حوار مع رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي

تعتبر‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬وأكبر‭ ‬التنظيمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬والتي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تأسيسها‭ ‬كبار‭ ‬مناضلي‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬تتعرض‭ ‬مؤخرا‭ ‬لسيل‭ ‬من‭ ‬المضايقات‭ ‬مع‭ ‬التراجعات‭ ‬الحقوقية‭ ‬العامة‭. ‬نحاور‭ ‬رئيسها‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الأعطاب‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تشوب‭ ‬الحقل‭ ‬الحقوقي‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬انتهاكات‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭.‬

تعيش‭ ‬بلادنا‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التراجعات‭ ‬تمس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات،‭ ‬وتجري‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحاكمات‭ ‬ضد‭ ‬المناضلين‭ ‬والنشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬والصحفيين،‭ ‬كيف‭ ‬تفسرون‭ ‬ما‭ ‬يقع؟‭ ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬ثورات‭ ‬مضادة‭.. ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬حراكات‭ ‬شعبية؟

تسجل‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تتبعها‭ ‬لوضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمغرب،‭ ‬استمرار‭ ‬التراجعات‭ ‬والتضييق‭ ‬على‭ ‬الحريات،‭ ‬متسائلين‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬القمع‭ ‬والاعتقالات‭ ‬الذي‭ ‬تواجه‭ ‬بها‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬السلمية‭ ‬بعدة‭ ‬مدن‭ ‬مغربية‭ ‬مثل‭ ‬الفنيدق‭ ‬والريف‭ ‬وقلعة‭ ‬السراغنة‭ ‬وزاكورة‭ ‬واحتجاجات‭ ‬للنقابات‭ ‬العمالية‭…‬

كما‭ ‬تندد‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أيضا‭ ‬بسلسلة‭ ‬الاعتقالات‭ ‬والمحاكمات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬صحافيين‭ ‬ومدونين‭ ‬ونشطاء‭ ‬اجتماعيين،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬المؤرخ‭ ‬المعطي‭ ‬منجب‭ ‬بسنة‭ ‬سجنا‭ ‬نافذا‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬دفاعه،‭ ‬واعتقال‭ ‬المدون‭ ‬حفيظ‭ ‬زرزانو‭ ‬واليوتبور‭ ‬شفيق‭ ‬العمراني‭ ‬ونشطاء‭ ‬اجتماعيين،‭ ‬وتطالب‭ ‬الجمعية‭ ‬بوقف‭ ‬متابعة‭ ‬المدافعات‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬إذا‭ ‬نستنتج‭ ‬أن‭: “‬واقع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بالخير،‭ ‬والتراجعات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة،‭ ‬فاقت‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭”. ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بـمقاربة‭ ‬أمنية‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬منحى‭ ‬خطيرا‭ ‬عن‭ ‬سبق‭ ‬إصرار‭ ‬وترصد،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لوجود‭ ‬الدولة،‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬احتجاجات‭ ‬حقوقية‭ ‬وديمقراطية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬يبرز‭ ‬مظاهر‭ ‬صمود‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الحراك‭ ‬والثورات‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬ينهض‭ ‬من‭ ‬الرماد،‭ ‬ويعيد‭ ‬رسم‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬الأدوات‭ ‬المستعملة‭ ‬هي‭ ‬ذاتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬نشوة‭ ‬الانتصار‭ ‬عمت‭ ‬بصيرة‭ ‬الشعوب،‭ ‬وأغرقتهم‭ ‬في‭ ‬سبات‭ ‬الوهم،‭ ‬وسراب‭ ‬الثورة،‭ ‬بينما‭ ‬تعمل‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬وهي‭ ‬الروح‭ ‬الخفية‭ ‬لكل‭ ‬نظام‭ ‬سياسي،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬على‭ ‬تقسيم‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬فئات،‭ ‬والفئات‭ ‬إلى‭ ‬جماعات،‭ ‬وعلى‭ ‬إحياء‭ ‬النعرة‭ ‬القبلية‭ ‬والجهوية،‭ ‬وتروج‭ ‬لعقدة‭ ‬الفئة‭ ‬الناجية،‭ ‬فيصبح‭ ‬الجميع‭ ‬بطلا‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬ذاته،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬فتيل‭ ‬الثورة‭ ‬المضادة‭.‬

تنوعت‭ ‬أساليب‭ ‬القمع‭ ‬واتخذت‭ ‬المتابعات‭ ‬القضائية‭ ‬ضد‭ ‬النشطاء‭ ‬والصحفيين‭ ‬صيغا‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬حملات‭ ‬من‭ ‬التعتيم‭ ‬والتضليل‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬بعض‭ ‬الأوساط‭ ‬الإعلامية،‭ ‬كيف‭ ‬تقيمون‭ ‬كمنظمة‭ ‬حقوقية‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؟‭ ‬وما‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقوية‭ ‬وتعزيز‭ ‬محيط‭ ‬سياسي‭ ‬وإعلامي‭ ‬وثقافي‭ ‬مناصر‭ ‬لقيم‭ ‬الحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان؟

إن‭ ‬تتبع‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لملف‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وضح‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬المغربية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تسجن‭ ‬الصحافيين‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يكتبون،‭ ‬ولكن‭ ‬وجدت‭ ‬لها‭ ‬طريقا‭ ‬معبدا‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬مرتبط‭ ‬بالقضايا‭ ‬الجنسية،‭ ‬وهي‭ ‬قضايا‭ ‬تهدف‭ ‬لتقييد‭ ‬حرياتهم‭ ‬وإسكات‭ ‬أفواههم‭. ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬قضية‭ ‬علي‭ ‬المرابط‭ ‬أو‭ ‬علي‭ ‬أنوزلا،‭ ‬اللذين‭ ‬حوكما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2003‭ ‬و2013‭ ‬بسبب‭ ‬آرائهما‭ ‬وكتاباتهما،‭ ‬فقانون‭ ‬الصحافة‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬سُن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬عقوبات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬كتاباتهم‭ ‬معارضةً‭ ‬وجريئة‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬لوحظ‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬اعتقال‭ ‬المغرب‭ ‬عدة‭ ‬نشطاء‭ ‬وصحفيين‭ ‬مستقلين،‭ ‬ومحاكمتهم،‭ ‬وسجنهم‭ ‬بتهم‭ ‬مشكوك‭ ‬فيها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجنس‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬الزواج‭ (‬توفيق‭ ‬بوعشرين‭ ‬وهاجر‭ ‬الريسوني،‭ ‬وسليمان‭ ‬الريسوني‭). ‬وبدت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمات‭ ‬ذات‭ ‬دوافع‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تضمن‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬الواجبة‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭.‬

وفي‭ ‬الدار‭ ‬البيضاءأيضا،‭ ‬سجنت‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬الصحفي‭ ‬والناشط‭ ‬والمدون‭ ‬عمر‭ ‬الراضي‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬يوليوز‭ ‬2020،‭ ‬بعد‭ ‬استجوابه‭ ‬12‭ ‬مرة‭ ‬طيلة‭  ‬أربعة‭ ‬أسابيع‭. ‬كم‭ ‬اتهمته‭ ‬بتهمة‭ ‬تهديد‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬الخارجي‭ ‬عبر‭ ‬ربط‭ ‬صلات‭ ‬مع‭ ‬عملاء‭ ‬أجانب،‭ ‬وتهديد‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬الداخلي‭ ‬عبر‭ ‬استلام‭ ‬أموال،‭ ‬والسُكر‭ ‬العلني،‭ ‬والتهرب‭ ‬الضريبي‭… ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاغتصاب‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬اختراق‭ ‬هاتفه‭ ‬ببرمجية‭ ‬التجسس‭ “‬بيغاسوس‭”‬،‭ ‬وكلها‭ ‬تهم‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬أدلة‭ ‬ضعيفة‭.‬

بينما‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أنها‭ ‬نشأت‭ ‬عن‭ ‬عمله‭ ‬كصحفي‭ ‬ومدون،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬ساخنة‭ ‬مثل‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬وفساد‭ ‬الدولة،‭ ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬حكما‭ ‬بسجنه‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬مع‭ ‬وقف‭ ‬التنفيذ‭ ‬بسبب‭ ‬تغريدة‭ ‬نشرها‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬وانتقد‭ ‬فيها‭ ‬قاضيا‭ ‬بسبب‭ ‬إصدار‭ ‬أحكام‭ ‬قاسية‭ ‬على‭ ‬نشطاء‭.‬

وبالمقابل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المتابعات،‭ ‬تقوم‭ ‬الصحافة‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬بتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬الصحافيين‭ ‬المستقلين،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تتوقع‭ ‬حتى‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعلهم‭ ‬نزلاء‭ ‬للمؤسسات‭ ‬السجنية‭. ‬فقبل‭ ‬اعتقال‭ ‬الريسوني‭ ‬بسبعة‭ ‬أشهر،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬“برلمان”‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬مقالاً‭ ‬بعنوان،‭ ‬“فضائح‭ ‬عائلة‭ ‬الريسوني‭ ‬التي‭ ‬يخجل‭ ‬منها‭ ‬إبليس‭ ‬اللعين”‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬“نستحي‭ ‬يا‭ ‬سليمان‭ ‬من‭ ‬كشف‭ ‬تصرفاتك‭ ‬في‭ ‬مراكش‭ ‬وسيأتي‭ ‬يوم‭ ‬نفتح‭ ‬فيه‭ ‬كتابك‭ ‬بكل‭ ‬سواده‮…‬‭ ‬ولكننا‭ ‬نستحي‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الحيوانات‭ ‬تتنزه‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬أتيت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أفعال‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬الجبين”‭. ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬خصصت‭ ‬“برلمان”‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬60‭ ‬مقالاً‭ ‬للصحافي‭ ‬توفيق‭ ‬بوعشرين‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬“أخبار‭ ‬اليوم”‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬التراجعات،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬مكتسبات‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان؟

راكمت‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬بالمغرب‭ ‬تجارب‭ ‬كثيرة‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬بسنوات‭ ‬الرصاص‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬وهي‭ ‬مدعوة‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬عملها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬عمل‭ ‬الائتلاف‭ ‬المغربي‭ ‬لهيئات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬الذي‭ ‬نحتفل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بالذكرى‭ ‬العاشرة‭ ‬لتأسيسه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دوره‭ ‬كمحرك‭ ‬للعمل‭ ‬الحقوقي‭. ‬واليوم‭ ‬نحن‭ ‬كإطارات‭ ‬حقوقية،‭ ‬نتوفر‭ ‬على‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬جمعية‭ ‬حقوقية‭ ‬وهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬تصور‭ ‬واضح‭ ‬لعملنا‭ ‬الحقوقي‭. ‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬جبهة‭ ‬وطنية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تضم‭ ‬بالإضافة‭ ‬للفاعل‭ ‬الحقوقي،‭ ‬الفاعل‭ ‬السياسي‭ (‬الأحزاب‭ ‬الديمقراطية‭)‬،‭ ‬والفاعل‭ ‬النقابي،‭ ‬والفاعل‭ ‬المدني‭ ‬الجاد‭. ‬لأن‭ ‬حجم‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬يتطلب‭ ‬تظافر‭ ‬جميع‭ ‬الجهود‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭.‬

تتيح‭ ‬الآليات‭ ‬الدولية‭ ‬التعاقدية‭ ‬وغير‭ ‬التعاقدية‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬هل‭ ‬تشتغل‭ ‬الجمعية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الورش؟

إن‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الإطارات‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬اشتغلت‭ ‬ومازالت‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬الآليات‭ ‬الأممية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقارير‭ ‬الموازية‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬الجمعية،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراسلة‭ ‬المقررين‭ ‬الأمميين‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬لكننا‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬ومع‭ ‬التضييق‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعانيه‭ ‬الجمعية‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬لاجتماعات‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لان‭ ‬الدولة‭ ‬أصبحت‭ ‬تدعم‭ ‬حضور‭ ‬فقط‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تساير‭ ‬طرحها‭ ‬وتقصي‭ ‬الجمعية‭ ‬نظرا‭ ‬لمواقفها‭ ‬واستقلالية‭ ‬تقار‭ ‬يرها‭.‬

ما‭ ‬هو‭ ‬تقييم‭ ‬الجمعية‭ ‬لأدوار‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬الرسميين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فيما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬انتكاسة‭ ‬حقوقية؟

عرفت‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬إصدار‭ ‬الحكومة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬المتعلقة‭ ‬بوضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمغرب‭. ‬لكننا‭ ‬لاحظنا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الحقوقي‭ ‬الجاد‭ ‬والمستقل‭. ‬هاته‭ ‬التقارير‭ ‬سعت‭  ‬إلى‭ ‬تبييض‭ ‬وجه‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬

•‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬معتقلين‭ ‬سياسيين‭ ‬بالمغرب؛

•‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬ضحايا‭ ‬الانتهاكات‭ ‬وقوى‭ ‬الأمن؛

•‭ ‬السكوت‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬بالمغرب؛

•‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬والانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬المواطنون‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬السلطة‭ ‬عرت‭ ‬واقع‭ ‬هاته‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬سبات‭ ‬عميق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدلي‭ ‬برأيها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭.‬

اشتغلت‭ ‬الجمعية‭ ‬ومعها‭ ‬الطيف‭ ‬الحقوقي‭ ‬على‭ ‬تدابير‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬والضمانات‭ ‬الدستورية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية،‭ ‬ماهي‭ ‬حصيلة‭ ‬هذا‭ ‬الورش‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الإكراهات‭ ‬التي‭ ‬تواجهه؟

كانت‭ ‬مخرجات‭ ‬هيأة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬النقائص‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬الجمعية‭ ‬عندها‭ ‬واعتبرناها‭ ‬حدا‭ ‬أدنى‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬لتحقيق‭ ‬انتقال‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬امتحان‭ ‬لهاته‭ ‬المخرجات‭ (‬حراك‭ ‬الريف‭)‬،‭ ‬ظهرت‭ ‬محدودية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬وأن‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭ ‬المتفائلين‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬سراب‭ ‬هذا‭ ‬الانتقال‭. ‬فلاحظنا‭ ‬عودة‭ ‬سريعة‭ ‬للانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوقيف‭ ‬العشوائي،‭ ‬التعذيب،‭ ‬المحاكمات‭ ‬الصورية،‭ ‬وهي‭ ‬أشياء‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يظن‭ ‬أنها‭ ‬انتهت‭ ‬مع‭ ‬إصدار‭ ‬مقررات‭ ‬هيئة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭. ‬إننا‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الردة‭ ‬الحقوقية،‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬هادئ‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬التأسيس‭ ‬لعمل‭ ‬جاد‭ ‬يكون‭ ‬مدخله‭ ‬اعتذار‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬وإعطاء‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬لقضاء‭ ‬مستقل‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المسؤوليات،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دستور‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يكرس‭ ‬سلطة‭ ‬الشعب‭ ‬ويضمن‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭.‬

هناك‭ ‬صمت‭ ‬وغموض‭ ‬يحيط‭ ‬بالآلية‭ ‬الخاصة‭ ‬للوقاية‭ ‬منا‭ ‬لتعذيب‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القانون‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كآلية‭ ‬داخلية،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬أي‭ ‬شيء؟‭ ‬هل‭ ‬لازالت‭ ‬الجمعية‭ ‬تطالب‭ ‬بآلية‭ ‬مستقلة‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المحدودة‭ ‬لهذه‭ ‬الآلية؟

إننا‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬كنا‭ ‬من‭ ‬المطالبين‭ ‬بإنشاء‭ ‬الآلية‭ ‬الوطنية‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬حسب‭ ‬البروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬لاتفاقية‭ ‬مناهضة‭ ‬التعذيب‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬المعاملة‭ ‬أو‭ ‬العقوبة‭ ‬القاسية‭ ‬أو‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬أو‭ ‬المهينة‭. ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نشدد‭ ‬على‭ ‬استقلالية‭ ‬هاته‭ ‬الآلية،‭ ‬لكن‭ ‬الدولة‭ ‬ذهبت‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربطها‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬باستقلالية‭ ‬كافية‭ ‬ليقوم‭ ‬بدوره‭. ‬وإن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬بالريف‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬المعتقلون‭ ‬السياسيون‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭ ‬الآن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬لدليل‭ ‬قاطع‭ ‬على‭ ‬محدوديتها‭.‬

السيد‭ ‬عزيز‭ ‬الغالي‭ ‬تتبع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬باهتمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬حواراتكم‭ ‬وتصريحاتكم‭ ‬حول‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وكلما‭ ‬يتصل‭ ‬بالتدابير‭ ‬المتخذة‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬باللقاح‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تقييمكم‭ ‬لحملة‭ ‬التلقيح‭ ‬الجارية؟

من‭ ‬خلال‭ ‬تتبعنا‭ ‬وتحليلنا‭ ‬للوضعية‭ ‬الوبائية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬والوطني،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإصابات‭ ‬والوفيات‭ ‬ونتائج‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬بمختلف‭ ‬مراحلها،‭ ‬تبقى‭ ‬تساؤلات‭ ‬وتخوفات‭ ‬المواطنين‭ ‬قائمة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إعلان‭ ‬رسمي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬ظهور‭ ‬نتائج‭ ‬جديدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبدد‭ ‬الغموض‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬فيروس‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ “‬كوفيد‭-‬19‭”. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬احتدام‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬من‭ ‬اللقاح‭ ‬لسكانها‭. ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬العالم‭ ‬سياسة‭ ‬التعاون‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية‭. ‬لأن‭ ‬تطعيم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القارات‭ ‬ضروري‭ ‬لصحة‭ ‬وثروة‭ ‬ورفاهية‭ ‬أولئك‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬القارات‭ ‬الأخرى‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬منطقة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محصنة‭ ‬حتى‭ ‬تتم‭ ‬حماية‭ ‬حصة‭ ‬ذات‭ ‬مغزى‭ ‬ومنصفة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادئ‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬الأساسية‭ ‬الجيدة‭ ‬وكذلك‭ ‬اللقاح‭. ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬التلقيح‭ ‬بالمغرب،‭ ‬قامت‭ ‬الجمعية‭ ‬بإنشاء‭ ‬تطبيق‭ ‬رقمي‭ ‬يمكن‭ ‬تحميله‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ (‬AMDH‭) ‬لتتبع‭ ‬الأعراض‭ ‬الجانبية‭ ‬للقاح‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى