مجهر على 4 حالات اعتقال
الصحافي الاستقصائي
عمر الراضي لازال وراء القضبان
اعتقل عمر الراضي يوم 29 يوليوز 2020 وهو الآن يقبع بسجن عكاشة بمدينة الدار البيضاء. بعد سلسلة من المضايقات الأمنية والإعلامية، أصبح عمر هدفا للقمع المسلط على صحافيي التحقيق بالمغرب، ذنبه الوحيد هو تشبته بممارسة عمله بكل استقلالية ورفض إخراس صوته. انخرط في العمل الصحافي مبكرا وبمجرد استكمال دراسته الجامعية، التحق براديو أطلانتيك كتجربة أولى ثم راح يبحث عن فضاء أرحب بعيدا عن كل رقابة، حيث التحق بأسبوعية le journal hebdomadaire الذي أغلقته السلطات المغربية.
التحق بعد ذلك ب TELQuel ثم Media24. وبعد ذلك أسس بمعية زملاء له موقع “لكم” باللغة الفرنسية الذي أغلقته السلطات بدوره. وخلال سنة 2015 أسس أول موقع بالمغرب حول الصحافة الاستقصائية Le Des- مع مجموعة من الصحافيين. اهتم عمر بمظاهر الظلم الاجتماعي والطبقي والرشوة وحقوق الإنسان وتحالف السلطة والمال والحركات الاجتماعية.
والتحقيقات التي أنجزها أزعجت السلطات كثيرا، لكونها كانت مباشرة وتشير إلى مكامن الفساد ورجاله، ولقد تعاون الراضي مع العديد من وسائل الإعلام المغربية والدولية، ونشر تحقيقات حول الاقتصاد الريعي كما كشف قضية بيع أراض بأسعار زهيدة لمسؤولين كبار.
بدأت قضية عمر الراضي يوم 18 أبريل 2019، عندما تم استدعاؤه من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، على إثر تدوينة غاضبة على الأحكام القاسية ضد معتقلي الريف والتي بلغت 20 سنة. وبعد ثمانية أشهر استدعي مرة أخرى من طرف نفس الفرقة وتقرر اعتقاله، وعرضه على المحكمة في أول جلسة وقررت متابعته في حالة اعتقال يوم 25 دجنبر 2019. وبعد حملة تضامنية واسعة وطنيا ودوليا ،أطلق سراحه ليتابع في حالة سراح. قررت المحكمة معاقبة عمر يوم 17 مارس 2020 بأربعة أشهر موقوفة التنفيذ وب500 درهما غرامة.
وبعد اعتقال زميله سليمان الريسوني، سارع عمر صحبة عدد من الزملاء لتشكيل لجنة تضامنية مع سليمان الريسوني. مباشرة تعرض لحملة تشهيرية به وتم اتهامه بالتجسس، وبدأت تنشر معلومات حول عمله، وحسابه البنكي وحتى حميمياته واتصالاته على المواقع الاجتماعية. وهذا يعني تسريب معلومات شخصية محمية دستوريا. وعندما نشرت منظمة أمنيستي تقريرا، تعلن فيه تعرض هاتف عمر الراضي وعدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين للتجسس بواسطة تطبيق يدعى pegasus من صنع شركة إسرائيلية NSO، انعقد مجلس حكومي بسرعة واتهم عمر علانية بالتجسس والتعامل مع جهات أجنبية لها علاقة بجهات استخباراتية، من قبل القضاء والنيابة العامة. كما أصدر الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بلاغا بفتح تحقيق حول شبهة تلقيه تمويلات خارجية والتجسس. ومن هنا بدأت التحقيقات مع عمر من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي دامت حوالي شهرا كاملا، وكانت كل حصة تحقيق تدوم من سبع إلى عشر ساعات. وخلال هذه التحقيقات، كانت صحافة التشهير والفضائح تتحرش بعمر عند دخوله وعند خروجه من مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أمام أعين ضباطها وتنعته علانية بالجاسوس.
لقد ظل عمر متماسكا ومتشبثا ببراءته من هذه التهم أثناء التحقيق، ولقد دافع عن نفسه من خلال تنظيم ندوة صحفية بمقر النقابة الوطنية للصحافة بالبيضاء بسط فيها قضيته وقدم فيها عدد من التوضيحات. وفي آخر تحقيق لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه، فراحوا إلى لائحة التهم التي اعتادوا توجيهها للصحافيين المستقلين ذات طبيعة أخلاقية كالجنس والاغتصاب والتمويلات. فوجهوا له تهمة الاغتصاب ليتسنى لهم اعتقاله، وهذا ما حصل فعلا، وها هو الآن يتابع في حالة اعتقال بعد أن تم رفض طلب تمتيعه بالسراح المؤقت من طرف دفاعه مادام يتوفر على كل ضمانات الحضور، ولقد انتدب للدفاع عنه ومؤازرته أثناء جلسات التحقيق عدد من المحامين من مختلف هيئات المغرب، وحضر مجموعة منهم جلسات التحقيق، في مقدمتهم النقيب عبد الرحمان بنعمرو، والجدير بالذكر أن أول جلسة كانت يوم 22 شتنبر ومن المنتظر أن تنعقد جلسة جديدة بعد أربعة جلسات، يوم 23 فبراير القادم، والمثير هو تحول شاهد النفي الوحيد الصحفي عماد ستيتو إلى مشتبه فيه في نفس القضية.
ولقد عبرت عددا من التنظيمات الحقوقية والسياسية والمدنية عن تضامنها مع عمر الراضي وكما تشكلت لجنة للتضامن ونظمت مجموعة من المبادرات التضامنية في المغرب وفي الخارج في سياق رفض مسلسل التضييق وقمع الصحفيين ومتابعتهم بتهم ملفقة.
الاعتداء على الحياة الخاصة للاقتصادي والحقوقي فؤاد عبد المومني
في تصريحات إعلامية للاقتصادي والحقوقي فؤاد عبد المومني، حول ما تعرض له من اعتداء على حياته الخاصة، أكد أنه في شهر فبراير من السنة الماضية علم فؤاد المومني، الناشط في مجال حقوق الإنسان والمدافع عن الحريات والديمقراطية، والكاتب العام السابق لترانسبرانسي والنائب السابق لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمعتقل السابق، علم من أصدقاء وأشخاص تواصل مع بعضهم، أنهم توصلوا من أرقام هاتفية مجهولة بفيديوهات قصيرة مصورة في بيته تتضمن محتوى يشير إلى علاقته الحميمية والجنسية داخل بيته، وحسب فؤاد عبد المومني الذي اطلع على ذلك، تعرف على أنها سجلت في غرفة نومه وفي الصالون، واستنتج أن المكان الذي وضعت فيه الكاميرات هو جهاز التبريد في الغرفتين، وأن محتوى الصورة جيد مما يعني أنه لكاميرات دقيقة ومتطورة، وحين عاد للمكان الذي وضعت فيه لم يجدها، واستنتج أن من وضعها عاد ليزيلها بعد عمليات التسجيل، وهو ما يعني حسب عبد المومني أن المدبرين هم مجموعة منظمة تشتغل وفق برنامج وتتحرك في إطار منظم، واعتبر انطلاقا من ذلك أن هناك شكوكا كبيرة حول تورط جهة رسمية تقف وراء ذلك وخصوصا مع ما تعرض له سابقا من اختراق أمني لهاتفه من قبل، ففي أكتوبر ونونبر سنة 2019 تم اختراق نظام تجسس لهاتفه هو وثمانية أشخاص، حيث أخبرهم واتساب بكون هواتفهم تعرضت لمراقبة الكترونية غير قانونية لبرنامج تجسس يسمى pegasus، تنتجه شركة إسرائيلية وتبيعه لعدد من الأنظمة التي تستخدمه ضد المعارضين والنشطاء، ولذلك يحمل فؤاد الدولة مسؤولية هذا الاعتداء الخطير على الحياة الخاصة، ويربط ذلك بمسلسل القمع والتضييق على الحريات الذي تعيشه بلادنا. واعتبر فؤاد المومني أنه لن يقبل سياسة القتل المعنوي المنتهجة، والتي اعتبرها معادية للحريات وللقوانين، ولذلك خرج لفضح ما تعرض له إعلاميا كخطوة أولى، وألمح إلى أن عددا من الأشخاص الذين كانوا يدافعون عن الحريات والديمقراطية ومناهضة الرشوة انسحبوا والتجئوا للصمت، وهو ما قد يفسر أنهم تعرضوا لمثل هذه التهديدات والضغوطات، وللإشارة فان ما تعرض له عبد المومني لا يمكن لأي ديمقراطي وحقوقي إلا أن يستنكره ويدينه، لأنها أفعال إجرامية تستهدف الحياة الخاصة والحميمية للإنسان وتنطوي على اعتداء سافر على حرية وكرامة الإنسان.
تقديم الصحفي سليمان الريسوني للمحاكمة
بعد تسعة أشهر من التحقيق والعزلة
يوم الثلاثاء 8 فبراير تم تقديم الصحفي سليمان الريسوني على أنظار محكمة الاستئناف بالبيضاء، بعد تسعة أشهر من التحقيق، ولقد طالب الدفاع بالسراح المؤقت للريسوني لأنه يملك ضمانات الحضور، كما سجل عدد من المحاميين أنسفهم ينتمون إلى هيئات عدد من المدن للدفاع عنه ومؤازرته من بينهم الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو.
اعتقل الصحافي سليمان الريسوني في 22 ماي 2020، حيث كان يتولى مسؤولية رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم، ولقد جرى الاعتقال في سياق حملة من التهديد والتشهير به وبعائلته سبقت اعتقاله، بعد نشر شخص مجهول لتدوينة يدعي فيها تعرضه لاعتداء جنسي، تدوينة لا تحمل اسم مرتكب فعل الاعتداء هذا، إلا أن النيابة العامة حركت المتابعة ضد الصحافي سليمان الريسوني بناء عليها، ليتحول صاحب التدوينة إلى مشتكي بعد شهرين من سجن هذا الصحافي.
اشتغل سليمان الريسوني في العديد من الجرائد والمواقع وتميزت كتاباته بطابع نقدي للسلطوية، كان يكتب افتتاحيات لاذعة، من خلالها يسلط الضوء على أعطاب الدولة وينتقد سياساتها وطريقة تدبير السلطة لقضايا الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ساهم الصحافي سليمان الريسوني، في تشكيل اللجان الداعمة للصحافيين المعتقلين، ومن المدافعين عن حرية الصحافة، والمنتقدين للقوانين السالبة للحريات ومتابعة الصحافيين في قضايا النشر بالسجن النافذ.
لقد أثار اعتقال الصحافي سليمان الريسوني، شكوكا لدى الجمعيات الحقوقية و الأحزاب، خصوصا بعد الطريقة التي تم اعتقاله بها، التي لم يتردد دفاعه بأن يعتبرها اختطافا، بالإضافة إلى نشر تاريخ اعتقاله بيومين قبل حدوثه، ثم من دون توجيه أي استدعاء قانوني له.
فبحسب الضحية المفترض، والذي تعود الحادثة التي تحدث عنها في تدوينته إلى سنة 2018، والتي بحسب ما صرح به، أنه لم يكن آنذاك مستعدا لمتابعة الصحافي سليمان الريسوني، على ما تعرضه له من طرفه بحضور شاهدة على الحادثة وهي خادمته، وهي التهم التي نفاها الريسوني. بعد اعتقال الريسوني، تمت محاصرة بيته الذي كانت تتواجد به زوجته وابنه الذي كان يبلغ من العمر إذاك تسعة أشهر، أخضع المنزل حينها للمراقبة والحصار طيلة مدة الحراسة النظرية للصحافي سليمان الريسوني، ومن تم اقتيدت زوجته لمقر ولاية الأمن بالدار البيضاء من أجل استنطاقها، فيما منع سليمان الريسوني من التخابر مع دفاعه بعد الانتهاء من الحراسة النظرية، السلوك الذي اعتبرته الجمعيات الحقوقية إمعانا في التسلط ضد هذا الصحافي. تم إيداع الصحافي سليمان الريسوني بسجن عكاشة يوم عيد الفطر،25 ماي 2020 والاحتفاظ به داخل السجن على ذمة التحقيق، ليمنع مرة أخرى من لقاء دفاعه مدة 15 يوما، ويمدد اعتقاله مدة تسعة أشهر. لقد عبرت عدد من الجمعيات والمنابر والشخصيات عن قلقها العميق من جراء هذه المتابعات التي تتم بتوجيه تهم جنسية وأخلاقية ، واعتبرتها تجري في سياق يتسم بالتضييق على الحريات وحقوق الإنسان، مما يقوي الشكوك اتجاهها، مع تأكيدها على إطلاق سراح الصحفيين مادام أنهم يتوفرون على كل ضمانات الحضور، وفي هذا السياق وجهت منظمة مراسلون بلا حدود نداء للأمم المتحدة (طلب إدانة علنية لتوظيف القضايا الجنسية ضد الصحفيين المنتقدين في المغرب).
السجن النافذ في حق المؤرخ والحقوقي المعطي منجب
أصدرت في أواخر شهر يناير الماضي المحكمة حكما بالسجن سنة نافذة في حق المؤرخ والأستاذ الجامعي المعطي منجب، كما صدرت في نفس الملف أحكام بسنة سجنا نافذة في حق هشام المنصوري وعبد الصمد عياش وهشام خريبش وكلهم أعضاء سابقون في الجمعية المغربية لصحافة التحقيق، والسجن لمدة ثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ في حق الحقوقي محمد الصبر وغرامة مالية في حق الصحافية ماريا مكريم، وتعود تفاصيل هذا الملف إلى سنة 2015، حيث وجهت للمعطي منجب وستة نشطاءتهم “المس بالسلامة الداخلية للدولة” وتسيير جمعية تقوم بنشاط غير ما هو مقرر في قوانينها الأساسية، وتلقيهم أموالا من منظمة (فري بريس أنليميتد) غير الحكومية، ويتعلق الأمر بتنظيم دورات تدريبية من طرف مركز ابن رشد الذي أسسه المعطي منجب، حول تقنيات “ستوري ميكرStory Ma-er وهو تطبيق آمن، يمكن الصحفيين المواطنين من نشر أي محتوى دون الكشف عن هويتهم إذا أرادوا ذلك، ولقد تأجلت المحاكمة أكثر من عشرين مرة، وغاب الدفاع في جلسة النطق بالحكم، فحسب تصريح المحامي النويضي، فالدفاع لم يتم إخطاره بالجلسة، والجدير بالذكر أن المعطي منجب يجري التحقيق معه كذلك في تهم غسل الأموال واختلاسات هو وبعض إفراد عائلته، ولقد اعتبر المعطي منجب هذه المتابعات وتلفيق التهم “الهدف منها هو إضعاف موقفه أمام الرأي العام الوطني والدولي بتهمة حق عام بحتة”. ولقد احتجت منظمة العفو الدولية على ما يتعرض له المعطي منيب من تضييق وقمع بسبب أرائه النقدية ودفاعه على حرية التعبير، حيث سبق لمنظمة العفو الدولية أن كشفت أنه أجرت تحقيقا كشف تعرض منجب مند 2017 لمراقبة رقمية غير قانونية باستخدام برمجيات تجسس لشركة إسرائيلية، وهي المراقبة التي شملت مجموعة من الفعاليات الحقوقية بالمغرب، وأصدرت نداء للحكومة تطلب منها إطلاق سراحه بدون قيد أو شرط، وأطلقت أمنيستي تحركا سريعا من أجل إطلاق سراحه بعد أن اعتبرته سجين رأي، واعتبرت هذه التهم فضفاضة للغاية، وأنها تأتي في سياق القمع الذي تشنه السلطات ضد الصحفيين والحقوقيين والنشطاء والمعارضين في السنوات الأخيرة، وبخصوص التمويل الأجنبي فلقد أشارت المنظمة، أنه بموجب القانون ا لدولي لحقوق الإنسان، فإن الحق في تكوين الجمعيات أو الانضمام لها يشمل قدرة المنظمات غير الحكومية، على الانخراط في أعمال جمع التبرعات، والسعي لاستخدام الموارد من المصادر الوطنية والأجنبية والدولية وتلقيها واستخدامها.
وتشكل القيود على تلقي التمويل الأجنبي إخلالا بالمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبخصوص تهمة الاحتيال بسبب عدم التصريح بالتمويل الأجنبي حسب قانون الجمعيات بالمغرب، فلقد اعتبرت المنظمة أن ذلك لا يستوجب المتابعة القضائية بل يمكن أن يقتصر على تعليق أنشطة الجمعية أو حلها.
كما أن بيان “فري بريس أنيليمتد” التي تتخذ هولندا مقرا لها وهي الشريك لمركز ابن رشد والذي أصدرته يوم 15 يناير، تعتبر فيه أن “منجب شريك يحظى باحترام فائق ولا ينبغي أن يكون في السجن”، كما أن بعض لجان التضامن قد شكلت في الموضوع تضم شخصيات فكرية وأكاديمية كبيرة من بينها نعوم تشومسكي وعبد الله حمودي وعبد اللطيف اللعبي، ولقد خلف اعتقال المعطي منجب والحكم الصادر في حقه إلى جانب الصحفيين والحقوقيين موجة استنكار من طرف الحقوقيين والديمقراطيين، الذين اعتبروا ذلك يندرج في سياق التضييق وقمع الحريات.