الانتخابات بطعم الفساد
◆ صفي الدين البدالي
تستعد الدولة المغربية لتنظيم الانتخابات التشريعية والمهنية والانتخابات المحلية والإقليمية والجهوية بعد ربيع السنة الجارية، في سياق عام دولي ووطني تطغى عليه مخلفات جائحة كرونا ويعرف استمرار انحدار المؤشر الاقتصادي وتنامي حالة الاحتقان الشعبي في عدة دول وفي المغرب، حيث تضررت شريحة واسعة من فئات الشعب جراء الحجر الصحي. وستجري الدولة المغربية عملية الانتخابات في جو سياسي يطبعه التضييق على الحريات العامة وعلى الصحافة والصحافيين، وتطغى عليه مظاهر الفساد ونهب المال العام والرشوة بالمؤسسات العمومية وشبه العمومية وغيرها، وانعدام الخدمات الاجتماعية وتراجع الفعل الصحي والفعل التربوي بفعل تخلي الحكومة على القطاعات الاجتماعية لفائدة القطاع الخاص. ولربما ستجري الانتخابات في حالة ما إذا حقق المغرب نسبة 60% من عملية التلقيح ضد فيروس كورونا، حسب وزارة الداخلية، وذلك بعد أن تمت المصادقة على القوانين التنظيمية المعدلة للقوانين السابقة للانتخابات، وهي القوانين التنظيمية التي من شأنها تأطير الانتخابات المقبلة، حيث تتلخص في منطوقها بصفة عامة إلى تطوير قواعد النظام الانتخابي عبر تقوية الضمانات الانتخابية، وضبط قواعد استفادة الأحزاب السياسية من الدعم المالي، وتخليق العمليات الانتخابية، وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين، وقانون تنظيمي متعلق بمجلس النواب الذي يهدف على الخصوص إلى تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بالتمثيلية النسائية، عبر تعويض الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، اعتبارا للمكانة الدستورية للجهة في التنظيم الترابي للمغرب، ثم عقلنة الانتدابات الانتخابية، من خلال التنصيص على تنافي صفة برلماني مع رئاسة المجالس المنتخبة التي يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة. وقانون تنظيمي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين يتم بموجبه حفاظ المنظمات المهنية للمُشغِّلين الأكثر تمثيلية على فريق برلماني خاص بها داخل المجلس، وذلك بهدف تمكينها من التعبير عن انشغالات ومطالب الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الكبرى والمتوسطة والصغرى .والقانون المتعلق ب”ضبط مسطرة الترشح لانتخابات مجالس العمالات والأقاليم وإقرار آلية لضمان مشاركة النساء، عن طريق تخصيص ثلث المقاعد لهن في كل مجلس”. والرفع من قيمة الدعم العمومي المخصص للأحزاب، قصد “مواكبتها، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، مع تخصيص جزء لفائدة الأطر التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار”.
إن القوانين المنظمة للعمليات الانتخابية المقبلة التي أقرتها الدولة المغربية ما هي إلا استنساخ للقوانين السالفة مع شيء من بعض اللمسات التقنية وبعض التعديلات البسيطة على مستوى الدوائر الانتخابية الوطنية والجهوية والدعم المادي للأحزاب المشاركة في عملية الانتخابات، وهي قوانين في جوهرها لا تساعد على المشاركة السياسية الفعلية من طرف أغلبية المواطنين والمواطنات، بل ستعمقها أكثر بفعل القاسم الانتخابي الذي تم اعتماد احتسابه على قاعدة عدد المسجلين بدل المصوتين، حيث سيصبح المتوفى والذي لم يشطب عليه من المشاركين في “اللعبة الديمقراطية”، وتسعى الدولة من خلال هذا القانون تغطية فشلها في تحقيق نسبة محترمة من المشاركة في عملية الانتخابات وكذلك عجزها في تخليق الحياة السياسية، لأنها لم تستطع الحد من نسبة المقاطعين. ولم تستطع القطع مع الفساد الانتخابي الذي أصبح ظاهرة انتخابية تتجلى في استغلال النفوذ وشراء الأصوات وعدم وضوح الخريطة الانتخابية من خلال الانفراد بعملية تحديد الدوائر الانتخابية وذلك لضمان الأغلبية المخزنية في المجالس المنتخبة وفي الحكومة. هذه كلها مظاهر لا تريد الدولة المغربية الإقلاع، عنها مما أدى بأغلبية المواطنين والمواطنات إلى العزوف عن التصويت بل حتى في المشاركة السياسية.
إن القوانين التي جاءت بها الحكومة لا تساعد على تخليق الحياة السياسية العامة، لأنها لم تقطع مع الفساد كيفما كانت مظاهره، السياسية والأخلاقية والمالية والإدارية والاجتماعية. ولم تكن لها الشجاعة أن تضع شروطا صارمة للترشيح ومنها عدم السماح لكل من له سوابق لها ارتباط بالفساد ونهب المال العام والتزوير والفساد الإداري والأخلاقي، ومن الذين تمت إدانتهم ومن الذين لا زالوا متابعين، ولم تلزم الدولة الأحزاب السياسية بعدم ترشيح هؤلاء. لأنه من شروط الأخلاق الديمقراطية تقدير المؤسسات الدستورية وحمايتها من رموز الفساد حتى تساهم في البناء الديمقراطي المنشود. لكن يبدو من خلال هذه القوانين بأن الدولة المغربية لا زالت لم تقتنع بعد بأن الانتخابات في بلادنا هي انتخابات دائما تأتي بطعم الفساد وأن القوانين الجديدة/ القديمة لن تحقق الأهداف الانتخابية التي هي وليدة الإنسانية منذ القدم، والتي تبناها الإنسان من أجل بناء دولة الحق والقانون والبناء الديمقراطي الحقيقي الذي يضمن سيادة العدالة الاجتماعية والمحاسبة والمسائلة وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. فالانتخابات كما اعتمدها الإنسان هي أداة ووسيلة للبناء الديمقراطي الحقيقي والمحاسبة وتقديم الحصيلة للشعب، كانت سلبية أو إيجابية، من أجل القطع مع كل المظاهر التي تسيء إلى أصوات الشعب، وليست غاية للمكاسب والاغتناء عبر مقاعد في البرلمان أو في الجهة أو في مجلس المستشارين أو “للاستوزار”. إن الدولة المغربية لا تريد الإقلاع عن سياسة إعادة الإنتاج الانتخابي الذي يضمن لرموز الفساد ونهب المال العام ورموز الفساد الانتخابي الولوج إلى المؤسسات الدستورية، حتى يكونوا حاجزا ضد كل قانون يخدم الطبقة الشعبية المقهورة وحتى تكون لهم الحصانة ليفعلوا ما يريدون وما لا يريده الشعب. إن الانتخابات يجب أن تكون مبنية على أسس دستورية لتضمن تطبيق الفكر الديمقراطي الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، والذي يحترم رأي أفراد الأمة، و يقوي المجلس النيابي أو مجلس المستشارين ويجعل من الانتخابات حقاً من حقوق الأفراد والجماعات. فيضمن دورهم الإيجابي في الحياة السياسية العامة وفي مجتمعهم. لكننا لما نجد الأحزاب تتسابق من أجل استقطاب رموز الفساد ونهب المال العام والذين صدرت في حقهم أحكاما قضائية قصد ترشيحهم، لأنهم أصحاب مال ولهم خبرة في الفساد الانتخابي، نقول عاليا إن الانتخابات في بلادنا قادمة، لكن بطعم الفساد.