمع يطرح مشكلاته المرتبطـة بحاضره ومستقبلــه خصوصــا وأن هذه القضيــة لها أبعــاد جديــدة، ومظاهر شديدة التنوع والتعقيد، فمستقبل الديمقراطية والاقتصاد يتأسسان على التعليم، ولكي نعد الأجيال الآتية لمواجهة تحديات هذا السياق علينا أن نختار أحد الامرين، إما أن نترك ما يأتي به المستقبل يجرفنا، أو نحاول تشكيل معالم هذا المستقبل، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الفعالية في إعداد، صياغة، تنفيــذ وتقييــم السياســات العموميــة فــي مجــال التعليــم.
إن سنة التطور، دفع المغرب إلى الدخول في إصلاح حقيقي وفعلي تجسد في وضع دستور جديد غير مــن بنية النسق السياسي والمؤسساتـي وغير من آليات وضع وكيفية تدبير وتنفيذ السياســات العموميـة، إذ أنــه شكل تجسيدا حقيقيا لكل التحولات الديمقراطية قوامها الحكامـة الجيــدة والجهويـة المتقدمـة وتخليـق الحيــاة العامة وسيادة دولة الحق والقانون والمؤسسات دون أن ننسـى دسترة التعدديـة اللغويـة والثقافيـة ،وعلي فإن المشروع الديمقراطي الذي يضع الدستور الجديد آليات بنائــه ، لن تكتمل له مقومات التأثير في مجتمعنا ما لم تلعب مؤسسات إنتاج المعرفة وفي مقدمتها المدرسة المغربيـة ، دورا أساسيــا فــي ذلك وهذا يتطلب اعتماد مجموعة من الاجراءات تتمثل في:
- الخروج من الحالة الذهنية والخطابات النمطية عن التدهور المستمر لقطاع التعليـم بالمغرب،
- إرجـــاع البعد السياسـي للقطاع وإدماجه ضمن منافسة برامج الأحزاب السياسيـــة
-إعـــادة تحديد الاختصاصـــات، وتدقيق أدوار مختلف المؤسســات المتواجـــدة فــي القطـــاع.
- تركيز جهود الإصلاح على الناحية البيداغوجية دون إغفال البنيات التحتية، التجهيزات والأبعاد المادية كذلك التركيز على الأعمال القابلة للتحقق، وعلى ولاية تشريعيــة دون فقد الرؤيــا الإستراتيجية.
- تطوير رؤية شمولية ومنسجمة لمكانــة ودور مختلف الفاعلين في قطاع التعليــم.
- اعــادة الحياة لمبدأ المراجعــة الدائمة، التكييف المستمر، الاطلاع على مختلف التجارب الايجابيــة التــي يعرفها العالــم ومحاولــة إدخالهــا إلى النظــام التربــوي المغربــي.
وختامـا، فإن التعليم وفي سياق التحولات العالميــة والمحلية يبقى بوابة مستقبل تكوين أجيــال قادرة على الاستجابــة للتحديــات التي تواجــه المجتمــع المغربــي.
إن أطفــال اليوم هم مواطنو الغــد، وبناء هذا الغد لا منطلقــات له إلا المدرســة الجديـدة بمواردها البشرية ومناهجهـا وعلومهــا وقيمهــا، والــذي لا شك فيـــه أن هذا البنــاء المنشـــود لا يقبـــل بتلــك المبــادرات الموسومــة بالاستعجـــال.
صحيـــح أن هذه المدرسة تمر الآن بنفق مظلـــم … ولكـــن في هذا النفق هناك ضوء يلوح في الأفــــق.