هل يمكن للمغرب أن يصبح بلدا صناعيا، من موقعه ضمن نفوذ الاتحاد الأوروبي الاقتصادي ؟

◆ عبد الرحيم جدي

أثير‭ ‬انتباه‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬المضمن‭ ‬بالعنوان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬يرتبه‭ ‬النحاة‭ ‬ضمن‭ ‬الصيغة‭ ‬الاستنكارية،‭ ‬التي‭ ‬تروم‭ ‬التأكيد‭ ‬أو‭ ‬النفي‭ ‬المسبق،‭ ‬لما‭ ‬ضمن‭ ‬به‭  ‬ذلك‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬موقف‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬اصطف،‭ ‬بلغة‭ ‬تنكرية‭ ‬استعاضت‭ ‬عن‭ ‬المشكلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬واسبانيا‭ ‬–‭ ‬الإقرار‭ ‬باستكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭ ‬وتبعاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬–‭ ‬وتحيز‭ ‬ظاهري‭ ‬كذريعة‭ ‬لتثبيت‭ ‬موقفه‭ ‬الموحد‭ ‬المساند‭ ‬للجارة‭ ‬اسبانيا‭ ‬في‭ ‬خصومتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬مدشنا‭ ‬بذلك‭ ‬تزحزحا‭ ‬ملحوظا‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬المؤسسة‭ ‬القضائية‭ ‬الأوروبية‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سوغ‭ ‬بمنهجية‭ “‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬الطعن‭ ” ‬حق‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬ترواث‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية‭ … ‬هذه‭ ‬الالتباسات‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسساته‭ ‬الرسمية‭ ‬إزاء‭ ‬المغرب‭ ” ‬الشريك‭ ‬بوضعية‭ ‬متقدمة‭ “‬،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬توقظ‭ ‬الحس‭ ‬النقدي‭ ‬بخصوص‭ ‬ما‭ ‬نسج‭ ‬من‭ ‬تطلعات‭ ‬وأوهام‭  ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الشراكة‭ ‬المغربية‭ ‬الأوروبية‭ …‬

ثمة‭ ‬لبس‭ ‬ثان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استجلائه‭ ‬قبل‭ ‬محاولة‭ ‬التماس‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬المقالة‭ ‬المركزي‭. ‬فخلافا‭ ‬لما‭ ‬كرسته‭ ‬أدبيات‭ ‬مدرسة‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬،‭ ‬بتعبيراتها‭ ‬المختلفة‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬المركز‭ ‬الرأسمالي‭ (=‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مثلا‭) ‬بدول‭ ‬الأطراف‭ (‬كالمغرب‭)  ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬إلى‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ “‬نمو‭ ‬التخلف‭ ” ‬بسبب‭ ‬علاقة‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬تحويل‭ ‬فائض‭ ‬التراكم‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬اقتصاديات‭ ‬المجتمعات‭ ‬الطرفية‭ ‬إلى‭ ‬المركز‭ ‬وبالتالي‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تفقير‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأخيرة‭ … ‬تفقير‭ ‬يؤكده‭ ‬حجم‭ ‬مديونية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬حاجاتها‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬–‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تحجيم‭ ‬دوراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬وتفيد‭ ‬قسما‭ ‬محدودا‭ ‬من‭ ‬الساكنة‭ ‬المحظوظة‭ ‬وترمي‭ ‬بالأغلبية‭ ‬إلى‭ ‬فتات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المهيكل‭.‬‭.. ‬

نظرية‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬تقف‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬الإقلاع‭ ‬الصناعي‭ ‬بدول‭ ‬النمور‭ ‬الأسيوية‭ (‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬أسيا‭ )‬والذي‭ ‬عدته‭  ‬سابقا‭  ‬مجرد‭ ‬واجهة‭ ‬vitrine‭ ‬‭ – ‬

أو‭ “‬غواية‭ ‬اقتصادية‭ ” ‬ضد‭ ‬المد‭ ‬الشيوعي‭ ‬بالمنطقة‭ ‬خلال‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ … ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكرار‭ ‬تجربة‭ ‬التصنيع‭ ‬بالصين‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الحزب‭  ‬الشيوعي‭ ‬وقبلها‭ ‬بإسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬واليونان‭  ‬نعى‭ ‬أراء‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬الاقتصادي‭.‬

‭ ‬تحولات‭  ‬الامبريالية‭ ‬الاقتصادية

أتبثث‭ ‬تجربة‭ ‬المجتمعات‭ ‬المذكورة‭ ‬أن‭ ‬الامبريالية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الرساميل‭ ‬النقدية،‭ ‬شأن‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬بل‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬تصدير‭ ‬الخبرة،‭ ‬وتوطين‭ ‬التصنيع‭ ‬بهذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬كحاجة‭ ‬تاريخية‭ ‬لتجديد‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭  ‬قانون‭ ‬ميل‭ ‬معدل‭ ‬الربح‭ ‬إلى‭ ‬الانخفاض‭.‬

لعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬عن‭ ‬الاستطراد‭ ‬السابق،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التموقع‭ ‬ضد‭ ‬نفوذ‭ ‬رأسمالية‭ ‬مركزية‭ ‬أو‭ ‬مصنعة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬شرطا‭ ‬أو‭ ‬مقدمة‭ “‬لنمو‭ ‬التخلف‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬أضحى‭ ‬إطارا‭ ‬أو‭ ‬ظرفا‭ ‬تاريخيا‭ ‬لإمكان‭ ‬تصنيع‭ ‬المجتمع‭ ” ‬المتخلف‭ “.‬

ودرءا‭ ‬لأي‭ ‬سوء‭ ‬تفاهم‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ” ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي‭” ‬طبعته‭ ‬مرونة‭ ‬جوهرية‭  ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وموجة‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭… ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬يتسع‭ ‬لاستيعاب‭ ‬حقيقة‭ ‬الاستقلال‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬بل‭  ‬وحتى‭ ‬التمايز‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬خطاب‭ ‬دولة‭ ‬السلفية‭ ‬الوهابية‭  ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الثقافية‭ ‬الهوياتية‭…  ‬طبعا‭ ‬شريطة‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بقواعد‭ ‬اشتغال‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭  ‬وبما‭ ‬يسمح‭ ‬بتوسيع‭ ‬قاعدته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬–‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬ان‭ ‬يتقدم‭ ‬اقتصاديا‭ ‬؟

بعد‭ ‬هذه‭ ‬التوضيحات‭ ‬النظرية‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬سؤال‭ ‬المقالة‭ ‬المركزي‭ : ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬اقتصاديا‭  ( =‬يتصنع‭) ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬ضمن‭ ‬نفوذ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬؟‭.‬

يكفي‭ ‬الإطلاع‭ ‬على‭ ‬بيانات‭ ‬التصدير‭ ‬والاستيراد‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬مندمج‭ ‬في‭ ‬قسمه‭ ‬الغالب‭ ‬ضمن‭ ‬اقتصاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭… ‬خاصة‭ ‬اسبانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وباقي‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأوروبية‭. ‬ولعله‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التنويه‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الصناعي‭ ‬الفرنسي‭ ‬ساهم‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬توطين‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬بالمغرب،‭ ‬تليه‭ ‬ألمانيا،‭ ‬في‭ ‬توطين‭ ‬صناعة‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة،‭ ‬رغم‭ ‬محدودية‭ ‬نجاحها‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬وبعض‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭  ‬الخفيفة‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الاسباني‭ (‬الحديث‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬توطينات‭ ‬دول‭  ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭) .‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الدينامية‭ ‬التصنيعية‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭ ‬لتغطي‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬كالصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬الغذائية‭ ‬والتجميلية‭ ‬والدوائية‭ ‬والنسيج‭ ‬وصناعة‭ ‬السفن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬المتاحة‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بتوفير‭ ‬القاعدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لاستقرار‭ ‬سياسي‭ ‬هش‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬أعضاء‭ ‬فاعلة‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تصنيع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬العوائق‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬لجم‭ ‬سيرورة‭ ‬التصنيع‭ ‬المتاحة‭ ‬؟

بمراجعة‭ ‬سجل‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأساسيين،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬نفسه،‭ ‬مع‭ ‬مستعمراته‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬الواقعة‭ ‬ضمن‭ ‬نفوذه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يتأكد‭ ‬أنه‭ ‬باستثناء‭ ‬الدول‭ ‬الواقعة‭ ‬ضمن‭ ‬مجاله‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتركيا‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬تحفظ‭ ‬بشان‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬–‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬أي‭ ‬اقتصاد‭ ‬من‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬وأن‭ ‬مساهماته‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬دور‭ ‬الرديف‭ ‬والمساعد‭ ‬للفاعل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالصين‭ ‬وغيرها‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬سلسلة‭ ‬الدول‭  ‬الفاشلة‭ ‬بالعالم‭ ‬الثالث‭ ‬والتي‭ ‬تنوء‭ ‬تحت‭ ‬وباء‭ ‬المجاعات‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتفكك‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬ضمن‭ ‬نفوذ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭…  ‬أما‭ ‬تركيا‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬يئست‭ ‬من‭ ‬حلم‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬فتستند‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬ديناميتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وفره‭ ‬لها‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تكابده‭ ‬من‭ “‬غبن‭” ‬فقط‭ ‬لانتمائها‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الحضاري‭ ‬الإسلامي‭.‬

إن‭ ‬اختيارات‭ ‬دول‭ ‬معاهدة‭ ‬روما‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬شعار‭ ‬استيعاب‭ ‬أوروبا‭ ‬أولا‭ ‬تفسر‭ ‬مساهمة‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭  ‬وإيطاليا‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬واليونان‭ ‬وباقي‭ ‬الرقع‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭… ‬وأن‭ ‬توزيعها‭ ‬بطائق‭ ‬الشراكة‭ ‬المتقدمة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الضفة‭ ‬الجنوبية‭ ‬للمتوسط‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬تغطية‭ ‬على‭ ‬انحيازها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لإقليمها‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وتجميد‭ ‬شراكتها‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬منظور‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭  . ‬

تصنيع‭ ‬المغرب‭ ‬التهديد‭ ‬الاستراتيجي

وعليه‭ ‬،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬اختيارات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬نفسها‭ ‬،تؤكد‭ ‬أن‭ ‬مساهماته‭ ‬المحتملة‭  ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬بعض‭ ‬الاقتصادات‭  ‬الواقعة‭ ‬ضمن‭  ‬نفوذه‭ ‬مؤجلة‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬غير‭ ‬منظور،‭ ‬فإن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬الآن‭ ‬وراهنا‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬وهم،‭ ‬تصدمه‭ ‬حقائق‭ ‬التناقضات‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬أعضائه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المغرب‭. ‬ولعله‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬السياسية‭ ‬الأساسية،‭  ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬أن‭ ‬مفاعيل‭ ‬الدولة‭ ‬–‭ ‬الأمة‭  ‬لازالت‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬سياسته‭ ‬الخارجية‭ ‬رغم‭ ‬مظاهر‭ ‬الوحدة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬التي‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬التوليف‭ ‬بين‭ ‬تناقضات‭ ‬أعضائه‭.‬

لا‭ ‬تستطع‭ ‬إسبانيا‭ ‬ولا‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبدرجة‭ ‬مختلفة‭ ‬فرنسا‭ ‬رؤية‭ ‬المغرب‭ ‬مستكملا‭ ‬اندماجه‭ ‬الترابي‭ ‬ومخففا‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬تكاليف‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬وحدة‭ ‬أراضيه‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭… ‬هكذا‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجي‭ ‬تعده‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬تهديدا‭ ‬لمصالحها‭ ‬الآنية‭ ‬والمستقبلية‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العنيفة‭ ‬لإسبانيا‭ ‬ضد‭ ‬تحركات‭ ‬المغرب،‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬تشخيصها‭ ‬لها‭ “‬كتهديد‭ ‬استراتيجي‭” ‬يقتضي‭ ‬ردا‭ ‬قويا‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ! ‬فلا‭ ‬حراسة‭ ‬الحدود‭ ‬ولا‭ ‬الخدمات‭ ‬الأمنية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الوازنة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬شفعت‭ ‬في‭ ‬حصر‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬حدودها‭ ‬الثنائية‭  ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬للحوار‭ ‬الجاد‭ ‬بينهما‭… ‬لم‭ ‬تستعد‭ ‬الخارجية‭ ‬الاسبانية‭  ‬بعض‭ ‬هدوئها‭ ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬ضمان‭ ‬الورقة‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬إمكان‭ ‬تصنيع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬يقرأ‭  ‬كتهديد‭ ‬استراتيجي،‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬للوضع‭ ‬الاسباني‭ ‬ومعه‭ ‬الألماني‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭  ‬استثماراته‭ ‬بالسوق‭ ‬الاسبانية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬صناعية‭ ‬متعددة،‭ ‬وهما‭ ‬صوتان‭ ‬يسعيان‭ ‬لمحاصرة‭ ‬جهود‭ ‬أطراف‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬ساعية‭  ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬الصناعي‭ ‬بالمغرب‭.‬

إنها‭ ‬نفس‭ ‬العقيدة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬رؤية‭ ‬القيادة‭ ‬الجزائرية‭ ‬للمغرب‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬التنسيق‭ ‬بينهما‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬التنسيق‭ ‬قضايا‭ ‬تفصيلية‭ ‬كتدبير‭ ‬استشفاء‭ ‬زعيم‭ ‬حركة‭ ‬تحمل‭ ‬السلاح‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭…‬

ليس‭ ‬للمغرب‭ ‬المحاصر‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والشمال‭ ‬والذي‭ ‬يصارع‭ ‬لمنع‭ ‬محاصرته‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬إلا‭ ‬الاعتماد‭ ‬أولا‭ ‬وأساسا‭ ‬على‭ ‬قدراته‭ ‬الذاتية‭ ‬وما‭ ‬تقتضيه‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬داخلية،‭ ‬مع‭ ‬تنويع‭ ‬شركائه‭ ‬لخلق‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬صناعي‭ /‬اقتصادي‭ ‬جديد‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أمام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلا‭ ‬مسايرته‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فيه‭ ‬ولجم‭ ‬تناقضاته‭ ‬الداخلية‭… ‬أو‭ ‬توفير‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬لإعادة‭ ‬التموقع‭ ‬ضمن‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الاستواء‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى