حوار مع رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي
تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من أقدم وأكبر التنظيمات الحقوقية بالمغرب، والتي ساهم في تأسيسها كبار مناضلي الحقوق والحريات في المغرب، تتعرض مؤخرا لسيل من المضايقات مع التراجعات الحقوقية العامة. نحاور رئيسها في شأن الأعطاب العامة التي تشوب الحقل الحقوقي ومسؤولية الدولة في تعميق انتهاكات الحقوق والحريات.
تعيش بلادنا منذ مدة سلسلة من التراجعات تمس حقوق الإنسان والحريات، وتجري عدد من المحاكمات ضد المناضلين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين، كيف تفسرون ما يقع؟ وما علاقة ذلك بما يجري من ثورات مضادة.. في عدد من دول المنطقة العربية التي عرفت حراكات شعبية؟
تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من خلال تتبعها لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، استمرار التراجعات والتضييق على الحريات، متسائلين عن مستقبل المغرب في ظل هذا الواقع المتمثل في أساليب القمع والاعتقالات الذي تواجه بها السلطات العمومية الاحتجاجات السلمية بعدة مدن مغربية مثل الفنيدق والريف وقلعة السراغنة وزاكورة واحتجاجات للنقابات العمالية…
كما تندد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أيضا بسلسلة الاعتقالات والمحاكمات التي طالت صحافيين ومدونين ونشطاء اجتماعيين، كان آخرها الحكم على المؤرخ المعطي منجب بسنة سجنا نافذا في جلسة عقدت في غياب دفاعه، واعتقال المدون حفيظ زرزانو واليوتبور شفيق العمراني ونشطاء اجتماعيين، وتطالب الجمعية بوقف متابعة المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان. إذا نستنتج أن: “واقع حقوق الإنسان في المغرب لا يبشر بالخير، والتراجعات التي حصلت في هذه السنة، فاقت العقدين الأخيرين، على مستوى الحريات العامة”. لأن الدولة تعاملت مع الاحتجاجات بـمقاربة أمنية أكدت أن هناك منحى خطيرا عن سبق إصرار وترصد، كما لو أن هذا الحراك يشكل تهديدا لوجود الدولة، بينما هي احتجاجات حقوقية وديمقراطية.
إن هذا الإصرار يبرز مظاهر صمود الدولة العميقة بالرغم من الحراك والثورات على خلفية الربيع العربي، حيث أثبت أن النظام السياسي ينهض من الرماد، ويعيد رسم نفسه في صورة جديدة، لكن تبقى الأدوات المستعملة هي ذاتها، في حين أن نشوة الانتصار عمت بصيرة الشعوب، وأغرقتهم في سبات الوهم، وسراب الثورة، بينما تعمل الدولة العميقة وهي الروح الخفية لكل نظام سياسي، بعد كل انتفاضة شعبية على تقسيم وحدة الشعب إلى فئات، والفئات إلى جماعات، وعلى إحياء النعرة القبلية والجهوية، وتروج لعقدة الفئة الناجية، فيصبح الجميع بطلا في مرآة ذاته، ومن هنا يبدأ فتيل الثورة المضادة.
تنوعت أساليب القمع واتخذت المتابعات القضائية ضد النشطاء والصحفيين صيغا غير مسبوقة، وذلك بالتزامن مع حملات من التعتيم والتضليل التي تنتهجها بعض الأوساط الإعلامية، كيف تقيمون كمنظمة حقوقية هذه الظاهرة؟ وما العمل من أجل تقوية وتعزيز محيط سياسي وإعلامي وثقافي مناصر لقيم الحرية وحقوق الإنسان؟
إن تتبع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لملف حرية التعبير، وضح أن العدالة المغربية لم تعد تسجن الصحافيين بسبب ما يكتبون، ولكن وجدت لها طريقا معبدا بشكل جيد مرتبط بالقضايا الجنسية، وهي قضايا تهدف لتقييد حرياتهم وإسكات أفواههم. فلم تعد هناك قضايا مثل قضية علي المرابط أو علي أنوزلا، اللذين حوكما بين عامي 2003 و2013 بسبب آرائهما وكتاباتهما، فقانون الصحافة الجديد، الذي سُن في عام 2016 لم يعد ينص على عقوبات سالبة للحرية مهما كانت كتاباتهم معارضةً وجريئة.
في حين لوحظ في السنوات الأخيرة، اعتقال المغرب عدة نشطاء وصحفيين مستقلين، ومحاكمتهم، وسجنهم بتهم مشكوك فيها، بما في ذلك الجنس خارج نطاق الزواج (توفيق بوعشرين وهاجر الريسوني، وسليمان الريسوني). وبدت بعض هذه المحاكمات ذات دوافع سياسية أو أنها لم تضمن الإجراءات القانونية الواجبة لجميع الأطراف.
وفي الدار البيضاءأيضا، سجنت السلطات العمومية الصحفي والناشط والمدون عمر الراضي يوم 29 يوليوز 2020، بعد استجوابه 12 مرة طيلة أربعة أسابيع. كم اتهمته بتهمة تهديد أمن الدولة الخارجي عبر ربط صلات مع عملاء أجانب، وتهديد أمن الدولة الداخلي عبر استلام أموال، والسُكر العلني، والتهرب الضريبي… بالإضافة إلى الاغتصاب كما تم اختراق هاتفه ببرمجية التجسس “بيغاسوس”، وكلها تهم تستند إلى أدلة ضعيفة.
بينما الحقيقة، أنها نشأت عن عمله كصحفي ومدون، وذلك بسبب تحقيقه في مواضيع ساخنة مثل الاستيلاء على الأراضي وفساد الدولة، وفي مارس 2020 أصدرت المحكمة حكما بسجنه أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بسبب تغريدة نشرها منذ سنة وانتقد فيها قاضيا بسبب إصدار أحكام قاسية على نشطاء.
وبالمقابل مع هذه المتابعات، تقوم الصحافة المقربة من السلطة بتشويه سمعة الصحافيين المستقلين، وفي بعض الأحيان تتوقع حتى الأسباب التي تجعلهم نزلاء للمؤسسات السجنية. فقبل اعتقال الريسوني بسبعة أشهر، نشرت صحيفة “برلمان” الإلكترونية، المقربة من وزارة الداخلية، مقالاً بعنوان، “فضائح عائلة الريسوني التي يخجل منها إبليس اللعين” والذي جاء فيه “نستحي يا سليمان من كشف تصرفاتك في مراكش وسيأتي يوم نفتح فيه كتابك بكل سواده… ولكننا نستحي أن نقول إن الحيوانات تتنزه عن مثل ما أتيت به من أفعال يندى لها الجبين”. ومنذ عام 2018 خصصت “برلمان” ما لا يقل عن 60 مقالاً للصحافي توفيق بوعشرين الذي يدير “أخبار اليوم”.
كيف يمكن التصدي لهذه التراجعات، والدفاع عن مكتسبات الشعب المغربي في مجال الحريات وحقوق الإنسان؟
راكمت الحركة الحقوقية بالمغرب تجارب كثيرة منذ ما كان يعرف بسنوات الرصاص إلى اليوم، وهي مدعوة الآن إلى تكثيف عملها من خلال دعم عمل الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، الذي نحتفل هذه الأيام بالذكرى العاشرة لتأسيسه من أجل أن يلعب دوره كمحرك للعمل الحقوقي. واليوم نحن كإطارات حقوقية، نتوفر على الميثاق الوطني لحقوق الإنسان الذي تبنته أكثر من عشرين جمعية حقوقية وهو قادر على وضع تصور واضح لعملنا الحقوقي.
وتجدر الإشارة أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دعت إلى إنشاء جبهة وطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، والتي يجب أن تضم بالإضافة للفاعل الحقوقي، الفاعل السياسي (الأحزاب الديمقراطية)، والفاعل النقابي، والفاعل المدني الجاد. لأن حجم الهجوم على الحقوق والحريات يتطلب تظافر جميع الجهود لوقف هذا النزيف.
تتيح الآليات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية لحماية حقوق الإنسان عددا من الإمكانيات للدفاع عن حقوق الإنسان، هل تشتغل الجمعية على هذا الورش؟
إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كانت من أوائل الإطارات الحقوقية التي اشتغلت ومازالت تشتغل على الآليات الأممية من خلال التقارير الموازية التي تضعها الجمعية، وكذلك من خلال مراسلة المقررين الأمميين عند الحاجة، لكننا منذ سنة 2014، ومع التضييق التي أصبحت تعانيه الجمعية لم نعد قادرين على الحضور لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان لان الدولة أصبحت تدعم حضور فقط الجمعيات التي تساير طرحها وتقصي الجمعية نظرا لمواقفها واستقلالية تقار يرها.
ما هو تقييم الجمعية لأدوار بعض الفاعلين الرسميين في مجال حقوق الإنسان فيما نعيشه من انتكاسة حقوقية؟
عرفت السنة الماضية إصدار الحكومة للكثير من التقارير المتعلقة بوضعية حقوق الإنسان بالمغرب. لكننا لاحظنا أن كل هذه التقارير بعيدة كل البعد عن العمل الحقوقي الجاد والمستقل. هاته التقارير سعت إلى تبييض وجه الحكومة من خلال:
• إنكار وجود معتقلين سياسيين بالمغرب؛
• المساواة بين ضحايا الانتهاكات وقوى الأمن؛
• السكوت عن الانتهاكات التي عرفتها الكثير من المناطق بالمغرب؛
• جائحة كورونا والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون من رجال السلطة عرت واقع هاته المؤسسات التي دخلت في سبات عميق دون أن تدلي برأيها في كل ما يقع.
اشتغلت الجمعية ومعها الطيف الحقوقي على تدابير عدم تكرار انتهاكات الماضي والضمانات الدستورية والسياسية والقانونية، ماهي حصيلة هذا الورش وما هي الإكراهات التي تواجهه؟
كانت مخرجات هيأة الإنصاف والمصالحة بالرغم من النقائص التي وقفت الجمعية عندها واعتبرناها حدا أدنى يمكن البناء عليه لتحقيق انتقال ديمقراطي، لكن مع أول امتحان لهاته المخرجات (حراك الريف)، ظهرت محدودية كل ما قيل وأن حتى أكثر المتفائلين وجد نفسه أمام سراب هذا الانتقال. فلاحظنا عودة سريعة للانتهاكات الجسيمة من خلال التوقيف العشوائي، التعذيب، المحاكمات الصورية، وهي أشياء كان البعض يظن أنها انتهت مع إصدار مقررات هيئة الإنصاف والمصالحة. إننا اليوم أمام هذه الردة الحقوقية، في حاجة إلى نقاش هادئ نستطيع من خلاله التأسيس لعمل جاد يكون مدخله اعتذار الدولة عن كل ما وقع وإعطاء دور كبير لقضاء مستقل في تحديد المسؤوليات، وهذا لن يتم إلا من خلال دستور ديمقراطي يكرس سلطة الشعب ويضمن الحقوق والحريات.
هناك صمت وغموض يحيط بالآلية الخاصة للوقاية منا لتعذيب التي أصبحت من خلال القانون الجديد من اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان كآلية داخلية، بحيث لا نسمع عنها أي شيء؟ هل لازالت الجمعية تطالب بآلية مستقلة خصوصا مع الصلاحيات المحدودة لهذه الآلية؟
إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كنا من المطالبين بإنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب حسب البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما كنا نشدد على استقلالية هاته الآلية، لكن الدولة ذهبت في اتجاه آخر من خلال ربطها بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي لا يتمتع باستقلالية كافية ليقوم بدوره. وإن ما وقع بالريف وما يعانيه المعتقلون السياسيون داخل السجون الآن دون أن تتحرك هذه الآلية لدليل قاطع على محدوديتها.
السيد عزيز الغالي تتبع الرأي العام باهتمام عدد من حواراتكم وتصريحاتكم حول الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا وكلما يتصل بالتدابير المتخذة وما يتعلق باللقاح إلى غير ذلك من القضايا التي تشغل الرأي العام على هذا المستوى، ما هو تقييمكم لحملة التلقيح الجارية؟
من خلال تتبعنا وتحليلنا للوضعية الوبائية على المستوى العالمي والوطني، سواء على مستوى الإصابات والوفيات ونتائج التجارب السريرية بمختلف مراحلها، تبقى تساؤلات وتخوفات المواطنين قائمة حتى يتم إعلان رسمي من طرف منظمة الصحة العالمية أو ظهور نتائج جديدة يمكن أن تبدد الغموض الحاصل على المستوى العالمي من أجل القضاء على فيروس جائحة كورونا “كوفيد-19”. وفي ظل احتدام الصراع بين الدول للحصول على حصة من اللقاح لسكانها. نأمل أن يتبنى العالم سياسة التعاون متعدد الأطراف للتغلب على هذه الجائحة الحالية والمستقبلية. لأن تطعيم الناس في إحدى القارات ضروري لصحة وثروة ورفاهية أولئك الموجودين في القارات الأخرى. ولا يمكن لأي منطقة أن تكون محصنة حتى تتم حماية حصة ذات مغزى ومنصفة من سكان العالم من خلال مبادئ الصحة العامة الأساسية الجيدة وكذلك اللقاح. ومع بداية عملية التلقيح بالمغرب، قامت الجمعية بإنشاء تطبيق رقمي يمكن تحميله على الهواتف (AMDH) لتتبع الأعراض الجانبية للقاح.