برنامج حكومي يعمم الفقر بألوان قوس قزح

 عبد الواحد المهتاني

اعتادت الحكومات المتعاقبة من خلال برامج سياساتها العمومية على ترويج بشائر ازدهار النشاط الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، وتخفيض معدل البطالة الخ، وفي نهاية الولاية تزداد وخامة المشاكل مع الارتفاع المستمر لأعباء الديون الداخلية والخارجية لتغطية نفقات الدولة التي يتحمل أعباءها المواطنون بالدرجة الأولى، في حين تغتني فئة محمية وشركات بفضل استفادتهم من إعفاءات ضريبية، وهو الأمر الذي سيتم تكريسه مرة أخرى من خلال قانون المالية لسنة 2022 ، الذي تم تقديمه على خلفية تصريح حكومي يعد بجعل الانسان في صلب السياسة العمومية وتعزيز الرأسمال البشري وغيرها من الشعارات المستمدة أيضا من مشروع “النموذج التنموي”، و ما بين التفاؤل والتشاؤم، لنحاول أن نتناول بعض القضايا التي تمس أوسع الفئات الكادحة بالتحليل على ضوء قانون المالية الجديد.

الشغل

  ‬وضع‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭ ‬لسنة‭ ‬2022،‭ ‬ضمن‭ ‬فرضياته‭ ‬تحقيق‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬2‭ ‬بالمائة،‭ ‬وفي‭ ‬علاقة‭ ‬بذلك‭ ‬يتحدث‭ ‬البرنامج‭ ‬الحكومي‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬مليون‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفترض‭ ‬إحداث‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬سنويا‭.‬

‭ ‬قبل‭ ‬تناول‭ ‬هاته‭ ‬الأرقام‭ ‬بالتحليل،‭ ‬فلا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬بعض‭ ‬السمات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬مجال‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬استمرارا‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شروط‭ ‬تتسم‭ “‬ببطء‭ ‬وثيرة‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬الشغل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تواكب‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭”‬،‭ ‬والكلام‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عندنا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬توصيف‭ ‬وارد‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭ ‬أنجز‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: “‬مشهد‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬المغرب‭”‬،‭ ‬والذي‭ ‬يضيف‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬55‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬توجد‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الإنتاج‭.‬

كما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬والمتراوحة‭ ‬أعمارهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و24‭ ‬عاماً،‭ ‬ولا‭ ‬يستثمرون‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬مهاراتهم‭. ‬ويُعرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬بأنهم‭ “‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬والتدريب‭”.‬

أما‭ ‬الشباب‭ ‬ممن‭ ‬لهم‭ ‬مستويات‭ ‬تعليمية‭ ‬مرتفعة،‭ ‬فهم‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جيد،‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬البطالة،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬حوالي‭ ‬80‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬النشيطات‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬بدائل‭ ‬متاحة‭ ‬فإن‭ ‬فئة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬وخاصة‭ ‬النسوية‭ ‬منها‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الغير‭ ‬المنظم،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬المعامل‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬الضرائب‭ ‬وتتنصل‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬التحملات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لفائدة‭ ‬العمال،‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يكسبون‭ ‬قوتهم‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬وخاصة‭ ‬بالعالم‭ ‬القروي،‭ ‬وهو‭ ‬قطاع‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬الطابع‭ ‬الموسمي،‭ ‬ولا‭ ‬ينتفع‭ ‬عماله‭ ‬وعاملاته‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬صحية‭ ‬ولاهم‭ ‬يحزنون‭.‬

وتبعا‭ ‬للمعطيات‭ ‬السالفة‭ ‬فإن‭ ‬الحكومة،‭ ‬ليست‭ ‬معنية‭ ‬فقط‭ ‬بتوفير‭ ‬الشغل‭ ‬للشباب،‭ ‬باعتباره‭ ‬الفئة‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررا‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬مقارنة‭ ‬بكبار‭ ‬السن،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مطالبة‭ ‬أيضا‭ ‬بأن‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬عملا‭ ‬لائقا‭ ‬يصون‭ ‬حقوقهم‭ ‬وكرامتهم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬برنامج‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬بفرضيات‭ ‬نسبة‭ ‬النمو،‭ ‬نسجل‭ ‬أنه‭ ‬ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬2019،‭ ‬لوح‭ ‬وباء‭ ‬كرونا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬357000‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬البطالة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬وبرسم‭ ‬السنة‭ ‬ذاتها‭ ‬حتى‭ ‬حدود‭ ‬شتنبر،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬1‭.‬48‭ ‬مليون،‭ ‬وهو‭ ‬الرقم‭ ‬الذي‭ ‬يوازي‭ ‬مناصب‭ ‬الشغل‭ ‬التي‭ ‬وعدت‭ ‬الحكومة‭ ‬بتحقيقها‭ ‬خلال‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الطلب‭ ‬تفوق‭ ‬أضعافا‭ ‬مضاعفة‭ ‬نسبة‭ ‬العرض‭. ‬هذا‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الزعم‭ ‬الباطل‭ ‬لعدد‭ ‬المناصب‭ ‬المفترض‭ ‬إحداثها‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بنسبة‭ ‬النمو‭ ‬المتوقعة‭.‬

‭ ‬عطفا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الإحصائيات‭ ‬المتوفرة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط،‭ ‬أو‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬نقطة‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬توفر‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬حاليا،‭ ‬وتبعا‭ ‬لفرضيات‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬الذي‭ ‬يتوقع‭ ‬تحقيق‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬3‭.‬2‭ ‬بالمائة‭ ‬أو‭ ‬4‭ ‬بالمائة‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬التصريح‭ ‬الحكومي،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬وعدت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬شغل‭ ‬في‭ ‬برنامجها‭ ‬الحكومي،‭ ‬أي‭ ‬توفير‭ ‬مليون‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬خلال‭ ‬ولايتها،‭ ‬أي‭ ‬بمعدل‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬سنويا‭.‬

‭ ‬وهكذا،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التصريح‭ ‬الحكومي،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬تمكنت‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬مناصب‭ ‬شغل‭ ‬بالضعف،‭ ‬أي‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬لكل‭ ‬نقطة‭ ‬نمو‭ ‬أو‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬فرصة‭ ‬عمل،‭ ‬إذ‭ ‬بنمو‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬سيوفر‭ ‬سنويا‭ ‬160‭ ‬ألف‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الظروف‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصبح‭ ‬معه‭ ‬إحداث‭ ‬مليون‭ ‬منصب‭ ‬شغل،‭ ‬خلال‭ ‬ولاية‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬هدفا‭ ‬صعب‭ ‬المنال،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬مهمة‭ ‬مستحيلة‭.‬

‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬البرنامج‭ ‬الحكومي‭ ‬يكرس‭ ‬التوجهات‭ ‬الهشة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشغيل،‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بهيمنة‭ ‬الفئة‭ ‬الغير‭ ‬الحاملة‭ ‬للشهادات،‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬منصبين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬مناصب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الأكثر‭ ‬إحداثا‭ ‬لمناصب‭ ‬الشغل‭ ‬أي‭ ‬الأنشطة،‭ ‬ذات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المرتفعة،‭ ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬بأن‭ ‬الفلاحة‭ ‬والأشغال‭ ‬العمومية‭ ‬والخدمات‭ ‬هي‭ ‬المساهم‭ ‬الأكبر‭ ‬بنسب‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التشغيل‭.‬

‭ ‬وبالعودة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬تستجيب‭ ‬لهكذا‭ ‬تطلعات،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬شعارات‭ ‬للاستهلاك‭ ‬مادامت‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬لترجمتها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬كالقول‭ ‬بتوفير‭ ‬المناخ‭ ‬الملائم‭ ‬للاستثمار،‭ ‬وهو‭ ‬شعار‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬دون‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬رفع‭ ‬شعار‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬اللامشروعة‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬تكريس‭ ‬سيادة‭ ‬الاحتكار‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬وتشجيع‭ ‬اقتصاد‭ ‬الريع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنتناوله‭ ‬لاحقا‭. ‬

وعلى‭ ‬العموم‭ ‬فإن‭ ‬باقي‭ ‬الإجراءات‭ ‬المعلنة‭ ‬تظل‭ ‬حبيسة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬كالإعفاء‭ ‬من‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للملتحقين‭ ‬بالوظيفة‭ ‬لفترة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مبادرات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬التشغيل‭ ‬الذاتي،‭ ‬كبرنامج‭ “‬فرصة‭” ‬و‭”‬انطلاقة‭” ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تستنسخ‭ ‬ما‭ ‬سبقها،‭ ‬وهي‭ ‬مبادرات‭ ‬تظل‭ ‬قاصرة‭ ‬على‭ ‬تحفيز‭ ‬التشغيل‭ ‬الخاص،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬تراجع‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العمومي،‭ ‬اللهم‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بتعويض‭ ‬المتقاعدين‭ ‬وهو‭ ‬إجراء‭ ‬لا‭ ‬يغطي‭ ‬السقف،‭ ‬تحت‭ ‬مبرر‭ ‬أن‭ ‬أجور‭ ‬الموظفين‭ ‬تلتهم‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬140‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬يغيب‭ ‬المنطق‭ ‬ذاته‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالإعفاءات‭ ‬الضريبية،‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬الضريبي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬التي‭ ‬تغتني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬بشكل‭ ‬تمييزي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬فئات‭ ‬أخرى‭.‬

الإعفاءات‭ ‬الجبائية‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬ريع‭ ‬دائم

كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬للسنة‭ ‬المقبلة‭ ‬ولكي‭ ‬يكون‭ ‬منسجما‭ ‬مع‭ ‬التصريح‭ ‬الحكومي،‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬توصيات‭ ‬مختلف‭ ‬المناظرات‭ ‬الوطنية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الجبائي،‭ ‬وآخرها‭ ‬المناظرة‭ ‬الثالثة‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2019،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تتوانى‭ ‬في‭ ‬التأكيد‭ “‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الإعفاءات‭ ‬الجبائية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬كشفته‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬اختلالات،‭ ‬مع‭ ‬مطالبتها‭ ‬ببلورة‭ ‬نظام‭ ‬جبائي‭ ‬جديد،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬والفعالية‭ ‬والتنافسية‭ ‬للنهوض‭ ‬بالتنمية،‭ ‬مع‭ ‬التقيد‭ ‬بالمبادئ‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬دوليا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحكامة‭ ‬الجبائية‭ ‬الجيدة‭.‬

كل‭ ‬هاته‭ ‬المطالب،‭ ‬بقيت‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬بعد‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق،‭ ‬والسبب‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬لوبي‭ ‬الامتيازات‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬التي‭ ‬يوظفها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬إصلاح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬وأشار‭ ‬إليه،‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬بنسودة‭ ‬الخازن‭ ‬العام‭ ‬للمملكة،‭ ‬خلال‭ ‬الدورة‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬للمناظرة‭ ‬الدولية‭ ‬للمالية‭ ‬العمومية،‭ ‬بالقول‭: ” ‬إن‭ ‬تمركز‭ ‬الاقتطاعات‭ ‬الجبائية‭ ‬يرجع‭ ‬أيضا،‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير،‭ ‬إلى‭ ‬تمركز‭ ‬اقتصادي‭ ‬ومالي‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬المغاربة،‭ ‬التي‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬توظفها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يصب‭ ‬كل‭ ‬إصلاح‭ ‬جبائي‭ ‬في‭ ‬مصلحتها‭.”‬

إعفاءات‭ ‬تكلف‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬درهم

تضمن‭ ‬التقرير‭ ‬الأخير‭ ‬حول‭ ‬النفقات‭ ‬العمومية‭ ‬المصاحب‭ ‬لمشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬2022،‭ ‬تقييم‭ ‬306‭ ‬إجراء،‭ ‬منها‭ ‬194‭ ‬إعفاء‭ ‬كليا،‭ ‬و55‭ ‬تخفيضا‭ ‬و18‭ ‬إعفاءات‭ ‬جزئية‭ ‬أو‭ ‬كلية،‭ ‬بقيمة‭ ‬إجمالية‭ ‬تناهز‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ (‬3000‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭)‬،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬السابق‭ ‬شمل‭ ‬تقييم‭ ‬302‭ ‬إجراء‭ ‬استثنائي‭ ‬بقيمة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬28‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬لكن‭ ‬التقرير‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬إحصاء‭ ‬دقيقا‭ ‬لمختلف‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬قوانين‭ ‬المالية‭ ‬المتعاقبة‭.‬

فما‭ ‬هي‭ ‬الأهداف‭ ‬المرجوة‭ ‬من‭ ‬هاته‭ ‬الإعفاءات؟‭ ‬فهل‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والتنافسية‭ ‬والاستثمار،‭ ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الجبايات،‭ ‬الذين‭ ‬يتساءلون‭ ‬أيضا‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬وقع‭ ‬الإعفاءات‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬المنتجة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬تترتب‭ ‬بالأساس‭ ‬عن‭ ‬عنصري‭ ‬الرأسمال‭ ‬والشغل،‭ ‬أي‭ ‬بما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬التحفيز‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬مناصب‭ ‬شغل؟‭ ‬

هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬وغيرها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقييمها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬تعاقدي‭ ‬مع‭ ‬القطاعات‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجبائية‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬يحدد‭ ‬التزاماتها‭ ‬بدقة‭ ‬داخل‭ ‬سقف‭ ‬زمني‭ ‬محدد،‭ ‬لكيلا‭ ‬يتحول‭ ‬المؤقت‭ ‬إلى‭ ‬دائم،‭ ‬والتحفيز‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬ريعي،‭ ‬يكرس‭ ‬اللاعدالة‭ ‬ضريبية،‭ ‬ويعدم‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬لتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬وعاء‭ ‬ضريبي،‭ ‬يشكو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬الغش‭ ‬والتهرب‭ ‬الضريبي‭.‬

من‭ ‬هم‭ ‬إذن‭ ‬المستفيدون‭ ‬من‭ ‬الإعفاءات‭ ‬والإجراءات‭ ‬الضريبية‭ ‬الكلية‭ ‬أو‭ ‬الجزئية؟

يحتل‭ ‬الفلاحون‭ ‬الكبار‭ ‬والمنعشون‭ ‬العقاريون‭ ‬الصدارة،‭ ‬بحرمان‭ ‬خزينة‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ( ‬6‭ ‬ملايير‭ ‬و546‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭)‬،‭ ‬يليهم‭ ‬قطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬توزيع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬ب‭ ( ‬444‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭)‬،‭ ‬وثالثهم‭ ‬القطاع‭ ‬المالي،‭ ‬فتبعا‭ ‬لكلفة‭ ‬32‭ ‬إجراء‭ ‬لفائدة‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬تم‭ ‬تقييمها‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬الجارية،‭ ‬فإنها‭ ‬بلغت‭ ‬مليار‭ ‬و870‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ( ‬187‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭). ‬وأخيرا‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الأكثر‭ ‬كلفة‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة،‭ ‬إذ‭ ‬وصلت‭ ‬الكلفة‭ ‬الاجمالية‭ ‬لـ‭ ‬82‭ ‬تدبيرا،‭ ‬تم‭ ‬تقييمه‭ ‬إلى‭ ‬13‭ ‬مليارا‭ ‬و590‭ ‬مليون‭ ‬درهم،‭ (‬1359‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬46‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬النفقات‭ ‬الجبائية‭..‬

من‭ ‬ضمن‭ ‬النماذج‭ ‬السالفة،‭ ‬نسوق‭ ‬قطاع‭ ‬انتاج‭ ‬وتوزيع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والغاز،‭ ‬والذي‭ ‬تشمله‭ ‬الحكومة‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الإعفاءات‭ ‬تكلف‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ( ‬444‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭)‬،‭ ‬وتبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬وضمان‭ ‬الأمن‭ ‬الطاقي‭ ‬للمغرب،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬تخزين‭ ‬تؤمن‭ ‬الاحتياطات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬رغم‭ ‬الإجراءات‭ ‬التحفيزية‭ ‬الممنوحة‭ ‬للفاعلين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات،‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬إقبار‭ ‬شركة‭ ‬لاسمير‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬تكريرا‭ ‬وتخزينا‭ ‬وضبطا‭ ‬للأسعار‭.‬

‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬تتحدث‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬تشجيع‭ ‬الاستثمار،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬المحروقات‭ ‬لكي‭ ‬تظل‭ ‬متحكمة‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات،‭ ‬فإنها‭ ‬تتبنى‭ ‬صناعة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاحتكار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أصناف،‭ ‬الصنف‭ ‬الأول،‭ ‬مملوك‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬تسييرها،‭ ‬وعددها‭ ‬قليل،‭ ‬والصنف‭ ‬الثاني،‭ ‬مملوك‭ ‬لها،‭ ‬وتقوم‭ ‬بكرائه‭ ‬لأشخاص‭ ‬ذاتيين‭ ‬أو‭ ‬معنويين،‭ ‬الصنف‭ ‬الثالث‭ ‬وهي‭ ‬محطات‭ ‬وقود‭ ‬في‭ ‬ملكية‭ ‬أشخاص‭ ‬ذاتيين‭ ‬أو‭ ‬معنويين،‭ ‬لكن‭ ‬يشترط‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاطهم‭ ‬أن‭ ‬يتوفروا‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬حصري‭ ‬يلزمهم‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬الشركة‭ ‬الموزعة‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬وهنا‭ ‬مربط‭ ‬الفرس،‭ ‬لكون‭ ‬المستثمر‭ ‬ملزم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬محطة‭ ‬توزيع‭ ‬أن‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬مع‭ ‬الشركة‭ ‬الموزعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬التنافسية،‭ ‬مما‭ ‬يكرس‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتكار،‭ ‬والتي‭ ‬بفضلها‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الأسعار‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬يذكر،‭ ‬مذكرة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬إلى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك،‭ ‬حول‭ “‬التواطؤات‭ ‬المحتملة‭ ‬لشركات‭ ‬المحروقات‭ ‬وتجمع‭ ‬النفطيين‭ ‬بالمغرب‭”‬،‭ ‬وما‭ ‬تبعها‭ ‬من‭ ‬ورقة‭ ‬ثانية‭ ‬مرفوعة‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬أبرزوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ “‬تدبير‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬اتسم‭ ‬بتجاوزات‭ ‬مسطرية‭ ‬وممارسات‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرئيس‭ ‬مست‭ ‬جودة‭ ‬ونزاهة‭ ‬القرار‭…”‬،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬قام‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بتعيين‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬سامين،‭ ‬ليرفعوا‭ ‬إلى‭ ‬إليه‭ ‬تقريرا‭ ‬مفصلا‭ ‬عن‭ ‬الموضوع،‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬الآجال،‭ ‬وهو‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينجز‭ ‬لحد‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السابق‭ ‬منسقا‭ ‬لها،‭ ‬وتضم‭ ‬في‭ ‬عضويتها،‭ ‬رئيسا‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬ورئيس‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية،‭ ‬ورئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات،‭ ‬ووالي‭ ‬بنك‭ ‬المغرب،‭ ‬ورئيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬ومحاربتها‭. ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬عدة‭ ‬علامات‭ ‬استفهام،‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬كتم‭ ‬أنفاس‭ ‬شركة‭ “‬لا‭ ‬سمير‭” ‬لكيلا‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬نشاطها‭.‬

عود‭ ‬إلى‭ ‬بدء‭:‬‭ ‬العدالة‭ ‬الغائبة

في‭ ‬مقابل‭ ‬الإعفاءات‭ ‬الجبائية‭ ‬التي‭ ‬تضيع‭ ‬على‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الأجير‭ ‬والموظف‭ ‬اللذان‭ ‬تقتطع‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬المنبع‭ ‬تبقى‭ ‬هي‭ ‬الأعلى،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬معدلات‭ ‬الضريبة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تساوي‭ ‬مداخيل‭ ‬الأجير‭ ‬والموظف‭ ‬مع‭ ‬الفلاح‭ ‬والمكري،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأصناف،‭ ‬وهم‭ ‬يؤدون‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬ضرائب‭ ‬مختلفة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأجير‭ ‬والموظف‭ ‬يعفى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬دخله‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الفلاح‭ ‬يعفى‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬خمسة‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬معدلات‭ ‬الضريبة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬الضريبية‭ ‬تقتضي‭ ‬تطبيق‭ ‬المعدل‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬المتساوية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الأجراء‭ ‬والموظفين‭ ‬يؤدون‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬المداخيل‭ ‬الإجمالية‭ ‬على‭ ‬الدخل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الفئات‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬مساهماتها‭ ‬20‭ ‬بالمائة‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬المقاولات،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬2‭ ‬بالمائة‭ ‬منها‭ ‬تؤدي‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الشركات،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬الجبائية‭. ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬خزينة‭ ‬المملكة‭ ‬ومعها‭ ‬البلد‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬خسران‭ ‬وتدهور‭ ‬مداخيلها،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬التملص‭ ‬الضريبي،‭ ‬والتهريب‭ ‬والرشوة‭ ‬والفساد‭ ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬التنمية‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬العاملين‭ ‬بأجر،‭ ‬وتراجع‭ ‬الحصة‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الوطني‭ ‬المتحقق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ازدياد‭ ‬العمل‭ ‬بلا‭ ‬عقود‭ ‬ونهج‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬التشغيل،‭ ‬بلا‭ ‬ضمانات‭ ‬اجتماعية‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬صحية‭ ‬وتأمين‭ ‬على‭ ‬التقاعد،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬انهيار‭ ‬حياة‭ ‬الأسر‭ ‬والبطالة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬برامج‭ ‬وميزانيات‭ ‬تكرس‭ ‬الفقر،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى