الحصيلة السياسية للحكومة

محمد مجاهد

تقديم

قبل الدخول في صلب موضوع تقييم الحصيلة السياسية للحكومة، و من أجل رفع أي التباس من الضروري تقديم الملاحظات الثلاث التالية:

1 – صلاحيات الحكومة

إن الكلام عن الحصيلة الحكومية يفترض أن تكون الحكومة مسؤولة فعلا عن تدبير الشأن العام بكل مجالاته كما هو الحال في الدول الديمقراطية، بينما أن كل مهتم بالحياة السياسية و الدستورية  المغربية يعرف أن كل القرارات الأساسية ( السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية) تتخذ خارج الحكومة سواء بحكم الصلاحيات الواسعة للملك التي تتضمنها كل الدساتير المغربية بما في ذلك دستور 2011، أو بحكم الأعراف المعمول بها : الدستور الغير المكتوب ( تشكيل اللجان – جلسات العمل – مضامين الخطابات الملكية) أو بالنظر أيضا لتنازل الحكومة الحالية (كسابقاتها) حتى عن بعض صلاحياتها المنصوص عليها دستوريا. و لهذه الأسباب سأتناول الحصيلة السياسية كحصيلة للنظام السياسي المغربي بكل مؤسساته

2 – خصوصية السياق التاريخي

الذي تحملت فيه الحكومة برئاسة حزب العدالة و التنمية بنسختيها الأولى و الثانية و المطبوع من جهة بالمآلات الفاشلة لما سمي بالتناوب التوافقي  – و ما أدى إليه ذلك الوضع  من انسداد الأفق و من إحباط، و ما أصبح يفرضه من ضرورة أخذ العبر و الدروس من ذلك.

و من جهة أخرى بالآمال التي فتحتها حركة 20 فبراير و الحراكات الشعبية التي اعقبتها و المطالبة بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية في ظل سياق جهوي و عربي متفجر بما عرفه من تفكك و حروب و دمار.

3 – السؤال النوعي

و تأسيسا على الملاحظتين الأولى و الثانية فإن سؤال الحصيلة السياسية بالمعنى الكمي يتحول بالضرورة إلى السؤال النوعي التالي:

هل تقدم المغرب منذ دستور 2011، و ما بعد الحكومتين المتتاليتين برئاسة العدالة و التنمية،  قيد أنملة نحو الديمقراطية أو على العكس من ذلك ساعدت الحكومتين النظام لإغلاق القوس الذي اضطر لفتحه تحت ضغط مسيرات 20 فبراير و بالتالي استعادة المبادرة و التحكم المطلق في الحقل السياسي؟

مؤشرات الحصيلة السياسية

إن أي متتبع للشأن السياسي المغربي في السنوات الأخيرة لا يمكن إلا أن يقر بالمزيد من تدهور الأوضاع السياسية و الحقوقية و ذلك من خلال السمات و المؤشرات التالية:

  • تنامي فقدان الثقة في المؤسسات و في العملية السياسية لأن القرارات الاستراتيجية التي ترهن مستقبل البلاد لا ترتبط بصناديق الاقتراع.
  • فشل كل الخطابات الرسمية المرتبطة بإصلاح و تخليق الإدارة و إصلاح القضاء، و تحسين الأوضاع الاجتماعية و اضطرار النظام إلى الاعتراف بفشل ما سمي  ” النموذج التنموي “
  • ازدياد مشاعر الإحساس باليأس و الإحباط و الحكرة من خلال تعبيرات و تمظهرات متعددة ( الحراكات الشعبية – شعارات الملاعب الرياضية – مقاطعة بعض البضائع- موجات الهجرة السرية… إلخ)
  • التراجع الملحوظ في مجال حقوق الإنسان و في مجال الحريات العامة و التعبير عن الرأي ( قمع المظاهرات و المسيرات السلمية و اعتقال المدونين و الصحفيين و متابعتهم حسب القانون الجنائي عوض قانون الصحافة.
  • استعمال القضاء لتصفية الحسابات مع الرأي المعارض من خلال عدة ملفات  ( الإجهاض – الاغتصاب – السلوكات الجنسية – تبييض الأموال..إلخ)
  • استغلال كورونا من أجل المزيد من التضييق على حرية الرأي و التعبير مثل محاولة تمرير قانون 20-22.
  • استمرار اعتقال مناضلي حراك الريف ضدا على كل مطالب القوى الحية في البلاد المطالبة بالإفراج عنهم.
  • التطبيع مع الكيان الصهيوني، و ربط العلاقات في مجالات عدة و قمع كل الوقفات و المسيرات المنددة بالتطبيع.

لعنة الصفقة

إن هاته الحصيلة بما تشكله من إحكام قبضة الدولة على العملية السياسية و على المشهد الحزبي لا يمكن فهمها و مقاربتها إلا من خلال تحليل الصيرورة و الدينامية السياسية التي تعرفها بلادنا منذ حركة 20 فبراير و التي أنهت مؤقتا مخطط الدولة و الذي كان يهدف تأسيس حزب إداري كبير تتحلق حوله الأحزاب الأخرى و ترصد له إمكانيات كبرى ( إعلامية – مالية  – لوجيستيكية و بشرية)

إن من بين أسباب إخفاق حركة 20 فبراير هو تشكيل النظام لجبهة عريضة ( جبهة نعم للدستور)، و في قلب هاته الجبهة صفقة النظام و العدالة و التنمية ضمن لعبة المصالح المتبادلة. فالنظام كان مضطرا لاستعمال ورقة العدالة و التنمية للتنفيس عن أزمته و الخروج منها بأقل التنازلات الممكنة. و العدالة و التنمية كان يريد استغلال الوضع، و بالتالي مقايضة مهاجمته لحركة 20 فبراير و لشعاراتها المركزية ( محاربة الفساد – الملكية البرلمانية ) و اقتراح نفسه حليفا استراتيجيا ناجعا و طيعا للدولة. و كل تصريحات بنكيران خلال الأربع سنوات الأولى من ترأسه للحكومة، كانت تصب في إقناع النظام بأن حزبه له من المؤهلات السياسية و الانتخابية، ما تجعله أفيد له من الأحزاب الإدارية- و قدم حزبه للنظام كحزب يميني محافظ قادر على تمرير السياسات و الاقتصادية و الاجتماعية التي عجزت عنها الحكومات السابقة.

إلا ان النظام و بالرغم من كل هاته التصريحات و الخدمات و لاعتبارات عديدة أهمها طبيعة الدولة المخزنية و بنيتها التاريخية، و كذا حذرها من الأحزاب الإسلاموية التي تنازعها الشرعية الدينية كان له حساباته الخاصة، و كان واضحا منذ البداية أن النظام سيعمل على استعمال و توظيف العدالة و التنمية لصالحه و في نفس الوقت سيعمل على ترويض و تطويع و إضعاف هذا الحزب و خلق التناقضات داخله و قد اتضح ذلك جليا قبل الانتخابات التشريعية من خلال دعم الدولة لحزب الأصالة و المعاصرة و خلال فترة ما سمي بالبلوكاج السياسي، و بعد إقالة بنكيران و تعيين سعد الدين العثماني لتشكيل الحكومة و ما رافق ذلك من تجادبات و اصطفافات حادة بين  ما سمي بتيار الاستوزار و التيار الداعم لبنكيران.

و هكذا سيتحمل الحزب و منذ البداية رئاسة الحكومة و هو محملا بعناصر الإنهاك و الانقسام و الضعف، مروضا و مستعدا لقبول الشروط الجديدة للعبة ليستمر في السياسات اللا شعبية بدون مناوشات و لا انفعالات و لا أوهام كما بصمت عليها أيضا طبيعة شخصية سعد الدين العثماني وصولا حتى للمشاركة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، الخطيئة  التي لن ينجح الحزب أبدا في تبريرها بالفصل و التمييز بين الصفة الحكومية و الصفة الحزبية لوزرائه ليتضح بأن للصفقة ضريبتها و بأن لعنة الصفقة و أوهامها ستلاحق هذا الحزب و ستبقى ملازمة له. و سيصبح بالتالي أكثر فأكثر يتصرف أقرب إلى حزب إداري بمرجعية إسلامية يمينية محافظة.

الحصيلة: المعنى و الدلالة

إذا ما نظرنا للحكومة الحالية كاستمرارية لنسختها الأولى في سياق التاريخ السياسي المغربي المعاصر، و بغض النظر عن الأرقام و المؤشرات الكمية و التفاصيل – و التي هي الأخرى ليست في صالحها – فإن التاريخ سيسجل المعاني و الدلالات الكبرى التالية :

  • بان الحكومتين ما كانتا لتوجدين لولا متلازمتين: وجود حركة 20 فبراير من جهة و مساهمة حزب العدالة و التنمية في إجهاضها و مناهضتها و القرار الحزبي الرسمي بعدم المشاركة في مسيراتها.
  • إن الولايتين الحكومتين كانتا كافيتان ليتمكن النظام و بشكل كامل من استعادة المبادرة و الهيمنة المطلقة على الحقل السياسي بما في ذلك التطبيع مع الكيان الصهيوني و هكذا سيتحول شعار “الإصلاح في إطار الاستقرار” إلى التطبيع الكامل مع التحكم و الفساد

و هكذا فإن المحصلة النهائية / التركة ثقيلة و مقلقة بما يؤشر عليها انسداد الأفق و الانحباس، و تنامي التوتر و الاحتقان و أتساع الهوة بين المجتمع من جهة و بين المؤسسات و العملية السياسية الرسمية.

و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاضطرابات و التحولات الجهوية و العربية فإن المغرب مازال يعيش استقرارا هشا و أن مستقبله مفتوح على احتمالات عدة في انتظار بديل ديمقراطي قوي و مؤثر و قادر على التأثير الفعلي في موازين القوى لصالح الخيار الديمقراطي و لن يشكل هذا البديل إلا بالتقاء اليسار الديمقراطي و عموم الديمقراطيين مع المنظمات الجماهيرية المناضلة و المجتمع المدني المتشبع بقيم الحداثة الديمقراطية في ارتباط وثيق أيضا مع الحراكات الاحتجاجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى