التجربة الجماعية لليسار المغربي

◆ عبد المجيد مصدق

◆ عبد المجيد مصدق
في المغرب ومنذ فترة الحماية الفرنسية وجدت نصوص كثيرة تتعلق بالجماعات الترابية، إلا أن هذه النصوص لم تعد تساير وتواكب التطور الاقتصادي والاجتماعي، بحيث أن أغلبها أصبحت متجاوزة وتتناقض مع واقع الجماعات الحضرية والقروية وهيئاتها. وهكذا، يمكن الجزم، من منظور تاريخي، أن بداية الاهتمام بخلق الجماعات المحلية كان عبر تنظيم أملاك الجماعة، بمفهومها القانوني الحديث، لذلك يمكن القول إن هده الخلية الترابية لم تر النور إلا مع دخول نظام الحماية الفرنسية، وتحديدا بصدور قانون 1914 المتعلق بالأملاك العمومية للدولة، والذي تلته بعد ذلك تشريعات وأنظمة تتعلق بأملاك البلديات ابتداء من سنة 1921، في الوقت الذي لم يقع فيه الاهتمام بتنظيم أملاك الجماعات القروية إلا في حقبة “متأخرة” نسبيا، وذلك بصدور قانون 1954 المتعلق بأملاك الفئات المزودة بجماعات إدارية.. وإذا حاولنا تقييم مختلف النصوص التي تكون الإطار القانوني والتنظيمي للجماعات المحلية في بلادنا، ونقارنها على ضوء الأوضاع الراهنة، سوف نجد بأن هذه النصوص تتميز بتعددها وقدمها وعدم شموليتها لمختلف الوحدات اللامركزية، وأنها لم تعد تتطابق في العديد من أحكامها ومقتضياتها مع الواقع السياسي والإداري لبلادنا.

المسار‭ ‬القانوني‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية

بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬ورش‭ ‬تم‭ ‬الاهتمام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬الوحدات‭ ‬الترابية،‭ ‬نصوص‭ ‬وآليات‭ ‬وممتلكات‭ ‬وميزانية،‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬تطورا‭ ‬قانونيا‭ ‬مقارنة‭ ‬بحقبة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬نلخصه‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬مراحل‭ ‬أساسية‭ : ‬

+ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ :‬‭ ‬تميزت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1976‭ ‬بالتسيير‭ ‬الإداري‭ ‬للجماعات‭ ‬الحضرية‭ ‬والقروية،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬الأول‭ ‬لسنة‭ ‬1960‭ ‬متضمنا‭ ‬لاختصاصات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬قليلة‭ ‬جدا،‭ ‬لأن‭ ‬المشرع‭ ‬لم‭ ‬يمنح‭ ‬للجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬وتدبير‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭.‬

+ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ :‬‭ ‬امتدت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1976‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬2002‭ ‬تميزت‭ ‬بالتسيير‭ ‬الشبه‭ ‬اقتصادي‭ ‬حيث‭ ‬منح‭ ‬المشرع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬الثاني‭ ‬الصادر‭ ‬30‭ ‬شتنبر‭ ‬1976‭ ‬عدة‭ ‬اختصاصات‭ ‬للجماعات‭ ‬الحضرية‭ ‬والقرويةَّ‭ ‬نلخص‭ ‬أهمها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

‭ ‬ـ‭ ‬وضع‭ ‬مخطط‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للجماعة‭.‬

ـ‭ ‬تحديد‭ ‬برنامج‭ ‬تجهيز‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬وسائلها‭ ‬الخاصة‭.‬

ـ‭ ‬تقرير‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المختلط‭ ‬المحلية‭. ‬

+ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ :‬‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬78‭.‬00‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أكتوبر‭ ‬2002‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬حيث‭ ‬تميزت‭ ‬بإستراتيجية‭ ‬اقتصادية‭ ‬جديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجماعية‭ ‬وتوسيع‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والجماعات‭ ‬الحضرية‭ ‬والقروية،‭ ‬ومحاولات‭ ‬تخليق‭ ‬المرفق‭ ‬العام‭ ‬المحلي،‭ ‬وتبسيط‭ ‬الوصاية‭ ‬وجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬نظريا،‭ ‬وإشراك‭ ‬الجماعات‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬التنموية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬بغية‭ ‬تمويل‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭.‬َ

ثم‭ ‬جاء‭ ‬دليل‭ ‬المخطط‭ ‬الجماعي‭ ‬للتنمية‭ ‬لسنة‭ ‬2010‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬قانون‭ ‬18‭.‬07‭ ‬لسنة‭ ‬2009‭ ‬المغير‭ ‬والمتمم‭ ‬للقانون‭ ‬78‭.‬00،‭ ‬والذي‭ ‬يلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬ومراحل‭ ‬إعداد‭ ‬المخطط‭ ‬الجماعي‭ ‬للتنمية‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬إعطاء‭ ‬الفاعلين‭ ‬المحليين‭ ‬الوسائل‭ ‬اللازمة‭ ‬للانطلاق‭ ‬ومواكبة‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬وفقا‭ ‬للخصوصيات‭ ‬المحلية‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬النظرة‭ ‬العامة‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الاستقلال‭ ‬كعنوان‭ ‬لسياسة‭ ‬القرب‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مغرب‭ ‬جديد،

فما‭ ‬بين‭ ‬سنوات‭ ‬1976‭ – ‬1959‭ ‬كرست‭ ‬لوضع‭ ‬اللبنات‭ ‬الأساسية‭ ‬للامركزية،‭ ‬إذ‭ ‬تعتبر‭ ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬سنة‭ ‬مرجعية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬اللامركزية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬عرفت‭ ‬وضع‭ ‬اللبنات‭ ‬الأولى‭ ‬للتنظيم‭ ‬الجماعي‭ ‬خاصة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬الظهير‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬دجنبر‭ ‬1959‭ ‬بمثابة‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬للمملكة،‭ ‬والذي‭ ‬أسفر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬108‭ ‬جماعة‭ ‬حضرية‭ ‬وقروية‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬جرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬وشكلت‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الأساسية‭ ‬للامركزية‭ ‬بالمغرب‭ ‬بالقانون‭ ‬الانتخابي‭ ‬الصادر‭ ‬بفاتح‭ ‬سبتمبر‭ ‬1959‭ ‬والذي‭ ‬تعرض‭ ‬لعدة‭ ‬تعديلات‭ ‬لاحقة‭. ‬تلاه‭ ‬قانون‭ ‬المجالس‭ ‬الحضرية‭ ‬والقروية‭ ‬الصادر‭ ‬بظهير‭ ‬23‭ ‬يونيو‭ ‬1960،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬اعتماد‭ ‬أول‭ ‬ميثاق‭ ‬جماعي‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬تمهيدي‭ ‬لنظام‭ ‬اللامركزية،‭ ‬مع‭ ‬اختصاصات‭ ‬محدودة‭ ‬وجهاز‭ ‬تنفيذي‭ ‬مزدوج‭ ‬ووصاية‭ ‬قوية‭. ‬وقد‭ ‬تزامن‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬أول‭ ‬دستور‭ ‬للمغرب‭ ‬سنة‭ ‬1962،‭ ‬والذي‭ ‬كرس‭ ‬وجود‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬وفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة‭ ‬لنظام‭ ‬اللامركزية‭ ‬وذلك‭ ‬بإحداث‭ ‬جماعات‭ ‬محلية‭ ‬جديدة،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالعمالات‭ ‬والأقاليم‭.‬

وفي‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬توسيع‭ ‬حقل‭ ‬اختصاصات‭ ‬و‭ ‬مسؤوليات‭ ‬المنتخبين‭ ‬وذلك‭ ‬بإعطاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الإمكانات‭ ‬للمسؤولين‭ ‬المحليين‭ ‬ووعد‭ ‬بمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تدعيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المحلية‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬الأول‭ ‬ووضع‭ ‬إطار‭ ‬جديد‭ ‬للممارسة‭ ‬الجماعية،‭ ‬حيث‭ ‬شكل‭ ‬تبني‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬لسنة‭ ‬1976‭ ‬صفحة‭ ‬أخرى‭ ‬متطورة‭ ‬عن‭ ‬سابقتها،‭ ‬وهكذا‭ ‬أسندت‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬اختصاصات‭ ‬جديدة‭ ‬،‭ ‬وتم‭ ‬تعزيز‭ ‬دورها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬وإلغاء‭ ‬نظامها‭ ‬المزدوج‭ ‬وتخفيف‭ ‬الوصاية‭ ‬عليها‭. ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬فقد‭ ‬شكل‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الجماعة‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بدون‭ ‬شك‭ ‬أبرز‭ ‬مظاهر‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الاختصاصات‭ “‬الموسعة‭” ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي،‭ ‬فقد‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬كتحويلات‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة،‭ ‬و‭ ‬تبني‭ ‬نظام‭ ‬جبائي‭ ‬محلي،‭ ‬وتخلي‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الضرائب‭ ‬لفائدة‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭.‬

وفي‭ ‬العشرية‭ ‬ما‭ ‬بين‭  ‬1992‭-‬2002‭ ‬تم‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالجهة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬جماعة‭ ‬محلية‭ ‬واعتماد‭ ‬ميثاق‭ ‬جماعي‭ ‬جديد‭ ‬سنة‭ ‬2002‭ ‬والمعدل‭ ‬سنة‭ ‬2009‭ ‬الذي‭ ‬نجده‭ ‬يكرر‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬سنه‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬السابقة،‭ ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬تعديل‭ ‬الميثاق‭ ‬الجماعي‭ ‬لسنة‭ ‬2002‭ ‬ب‭: ‬

ـ‭ ‬توضيح‭ ‬ومراجعة‭ ‬اختصاصات‭ ‬المجالس‭.‬

‭ ‬ـ‭ ‬إدخال‭ ‬تحسينات‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للمنتخب‭ ‬المحلي‭.‬

‭ ‬ـ‭ ‬إعادة‭ ‬تموقع‭ ‬لجان‭ ‬المجلس‭ ‬وتحديد‭ ‬مهامها‭ ‬وعلاقاتها‭.‬

‭ ‬ـ‭ ‬تخفيف‭ ‬سلطة‭ ‬الوصاية‭ ‬والرجوع‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬وحدة‭ ‬المدينة‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2009‭ ‬فقد‭ ‬لخص‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬هذا‭ ‬التعديل‭ ‬بتحسين‭ ‬الحكامة‭ ‬المحلية‭ ‬وعصرنة‭ ‬التدبير‭ ‬المالي‭ ‬للجماعات‭ ‬المحلية‭.‬

‭ ‬

من‭ ‬زمن‭ ‬التشريع‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية

إن‭ ‬الجماعة‭ ‬المحلية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬وحدة‭ ‬ترابية‭ ‬يتم‭ ‬تعيين‭ ‬حدودها‭ ‬الجغرافية‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬طبقا‭ ‬لاعتبارات‭ ‬تاريخية‭ ‬وسوسيو‭ ‬ـ‭ ‬قبلية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ومؤسساتية،‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬تسمية‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬بالجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬والعمالات‭ ‬والأقاليم‭ ‬والجماعات،‭ ‬وهي‭ ‬شخصية‭ ‬اعتبارية‭ ‬خاضعة‭ ‬للقانون‭ ‬العام،‭ ‬تسير‭ ‬شؤونها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬منتخبين‭ ‬وتنتخب‭ ‬مجالس‭ ‬الجهات‭ ‬والجماعات‭ ‬بالاقتراع‭ ‬العام‭ ‬المباشر‭. ‬

تتكون‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬جهة،‭ ‬و‭ ‬75‭ ‬عمالة‭ ‬وإقليم،‭ ‬منها‭ ‬13‭ ‬عمالة‭ ‬و‭ ‬62‭ ‬إقليما،‭  ‬و1503‭ ‬جماعة‭ ‬و31503‭ ‬مقعد‭.‬

استنادا‭ ‬للقوانين‭ ‬التنظيمية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجهات‭ ‬والعمالات‭ ‬والأقاليم‭ ‬والجماعات،‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬الترابية‭ ‬خاضعة‭ ‬للقانون‭ ‬العام،‭ ‬وتتمتع‭ ‬بالشخصية‭ ‬الاعتبارية‭ ‬والاستقلال‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي،‭ ‬وكل‭ ‬واحدة‭ ‬تشكل‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬التنظيم‭ ‬الترابي‭ ‬للدولة‭.‬

إن‭ ‬تتبع‭ ‬مراحل‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬أو‭ ‬مقاطعتها‭ ‬تعد‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬لاستخلاص‭ ‬تصور‭ ‬للقوى‭ ‬اليسارية‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬السفلى‭ ‬للارتباط‭ ‬بالجماهير‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬وخدمتها،‭ ‬فالجماعة‭ ‬تسير‭ ‬وتدير‭ ‬شؤونها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬جماعي‭ ‬منتخب‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬الدائرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتمكن‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬بواسطة‭ ‬المنتخبين‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الجماعي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يديروا‭ ‬شؤونهم‭ ‬بحرية‭ ‬ويمارسوا‭ ‬حقوقهم‭ ‬المدنية‭ ‬وبأن‭ ‬تكون‭ ‬لديهم‭ ‬إدارة‭ ‬قريبة‭ ‬وفعالة‭ ‬تصغي‭ ‬إلى‭ ‬انتظاراتهم‭ ‬وتطلعاتهم‭.‬

في‭ ‬البداية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بوجود‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬من‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬لأنه‭ ‬شتان‭ ‬بين‭ ‬التنظير‭ ‬أو‭ ‬الخطاب‭ ‬الدعائي‭ ‬والممارسة‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع،‭ ‬هاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ ‬تعد‭ ‬ترمومتر‭ ‬لتحديد‭ ‬الحزب‭ ‬اليساري‭.‬

من‭ ‬الصعب‭ ‬الإلمام‭ ‬بالسياق‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬إجراء‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬بلدية‭ ‬وقروية‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬ماي‭ ‬1960‭ ‬حيث‭ ‬تصدر‭ ‬المشهد‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬بـ40‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المقاعد،‭ ‬ثم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬بنسبة‭ ‬23‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكون‭ ‬الصورة‭ ‬قد‭ ‬اتضحت‭ ‬لفرز‭ ‬معارضة،‭ ‬بيد‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬ليوم‭ ‬28‭ ‬يوليوز‭ ‬1963،‭ ‬برزت‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬معارضة‭ ‬يسارية‭ ‬جنينية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬ونقابته‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل‭ ‬وكنتيجة‭ ‬لارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬قمع‭ ‬أي‭ ‬صوت‭ ‬معارض‭ ‬قرر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬مقاطعة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬رهان‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الشعبية‭ ‬لمواجهة‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬انفرد‭ ‬بالسلطة‭ ‬وبدأ‭ ‬يقمع‭ ‬مخالفيه،‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬مناخ‭ ‬دولي‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وانتصار‭ ‬حروب‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬واستقلالها،‭ ‬كانت‭ ‬نظرة‭ ‬القوى‭ ‬الثورية‭ ‬الشعبية‭ ‬هو‭ ‬بسط‭ ‬سلطة‭ ‬الشعب‭ ‬وتأميم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬استراتيجي‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬نفق‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وهذا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬نظرة‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬تسلموا‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬الاستعمار‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحه،‭ ‬فالاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خلايا‭ ‬ثورية‭ ‬يجمعها‭ ‬عامل‭ ‬معارضة‭ ‬توجهات‭ ‬النظام‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬أول‭ ‬دستور‭ ‬ممنوح‭ ‬حررته‭ ‬يد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭.‬

أـ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ – ‬انتخابات‭ ‬1960

لم‭ ‬تؤثر‭ ‬إقالة‭ ‬حكومة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬إبراهيم‭ ‬في‭ ‬معنويات‭ ‬المناضلين‭ ‬الاتحاديين‭ ‬فقد‭ ‬تجندوا‭ ‬لتعبئة‭ ‬الجماهير‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬فاز‭ ‬مرشحو‭ ‬الاتحاد،‭ ‬عندما‭ ‬أعلنت‭ ‬النتائج‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬ماي‭ ‬1960،‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المدن‭ ‬و‭ ‬القرى‭. ‬لقد‭ ‬حصل‭ ‬مرشحو‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬أرقام‭ ‬قياسية‭ ‬في‭ ‬البيضاء‭ ‬والرباط‭ ‬وطنجة‭ ‬والجديدة‭ ‬والقنيطرة‭ ‬و‭ ‬غيرها،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬قد‭ ‬أظهرت‭ ‬بوضوح‭ ‬مدى‭ ‬انتصار‭ ‬التقدمية‭ ‬و‭ ‬اندحار‭ ‬الرجعية،‭ ‬حيث‭ ‬اكتسح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬اكتساحا‭ ‬عظيما‭ ‬وهائلا،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬نواحي‭ ‬البلاد‭. ‬لأنه‭ ‬وضع‭ ‬تصورا‭ ‬يعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الثقة‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية،‭ ‬وبالفعل‭ ‬فقد‭ ‬برهنت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬وعيها‭ ‬و‭ ‬نضجها‭ ‬ورشدها‭. ‬و‭ ‬شعر‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬بالخطر‭ ‬بعد‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية،‭ ‬فقرر‭ ‬هدم‭ ‬مشروع‭ ‬البناء‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وعرضه‭ ‬لإجهاض‭ ‬سريع،‭ ‬وضُيعت‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬وترك‭ ‬الجماهير‭ ‬صاحبة‭ ‬السيادة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬عبر‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬دستور‭ ‬ديمقراطي‭. ‬بعد‭ ‬هدا‭ ‬المخاض‭ ‬

دخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬التنظيمي‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬منع‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1973،‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬التحول‭ ‬لحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬أخر‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬رافض‭ ‬لكل‭ ‬الترتيبات‭ ‬السياسية‭ ‬المراهن‭ ‬عليه‭ ‬خارج‭ ‬نسقه‭ ‬الخاص‭ ‬لاسيما‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬انتخابات‭ ‬1976‭ ‬الجماعية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬المأزق‭ ‬السياسي‭ ‬الرديء‭ ‬الذي‭ ‬يتخبط‭ ‬فيه‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬1976‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬تزكية‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬ما‭ ‬يوصف‭ ‬ب‭ “‬المسلسل‭ ‬الديمقراطي‭” ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النص‭ ‬الدستوري‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الأطوار‭ ‬الانتخابية‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬موقف‭ ‬التواري‭ ‬الذي‭ ‬راهن‭ ‬عليه‭ ‬الحزب‭ ‬ارتكازا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثية‭ “‬لا‭ ‬يشارك‭ ‬ولا‭ ‬يعرقل‭ ‬ولا‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليات‭ ‬التجربة‭”.‬

ب‭ ‬ـ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية

فضل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬سنة‭ ‬1974‭ ‬بعد‭ ‬انشقاق‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬إستراتيجية‭ ‬مطلبية‭ ‬إصلاحية‭ ‬قوامها‭ ‬تدبير‭ ‬الهامش‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬ففي‭ ‬التقرير‭ ‬الإيديولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاستثنائي‭ ‬للحزب‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ “‬التحرير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬والاشتراكية‭ ‬الحقيقية‭ ‬تستلزم‭ ‬ضرورة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الفعلية‭”. ‬ويفصل‭ ‬التقرير‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬مضيفا‭ “‬إن‭ ‬اقتناعنا‭ ‬بأن‭ ‬التحرير‭ ‬والبناء‭ ‬الاشتراكي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحققا‭ ‬بواسطة‭ ‬جماهير‭ ‬الشعب‭ ‬ومساهمتها‭ ‬وفعاليتها،‭ ‬جعل‭ ‬حزبنا‭ ‬يناضل‭ ‬دوما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬حرة‭ ‬نزيهة‭ ‬تنبثق‭ ‬عنها‭ ‬مؤسسات‭ ‬تمثيلية‭ ‬حقيقة‭ (‬‮…‬‭) ‬الانتخابات‭ ‬النزيهة‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬بداية‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحويل‭ ‬الدولة‭ ‬وأجهزتها‭ ‬ودواليبها‭ ‬وتغيير‭ ‬علاقاتها‭ ‬بالمواطنين‭ ‬أملها‭”. ‬

ففي‭ ‬اجتماع‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬لحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬10‭ ‬أكتوبر‭ ‬1976‭ ‬تساءل‭ ‬الكاتب‭ ‬الأول‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭ ‬هل‭ ‬سندخل‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حقة‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬المغرب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬تجربة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة؟‭ ‬لذلك‭ ‬اعتبر‭ ‬من‭ ‬منظوره‭ ‬وتصوره‭ ‬الانتخابات‭ ‬آلية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬الدمقرطة،‭ ‬ففي‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬لسنة‭ ‬1976‭   ‬رفع‭ ‬الحزب‭ ‬شعار‭”‬لا‭ ‬تهمنا‭ ‬المقاعد‭”‬،‭ ‬واختار‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬النسق‭ ‬السياسي،‭ ‬وظل‭ ‬وفيا‭ ‬لخط‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬رؤاه‭ ‬من‭ ‬استحقاق‭ ‬انتخابي‭ ‬لآخر،‭ ‬ومن‭ ‬مؤتمر‭ ‬لآخر‭ ‬ومن‭ ‬مرشح‭ ‬لآخر‭ ‬رغم‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الحزب‭.‬

  ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬السياق‭ ‬كان‭ ‬مأزوماً‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ “‬المسلسل‭ ‬الديمقراطي‭”‬،‭ ‬واستمر‭ ‬المنطق‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬الطور‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ “‬المسلسل‭ ‬الديمقراطي‭” ‬الذي‭ ‬استهل‭ ‬بتنظيم‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬يونيو‭ ‬1983،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬سينشق‭ ‬الحزب‭ ‬تحت‭ ‬ضربات‭ ‬النظام‭ ‬بواقعة‭ ‬أمام‭ ‬مقر‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬ماي‭ ‬وانسحاب‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬الإدارية‭ ‬وباقي‭ ‬الأعضاء‭ ‬الأوفياء‭ ‬لفكرة‭ ‬الروح‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬أعطت‭ ‬شهداء‭ ‬ومعتقلين‭ ‬ومنفيين،‭ ‬وسنعود‭ ‬للموضوع‭ ‬حين‭ ‬التطرق‭ ‬لتصور‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الاشتراكي‭.‬

لقد‭ ‬اتسم‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬للمغرب‭ ‬بوجود‭ “‬معارضة‭ ‬دائمة‭” ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التمثيلية‭  ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬مدخلا‭ ‬للتغيير‭ ‬وتدبيرا‭ ‬براغماتيا‭ ‬للممكن،‭ ‬أي‭ ‬لواقع‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬واستعصاء‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬منافسة‭ ‬سياسية‭ ‬مفتوحة‭. ‬وفي‭ ‬طليعة‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬نجد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ (‬في‭ ‬نسخته‭ ‬القديمة‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬اصطدم‭ ‬بتناقضات‭ ‬جلية‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬حول‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬والدستوري‭ ‬وفي‭ ‬واقع‭ ‬مشاركته‭ ‬وحجم‭ ‬إسهامه‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬ب‭ “‬المغرب‭ ‬الديمقراطي‭”.‬

هذا‭ ‬المستوى‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬منهجيا‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬استمرار‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬انتخابي‭ “‬مأزوم‭” ‬وبعيد‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬طموحاتها‭ ‬الذاتية‭ (‬التمثيلية‭ ‬السياسية‭) ‬والموضوعية‭ (‬النجاح‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬الدمقرطة‭)‬،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المشاركة‭ ‬تعتبر‭ ‬قبولا‭ ‬ضمنيا‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬النظام‭ ‬وفق‭ ‬قواعده‭ ‬المضمرة‭ ‬وتوازناته‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مرحليا،‭ ‬فرغم‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬تزوير‭ ‬أرادة‭ ‬الناخبين‭ ‬وخطاب‭ ‬التشكيك‭ ‬سيشارك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1992‭ ‬الجماعية،‭ ‬رغم‭ ‬طعنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراع‭ ‬بعبارات‭ ‬وأسلوب‭ “‬التزوير‭ ‬المكشوف‭ ‬وبأحط‭ ‬أشكاله‭” ‬من‭ ‬خلال‭ “‬تسخير‭ ‬المال‭” ‬و‭”‬تحريف‭ ‬القانون‭” ‬و‭”‬زحف‭ ‬الجهاز‭ ‬الإداري‭ ‬على‭ ‬المسيرة‭ ‬الديمقراطية‭”. ‬بيد‭ ‬انه‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬لحكومة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتناوب،‭ ‬انصهر‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬قيادة‭ ‬وقاعدة‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬كليا‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يهمهم‭ ‬إلا‭ ‬نصيبهم‭ ‬من‭ ‬الريع،‭ ‬ودفنوا‭ ‬تصورات‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة‭ ‬وخطاب‭ ‬التمرد‭ ‬وأصبحوا‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان،‭ ‬حيث‭ ‬استمرار‭ ‬وجودهم‭ ‬مرهون‭ ‬بشد‭ ‬تلابيب‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإدارية‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يسمونها‭ ‬ذات‭ ‬زمن‭ ‬ولى‭.‬

ت‭ ‬ـ‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية

يبسط‭ ‬الحزب‭ ‬خطابه‭ ‬حول‭ ‬التصورات‭ ‬لحل‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية،‭ ‬بالتطرق‭ ‬للقضايا‭ ‬الثانوية‭ ‬أو‭ ‬التقنية‭ ‬ويبتعد‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬آي‭ ‬تصور‭ ‬سياسي‭ ‬لدورها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لخدمة‭ ‬الساكنة‭ ‬تفاديا‭ ‬لمواجهة‭ ‬النظام‭ ‬أولا،‭ ‬وضياع‭ ‬مقعده‭ ‬الصغير‭ ‬أمام‭ ‬كعكة‭ ‬الريع‭ ‬ثانيا،‭ ‬لذلك‭ ‬فخطابه‭ ‬ورؤيته‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬التنظير‭ ‬والهروب‭ ‬نحو‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬الذاتية‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬كرصد‭ ‬ميزانيات‭ ‬خاصة‭ ‬للدراسة‭ ‬وتقييم‭ ‬المشاكل‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬الملائمة،‭ ‬أساسا‭ ‬بالعالم‭ ‬القروي،‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬بشأنه‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية‭ “‬تصورا‭ ‬شاملا‭” ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬اجتماعاته،‭ ‬أما‭ ‬عمليا‭ ‬فالحزب‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محفز‭ ‬لتكتلات‭ ‬هجينة‭ ‬في‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ففي‭ ‬إحدى‭ ‬وثائقه‭ ‬حول‭ ‬تصوره‭ ‬العام‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬نجده‭ ‬يطالب‭ ‬بالجمع‭ ‬بين‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬كالصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحية،‭ ‬وبين‭ ‬البادية‭ ‬أو‭ ‬القرية،‭ ‬كمجال‭ ‬قروي‭ ‬له‭ ‬خصوصيته‭ ‬الطبيعية،‭ ‬أي‭ ‬دون‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬حضري‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬حضري،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الحزب‭ ‬قد‭ ‬أطلق‭ ‬شعاره‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬“الحياة‭ ‬القروية‭ ‬الجديدة”،‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تطوير‭ ‬القرى‭ ‬خدماتيا‭ ‬دونما‭ ‬المساس‭ ‬بنمط‭ ‬القرية،‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬وتوصيات‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬تصور‭ ‬تقدمي‭ ‬يتماشى‭ ‬والرؤية‭ ‬المجتمعية‭ ‬لحزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية،‭ ‬قصد‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية،‭ ‬ومنه‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وسنبسط‭ ‬بعض‭ ‬خطابات‭ ‬قادته‭ ‬لتوضيح‭ ‬تصوراتهم‭ ‬للعمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬فقد‭ ‬صرح‭ ‬نبيل‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬بالقول‭ “‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفتخر‭ ‬بمسار‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬الذي‭ ‬مر‭ ‬في‭ ‬حياد‭ ‬للإدارة‭ ‬ودون‭ ‬تسجيل‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬يذكر‭ ‬من‭ ‬جانبها،

ثم‭ ‬أضاف‭ ‬عقب‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجهوية‭ ‬والجماعية‭” ‬إن‭ ‬أحزاب‭ ‬الائتلاف‭ ‬الحكومي‭ ‬سجلت‭ ‬عموما‭ ‬نتائج‭ ‬ايجابية‭ ‬تعكس‭ ‬رضا‭ ‬الناخبين‭ ‬عن‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته،‭ ‬كما‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬ارتياحه‭ ‬لسير‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬بالنظر‭ ‬لشفافيتها‭ ‬ونزاهتها،‭ ‬رغم‭ ‬تسجيل‭ ‬بعض‭ ‬الخروقات‭ ‬المحدودة‭ ‬المرتبطة‭ ‬باستعمال‭ ‬المال،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬المسلسل‭ ‬الانتخابي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬نتائجه‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ /‬اكتوبر2015‭.‬

عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬كركيش‭ ‬الذي‭ ‬حاز‭ ‬مجددا‭ ‬على‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬إحدى‭ ‬جماعات‭ ‬بإقليم‭ ‬تطوان‭ ‬لم‭ ‬يفت‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬مسألة‭ ‬التعويضات‭ ‬التي‭ ‬يحصلها‭ ‬عليها‭ ‬رؤساء‭ ‬المجالس‭ ‬الجماعية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬1400‭ ‬درهم،‭ ‬والتي‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ “‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لتغطية‭ ‬مصاريف‭ ‬التنقل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬البرلمانيون‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬كتعويض‭.‬

واضح‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬نفسه‭ ‬بالحزب‭ ‬اليساري‭ ‬التقدمي،‭ ‬غارق‭ ‬حتى‭ ‬أذنيه‭ ‬داخل‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬عمل‭ ‬ودور‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تبيض‭ ‬ذهبا‭.‬

ج‭ ‬ـ‭ ‬شرعية‭ ‬التصور‭ ‬الجدري

1‭) ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الشعبي

ونحن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬اليسار‭ ‬للجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬واحتراما‭ ‬لمنهج‭ ‬التسلسل‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬عدم‭ ‬إقصاء‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬معني‭ ‬بالموضوع‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ما،‭ ‬فالمنظمة‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬امتداد‭ ‬لـ‭ ‬“حركة‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬السرية”‭ ‬ذات‭ ‬التوجه‭ ‬الماركسي‭ -‬اللينيني‭ ‬وذو‭ ‬البعد‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬

عندما‭ ‬اجتمعت‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ ‬1992‭ ‬للتقرير‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬الأبواب،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬مبدأ‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حسم‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬السبعينيات،‭ ‬وتم‭ ‬تأكيده‭ ‬وترسيخه‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬انطلاق‭ ‬العمل‭ ‬الشرعي،‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬المنظمة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬لسنة‭ ‬1983،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬مساندة‭ ‬مرشحي‭ ‬القوى‭ ‬التقدمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭. ‬في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬دورات‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قد‭ ‬أجازت‭ ‬وثيقة‭ ‬بمثابة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لتعبئة‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬خوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬رفاق‭ ‬أساسيون‭ ‬في‭ ‬القيادة،‭ ‬يتقدمهم‭ ‬الأمين‭ ‬العام،‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬شعار‭ ‬مقاطعة‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ودافعوا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬باستماتة،‭ ‬وعندما‭ ‬رفضت‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬موقف‭ ‬المقاطعة،‭ ‬وصوتت‭ ‬بأغلبية‭ ‬واسعة‭ ‬لصالح‭ ‬خوض‭ ‬المعركة‭ ‬الانتخابية‭ ‬أصرت‭ ‬القيادة‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬المقاطعة‭ ‬كتصور‭ ‬مرحلي‭ ‬لدفع‭ ‬النظام‭ ‬نحو‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬عن‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬والوصاية‭ ‬على‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭. ‬كانت‭ ‬المنظمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتلقى‭ ‬ضربة‭ ‬الانشقاق‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جماعة‭ ‬فندق‭ ‬حسان‭ ‬سنة‭ ‬1996‭ ‬تشكل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬رافعة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬فرض‭ ‬تصور‭ ‬شمولي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الجماعة‭ ‬المحلية‭ ‬مرورا‭ ‬بالبرلمان‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬دستور‭ ‬ديمقراطي‭ ‬تسود‭ ‬فيه‭ ‬الملكية‭ ‬ولا‭ ‬تحكم،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬قرر‭ ‬تشتيت‭ ‬شمل‭ ‬الرفاق،‭ ‬وظل‭ ‬عصب‭ ‬المنظمة‭ ‬صامدا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الاندماج‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬ديمقراطية‭ ‬يسارية‭ ‬لتشكل‭ ‬اليسار‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬فدرالية‭ ‬تشمل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أحزاب‭ ‬يسارية‭.‬

2‭) ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الاشتراكي

ثمة‭ ‬أحزاب‭ ‬منتسبة‭ ‬للمعارضة‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسات‭ ‬التمثيلية‭ ‬فضلت‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬سياسية‭ ‬معينة‭ ‬مقاطعة‭ ‬المسار‭ ‬الانتخابي،‭ ‬وطالبت‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬خاصة‭ ‬عبر‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ “‬دستور‭ ‬ديمقراطي‭” ‬وانتخابات‭ ‬تنافسية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رحمه‭ ‬سنة‭ ‬1974‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬الذي‭ ‬انشق‭ (‬انشقاق‭ ‬عن‭ ‬الجسد‭ ‬وحفاظ‭ ‬على‭ ‬المبدأ‭ ‬الأصيل‭) ‬عنه‭ ‬منذ‭ ‬1983‭ ‬تيار‭ ‬حمل‭ ‬معالم‭ ‬المطالب‭ ‬الجذرية‭ ‬هو‭ “‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الاشتراكي‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬فترة‭ ‬دخول‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الشعبي‭ ‬إلى‭ ‬حلبة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعمل‭ ‬الشرعي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزمة‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية‭ ‬تصبح‭ ‬مساءلة‭ ‬جدوى‭ ‬المشاركة‭ ‬مطروحة‭ ‬بإلحاح‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الخطاب‭ ‬الجذري‭ ‬بنى‭ ‬شرعيته‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬نقد‭ ‬اختيار‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ “‬المسلسل‭ ‬الانتخابي‭”‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزمته‭ ‬المستحكمة‭ ‬لارتباط‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬بتزكية‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬وتكريسه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭  ‬للاختيارات‭ ‬الرسمية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬أي‭ ‬مفعول‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ترتيبات‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الانتقال‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭.‬

وعلى‭ ‬غرار‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬ومنظمة‭ ‬العمل‭ ‬كانت‭ ‬المقاطعة‭ ‬النتيجة‭ ‬المنطقية‭ ‬لتصور‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬لطبيعة‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬إزاء‭ ‬توازنات‭ ‬الحكم‭ ‬السياسية‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬يجد‭ ‬سنده‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬صيرورة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ووضعية‭ ‬الاستنزاف‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬توازنات‭ ‬ضمنية‭ ‬مهيكلة‭ ‬للحقل‭ ‬الحزبي‭ ‬برمته‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬وواقع‭ ‬الحصار‭ ‬الفعلي‭ ‬مما‭ ‬تتداعى‭ ‬معه‭ ‬فرص‭ ‬بلورة‭ ‬هوية‭ ‬حزبية‭ ‬ضاغطة‭ ‬بموازاة‭ ‬انسداد‭ ‬تنظيمي‭ ‬رديف‭ ‬لغياب‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭  ‬المنتجة‭. ‬

ظل‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقرر‭ ‬صيغة‭ ‬المقاطعة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬محاصر‭ ‬ماديا‭ ‬وإعلاميا‭ ‬وأمنيا‭ ‬وقضائيا‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬باختيار‭ ‬النظام‭ ‬الدفع‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬بمعارضة‭ ‬الواجهة‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬الجناح‭ ‬اليمني‭ ‬الانتهازي‭ ‬للحركة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬محروما‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬كحزب‭ ‬وكدا‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬المخصص‭ ‬للصحافة‭ ‬الوطنية‭ ‬ولازال‭ ‬كذلك‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ظل‭ ‬مناضلوه‭ ‬يناضلون‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يتواجدون‭ ‬بها‭ ‬سياسيا‭ ‬ونقابيا‭ ‬وحقوقيا‭ ‬وجمعويا،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتوا‭ ‬من‭ ‬قوة

وفي‭ ‬وقت‭ ‬ما،‭ ‬استنفد‭ ‬الحزب‭ ‬مرحلة‭ ‬مقاطعة‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬ودخل‭ ‬مرحلة‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬جوهري‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬وتقديم‭ ‬بديل‭ ‬يساري‭ ‬للعملية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التحالف‭ ‬السياسي‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬له‭ ‬الحزب‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تحالف‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حزبي‭: ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي‭ ‬والحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد،‭ ‬حيث‭ ‬دخل‭ ‬معهما‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ضمن‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬والجماعية،‭ ‬وبتنسيق‭ ‬المواقف‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الدستورية‭ ‬والانتخابية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وصدرت‭ ‬عنه‭ ‬عدة‭ ‬بيانات‭ ‬بمواقف‭ ‬موحدة،‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬مشروع‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬يرتقي‭ ‬بتحالف‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬نحو‭ “‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭” ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2015‭ ‬الذي‭ ‬قدمت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرسائه‭ ‬ورقة‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أفق‭ ‬واضح‭ ‬و‭ ‬موحد‭ ‬للنضال‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬ويركز‭ ‬هدفه‭ ‬ضمن‭ ‬أوراقه‭ ‬السياسية‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬وأفاق‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬بتنزيل‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمواطن‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬الهدف‭ ‬الأول‭ ‬لسياسة‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬كتصور‭ ‬استراتيجي‭ ‬للارتباط‭ ‬بكل‭ ‬فئات‭ ‬الشعب،‭ ‬وعدم‭ ‬ترك‭ ‬الساحة‭ ‬فارغة‭ ‬للمفسدين‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬رجل‭ ‬خارج‭ ‬النسق‭ ‬إن‭ ‬اقتضت‭ ‬الضرورة‭ ‬ذلك‭. ‬وتلخص‭ ‬رؤيته‭ ‬للجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬بأنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬التكفل‭ ‬بحاجات‭ ‬الأفراد‭ ‬والاهتمام‭ ‬بتطلعاتهم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬محلية‭ ‬شاملة،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬المجتمع‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬والجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬اللامركزية‭ ‬هي‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الفعالة‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬عجلة‭ ‬التنمية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والمحلي‭.‬

3‭) ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الاشتغال‭ ‬السري،‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬العمل‭ ‬القانوني‭ ‬ظهر‭ ‬حزب‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الشعبي‭ ‬سنة‭ ‬1983،‭ ‬كامتداد‭ ‬لحركة‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬السرية‭ ‬ذات‭ ‬التوجه‭ ‬الماركسي‭ ‬–اللينيني،‭ ‬وقد‭ ‬اتحدت‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭ ‬2002‭ ‬مع‭ ‬ثلاثة‭ ‬حركات‭ ‬يسارية،‭ ‬هي‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والديمقراطيون‭ ‬المستقلون‭ ‬والفعاليات‭ ‬مع‭ ‬فعاليات‭ ‬يسارية‭ ‬مستقلة،‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬حزب‭ ‬اليسار‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد،‭ ‬وخلال‭ ‬سنة‭ ‬2005،‭ ‬بعد‭ ‬مشاورات‭ ‬بين‭ ‬الحزب‭ ‬وجمعية‭ ‬الوفاء‭ ‬للديمقراطية‭ ‬المنشقة‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬حيت‭ ‬ثم‭ ‬الاندماج‭ ‬ليولد‭ “‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد‭”‬،‭ ‬ومنطلق‭ ‬الحزب‭ ‬كان‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هو‭ ‬المشاركة‭ ‬و‭ ‬أن‭ ‬البعد‭ ‬المؤسساتي‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬حزب‭ ‬الشمعة‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬انتخابيا‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف،‭ ‬وفي‭ ‬أخر‭ ‬انتخابات‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬تقدم‭ ‬بأرضية‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬نقطة‭ ‬اعتبرت‭ ‬ثمرة‭ ‬تجميع‭ ‬فصائل‭ ‬مناضلة‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬اليسار‭ ‬الجديد‭ ‬والحركة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رموزه‭ ‬التاريخية‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬الانتخابية‭ ‬السابقة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬شارك‭ ‬سنة‭ ‬2009‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬مقاعد‭ ‬جماعات‭ ‬قروية‭ ‬وحضرية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التحالف‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬اتخذ‭ ‬موقف‭ ‬المقاطعة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2011‭ ‬السابقة‭ ‬لأوانها‭ ‬لكون‭ ‬الحزب‭ ‬متموقفا‭ ‬من‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬لسنة‭ ‬2011،‭ ‬والتي‭ ‬قدم‭ ‬بشأنها‭ ‬مذكرة‭ ‬قوية‭ ‬تضمنت‭ ‬مطالبه‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬الانتخابية‭ ‬السابقة‭.‬

وتصوره‭ ‬لدور‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬حزب‭ ‬الطليعة،‭ ‬لذلك‭ ‬سنتعرف‭ ‬على‭ ‬تصورهم‭ ‬العام‭ ‬حين‭ ‬التطرق‭ ‬لفيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭.‬

4‭) ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي

ولد‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2001،‭ ‬بعد‭ ‬الانشقاق‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬إثر‭ ‬نتائج‭ ‬المؤتمر‭ ‬السادس‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير،‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬عضو‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬والكاتب‭ ‬العام‭ ‬لنقابة‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل‭ ‬نوبير‭ ‬الأموي‭ ‬أكبر‭ ‬وعاء‭ ‬نقابي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬كافة‭ ‬كوادره‭ ‬تقريبا‭ ‬والأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬منخرطيه‭ ‬أعضاء‭ ‬بالكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل‭.‬

كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاتحاديون،‭ ‬الملتفون‭ ‬حول‭ ‬الكاتب‭ ‬العام‭ ‬للكونفدرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للشغل‭ ‬يطمحون‭ ‬إلى‭ ‬فرملة‭ ‬انحراف‭ ‬توجهات‭ ‬قيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بوضع‭ ‬النقابيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هياكل‭ ‬الحزب،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬جماعة‭ ‬اليازغي‭ ‬التي‭ ‬حولت‭ ‬الحزب‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬للأعيان‭ ‬رجحت‭ ‬كفتها‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬ذاتية‭ ‬وموضوعية،

عموما‭ ‬فان‭ ‬لحزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاتحادي‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬النقابية‭ ‬العمالية،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬بسبب‭ ‬تكوينه،‭ ‬فمنطلق‭ ‬البرنامج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لحزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬هو‭ ‬التوافق‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬لوضع‭ ‬مخطط‭ ‬شامل‭ ‬لتحديث‭ ‬بنيات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمجتمع‭ ‬المغربي،

لدلك‭ ‬فان‭ ‬موقفه‭ ‬وتصوراته‭ ‬حول‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬جوهريا‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬قوى‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار،‭ ‬ويستنتج‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ورقته‭ ‬السياسية‭ ‬والإيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬النضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬ملاذ‭ ‬كل‭ ‬الاتحاديين‭ ‬أما‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬فمرده‭ ‬إلى‭ ‬الانزياح‭ ‬الأدائي‭ ‬الاختزالي‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬سيقود‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬معارضة‭ ‬بالتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬تصعيد‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬نظام‭ ‬الاستغلال‭ ‬نفسه،‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬يدعو‭ ‬لضرورة‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬حركة‭ ‬اليسار‭ ‬واندماج‭ ‬أحزاب‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وذلك‭ ‬بالإعداد‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬والتنظيمي‭ ‬لتحويل‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬ملموس،‭ ‬وترجمته‭ ‬عمليا‭.‬

5‭) ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي

أعلن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬أحزاب‭ ‬الطليعة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الاشتراكي‭ ‬والحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد‭ ‬وحزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الاتحادي،‭ ‬في‭ ‬الرباط‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬يناير‭ ‬2014‭ ‬عن‭ ‬تأسيسهم‭ ‬لفيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بهدف‭ ‬التنسيق‭ ‬وتوحيد‭ ‬المواقف‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬قضايا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬انصهار‭ ‬أجهزة‭ ‬تلك‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬احتفاظ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأحزاب‭ ‬بشخصيتها‭ ‬القانونية‭ ‬والاعتبارية‭. ‬

وبتاريخ‭ ‬16‭ ‬نونبر‭ ‬2014‭ ‬قررت‭ ‬الهيئة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لـ‭ “‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭” ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬جماعية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬وغرف‭ ‬مهنية،‭ ‬واقترحت‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬الثلاثة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الانتخابات‭ ‬مدخلاً‭ ‬لبدء‭ ‬الممارسة‭ ‬الانتخابية‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬والقطع‭ ‬النهائي‭ ‬والحازم‭ ‬مع‭ ‬ممارسات‭ ‬الفساد‭ ‬السياسي‭ ‬والانتخابي‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬المحطات‭ ‬السابقة،‭ ‬والتي‭ ‬أفضت‭ -‬في‭ ‬غالبيتها‭- ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬مجالس‭ ‬تمثيلية‭ ‬فاقدة‭ ‬لأية‭ ‬شرعية‭ ‬انتخابية،‭ ‬وأفرزت‭ ‬نخباً‭ ‬فاسدة،‭ ‬همها‭ ‬الوحيد‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة،‭ ‬ونهب‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬

تصور‭ ‬دور‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬لدى‭ ‬التكتل‭ ‬الثلاثي‭ ‬لأحزاب‭ ‬اليسار

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المطالب‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية‭ ‬التي‭ ‬تروم‭ ‬إصلاح‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬الفضفاضة‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬لتغيير‭ ‬الدستور‭ ‬والملكية‭ ‬البرلمانية‭ ‬و‭ ‬الإشراف‭ ‬المستقل‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬والتصويت‭ ‬بالبطاقة‭ ‬الوطنية‭ ‬كمعيار‭ ‬بدل‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬اللوائح‭ ‬المشكوك‭ ‬فيها‭ ‬وإعادة‭ ‬خريطة‭ ‬التقطيع‭ ‬الانتخابي،‭ ‬ترى‭ ‬الفيدرالية‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬المواطنين‭ ‬عبر‭ ‬تأسيس‭ ‬آليات‭ ‬لإشراك‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬قضاياهم،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬السبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتنمية‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬للجماعات‭ ‬القروية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مجالات‭ ‬استثمارية‭ ‬بالعالم‭ ‬القروي‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬السكان،‭ ‬وفك‭ ‬العزلة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تروم‭ ‬بلورة‭ ‬برامج‭ ‬لشراكة‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬معالجة‭ ‬معضلة‭ ‬الشغل‭ ‬والسكن‭ ‬غير‭ ‬اللائق‭ ‬والخدمات‭ ‬الصحية،‭ ‬وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬متصل‭ ‬كان‭  ‬برنامج‭ ‬الثلاثي‭ ‬أثناء‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬أخر‭ ‬انتخابات‭ ‬جماعية‭ ‬يروم‭ ‬إلزام‭ ‬المسؤولين‭ ‬على‭ ‬التسيير‭ ‬الجماعي‭ ‬بالتصريح‭ ‬بممتلكاتهم،‭ ‬وتكوين‭ ‬مكاتب‭ ‬منسجمة‭ ‬للتسيير‭ ‬المحلي،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬اختصاصات‭ ‬المجالس‭ ‬الجماعية،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬للتوسع‭ ‬العشوائي‭ ‬للمدارات‭ ‬الحضرية،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬وتنمية‭ ‬مالية‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم‭ ‬والجبايات‭ ‬واعتماد‭ ‬العدالة‭ ‬الضريبية،‭ ‬وبالتزامات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ربط‭ ‬إعداد‭ ‬وتنفيذ‭ ‬ميزانية‭ ‬الجماعات‭ ‬بتصور‭ ‬شمولي‭ ‬لتنميتها‭ ‬وتلبية‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية‭ ‬للساكنة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الرصيد‭ ‬العقاري‭ ‬للجماعات،‭ ‬ومواجهة‭ ‬الاختلالات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭ ‬المنشودة‭ ‬ولم‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المحلية‭ ‬التشاركية‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الفيدرالية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬جدوى‭ ‬التسيير‭ ‬اليساري‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والشفاف،‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬الوفاء‭ ‬للمبادئ‭ ‬وتجديد‭ ‬الأفكار‭ ‬عوض‭ ‬التبعية،‭ ‬والتصور‭ ‬العام‭ ‬لما‭ ‬يريده‭ ‬الثلاثي‭ ‬اليساري‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬ودور‭ ‬وهدف‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أهمية‭ ‬النضال‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسات،‭ ‬عبر‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والتضامن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬فمثلا‭ ‬بخصوص‭ ‬الصلاحيات‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬أوضح‭ ‬عمر‭ ‬بلافريج‭ ‬المستشار‭ ‬الجماعي‭ ‬بمجلس‭ ‬مدينة‭ ‬الرباط‭ ‬أنها‭ ‬صلاحيات‭ ‬ناقصة،‭ ‬مستدلا‭ ‬بمشروع‭ ‬الأنوار‭ ‬الذي‭ ‬رصدت‭ ‬له‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭ ‬وقدم‭ ‬المجلس‭ ‬حصته‭ ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬له‭ ‬فيه‭.‬

6‭) ‬حزب‭ ‬النهج‭ ‬الديمقراطي

حزب‭ ‬النهج‭ ‬الديمقراطي‭ ‬تنظيم‭ ‬يساري‭ ‬يقاطع‭ ‬الانتخابات‭ ‬منذ‭ ‬25‭ ‬سنة‭ ‬أي‭ ‬مند‭ ‬رأى‭ ‬النور‭ ‬تنظيميا‭ ‬وعلنيا

وهي‭ ‬مدة‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬طريقاً‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات،‭ ‬فلم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬خاض‭ ‬أي‭ ‬استحقاقات‭ ‬تذكر،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬حزب‭ ‬يقاطع‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فقد‭ ‬برر‭ ‬وجوده‭ ‬باستغلال‭ ‬الهوامش‭ ‬التي‭ ‬يتركها‭ ‬المخزن‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬العلني،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬لا‭ ‬رهان‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬تغير‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وأن‭ ‬الجو‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬العزوف‭ ‬ومقاطعة‭ ‬الانتخابات،‭ ‬والنهج‭ ‬يحاول‭ ‬إعطاء‭ ‬مدلول‭ ‬سياسي‭ ‬لرفض‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المخزنية‭ ‬القائمة،‭ ‬وأن‭ ‬اللعبة‭ ‬الفاسدة‭ ‬طال‭ ‬عليها‭ ‬الزمن،‭ ‬ويصر‭ ‬النهج‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬حقيقي‭ ‬للدستور،‭ ‬يعتبر‭ ‬الشعب‭ ‬مصدر‭ ‬السلط‭ ‬وصاحب‭ ‬السيادة،‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬التصويت‭ ‬بالبطاقة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأن‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬هيئة‭ ‬محايدة‭.‬

خلاصة

بعد‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬الجانب‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ورؤية‭ ‬وخطاب‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬حول‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬ودورها،‭ ‬أصبح‭ ‬بالإمكان‭ ‬وضع‭ ‬خلاصة‭ ‬لتصورات‭ ‬اليسار‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬الترابية‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬هيكل‭ ‬الدولة،‭ ‬ولعل‭ ‬الإشكالية‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬السياسي‭ ‬منذ‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الاستقلال،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬واقع‭ ‬الملكية‭ ‬الحاكمة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬المرجعية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬التلازم‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬الأول‭ ‬والمطلب‭ ‬الثاني‭ ‬يكتسي‭ ‬بعدا‭ ‬تنازعيا‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه‭. ‬وظل‭ ‬بالنتيجة‭ ‬السمة‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭-‬الإيديولوجي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬تعيين‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭ “‬حكومة‭ ‬التناوب‭” ‬سنة‭ ‬1998‭ ‬كتتويج‭ ‬لمسار‭ “‬تصالحي‭” ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬المكونات‭ ‬الحزبية‭ ‬وخصوصا‭ ‬اليسارية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬الثمن‭ ‬الغالي‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص‭.‬

إن‭ ‬التصور‭ ‬العام‭ ‬لقوى‭ ‬اليسار‭- ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الاختلافات‭ ‬الطفيفة‭ – ‬يذهب‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬مكمن‭ ‬الداء‭ ‬أي‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬المؤطرة‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬فالاختلالات‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭. ‬فبالوقوف‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬أولى‭ ‬التجارب‭ ‬يتضح‭ ‬أنها‭ ‬اتسمت‭ ‬بميل‭ ‬حاد‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬مصداقيتها‭ ‬واتهام‭ ‬السلطة‭ ‬الوصية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬بتزييفها‭ ‬والوقوف‭ ‬وراء‭ ‬التجاوزات‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬شرعيتها‭. ‬وهو‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬اكتسى‭ ‬طابعا‭ ‬هيكليا‭ ‬أصبحت‭ ‬معه‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬تعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬نفسها‭ ‬وفق‭ ‬الضوابط‭ ‬ذاتها،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬ترك‭ ‬الخلافات‭ ‬الهامشية‭ ‬والعمل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬اليسارية‭ ‬تنظيمات‭ ‬وحركات‭ ‬وجمعيات‭ ‬وفعاليات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬والموقف‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬الوحدة‭ ‬التنظيمية‭ ‬لتغيير‭ ‬القوانين‭ ‬المكبلة‭ ‬لعمل‭ ‬المجالس‭ ‬الترابية‭. ‬فمثلا‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أهمية‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬للعمليات‭ ‬الانتخابية،‭ ‬بالتناسب‭ ‬مع‭ ‬الإجراءات‭ ‬التنظيمية‭ ‬والعملية،‭ ‬سواء‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتقطيع‭ ‬الانتخابي‭ ‬أو‭ ‬بالتحكم‭ ‬في‭ ‬اللوائح‭ ‬الانتخابية،‭ ‬ونمط‭ ‬الاقتراع‭ ‬وهي‭ ‬العناصر‭ ‬الثلاث‭ ‬التي‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أساس‭ ‬تشكيل‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬جماعيا،‭ ‬فالمعركة‭ ‬أساسية‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬أو‭ ‬أسلوب‭ ‬الاقتراع‭ (‬النظام‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬اللائحة‭) ‬والعتبة‭ ‬القانونية‭ ‬لتوزيع‭ ‬المقاعد‭ (‬تخفيض‭ ‬العتبة‭ ‬أو‭ ‬إلغائها‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬تحديد‭ ‬الهيئة‭ ‬الناخبة‭ ‬وشروط‭ ‬وشكليات‭ ‬الترشيح‭ ‬والتصويت‭ ‬وإعلان‭ ‬النتائج،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحلقات‭ ‬هناك‭ ‬رابط‭ ‬استبدادي‭ ‬يجمعها‭ ‬عبر‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الخريطة‭ ‬الانتخابية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللوائح‭ ‬الانتخابية‭ ‬والتقطيع‭ ‬الانتخابي‭ ‬ويقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬انتخاب‭ ‬أغلبية‭ ‬منسجمة‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والفعاليات‭ ‬اليسارية،‭ ‬ويضعف‭ ‬بالتالي‭ ‬الأثر‭ ‬الفعلي‭ ‬لشعبية‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتم‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين‭ ‬بطريقة‭ ‬ذكية‭ ‬تجعل‭ ‬أثر‭ ‬المزاج‭ ‬السياسي‭ ‬والانتخابي‭ ‬العام‭ ‬ضعيف‭ ‬التأثير‭ ‬والقيمة‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭.‬

إن‭ ‬هناك‭ ‬إجماعا‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬للمجالس‭ ‬الجماعية،‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الباحث‭ ‬الخروج‭ ‬بفكرة‭ ‬محددة‭ ‬أو‭ ‬خلاصة‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬سياسية‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬اليسار‭ ‬المغربي‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬وبنيتها‭ ‬السياسية‭ ‬ومجالات‭ ‬تدخلاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬أرضية‭ ‬واحدة‭ ‬،لان‭ ‬هذه‭ ‬التصورات‭ ‬والرؤى‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬بسبب‭ ‬نشأته‭ ‬وتشتته‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬ومحافظته‭ ‬على‭ ‬طابعه‭ ‬التاريخي‭ ‬المتشعب‭.‬

وتعد‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬نقطة‭ ‬ضوء‭ ‬وتحول‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬الأسرة‭ ‬اليسارية،‭ ‬وأكيد‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬صعب‭ ‬وشاق‭ ‬وان‭ ‬أعداء‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬سيضعون‭ ‬الأشواك‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬وان‭ ‬الأمل‭ ‬كل‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬والصمود‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬يتسلم‭ ‬الجيل‭ ‬القادم‭ ‬مشعل‭ ‬النضال‭.‬

كما‭ ‬انه‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتجاوز‭ ‬ضبط‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬أوعية‭ ‬وقوالب‭ ‬سياسية‭ ‬جامدة،‭ ‬لان‭ ‬هناك‭ ‬فعاليات‭ ‬يسارية‭ ‬غير‭ ‬منظمة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وعاء‭ ‬أو‭ ‬تنظيم‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬تبدو‭ ‬اكبر‭ ‬عدديا‭ ‬من‭ ‬المنخرطين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬الحزبية‭ ‬ولها‭ ‬وزن‭ ‬ووضع‭ ‬اعتباري‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به،‭ ‬برزت‭ ‬بوضوح‭ ‬أثناء‭ ‬وبعد‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفي‭ ‬التجمعات‭ ‬واللقاءات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬ويمكن‭ ‬إجمال‭ ‬تصورها‭ ‬لوضعية‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬ترسانتها‭ ‬القانونية‭ ‬ودمقرطة‭ ‬عملها‭ ‬ورفع‭ ‬وصاية‭ ‬الدولة‭ ‬عنها‭ ‬وهذه‭ ‬الكتلة‭ ‬تشكل‭ ‬خزانا‭ ‬للأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬احتضانها‭ ‬لتقوية‭ ‬جسد‭ ‬اليسار‭ ‬المغربي‭ ‬لمواجهة‭ ‬الاستبداد‭ ‬السياسي‭ ‬والإقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى