6 حجج لتفكيك أسطورة “التدبير المفوض”
◆ صلاح الدين لمعيزي عضو جمعية "أطاك"
ملاحظة أولية لا بد منها: الفساد أصله استبداد
الخطاب الاستهلاكي حول “الحكامة الجيدة”، “الشفافية”، “ربط المسؤولية بالمحاسبة” والتي تروج له الدولة ومعها العديد من جمعيات المجتمع المدني مدعومة من طرف المؤسسات المالية العالمية، على الخصوص البنك الدولي، لا يجب أن ينسينا أن النضال من أجل حماية المال العام هو معركة نضالية شعبية أولا وأخيرا. فلا يمكن أن ننتظر من مؤسسات يسيطر عليها الفساد أن تكون مدافعة عن المال العام.
فإلى جانب عملية الخوصصة والتحرير التي عرفها الاقتصاد المغربي منذ بداية الثمانيات، قامت الدولة بإرساء مؤسسات لمراقبة المالية العمومية (مفتشيات الوزارات وعلى الأخص المفتشيات العامة للداخلية والمالية) وأسست المجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية وأصدرت العديد من القوانين في سياق “الشفافية” وطمأنة المستثمرين الأجانب بخصوص الأمن القانوني بالمغرب. ثلاث عقود من الإصلاحات لم تحد من نهب المال العام والذي ازداد انتشارا بالمغرب.
عامل أخر يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن المال العام بالمغرب هو عدم الفصل بينه وبين “المال الخاص”. فهناك غياب للفصل بين مال رئيس الدولة (الملك) الشخصي والمال العام والتداخل بينهما يعيق حماية المال العام. الإيجابي أن الحركة الحقوقية والاجتماعية جعلت من محاربة الفساد معركة مهمة ولعل شعار حركة 20 فبراير كان محطة مهمة للتأكيد على النضال ضد الفساد وربطه بالاستبداد. فهما قضيتان مترابطتان ومثال التدبير المفوض يوضح ذلك بجلاء.
أولا: التدبير المفوض اختيار سياسي
التدبير المفوض ليس اختيارا تقنيا بل هو اختيار سياسي، أتى نتيجة انسحاب الدولة من تدبير الخدمات العمومية مع بداية الثمانينات. نمط تم فرضه من طرف السلطة السياسية خارج القانون. حيث تم إصدار قانون التدبير المفوض في 2006، أي تسع سنوات بعد أول تجربة للتدبير بالبيضاء (ليدك). القانون جاء على مقاس شركات التدبير المفوض وهذا هو الفساد بعينه. هذا النمط من التدبير يعتمد على بعض الأساطير المؤسسة على شعرات زائفة يتم الترويج لها من قبيل:
ثانيا: الأزمة العالمية للخوصصة
بخلاف بداية الألفية الثالثة، التدبير المفوض يعيش أزمة عالمية ولم يعد هذا النمط يستهوي المدن بالعالم والتي تفكر في طرق أخرى لتدبير خدماتها ومن ضمنها التأميم. في سنة 2000 كانت قد اختارت عدد من الدول الرجوع إلى التدبير العمومي وقد كانت لا يتجاوز 3 مدن، في 2014 وصل عدد المدن التي فضلت التدبير العمومي إلى 180 مدينة في العالم.
ثالثا: اتساع رقعة السوق على حساب الخدمة العمومية
اتسعت رقعة خوصصة الخدمات العمومية لقطاعات جديدة ومتنوعة بالمغرب. ففي المدن، شملت حركة التدبير المفوض كل القطاعات: الصحة، التعليم، إنتاج وتوزيع الطاقة، النظافة، المطارح البلدية، تطهير السائل، الإنارة العمومية، تدبير المجازر، النقل الحضري (حافلات، الطرامواي)، المحطات الطرقية، الباركينغ، الحدائق العمومية وحتى المقابر. إذن المغربي منذ ازدياده حتى وفاته محكوم عليه بالعيش تحت وطأة التدبير المفوض.
رابعا: الفاعلون والأرباح
حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بالتدبير المفوض الصادر في 2014 تتوزع استثمارات شركات هذا القطاع على الشكل التالي:
* تدبير النفايات المنزلية : 10 في المائة.
* النقل : 18 في المائة.
* تدبير الماء والكهرباء (مدن الدار البيضاء، الرباط، طنجة وتطوان): 77 في المائة.
النقل العمومي مدبر عن طريق الخواص في 260 جماعة حضرية بالمغرب بواسطة 40 عقدا، 17 منها أنجزت بعد 2006. الجماعة الحضرية الكبرى الوحيدة بالمغرب التي لم يشملها التدبير المفوض للنقل هي أسفي التي لم تستطع تسريح عمال الوكالة الحضرية كما تطالب به الشركات التي تريد الاستفادة من هذه الصفقة. أخر مدينة تم تفويت تدبير النقل للخواص بها هي فاس والتي خاض بها عمال الوكالة الحضرية نضالا مريرا من أجل الدفاع عن مكاسبهم. والقطاع الخاص بهاته المجالات يعرف تواجد إسبان، فرنسيين ومغاربة
تدبير النفايات المنزلية عن طريق التدبير المفوض أصبح يهم 147 جماعة بواسطة 101 عقدا، 33 منها تم توقيعه بعد 2006. هذا القطاع تسيطر عليه شركات فرنسية، ايطالية، ألمانية، لبنانية ومغربية.
66 جماعة فوضت تدبير مطارحها العمومية عن طريق 15 عقدا، استفادت منه 12 شركة.
أرباح هذا القطاع بمختلف أصنافه في ارتفاع دائم. بعد 9,2 مليار في 2008، ارتفع رقم المعاملات إلى 11,2 مليار درهم في 2012. الأرباح في ارتفاع صاروخي ب28 في المائة وصافي الأرباح وصل ل23 في المائة. مؤشرات تفوق بكثير قطاعات جد مربحة كالأبناك مما يدل على أن القطاع مربح وأرباحه لا تستثمر في تحسين الخدمات بل توزع على مساهمين في الشركات.
خامسا: ما أسباب هذا الوضع؟
هناك عوامل خارجية ساهمت في هذا الاستعمار الجديد ونذكر منها: دور المؤسسات المالية العالمية والتي تربط المديونية بفتح القطاعات الاجتماعية على الخوصصة واتفاقيات التبادل الحر والاتفاق العام للتجارة والخدمات الذي يجبر المغرب على فتح جميع قطاعات للاستثمار بما فيها القطاعات الحيوية.
ثم هناك عوامل داخلية ومن بينها: استبداد أقلية بالقرار السياسي والاقتصادي وتقاطع مصالح هاته الأقلية مع مصالح الشركات العالمية والرأسمال المحلي بدعم الرداءة في التدبير محليا وغياب دعم الكفاءات أحيانا من أجل ابتكار طرق تدبير وتمويل تضامني لخدماتنا العمومية وعدم امتلاك استراتيجية فعالة في دفاع المجتمع ومختلف هيئاته (أحزاب، نقابات وجمعيات) عن الخدمة العمومية، مما يفرض حملات منظمة ومستمرة للنضال والمرافعة في هذا السياق.
سادسا: الحذر من مخطط جديد
بعد تقارير عن مدن محددة وشركات بعينها، خصص المجلس تقريرا فريدا عن التدبير المفوض وبعض اختلالاته، وهذا اعتراف ضمني بطرح مناهضي التدبير المفوض، ولكن من جانب آخر تعد هاته التقارير إعدادا للرأي العام لمرحلة جديدة يتم تجريبها بالرباط، حيث يتم تحميل الجماعات الاستثمارات والمخاطرة التجارية و يبقى دور الخواص هو استغلال المرفق العمومي. وهو مخطط جديد من خوصصة الأرباح وهو المعمول به اليوم في تدبير الاستثمارات العمومية الضخمة في مجال النقل بمدن الدار البيضاء والرباط. حيث تسيطر نفس الشركة الفرنسية على تدبير الطرامواي في العاصمة الإدارية والعاصمة الاقتصادية، مقابل عقد سخي وطويل الأمد. بينما تم تفويض النقل عبر الحافلات لشركة إسبانية-إنجليزية في أكبر المدن المغربية. حيث تدبر ألزا النقل العمومي بطنجة، الرباط، الدار الببيضاء، مراكش وأكادير. مما يجعلها في وضع احتكاري حيث تتحكم في تنقل الملايين من المغاربة يوميا والمتواجدين في المدن الأساسية المحركة للاقتصاد. إنها ببساطة عودة الاستعمار من باب التدبير المفوض.