عمر بين خطين
◆ خالد بكاري
هل كان البلد في هذا التوقيت المفصلي بحاجة إلى اعتقال عمر الراضي بذلك الشكل الذي يثير شبهات كثيرة متعلقة بالشطط في استعمال السلطة، وبالتضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان؟
بدأت الحكاية أول الأمر بتقرير لمنظمة العفو الدولية يحمل مزاعم متعلقة بشبهات حول اختراق هاتف عمر الراضي عبر برنامج إسرائيلي تنتجه شركة “إنزو”، وهو التقرير الذي طرح إمكانية اقتناء الدولة المغربية لهذا البرنامج بغاية مراقبة المعارضين والنشطاء المدنيين والحقوقيين والصحفيين.
رد الحكومة المغربية غلب عليه الاندفاع وغياب اللباقة في التعامل مع منظمة وازنة دوليا، وفضلا عن المصداقية التي تحظى بها، وكونها تعتبر مرجعا في أدبيات الحركة الحقوقية العالمية، فإن لها صوتا مسموعا في الهيئات الحقوقية الأممية، كما في الصحافة الدولية المؤثرة.
كان من الممكن تجنب آثار هذا التقرير بخسائر قليلة، لو كان رد الحكومة اكتفى بالنفي، مع الوعد بفتح تحقيق في الموضوع، كما تفعل دول عديدة في مثل هذه الحوادث، وكما كانت السلطات المغربية تفعل بدورها في محطات سابق.
لكن للأسف دخلت الحكومة المغربية في صراع بمعادلة صفرية، ولئن نجحت في إحداث اختراقات داخليا عبر تجييش إعلامي يستند على مقولة “التعبئة الوطنية لمواجهة الاستهداف الخارجي”، فإنها خسرت خارجيا، وبمتابعة بسيطة لتغطيات القنوات والصحف والمواقع المؤثرة دوليا سنكتشف انحيازا لصالح سردية أمنستي، تصل أحيانا حد التبني.
لقد كانت تقارير سابقة تدين المغرب بالتجسس على مواطنيه عبر برنامج كانت تبيعه شركة “هاكينغ تايم” الإيطالية، ودعوى شركة واتساب التابعة للعملاق فيسبوك ضد شركة ن.س.و الإسرائيلية تتضمن المغرب من بين دول تعرض مواطنوها لاختراق حساباتهم، وهي وقائع طرحت في دورتين من دورات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، تسير ضد سردية الدولة المغربية.
إن استدعاء عمر الراضي لتحقيقات ماراطونية مباشرة بعد تقرير أمنستي وتبعاته، يحمل شكوكا حول شبهة “الانتقام” أو “تحوير” الاهتمام من قضية تجسس على مواطن إلى تجسس هذا المواطن على دولته. ترافقت هذه الاستدعاءات المتكررة والمتقاربة زمنيا، مع حملة تشهير تعرض لها عمر وأسرته وأصدقاؤه والمنبر الذي يشتغل فيه، وسط حياد سلبي لمؤسسة النيابة العامة”، وهو حياد للأسف. “
من خلال تسريبات محاضر الاستماع لعمر الراضي أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يتبين أن التهم الموجهة له لا تستند إلى أي مرجعية قانونية أو أخلاقية حتى، ذلك أن المؤسستين اللتين تعامل معهما، هما مؤسستان قانونيتان، وأنشطتهما علنية، ولم يسبق أن وجهت لهما تهمة الارتباط بأجهزة استخباراتية، الأولى مؤسسة ربحية استشارية، والثانية مؤسسة مدنية غير ربحية، والمشروع الذي كان يشتغل عليه عمر الراضي معها، كان بناء على إعلان موجه للصحافيين في العالم كله، لدعم مشاريع تحقيقات صحفية مرتبطة بقضايا الأرض والسكان الأصليين، وتقدم عمر الراضي كما تقدم صحافيون مغاربة آخرون بمشاريعهم للتباري على ثلاثين منحة موزعة على القارات الخمس، وكان عمر من بين هؤلاء الثلاثين الذين اقتنعت اللجنة المكلفة باختيار المشاريع بجدية وأهمية ما اقترحه.
لقد كان واضحا أن عمر يمتلك ما يكفي من الأدلة لدحض تهمة التخابر السخيفة، والتي ليست في صالح المغرب وصورته وعلاقاته الدبلوماسية.
لقد تحركت بغباء مواقع معينة لاتهام المخابرات البريطانية في توقيت يحتاج فيه المغرب لدعم علاقاته مع إنجلترا للاستفادة من ثمار البريكسيت اقتصاديا وبعد ذلك سياسيا، بما يخدم الموقف المغربي في قضية الصحراء.
في غفلة من الجميع ستظهر حكاية الاغتصاب، وإذا كان من حق أي مواطنة أن تتقدم للقضاء لكي ينصفها أمام هذه الجرائم البشعة، كما يجب أن يتمتع الضحايا بدعم حقوقي مبدئي، إلا أن توقيت الاتهام وملابساته وتذبذب التصريحات وانتفاء الأدلة والشهود والتقرير الطبي وعديد من الأمور، كل هذا مترافق مع تكرار هذه الاتهامات في مواجهة الصحفيين الذين يتم تصنيفهم في خانة المزعجين، كل هذا لا يجعل هذه الاتهامات محط علامة استفهام فقط، بل يضر مستقبلا بأي اتهامات جدية متعلقة بالاعتداءات الجنسية، ذلك أن الرأي العام سيميل إلى التشكيك عوض دعم الضحايا.
ولنلاحظ أن الجمعيات الحقوقية الدولية التي عادة ما تميل لجهة المشتكيات في قضايا سابقة، خرجت هذه المرة لتشكك في الأمور، بل أصبحت تعبر صراحة عن شكوكها في إمكانية توظيف الدولة المغربية لأجساد النساء لتصفية حسابات عبر فبركة وقائع غير جدية.
في المحصلة، يعيش المغرب وضعا صعبا على مستوى تطور الحالة الوبائية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، مما يتطلب تعبئة وطنية، تعبئة لا يمكن أن تنجح بأدوات سلطوية في ظل خصاص على كل المستويات، وانتهاء بإمكانية شراء السلم الاجتماعي.
ولذلك فإن انفراجا سياسيا وحقوقيا يمكن أن يكون مدخلا مساعدا على تنفيس الاحتقان، ومن ثمة محاولة بناء عناصر ثقة بين الدولة والمجتمع، ثقة تعتبر ضرورية لعبور جسر الجائحة بأقل خسائر ممكنة.
أما استثمار حالة الطوارئ الصحية في التضييق على الحقوق والحريات فلا يقود سوى لطريق مسدود.
للتذكير، ففي الوقت الذي اعتقل فيه الراضي، كان هناك عفو ملكي على نشطاء من حراك الريف، كنا أمام خطين متوازيين لا يلتقيان في الهندسة التقليدية.
فبقدر ما احتضن الجميع خط العفو، بقدر ما تخوفوا من خط الاعتقال.