فلسطين كانت وستظل في القلب

- زهرة رميج

بعد‭ ‬حلول‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أتأمل‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬المغربية‭ ‬والعربية‭ ‬عموما،‭ ‬وعلاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬الصورة‭ ‬تبدو‭ ‬لي‭ ‬مقلقة،‭ ‬وأحيانا،‭ ‬صادمة‭ ‬مقارنة‭ ‬بعلاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المياه‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬تحت‭ ‬الجسر‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمثقف‭ ‬العربي‭ ‬تغيرت،‭ ‬وأنها‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تتدفق‭ ‬صافية،‭ ‬ركدت‭ ‬وتعكرت‭. ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لجيلي‭- ‬جيل‭ ‬السبعينيات‭- ‬والأجيال‭ ‬التي‭ ‬تلته،‭ ‬قضية‭ ‬أساسية‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اهتمام‭ ‬السياسي‭ ‬والمثقف‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬ولأن‭ ‬الإيمان‭ ‬بفكرة‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬محيطه‭ ‬إلى‭ ‬خليجه‭ ‬كان‭ ‬راسخا،‭ ‬والحلم‭ ‬بالوحدة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وطن‭ ‬عربي‭ ‬متقدم‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وعلميا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬كان‭ ‬قويا،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬اهتمام‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واليسارية،‭ ‬وكل‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬بوسائل‭ ‬متعددة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬معاناة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الممنهجة،‭ ‬والتوعية‭ ‬بحقه‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬أرضه‭ ‬المغتصبة،‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭. ‬

وبفضل‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬المثقف‭ ‬العربي،‭ ‬واكبت‭ ‬تطور‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ونضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬ضحى‭ ‬بآلاف‭ ‬الأرواح‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحرير‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة،‭ ‬وعودة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬أرضهم‭. ‬وتعرفت‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬التهجير‭ ‬التي‭ ‬أرغمت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬أرضهم‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭. ‬وتأثرت‭ ‬بما‭ ‬شاهدته‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬وأفلام‭ ‬عن‭ ‬نضال‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وتضحياته‭ ‬الجسيمة‭ ‬ومقاومته‭ ‬البطولية،‭ ‬وتعرضه‭ ‬للمذابح‭ ‬الجماعية‭ ‬أمثال‭ ‬مذبحة‭ ‬دير‭ ‬ياسين‭ ‬ومذبحة‭ ‬كفر‭ ‬قاسم،‭ ‬وبأشعار‭ ‬شعراء‭ ‬فلسطين‭ ‬البارزين‭: ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬سميح‭ ‬القاسم،‭ ‬وتوفيق‭ ‬زياد‭ ‬وغيرهم‭ ‬وكتابات‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرت‭ ‬غولدا‭ ‬مايير‭ ‬قلمه‭ ‬أخطر‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬فدائي‭ ‬مسلح‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬للمثقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي‭ ‬عموما،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ارتباطي‭ ‬الوجداني‭ ‬وارتباط‭ ‬مناضلي‭ ‬جيلي‭ ‬بدون‭ ‬شك،‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إيماني‭ ‬الراسخ‭ ‬بحرية‭ ‬الشعوب‭ ‬وحقها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها،‭ ‬ورفضي‭ ‬القاطع‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستيطان،‭ ‬جعل‭ ‬موقفي‭ ‬المساند‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭ ‬ثابتا،‭ ‬وتضامني‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مطلقا‭.‬

وهذا‭ ‬الإيمان‭ ‬الراسخ‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬أساهم‭ ‬بدوري‭ ‬طيلة‭ ‬مسيرتي‭ ‬التربوية،‭ ‬في‭ ‬توعية‭ ‬الناشئة‭ ‬بعدالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومشروعية‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حاضرة‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬المقررات‭ ‬الدراسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أشعار‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وكانت‭ ‬مناسبة‭ ‬للتعريف‭ ‬بالقضية‭ ‬وتقديم‭ ‬عروض‭ ‬حولها‭ ‬والتوعية‭ ‬بالفرق‭ ‬بين‭ ‬اليهودية‭ ‬باعتبارها‭ ‬دينا‭ ‬سماويا‭ ‬والصهيونية‭ ‬باعتبارها‭ ‬إيديولوجية‭ ‬استعمارية‭ ‬عنصرية‭. ‬وكانت‭ ‬القضية‭ ‬حاضرة‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتظاهرات‭ ‬والأيام‭ ‬التضامنية‭ ‬المساندة‭ ‬لها‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬الأندية‭ ‬الثقافية‭ ‬كلها‭ ‬تساهم‭ ‬فيها‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬نادي‭ ‬الكتابة‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أشرف‭ ‬عليه‭ ‬رفقة‭ ‬إحدى‭ ‬زميلاتي،‭ ‬سعيت‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬ديوان‭ ‬يضم‭ ‬إبداعات‭ ‬التلميذات‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ “‬كلنا‭ ‬من‭ ‬أجلك‭ ‬يا‭ ‬فلسطين‭”. ‬ومن‭ ‬محاسن‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬مؤسستنا‭ ‬استضافت‭ ‬الشاعر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مريد‭ ‬البرغوتي‭ ‬ووالد‭ ‬الطفل‭ ‬الشهيد‭ ‬محمد‭ ‬الدرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الديوان‭ ‬قيد‭ ‬الطبع،‭ ‬فكتب‭ ‬عنه‭ ‬الشاعر‭ ‬مريد‭ ‬البرغوتي‭ ‬كلمة‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬ظهر‭ ‬الغلاف‭ ‬بخط‭ ‬يده‭ ‬وتوقيعه‭ ‬وتوقيع‭ ‬جمال‭ ‬الدرة‭. ‬وقد‭ ‬طبعنا‭ ‬منه‭ ‬ألفي‭ ‬نسخة‭ ‬بيعت‭ ‬كمية‭ ‬منها‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬بثمن‭ ‬رمزي‭ ‬دعما‭ ‬لبيت‭ ‬المقدس،‭ ‬ووضعت‭ ‬كمية‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬أكاديمية‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬لتوزع‭ ‬على‭ ‬مكتبات‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭. ‬ولأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬اهتمام‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬كما‭ ‬أشرت‭ ‬سابقا،‭ ‬فقد‭ ‬حظي‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬باحتفاء‭ ‬كبير‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬منابر‭ ‬إعلامية،‭ ‬وتم‭ ‬توقيعه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المعارض‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬وتم‭ ‬التعريف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬التلفزة‭ ‬المغربية،‭ ‬كما‭ ‬أني‭ ‬توصلت‭ ‬برسالة‭ ‬شكر‭ ‬وتنويه‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬آنذاك‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ساعف‭. ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزميلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشرف‭ ‬معي‭ ‬على‭ ‬نادي‭ ‬الكتابة‭. 

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭: “‬هل‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬مساندتي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إبداعيا‭ ‬مثلما‭ ‬عبرت‭ ‬عنها‭ ‬عمليا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوعية‭ ‬واتخاذ‭ ‬المواقف؟‭” ‬

لا‭ ‬أدعي‭ ‬أني‭ ‬كرست‭ ‬أحد‭ ‬أعمالي‭ ‬لهذه‭ ‬القضية،‭ ‬لأني‭ ‬أومن‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬كتابة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬أصحابها،‭ ‬ومن‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬الكاتب‭ ‬عز‭ ‬المعرفة‭ ‬بأدق‭ ‬تفاصيله‭ ‬وخباياه‭ ‬وملابساته‭. ‬ولكني‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬كتبت‭ ‬قصيدة‭ ‬بعنوان‭ “‬الشهب‭ ‬المتصاعدة‭” ‬متأثرة‭ ‬بمقتل‭ ‬الطفل‭ ‬محمد‭ ‬الدرة،‭ ‬وهي‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬ديواني‭ “‬ترانيم‭”‬،‭ ‬وكتبت‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬بعنوان‭ “‬عرس‭ ‬الحمام‭” ‬متأثرة‭ ‬بحدث‭ ‬استشهاد‭ ‬عريسين‭ ‬شابين‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬فدائية‭. ‬وهي‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬مجموعتي‭ ‬القصصية‭ ‬الرابعة‭ “‬أريج‭ ‬الليل‭”. ‬

من‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التحام‭ ‬المثقف‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬سيصدمه‭ ‬تراجع‭ ‬اهتمام‭ ‬المثقف‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬العادلة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والصمت‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬تجاه‭ ‬التطبيع‭ ‬وإقدام‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتطبيق‭ ‬مخطط‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬ترامب‭ “‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭”   ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬أرضه‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المشروعة‭ ‬تكون‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭. ‬

وسيصدم‭ ‬أكثر،‭ ‬بمبررات‭ ‬الصمت‭ ‬واللامبالاة‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬فكرة‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬والوحدة‭ ‬العربية‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تخاذل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وفساد‭ ‬بعضهم،‭ ‬وانقسام‭ ‬الفصائل،‭ ‬والصراع‭ ‬الدائم‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ومنظمة‭ ‬فتح‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بدل‭ ‬وحدتهما‭ ‬ونضالهما‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬الوطن‭. ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسؤولية‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نفسها‭ ‬وتشتت‭ ‬الفصائل‭ ‬في‭ ‬إطفاء‭ ‬جذوة‭ ‬القضية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬نسيانه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بفئاته‭ ‬العريضة،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يقاوم،‭ ‬ويستشهد‭ ‬أبناؤه،‭ ‬ويزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭. ‬ولذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمثقف‭ ‬المتنور‭ ‬المؤمن‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والقضايا‭ ‬العادلة،‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الظلم‭ ‬بعينيه‭ ‬ولا‭ ‬يحرك‭ ‬ساكنا‭. ‬فالمثقف‭ ‬الحقيقي‭ ‬ينحاز‭ ‬دوما،‭ ‬للحق‭ ‬فرديا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬جماعيا،‭ ‬ويساند‭ ‬المظلومين‭ ‬والمقهورين‭ ‬في‭ ‬مقاومتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬حقوقهم‭ ‬المشروعة،‭ ‬وأن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬إنسانية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قضية‭ ‬عربية،‭ ‬قضية‭ ‬شعب‭ ‬سلبت‭ ‬منه‭ ‬أرضه‭ ‬وزور‭ ‬تاريخه،‭ ‬ومعرض‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬مصيره‭ ‬أشبه‭ ‬بمصير‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭. 

لقد‭ ‬جعلني‭ ‬ذلك‭ ‬الصمت‭ ‬أتساءل‭ ‬في‭ ‬حسرة‭: “‬هل‭ ‬انتهى‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؟‭”‬

وجاء‭ ‬الجواب‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬إثر‭ ‬انتفاضة‭ ‬سكان‭ ‬القدس‭ ‬ضد‭ ‬محاولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬تهجيرهم‭ ‬من‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ومقاومة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للقصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬غزة‭ ‬وقتل‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬العزل‭. ‬جاء‭ ‬الجواب‭ ‬عكس‭ ‬السؤال‭ ‬مفرحا،‭ ‬ومفعما‭ ‬بالأمل‭. ‬

لقد‭ ‬استرجع‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬صوته‭ ‬وجرأته‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬المواقف‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وكان‭ ‬مساندا‭ ‬بشكل‭ ‬مبهر‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومدافعا‭ ‬عنها،‭ ‬ومنددا‭ ‬بالعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬وهذا‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬يستمد‭ ‬طاقته‭ ‬وإيمانه‭ ‬من‭ ‬إيمان‭ ‬الآخر‭ ‬بقضيته،‭ ‬واستماتته‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭. ‬لقد‭ ‬أعادت‭ ‬انتفاضة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومة‭ ‬الفصائل‭ ‬البطولية‭ ‬للقصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم،‭ ‬إلى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬توهجها،‭ ‬ونفضت‭ ‬الرماد‭ ‬عن‭ ‬جمرتها‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي‭. ‬

لذلك،‭ ‬لدي‭ ‬اليوم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬سكنت‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي‭ ‬ووجدان‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬لن‭ ‬تموت‭ ‬أبدا،‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬متشبثا‭ ‬بقضيته‭ ‬ومتوحدا‭ ‬في‭ ‬نضاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى