واقع التدبير المفوض بين الشكل والمضمون
◆ عبد المجيد مصدق
نبذة مختصرة عن تجربة التدبير المفوض بالمغرب في مرحلة ما قبل الاستقلال
فقد انطلقت هذه التجربة في مجال التدبير منذ بداية القرن العشرين، وذلك على عدة مراحل:
1ـ على إثر التوقيع على معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906 التي أسفرت عن إبرام العقود الأولى لمنح الامتياز، نصت المعاهدة في الفصلين 105 و106 على اللجوء إلى رؤوس أموال أجنبية من أجل استغلال مرافق عمومية وتحديد آليات المزايدة العمومية لمنح الامتياز.
2ـ الاتفاقية الدولية لسنة 1911 الموقعة بين فرنسا وألمانيا التي تشير إلى إمكانية استغلال المرافق العمومية من طرف الدولة أو في إطار منح الامتياز للقطاع الخاص.
3ـ عند توقيع معاهدة الحماية في مارس 1912 فقد المغرب سلطته في إبرام عقود الامتياز المرتبطة بتسيير وتدبير المرافق العمومية في ظل الاستعمار، بحيث استفاد القطاع الخاص الفرنسي من امتيازات كبيرة في تسيير قطاع الطاقة والنقل السككي واستغلال الموانئ وغيرها من القطاعات العمومية، كما أتاحت المعاهدة إبرام عقود امتياز أدت إلى إنشاء بعض المرافق مسيرة من طرف شركات فرنسية، بعقود الامتياز التالية:
انطلاقا من 1914 تم في هذه الفترة إبرام مجموعة من العقود، منها العقد الذي أبرم مع الشركة المغربية لإنتاج وتوزيع الماء والكهرباء المعروفة في أربع مدن مغربية ويندرج في إطار العقود التي عرفها المغرب انطلاقا من هذه السنة بما يطلق عليه بالإنابة أو مشاطرة الاستغلال :
> عقد منح الامتياز لاستغلال خط السكة الحديدية الرابط بين طنجة وفاس.
في 1916. > عقد منح الامتياز لاستغلال موانئ الدار البيضاء، فضالة، وطنجة
في 1920. > عقد منح الامتياز لاستغلال خط السكة الحديدية الرابط بين فاس ومراكش
1914-1929 > عقد امتياز الشركة المغربية لإنشاء وتوسيع الخطوط السككية
4ـ مرحلة 1947 إلى 1950، حيث تم تمديد منح الامتياز ليشمل 20 مدينة وإنجاز مركب لتزويد مدينة الدار البيضاء بالماء الصالح للشرب.
تجربة التدبير المفوض أو الامتياز بمغرب ما بعد الاستقلال
شهدت هذه التجربة خمس فترات متقطعة حسب الظروف والأحوال وهي:
> بداية من 1956 قامت الدولة الفتية بشراء المقاولات المستفيدة من الامتيازات، والانتقال إلى التدبير العمومي.
.1963-1970 > إحداث المكاتب والوكالات المستقلة
. 1985> عقود الامتياز الخاصة بخطوط النقل العمومي الحضري بالحافلات
.1997-2002 > إبرام أربع عقود للتدبير المفوض على مستوى التوزيع
.2006 > صدر القانون المتعلق بالتدبير المفوض
5ـ عند استقلال المغرب سنة 1956 شرعت الدولة المغربية في استرجاع المنشآت وتحويلها إلى مؤسسات عمومية محتكرة كوكالة توزيع الماء والكهرباء لمدينة الدار البيضاء سنة 1961 والمكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للسكك الحديدية 1963 ووكالة توزيع الماء والكهرباء لمدينتي الرباط وسلا 1964.
.1963-1970 وخلال هذه الفترة ثم إحداث المكاتب والوكالات المستقلة في عدة قطاعات
6ـ سنة 1980 وفي عز الأزمة الاقتصادية والجفاف وحرب الصحراء المغربية، بدأ الاهتمام بالتسيير الخاص للمرافق العمومية لتخفيض نفقات الميزانية العامة، خاصة في مجال الطرق السيارة والنقل الحضري وتوزيع الماء والكهرباء والتطهير وجمع النفايات. وقد اتخذت طرق تدبير المرافق العمومية ثلاثة أنواع وهي: التدبير المباشر عن طريق الوكالة بحيث تقوم الجماعة المحلية بالتسيير المباشر للمرفق العام في إطار القانون العام أو عن طريق الوكالة المباشرة أو الوكالة ذات الاستقلال المالي أو الوكالة ذات الاستقلال المالي والشخصية المعنوية للتدبير المفوض أو منح الامتياز لتفويض تسيير مرفق عمومي للقطاع الخاص أو التأجير، حيث يتحمل المفوض إليه جميع المخاطر التجارية تجاه المرتفقين، خصوصا في غياب الإطار القانوني لعقود التدبير بالوكالة أنداك، مما جعلها تفتقد لشروط النزاهة والشفافية، وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة وهو ما أدى إلى نهب وتبديد المال العام. وعدم تقديم أي تقدم ملموس مقابل تلك الأموال الهائلة التي تم التحصل عليها مقابل هذا التدبير،مع غياب آليات واضحة لمتابعة ومحاسبة المخلين بتعهداتهم وهم في الأغلب مسؤولون عموميين.
7ـ في 1985 تم منح عقود الامتياز الخاصة بخطوط النقل العمومي الحضري بالحافلات.
.1997-2002 8ـ تم إبرام أربع عقود للتدبير المفوض على مستوى التوزيع
.2006 9ـ صدر القانون المتعلق بالتدبير المفوض
وعموما فقد ظهر مصطلح تفويض التدبير للمرافق العمومية بفرنسا في دورية 7 غشت 1987.
المتعلق تدبير المرافق المحلية، تحت اسم تفويض المرفق العام واستخدم بشكل رسمي في قانون 6 فبراير
الخاص بالإدارة اللامركزية للجمهورية سنة 1992.
و بالتالي فهذا المصطلح عام، و يعني كل أشكال التعاقد مع الخواص، كعقود الامتياز والإنابة، إلا أن الجديد فيه هو على مستوى الاصطلاحات فقط، كالتنصيص على بعض الشروط في إبرام عقود تفويض المرفق العام من قبل الجماعات الترابية كمبدأ العلانية السابقة، غير أن قانون 29 يناير 1993 الخاص بالوقاية من الرشوة وشفافية الحياة الاقتصادية والمساطر العمومية، وسع نطاق تفسير وتحديد عقود تفويض المرافق العامة إلى العقود التي يبرمها كل شخص عام، كما استعمل المشرع الفرنسي نفس المصطلح في قانون 2 فبراير 1995 المتعلق بتقوية البيئة، وقانون 4 فبراير 1995 المتعلق بالصفقات العمومية، و تفويضات المرافق العمومية.
نموذج التدبير المفوض قبل صدور القانون الإطار
بدأ العمل بالتدبير المفوض منذ التسعينات، تحت ضغط برنامج التقويم الهيكلي المفروض من قبل المؤسسات المالية الدولية، وذلك نظرا للتحولات الكبرى التي عرفتها السياسات العمومية، و خاصة في تدبير الشأن العام، إذ تم البدء بسن قانون الخوصصة الذي فكك عدة مرافق استراتيجية.
هذه التحولات التي فرضتها العولمة تمخّضت عنها عدّة أشكال جديدة للتّسيير كالخوصصة التي بموجبها تفوّت الدولة عن طريق البيع بأثمان بخسة أو بدون مقابل إحدى شركاتها أو مرافقها إلى أشخاص القانون الخاص؛ كما برزت هناك عدّة أنواع من العقود التي بموجبها تفوّت الدولة أو أحد أشخاص القانون العام إلى أشخاص القانون الخاص إحدى المرافق العامة للتسيير لمدة وبشروط معينة، ومن بين هذه العقود نجد عقد التدبير المفوض
الذي يعد تقنية جديدة في تسيير الشأن العام. وكانت فرنسا قد عملت على تقنينه، وهكذا تم نقل التجربة الفرنسية نظرا للارتباطات السياسية والاقتصادية والمالية معها، حيث وقع المغرب أول عقد للتدبير المفوض بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة ليدك، والذي تحول بموجبه تدبير مرفق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل لهذه الشركة لمدة 30 سنة.
فرغم أن للشركة الفرنسية ماض سيئ وفي حالة عجز مالي بعد طردها من بعض الدول، إلا أن السلطات المغربية منحتها هذه الهبة لإنقاذها، مقابل أن يظل الموقف الدبلوماسي الفرنسي في مجلس الأمن يلعب لصالح المغرب في قضية الصحراء المغربية، لقد تم توقيع الجماعة الحضرية احتراما للشكليات أما الواقع فكان بأمر مفروض من قبل الوزارة الوصية في غياب قانون خاص يؤطر هذا التدبير المفوض، عدا تلك الإشارة المبهمة في القانون المنظم للجماعات المحلية، وظل الفراغ التشريعي سيد الموقف في هذا الموضوع، إلى أن فرضت الظروف أن يظهر قانون التدبير المفوض في سنة 2005.
لقد ساعدت الوضعية المالية المتردية لوكالات توزيع الماء و الكهرباء وغيرها، والتي كان السبب فيها سوء التسيير الإداري، إلى ظهور التدبير المفوض في المغرب، انطلاقا من الدار البيضاء، ومرورا بالرباط، وطنجة، وثم تعميمها على جل الوكالات الوطنية؛ و لم يقتصر التدبير المفوض على قطاع الماء والكهرباء، بل تعداه إلى قطاع التطهير، و جمع النفايات، و النقل الحضري، وغير ذلك من المرافق العمومية
ومنذ سنوات 1996 _1997 تمت العودة إلى اتفاقيات الامتياز والتدبير المفوض للمرافق العامة، ويمكن أن نذكر مثالا لهذا التجديد للشراكة العامة والخاصة بعقد تفويض المرفق العام لتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل للدار البيضاء ليديك والرباط إلى شركة ريضال. وفي السنوات الموالية تعدد تفويض تسيير المرافق العامة إلى الخواص خاصة في مجالات توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل وجمع ومعالجة النفايات، والنقل الحضري، ومجالات استغلال الموانئ أيضا مع الاتفاقيات العديدة لامتياز المرافق العامة المبرمة بمناسبة بناء ميناء طنجة البحر الأبيض المتوسط، ومجال النقل كعقود الامتياز لتسيير الطرق السيارة بالمغرب ويمكن اعتبار أن إعداد هذا القانون قد تم على مراحل، حيث تمت الإشارة للتدبير المفوض في الميثاق الجماعي لسنة 1976 من خلال مقتضيات المادة 30 التي نصت على إحداث وتنظيم الخدمات الجماعية للماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل والتنظيف وجمع النفايات المنزلية، ثم تشكلت بعد ذلك في سنة 1988 لجنة وزارية مختلطة للتدبير المفوض تحت إشراف وزارة المكلفة بالخوصصة، وبعد أكثر من عقد أي في سنة 1999 أجريت دراسة لفحص شروط منح وتتبع التدبير المفوض.
لقد ثم إحداث لجنة وزارية في فبراير 1999، عهدت إليها مهمة صياغة و بلورة إطار قانوني شامل لجميع أشكال التسيير المفوض، يستطيع تجاوز كل الصعوبات ثم تلتها مناظرة سنة 2000 لمناقشة تلك الدراسة من طرف الوزارة المذكورة، وإعداد مشروعي قانون منفصلين من طرف خبير في الميدان (كندي ومغربي)
وفي نفس المضمار، لا بد من التذكير بأن المشرع المغربي لم يقم بإعطاء أي تعريف للتدبير المفوض، باستثناء ما تم التنصيص عليه في المادة 39 من الميثاق الجماعي 78.00 ، حيث تم ذكر المرافق والتجهيزات العمومية المحلية التي يقرر المجلس في طريقة تدبيرها عن طريق الوكالة المباشرة والوكالة المستقلة والامتياز وكل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للأنظمة المعمول بها، كما أنه وإلى حدود سنة 2004 لم يكن هناك أي قانون يقوم بتنظيم عقود التدبير المفوض، و بذلك ظلت الترسانة القانونية مبتورة، علما أن مجموعة من المرافق العمومية قد تم تفويت تدبيرها للخواص أنداك
وابتداء من سنة 2004 أعدت كل من وزارة المالية والخوصصة ووزارة الداخلية بعد استشارة الوزارات المعنية ومختصين أجانب مشروع قانون جديد في الموضوع نفسه، وهو المشروع الذي تمت دراسته من طرف خبير قانوني في إطار المساعدة التقنية الأمريكية، فيما أجريت من جهة أخرى دراسة لإعداد الإطار التطبيقي للمشروع السالف الذكر حول التدبير المفوض وذلك في إطار مشروع دعم برنامج الخوصصة.
الإطار القانوني المنظم للتدبير المفوض
تم عرض مشروع القانون 05ـ54 على اللجنة الوزارية للتدبير المفوض للبث فيه، وتقديمه بعد ذلك للأمانة العامة للحكومة يوم فاتح يوليوز2005، ثم أحيل على المجلس الحكومي يوم 10 نونبر 2005 فالمجلس الوزاري يوم 23 نونبر2005، تم على البرلمان الذي وافق عليه، و نشر بالجريدة الرسمية في 14 فبراير 2006 و تم تحديد ماهيته كما يلي:
”التدبير المفوض هو عقد يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى المفوض لمدة محدودة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته على شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى المفوض إليه، يخول له حق تحصيل أجرة من المترفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا.”
هكذا عرف القانون رقم 05ـ54 التدبير المفوض.
وقد تم رفعه إلى المستوى المؤسساتي وحدد هذا القانون الذي يتكون من 34 مادة، النظام القانوني والمحاسباتي للأموال المكونة للتدبير المفوض، وخاصة أموال الرجوع والاسترداد الواجبة والقابلة للاسترجاع، مع إمكانية رهن أموال الرجوع من قبل المفوض إليه وفقا لشروط تهدف إلى المحافظة على استمرارية المرفق العام في حالة توقف هذا الأخير عن تأدية ما بذمته لصالح المفوض، فضلا عن مقتضيات تهم حقوق وواجبات المفوض والمفوض إليه، حيث أعطى القانون لهذا الأخير حق احتلال الملك العام بمساعدة المفوض.
وعموما يتحدد الإطار القانوني لهذا الموضوع بالأساس في قانون (54.05) المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة وكذلك المرسوم رقم 23606–2 صادر بتاريخ 9 غشت 2006 المتعلق بتطبيق المادتين (5) و(12) من القانون السالف ذكره، وكذلك القانون التنظيمي للجماعات الترابية، وقانون 69.00 المتعلق بالرقابة المالية للدولة على المؤسسات العمومية والمنظمات المستفيدة من دعم المال العام، وكذا الشركات صاحبة الامتياز، كما أن عقد تدبير المفوض يخضع كذلك لرقابة المجلس الأعلى للحسابات طبقا للمادة 25 والمجالس الجهوية للحسابات وفق المادة 118 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية كما تخضع إلى رقابة المحاكم الإدارية طبقا لمادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وغيرها من القوانين والمراسيم التي ترتبط بمختلف مجالات التفويض.
وتتجلى أهمية هذا التأطير القانوني في كون أن التدبير المفوض يعد من طرق تسيير المرافق العامة الاقتصادية، كما أن لجوء الدولة إلى هذا النوع من التدبير للمرافق العامة يعد مسلكا في نظرها لرفع الضغط المباشر عليها.
وتتضمن عقود التدبير المفوض في صيغتها الجديدة مقتضيات خاصة بالجزاءات التي قد يتعرض لها المفوض إليه في حالة إخلاله بالتزامات في إطار الصلاحية المعطاة للمفوض لتتبع ومراقبة العقد.
لقد استوحى هذا القانون أهـــم مقتضياته من التشريعات الجاري بها العمل في دول أوربية وخاصة فرنسا، مع نوع من التكييف والملائمة بالواقع المغربي، وإظهار التناغم المطلوب من قبل المجموعات المالية الدولية والمستثمرين حول انفتاح الاقتصاد المغربي، وكنوع من سيادة الشفافية والمساواة المظهريين في إبرام العقود وضبط العلاقة بين المفوض والمفوض له، مع توضيح الطرق التي يجب سلكها، ومساطر إبرام عقود التدبير المفوض ومسطرة التحكيم في حال وجود خلافات بين الطرفين.
كما نص القانون للمفوض له بوجوب أن يكون على شكل شركة خاضعة للقانون المغربي يكون غرضها منحصرا في تدبير المرفق العمومي، وفرض الاحتفاظ بالمستخدمين وحقوقهم المكتسبة من طرف المفوض إليه، ونشر المعلومات المالية به، وبذلك يعتبر التدبير المفوض عقدا إداريا.
إن لجوء المشرع المغربي لتحديد مفهوم التدبير المفوض كتقنية جديدة لتدبير المرافق العامة المحلية بالمغرب كانت الغاية منه تجاوز التعقيدات البيروقراطية، ووضع حد لسوء المردودية وتلبية حاجيات الساكنة الحضرية التي عرفت نموا ديموغرافيا كبيرا، وحدد حقوق وواجبات كلا طرفي العقد، فمثلا نصت المادة 5 على أنه: “لاختيار المفوض إليه، يجب على المفوض، ماعدا في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 6 بعده، القيام بدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المرشحين وموضوعية معايير الاختيار وشفافية العمليات وعدم التحيز في اتخاذ القرارات… ويجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض موضوع إشهار مسبق” والمادة 6 نصت على أنه:
يمكن اختيار المفوض إليه عن طريق التفاوض المباشر في الحالات الاستثنائية التالية:
أ- في حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام.
ب- لأسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام.
ج- بالنسبة إلى الأنشطة التي يختص باستغلالها حاملو براءات الاختراع أو بالنسبة إلى الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بإنجازها إلا إلى مفوض إليه معين.
إن عقد التدبير المفوض، عقد إداري تتعهد بمقتضاه السلطة العامة المفوّضة لمفوض له داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض باستغلال وتدبير المرفق العام لمدة محددة تنتهي بانتهاء مدة العقد مع إمكانية تجديد مدته، و ينفرد هذا العقد الإداري بثلاث خصائص أساسية:
1ـ الإطار القانوني للاتفاق أو طريقة إبرام العقد، حيث أن إبرام عقود التدبير المفوض يتم وفق آليات مختلفة، عكس عقود الامتياز التي يتم إبرامها بحرية دون أن يلجأ المتعاقدون إلى الإشهار والإعلان عن المنافسة.
2ـ المدة الزمنية لعقود التدبير المفوض التي لا تتعدى 30 سنة ولا تقل عن 5 سنوات، عكس عقود الامتياز التي تتراوح بين 5 و 99 سنة؛ كما أن عقود التدبير المفوض يكون إنهاؤها إما بانتهاء مدة العقد، وبالتالي فهذه الطريقة طبيعية، وإما باسترداد المرفق قبل انتهاء مدة العقد، وتجسدت هذه الطريقة الأخيرة عمليا في الفصل 46 من عقد التدبير المفوض مع لاليونيز دي زو الدار البيضاء، والفصل 70 من عقد التدبير المفوض لريضال الرباط؛ و عليه، فإنهاء عقد التدبير المفوض يتم تحديده بموجب بنود الاتفاقية بين السلطة المفوضة و المفوض له، حيث أن دفتر التحمّلات ودفتر الشروط العامة والخاصة والملاحق توضح العلاقة بين الطرفين.
3ـ نوع الرقابة المطبقة، تبرز في خضوع عقود التدبير المفوض إلى رقابة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية ولجان الضبط ولآليات الافتحاص الخارجي والتدقيق بمبادرة من وزيري الداخلية والمالية، عكس الأشكال التقليدية لتدبير المرافق العامة كالامتياز التي تخضع من حيث مراقبتها لمقتضيات ظهير 14 ابريل 1960 الخاص بالرقابة المالية للدولة على المؤسسات العامة والشركات ذات الامتياز، والهيئات المستفيدة من الدعم العمومي المالي؛ وهذا الشكل من التدبير الحديث تعطي له المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية (قنوات التبعية) أهمية خاصة عن طريق الدعم اللامشروط، كالبنك الدولي وصندوق النقد.
بالنسبة لحقوق والتزامات المفوض إليه ففي مجال الحقوق:
1ـ له حق تقاضي رسوم وإتاوات من المرتفقين أو من المساهمات التي تدفعها الدولة أو السلطة المفوضة.
2ـ حق تأسيس شركات خاضعة للقانون المغربي ويمكن للمساهمين أن يكونوا أشخاصا معنويين أو طبيعيين تسري عليهم مقتضيات القانون العام أو الخاص.
3ـ حق التعويض عن الضرر الناشئ عن إثراء الإدارة بلا سبب وحق احتلال الملك العام من أجل حاجيات المرفق العام.
أما الالتزامات:
1ـ الالتزام بالتنفيذ الشخصي، بمعنى يجب أن يتم تنفيذ العقد الإداري بواسطة المتعاقد مع الإدارة المفوض إليه شخصيا، وذلك بضرورة أن يبذل المتعاقد الجهد المناسب للالتزام بالتنفيذ في المدة المحددة أي أن يتم التنفيذ في الميعاد المحدد لذلك الذي تم الاتفاق عليه.
2ـ الالتزام بضمان سير المرفق العام وسلامة الأعمال، ويقصد به أن يلتزم المتعاقد مع الإدارة المفوض إليه.
3ـ الحصول على التراخيص:
إن المفوض إليه ملزم بالحصول على التراخيص المطلوبة قانونا لإنجاز الأشغال المرتبطة بالمرفق المفوض إليه وخاصة في مجال التعمير واحتلال الملك العام والسلامة وحماية البيئة إذ لا يعفى منح التدبير المفوض من الحصول على هذه التراخيص.
وإذا كان هدا القانون يهدف ليوفق بين حالتين، أولها منح الشخص العام نوعا من الحرية في تسيير المرافق العامة، وثانيا احترام المقتضيات المتعلقة بمجال المنافسة، فإنه في الواقع ولأسباب سياسية يمنح تسيير المرفق العام لفاعل وحيد في أغلب الأحيان ليطرح السؤال حول مدى نطاق مبدأ المنافسة ومعنى الشفافية بالنسبة لسلطات المفوض و التزاماته.
وبغض النظر عن الواقع الغامض فإن للمفوض سلطات تتمثل في:
1ـ سلطة التوجيه والمراقبة : كإعطاء تعليمات وأوامر للمتعاقد معها ولو لم ينص العقد على ذلك صراحة، فالأمر بإنجاز الخدمة يعتبر العنصر الأساسي الذي يميز الصفقات العمومية، إضافة إلى إمكانية المفوض إجراء تحقيقات والاستعانة بالخبراء والأعوان كلما ارتأى جدوى هذه الرقابة.
2ـ سلطة توقيع الجزاءات، كما في حالة إذا امتنع المتعاقد عن التنفيذ أو تأخر أو أهمل في أدائه، فإنه يكون مقصرا في تنفيذ التزامه، وتوقع عليه جزاءات من قبل الإدارة المتعاقدة بغية الاستمرار في تنفيذ الالتزام المتعلق بالمرفق العام، وإزالة دواعي الإخلال أو التقصير.
3ـ إضافة إلى أن هناك التزامات للمفوض كعقد اجتماعات وفق فترات منتظمة قصد إعداد تقييم مشترك كل خمس سنوات.
كما تتمتع السلطة المفوضة بمجموعة من الحقوق في مواجهة المفوض له، إلا أن أهم حق يتجلى في المراقبة التي يمكن أن تمارسها على المفوض له، وعليه فإنه من خلال بنود العقد، يمكن تمييز الرقابة التي تمارسها سلطة الوصاية، والتي تتمثل -حسب الفصل 51- في كون أن “المفوض له ملزوم بإعطاء السلطة الوصية نسخة من الوثائق، والتقارير التقنية، والمالية، والمحاسباتية، والاقتصادية، وغيرها، المقدمة للسلطة الوصية، وفي نفس الإطار تنص الاتفاقية على أن تؤسس لجنة للتتبع برئاسة رئيس المجموعة الحضرية، علما أن المفوض له هو المسؤول الوحيد عن سير المرافق التي يقوم بتدبيرها واستغلالها، مع تحمل أخطار ومخاطر ذلك طبقا للعقد. مما ينتج عنه التزام السلطة المفوضة بعدم منح أي ترخيص إداري أو غيره من شأنه أن يحد أو يمنع ممارسة المفوض له لحقه في أن يستغل المرافق المفوضة وحده دون غيره.
فالنظام العام للتدبير المفوض في هذه الحالة، يتكون بالإضافة إلى الاتفاقية، من مجموعة من الملاحق، بما فيها دفتر التحملات، إلا أنه في حالة حصول خلاف بين الطرفين، فإن الاتفاقية هي التي ترجح على باقي الوثائق.
التدبير المفوض وأعطاب المراقبة
إن السؤال عن مكانة المنافسة في نظام إبرام عقود التدبير المفوض للمرافق العامة يطرح نفسه بإلحاح مدام هناك تكريس لوضعية احتكارية، ذلك أن نظام الانتقاء يكتسي رهانا أساسيا. وبالتالي فإن النظام القانوني الحالي للتدبير المفوض للمرافق العامة يمكن أن يكون موضوع العديد من التساؤلات فيما يخص قدرته على الاستجابة للحاجيات، إذ تلعب حرية المنافسة دور الكاشف الأساسي للتوازن الاقتصادي من خلال الحصول على أقل أسعار ممكنة للماء الشروب والطاقة الكهربائية والتطهير السائل والنظافة والنقل الحضري وكذا التمويل الذاتي والتوازن الاقتصادي والمالي للمرافق المفوضة، والتحسن التدريجي في الجودة التقنية للخدمات وتسييرها الإداري والتجاري الجيد. مع الاحتفاظ بالتجهيزات والمنشئات المخصصة للمرافق المفوضة في حالة جيدة، إضافة إلى التسيير المنتظم للموارد البشرية.
غير أن تفويض استغلال وتمويل المنشآت والمرافق العامة إلى القطاع الخاص لا يمكن أن يكون ذا جدوى باللجوء إلى شريك في وضعية احتكار طبيعي أو قانوني، بل بتفعيل المنافسة بين أكبر عدد ممكن من المترشحين، والتعاقد على أساس تقييم موضوعي لمختلف العروض، فالتدبير المفوض يجب أن يكون موضوعا لطلب عروض دولي، حيث تقدم مجموعة من الشركات متعددة الجنسية، و الشركات الوطنية الخاصة، ملفاتها للمشاركة في طلب العروض هذا.
فغاية المشرع في طريقة التسيير المحلي للمرافق العامة، بواسطة التدبير المفوض هو مناسبة بالنسبة للجماعات المحلية لإظهارها شكليا وبواسطة جهازها التنفيذي مؤهلاتها و تشجيع ديمقراطية القرب. إذ يمكن تسيير نشاط مرفقي بطريقة مختلفة وهي فرصة بالنسبة للجماعة المحلية لتأكيد نفسها كسلطة، حيث أن الجماعة المحلية لم تعد هي الفاعل، بل أصبحت هي المراقب، فالمرفق يفوض لفاعل خارجي، والميزة الأساسية للتدبير المفوض هو جعل المفوض إليه يتحمل كل أو جزءا من الاستثمارات الضرورية لاستغلال المرفق و تحمل مسؤولية الاستغلال، لكن العكس هو الحاصل في الواقع، عبر طريقة التملص من مراقبة عمل المفوض له، وعدم تحمل المسؤولية أمام الناخب وسلطة الوصاية، وقد برز التدبير المفوض للمرفق العام كظاهرة عالمية، ونتيجة لعولمة رأس المال في إطار النظام الاقتصادي الليبرالي، تتقاسمها جميع الدول، متقدمة كانت أو صاعدة أو في طريق النمو، اقتناعا منها بأن اللجوء إلى القطاع الخاص لتدبير المرافق العامة من شأنه تعزيز الاستثمار في هذا المجال وتحسين عرض الخدمات، وبالتالي تحقيق شروط التنمية المتينة والمستدامة. لكن الخدمات لا ترقى إلى تطلعات الساكنة، ولا تتوافق مع الموارد المالية التي تحصل عليها.
فالسلطات العمومية تهدف من خلال تشجيع وتحفيز هذا النوع من التدبير إلى التخلص من المسؤولية في تسيير عدد من المرافق بدعوى تحسين الخدمات وتيسيرها بالنسبة للمواطنين وتقليص التكلفة بالنسبة للميزانية الدولة، وترشيد النفقات، وتعبئة رؤوس أموال أجنبية على الخصوص وجلب هذه الأخيرة للكفاءات والوسائل التقنية واللوجيستيكية وتخفيف أو ورفع أعباء التوسع الحضري.
إن أسلوب التدبير المفوض بالمغرب من حيث الشكل والقانون المنظم له شيء وما يجري في الواقع شيء آخر، مع أن الإعطاب الحقيقية لهذه التجربة تأتي من سلطة الوصاية التي بحكم تحكمها في وضع هندسة الخريطة الانتخابية تقتل الكفاءات بمنح الأولوية وإعطاء أغلبية مقاعدها للمحسوبين على توجهها كجزاء على الولاء، وضربا لمبدأ تكافؤ الفرص وسياسة القرب.
فالمستشارون بالجماعات المحلية ليسوا تعبيرا عن إرادة الشعب، بل إن وجود أغلبيتهم الساحقة نتيجة توافقات هندسية بين الأحزاب الإدارية والوزارة الوصية التي ترجع إليها واقعيا سلطة منح التدبير المفوض، مما أدى ويؤدي إلى قبول هذه المجالس المحلية كل مقترحات السلطة الوصية لمنح التدبير المفوض مقابل ما تبقى من فتات الريع، إضافة إلى خاصية منح صفقات التدبير المفوض إلى القوتين الاستعماريتين للمغرب سابقا وهما فرنسا وإسبانيا لأسباب سياسية محضة، تضرب في الصميم عنصر المراقبة وتسهل مأمورية التقاعس عن واجب القيام بوضع البنيات التحتية في المستوى المطلوب تقنيا وهندسيا.
إن من بين أهداف التدبير المفوض إدخال آليات حديثة للتسيير، وتحسين الإنتاجية والرفع من جودة الخدمات، وبالتالي ترشيد تكاليف الإنتاج وتخفيض مستويات التعريفة المطبقة، وإحداث بنيات تحتية وجلب الأموال لزيادة الاستثمار وتطويره، غير أن تحويل هذه الجماعات لجزء كبير من مهامها إلى القطاع الخاص يبخس دورها الذي يبقى مصير وجوده كعدمه، إضافة لرفع يدها عن التتبع والمراقبة القبلية والبعدية وهذا كله لا يعفيها من مسؤولياتها في هذا المجال.
فضعف مواردها البشرية، على المستوى النوعي والعددي، يعيق بشكل كبير عملية التدبير المفوض طيلة جميع مراحله، بدءا بمرحلة إعداد العقود إلى مرحلتي التتبع والمراقبة.
وقد كشفت عمليات المفاوضات وإبرام العقود عن ضعف الموارد البشرية ذات المؤهلات التقنية المطلوبة بالجماعات المفوضة، حيث تجد هذه الأخيرة نفسها غير مؤهلة إزاء الشركات المفوض إليها، والتي تتوفر على الخبرة والمعرفة التقنية اللازمتين. كما أن نظام التوظيف والأجور وتدبير المسار المهني للمستخدمين وأعوان السلطات المفوضة لا يسمح بتعبئة الكفاءات المطلوبة قصد توفير المخاطبين الأكفاء إزاء الشركات المفوض إليها. ويتفاقم هذا الوضع بسبب غياب آليات لتكوين وتأهيل الموارد البشرية لدى الجماعات.
فأغلب الجماعـات المحلية تفتقد إلى موارد بشرية مؤهلة تستطيع أن تجاري الشركات العالمية العملاقة التي تتقدم بعروضها للفوز بتلك العقود من المفاوضات الأولية للعقد إلى تتبع تنفيذه، وبهذا المستوى المتدني فإن أطر الجماعات المحلية لا تستطيع أن تدخل في علاقة ندية مع تلك الشركات، ولاسيما أن طبيعة المرافق العمومية تحتاج إلى خبرة ومؤهلات تقنية ومحاسباتية ومتنوعة التخصصات على أعلى مستوى حتى يمكن القيام بتقييم حقيقي لكلفة تقديم الخدمات.
فمثلا فيما يتعلق بالحكامة، يبدو من خلال الواقع الملموس أن لجن دراسة الصفقات اسم شكلي فقط، حيث يتسم تدبير المرافق العامة، بتعدد المتدخلين على المستوى المركزي. وهكذا، تمارس وزارة الداخلية الوصاية التقنية المتمثلة في المصادقة المسبقة على أنماط تدبير المرافق العامة وعلى العقود المبرمة مع الشركات المفوض إليها. وقد أبانت عمليات تتبع ومراجعة العقود عن بعض جوانب الغموض فيما يخص الأدوار التي تمارسها الأطراف المتعاقدة. كما أن دور سلطة الوصاية في هذا المجال، لم يحدد بشكل واضح
ويعرف التدبير المفوض للمرافق العامة المحلية تدخل عدة مديريات بوزارة الداخلية على مستويات مختلفة، وأحيانا بالنسبة لنفس المرفق العام. ويتعلق الأمر بالمديرية العامة للجماعات المحلية، ومديرية الماء والتطهير، ومديرية الوكالات والمصالح ذات الامتياز، ومديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون، ومديرية المالية المحلية، ومديرية التخطيط والتجهيز.
وإذا كان التدبير المفوض قد أحدث قطيعة مع نظام التعريفة الموحدة للكهرباء والماء والتطهير
السائل، والتي كانت تحددها الدولة، ليحل محلها نظام تقنين التعريفة بموجب عقد التدبير
المفوض، مما أتاح إمكانية الأخذ بعين الاعتبار، بمناسبة تحديد السعر، للمجال الجغرافي
وطبيعة الجهات المستفيدة، غير أن ضعف الرقابة فتح شهية هذه الشركات لزيادة الحصول على الأموال بطريقة غير شرعية، على حساب المواطنين، وفي هذا الإطار، كشفت عمليات المراقبة التي قامت بها المجالس الجهوية للحسابات، وكذا مكتب الصرف، عن العديد من الاختلالات، خاصة فيما يتعلق بالتحويلات المرتبطة بالمساعدة التقنية الخارجية. وقد سجلت إزاء هذه الشركات مخالفات لقوانين الصرف، تتمثل
أساسا في تهريب وإجراء تحويلات غير قانونية للأموال، دون الكلام عن الإمدادات الممنوحة للشركات
المفوض إليها عبر “صندوق مواكبة إصلاحات النقل الطرقي الحضري والرابط بين المدن على سبيل الحصر، علما أن اغلب شركات التدبير المفوض حققت أرقام معاملات كبيرة.
كما أنه يتم إعداد عقود التدبير المفوض في غياب المخططات المديرية للكهرباء والماء والتطهير السائل بالنسبة لقطاع التوزيع، وفي غياب تصاميم التنقلات المرتبطة بالنقل الحضري، وكذلك في غياب مخططات المديرية الجماعية وتلك الخاصة بالعمالات والأقاليم بالنسبة لقطاع النظافة، وذلك بخصوص جمع النفايات.
لقد توخى المشرع من خلال أسلوب التدبير المفوض، رفع التحديات الناجمة عن النمو المتسارع للحاجيات
الملحة المترتبة عن التطور الحضري، وذلك من خلال إشراك القطاع الخاص والفاعلين الدوليين استجابة لهذه الحاجيات المتزايدة، لكن من الناحية الواقعية تبقى هذه الترسانة القانونية حبرا على ورق في غياب الموارد البشرية المؤهلة وغياب الرقابة، وكل هذا ينعكس على أرض الواقع من خلال الارتفاع الكبير للأسعار وتدني جودة الخدمات دون أدنى تدخل من السلطات المفوضة وهو ما يؤدي ببعض الفئات الأكثر تضررا إلى الخروج في مظاهرات واحتجاجات تعبير عن سخطهم وتذمرهم (أمانديس، ريضال وليديك)،
لهذا يبقى السبيل الأمثل أمام الجماعات هو الانخراط في سياسة التكوين المستمر للأطر والموارد البشرية حتى تكون لها القدرة على تفعيل الرقابة المنصوص عليها قانونا. وتوحيد الترسانة القانونية للتدبير المفوض. ورفع يد الجهات الوصية، وطبعا لن يتحقق هذا دون إرادة سياسية وانتخابات محلية نزيهة، تفرز أطرا وكفاءات قادرة على تغيير الوضعية الحالية لميدان التدبير المفوض.
إن الواقع يبرز لنا أن أغلب هذه الشركات المفوض لها تأتي بخزائنها فارغة، وتحصل على القروض من الأبناك المغربية بسهولة، تم تبدأ عملها الترقيعي في غالب الأحيان، فيما ينصب جل اهتمامها على نهب جيوب المغاربة في كل القطاعات التي تشرف عليها من توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات والنقل الحضري وغيرها..
كما تقوم بتفويت أغلب الأشغال المهمة لمقاولات بالتعاقد من الباطن، مستغلة المادة 21 من القانون 54.05 التي تجيز أن يرخص وبصفة تبعية للمفوض إليه أن يتعاقد من الباطن بشأن جزء من الالتزامات التي يتحملها برسم التدبير المفوض، بمعنى أنه يمكن للمفوض إليه وبموجب عقد التدبير المفوض أن يعهد إلى الغير إنجاز أو تنفيذ بعض الأشغال المتعلقة بسير المرفق المفوض، غير أنه يظل مسؤولا بصفة شخصية تجاه المفوض الأغيار عن الوفاء بجميع الالتزامات التي يفرضها عليه التدبير المفوض. ويجب أن يحدد العقد شروط وكيفيات التعاقد من الباطن، فهذا الأخير أصبح هو الركيزة الأساسية لعمل المفوض له، وبالتالي تنعدم الجودة.
وتظل أكبر نقطة سوداء للشركات الأجنبية المفوض لها تدبير بعض القطاعات الحيوية المحلية هو تهريب الأرباح وما فوق الأرباح عبر إجراءات غير مشروعة، بطريقة سرية إلى مراكزها الرئيسية في بلدانها، ضاربة عرض الحائط بدفتر التحملات، خصوصا البنود المتعلقة بالمسك الإجباري المحاسباتي،
كما توضحها القواعد المتعلقة بالشروط المالية، فالمادة 15 من قانون 05- 54 تنص على أن المفوض إليه يجب أن يمسك محاسبته طبقا للقانون رقم 88-9 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجبة على التجار العمل بها والصادر بتاريخ 25 دجنبر 1992. وعندما تفوض عدة أنشطة مرفق عام إلى المفوض إليه، يجب عليه أن يعد قوائم تركيبية سنوية منفصلة تعكس جردا بالمصاريف والمداخيل، لكن ما يحصل في هذا المجال هو التسيب وإتلاف الوثائق، فأحد تقارير المجلس الأعلى للحسابات تؤكد أنه لم يتم استثمار كل الإمكانيات والمؤهلات التي يتيحها نمط التدبير المفوض، وذلك بسبب اختلالات في التخطيط وفي تحديد الحاجيات من طرف السلطة المفوضة، وغياب هيئة مستقلة تكلف بمهام الخبرة والتنسيق والتتبع واليقظة.
فواقع المدن التي تشرف على تدبيرها هاته الشركات صار بذكره الركبان، وتصبح في فصل الشتاء بحالة يندى لها الجبين، أما جمع الأزبال ونظافة المدن فتلك قصة أخرى، لا فيما يخص تدبير النفايات وفق قوانين البيئة ولا في أماكن وضعها وتدويرها كما هو الحال في الدول التي تحترم مواطنيها، أما قطاع النقل الحضري فإنه لا يتعدى شراء بعض الحافلات واستيراد عدد كبير منها بعد أن تم منع العمل بها في الشوارع والحواضر الفرنسية والهولاندية.
بيد أن المأمول من هذه الشركات الحالية قد تبخر، وتظهر الصورة واضحة بجلاء حين تهطل الأمطار فيصبح سكان الجهات والمدن المعنية بالتدبير المفوض في خطر دائم، خصوصا الدار البيضاء التي تغرق كل سنة، فيما تصبح باقي المناطق عبارة عن جزر وكانتونات معزولة وأحياء وشوارع مغمورة بالمياه نظرا لسوء تدبير البنيات التحتية وانعدام نظافة قنوات الصرف السائل، وستظل صور مدن الشمال التي ترزح تحت سلطة شركة أمانديس، راسخة في أذهاننا وهي تحتج بالشوارع حاملة الشموع وأنوار الهواتف النقالة وعدم استعمال الكهرباء لساعات كرسالة لمن يهمهم الأمر من سلطة الوصاية على إثر النفخ في فاتورات الاستهلاك، ولعل الفاجعة الأخيرة بوفاة 28 عاملة وعاملا بطنجة نتيجة انفجار مجاري المياه تساؤل اختلال هذا النموذج التدبيري المحمي فوقيا.
لقد كان لزاما على المفوض إليه، أن يعد قوائم تركيبية سنوية منفصلة تعكس جردا بالمصاريف والمداخيل، بيد أنه في ظل غياب رقابة فعلية للجهات الوصية من مجالس محلية صورية ووزارة الداخلية والمالية وخصوصا مكتب الصرف الذي يتحمل المسؤولية الكبرى في محاربة تهريب الأموال، فإن ما يقع من نهب وتبديد للمال العام تقشعر له الأبدان، في بلد يعاني أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية خانقة وانخفاض مزمن في الناتج الداخلي الخام، وثقل المديونية الداخلية والخارجية.
إن الارتجالية وانعدام الرقابة وجهل الجماعات الترابية، هي سيدة الموقف، بسبب صوريتها وانعدام الكفاءات لديها وتخبطها وجهلها بأدبيات ومساطر شرعية الاستخلاص، كما حدث في واقعة أو قضية الأداء مقابل ركن السيارات في الطريق العام في غياب أي سند أو شرعية قانونية، والتي قال القضاء الإداري كلمته فيها، إن هذه الاختلالات تظهر الصور الحقيقية عن ما آل إليه التدبير المفوض، ومختلف الثغرات الناجمة عن غياب التطبيق السليم للتدبير المفوض، فلا أسعار الماء والكهرباء انخفضت ولا تحسنت الجودة ولا نظافة تحققت للمدن المعنية بالتدبير المفوض ولا نقل حضري تحقق ويحترم أدمية الإنسان بل نشاهد يوميا معاناة الناس وشبه حافلات يتكدس فيها المقهورون كعلب السردين.. فأين رقابة المسؤولية ؟؟!!