متى يخلع مجلس المنافسة جلباب القصر ؟!
شركة سامير ثروة وطنية تستوجب معركة موحدة لإعادة تشغيلها في حضن الوطن
مجلس المنافسة مؤسسة دستورية حسب الفصل 166، والذي اعتبرها هيئة عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، تعنى بدراسة أداء الأسواق ومحاربة الممارسات غير الأخلاقية والمنافية للمنافسة الشريفة، يحدد تركيبته واختصاصاته القانون 20.13، الذي منحه صلاحيات واسعة لاتخاذ القرار، وأكد على الدور الأساسي للمجلس في تطبيق قانون المنافسة و منع الممارسات اللاأخلاقية في السوق، بالإضافة إلى توقيع الجزاءات على مخالفة قواعد المنافسة، هذا بشكل عام دور ومهام مجلس المنافسة، والذي كان من المطالب الأساسية لليسار المغربي قصد ضبط الاستثمار الداخلي والخارجي وتنقية الإدارة والمؤسسات من جيوب الفساد، ورغم إقرار الدولة بجدوى هذا المجلس في المغرب، تماشيا مع توصيات مجلس المنافسة العالمي، فقد بقي مشلولا لعقد من الزمن حتى تعيين إدريس الكراوي رئيسا عليه شهر دجنبر 2018.
شهرا بعد تعيين إدريس الكراوي رئيسا لمجلس المنافسة، توصل بإحالة عليه من طرف المنظمة النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تشكو احتمال وجود ممارسات منافية للمنافسة من طرف الفاعلين في قطاع المحروقات، مما سبب ضررا بليغا بالقدرة الشرائية لعموم المواطنين والمستهلكين وبالاقتصاد الوطني وبالمقاولة النقلية، وذلك بعد قرار متسرع للحكومة خلال ولاية رئيسها السابق عبد الإله بنكيران القاضي بتحرير أسعار المحروقات شهر دجنبر 2015.
تفعيل مهام مجلس المنافسة المرتبطة بضبط السوق استجابة لأحد مطالب حركة 20 فبراير، المتمثلة في محاربة الفساد والريع والاحتكار، جاء عبر تمرين صعب و حقيقي حملته أول إحالة من نقابة كدش، التي فتحت نقاشا عموميا حول أدوار مجلس المنافسة، خصوصا بعد تشكيل لجنة ملكية للنظر في التناقضات الحاصلة بين أعضائه الثلاثة عشرة، فلم يعد الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية تستمد قوة قراراتها من الصلاحيات الممنوحة لها بالدستور وبالقانون، وبالأخص مبدأ الاستقلالية والتقرير والوضع الاعتباري، لإثبات سمو المؤسسات عن اللوبيات المتحكمة في القرار الحكومي والاقتصادي.
إن توقف المنشأة الوطنية “سامير” بالمحمدية عن الإنتاج في غشت 2015، استغله اللوبي المتحكم في الوسط المالي والاقتصادي والمحتكر لسوق المحروقات، المشكل من قرابة عشرين شركة، لإنهاك القدرة الشرائية للمستهلك و للاقتصاد الوطني، مما نتج عنه خسائر مالية تقدر بملايير الدراهم، وخسائر اجتماعية في آلاف مناصب الشغل. فاستغلال الشركات المحتكرة وضغوطاتها على الحكومة المغربية لم تتجاوز ثلاثة أشهر فقط لتنجح في استصدار قرار حكومي لا شعبي وصفه مجلس المنافسة بالمتسرع، في ظل توقف الإنتاج بشركة سامير، مؤداه تحرير أسعار المحروقات شهر دجنبر 2015، بدون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للوطن المتمثلة في تحصين الاقتصاد الوطني وتهيئته لمواجهة التحديات، وذلك لن يكون إلا عبر ضمان المخزون الأمني للمحروقات والأمن الطاقي للمغرب باستغلال القدرات الهائلة للمنشأة الوطنية سامير في الإنتاج و التخزين.
فمن توقيف شركة سامير شهر غشت 2015 إلى تحرير أسعار المحروقات شهر دجنبر 2015، يظهر بجلاء المخطط الجهنمي للشركات الفاعلة في قطاع المحروقات؛ بمؤامرة احتكارية مدروسة، زكتها الحكومة، إن لم نقل إن هناك تواطؤا حاصلا بين الطرفين على اعتبار تواجد بعض محتكري سوق المحروقات ضمن التشكيلة الحكومية المتخذة للقرار اللاشعبي، المرتكز على التحرير، والعجز الحكومي الموجه في تفعيل استغلال خزانات سامير.
إحالة المنظمة العمالية
كشفت كدش المستور من خلال ترافعها في أشغال الجلسة الثانية لتقديم الملاحظات الشفوية، يومي الثلاثاء و الأربعاء 21 و 22 يوليوز 2020، بصفتها الطرف المشتكي من الضرب الحاصل للقدرة الشرائية للمستهلك و للاقتصاد الوطني، بسبب التفاهمات بين الشركات المنافية للمنافسة الشريفة، ويوم الخميس 23 يوليوز 2020، خلصت مداولات مجلس المنافسة إلى تغريم ثلاث شركات كبرى ب 9٪ من رقم معاملاتها و باقي الشركات بنسب أقل، ليعود المجلس يوم الاثنين 27 يوليوز 2020 ليخرج بقرار ثان مؤداه توحيد الجزاء على جميع الشركات ب 8٪ من رقم معاملاتها، القرار الثاني أثار خلافا بين أعضاء المجلس، فعمد البعض منهم – يشكلون أقلية -، إلى رفع ورقة للملك يبرزون من خلالها بعض التجاوزات المسطرية التي مست قرار التغريم الذي اتخذه المجلس، كما توصل الملك قبل ذلك بمذكرة حول القرار الأول المتخذ بتاريخ 23 يوليوز 2020، وبمذكرة ثانية حول قرار يوم 27 يوليوز2020، وجدير بالذكر أن القرار الأول حظي بتصويت اثنا عشر عضوا مقابل واحد، بينما حظي القرار الثاني بتصويت الأغلبية. على إثر التناقض والاختلاف بين أعضاء المجلس تم تشكيل لجنة ملكية أعلنت في بلاغ للديوان الملكي يوم الثلاثاء 28 يوليوز 2020، أنيطت بها مهمة إجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية ورفع تقرير مفصل عن الموضوع في أقرب أجل للملك.
الإشكال المطروح ليس في رفع تقريرين متناقضين، لأن الأجدر هو إعلان مجلس المنافسة لقراره بناء على منهجية التصويت التي اعتمدها للحسم في قرار تغريم الشركات سواء القاضي ب9 % أو ب 8٪ من رقم معاملات الشركات المحتكرة، والذي ثبت ضدها التلاعب بقانون المنافسة، لأن بناء دولة الحق و القانون يمر عبر احترام و ضمان استقلالية المؤسسات الدستورية ومنها مجلس المنافسة، حتى يقوم بدوره الكامل في مناهضة كل أشكال الاحتكار والتواطؤ التي أكدتها النتيجة السنوية في البورصة لإحدى شركات المحروقات “المعروفة” التي قفزت أرباحها من حوالي 300 مليون درهما قبل تحرير أسعار المحروقات إلى 900 مليون درهما بعد التحرير، مع تحقيق نفس المبيعات عن كلتا الحالتين، دون أن نعرج على الضغط الضريبي الذي يتحمله المواطن بسبب توقيف الإنتاج بشركة سامير.
عدم إعلان مجلس المنافسة لقراره رغم ثبوت تفاهمات بين شركات المحروقات من خلال أثمنة البيع المتقاربة للمستهلك وتوزيع حصص السوق و تبادل المعلومات حول أسرار الأعمال والاقتناء المشترك من السوق الدولية والاستمرار في نفس الممارسات قبل التحرير، كلها شبهات تستوجب بعد تأكيدها ترتيب جزاءات وإعلانها بكل استقلالية من طرف مجلس المنافسة لترسيخ الصلاحيات الممنوحة له حفاظا على الاقتصاد الوطني وعلى قدرة المستهلك الشرائية، بعيدا عن الاحتماء بالقصر للتهرب من المساءلة.
أليس ما قاله عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب سنة 2016، بعد تحرير بنكيران لأسعار المحروقات: ” ليس هناك أي استفادة للمواطن المغربي من الانهيار الكبير لأسعار النفط عالميا، ولا يستفيد منه سوى شركات توزيع المحروقات “، تأكيد للفشل الحكومي في سياسته الاقتصادية التي لم يستفد منها سوى اللوبي المتحكم؟