فلسطين مسؤولية المثقفين والمقاومين والساسة وكل الشعوب العربية
- لطيفة المثنى السباعي
القضيّة الفلسطينيّة تعتبر من تلك القضايا التي لا يمكن أن يتخلّى عنها الإنسان الواعي المؤمن بحقوق الإنسان وبتحرره من الاستعباد والظلم والعدوان …ويكفي أن نتساءل هل يستطيع المُثقّف أن يتخلى عن نفسه كإنسانٍ كي يتخلّى عن القضيّة الفلسطينيّة لأنها ليست قضيّة المُثقّف العربيّ وحده. بل هي قضيّة الإنسانية جمعاء بغض النظر عن الأعراق والمعتقدات والجنسيات لأنّ ما تمارسه “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني هو إرهابُ دولةٍ، وعنصريّة وجرائمُ ضدّ الإنسانيّة.
وإذا كانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي لا تحتمل الجدل أو الخلاف، وشكلت منذ بداية القرن الفائت وإلى الآن… عاملا مشتركا متميزا تجتمع حوله الشعوب العربية وحركات تحررها، والذي تجمع عليه أغلبية المثقفين العرب والمثقفين الملتزمين بقضايا الشعوب ، على اختلاف انتماءاتهم وميولهم وأجناسهم لقد سجل المبدعون من كُتاب وأدباء وفنانين تفاصيل القضية الفلسطينية، لتُصبح حاضرة في العقل الجمعي لكل الجماهير المناصرة لحقوق الإنسان وللحرية، والداعمة للكفاح الفلسطيني من غير ادعاء ولقد أيقظ العدوان العنصري الهمجي الصهيوني بهجومه النازي الأخير على غزة مواقف الشرفاء من أحزاب ونقابات وجمعيات ثقافية ومواطنين الذين هبوا في تظاهرات تناصر كفاح المقاومة بمختلف فصائلها تلك التي أمطرت سماء إسرائيل بصواريخها والتي شكلت المفاجأة المربكة للعدو الصهيوني؟ الذي عمد إلى القتل الذي لا يستثني لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ ولا حتى المرضى في المستشفيات.
لقد مر على الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني ردح من الزمن منذ اتفاقية (أوسلو) وعلى مدى أزيد من عقدين من حقبة طبعت بانتظارية وببرود كاد أن يفقد القضية حضورها بين الشعوب العربية وإذا كنا نجد العذر للشعوب العربية التي أسقطتها السياسات المضللة المتبعة في الحيرة والتواكل وبخاصة منذ اتفاقية (كامب ديفد) المشؤومة وما تبعها من اتفاقية وادي عربة بين العدو الصهيوني والنظام الأردني، واتفاقية أسلو وما ترتب عنها من تنسيق أمني وسواه ، فإننا لا نجد عذراً للأنظمة العربية المُتهالكة المُنشغلة بسفاسف الحُكم وتفاصيل صراعاتها الداخلية ومعاركها التي تعمد من خلالها لتدمير قوى الممانعة في محور المقاومة باحثة عن موقعها في السيطرة وتعديل التوازنات لمصلحة الامبريالية والرجعية والصهيونية ، متمادية في استجابة للضغوط الامبريالية وفي خذلانها للشعب الفلسطيني وتناسي قضيته في التحرير واسترجاع وطنه وعاصمته القدس لتختار وبإقبال مذل حركة تطبيعية مع الكيان الصهيوني تكاد أن تغطي العديد من البلدان في خضوع شبه تام لموجة (الترامبية) الشعبوية التي ابتلي بها العالم خلال السنوات القليلة الفائتة…
وامتد الوضع القاتم ملقيا بظلاله على الأحوال الثقافية بكل مكوناتها من أدب وفنون وفكر لدى أوساط عديدة من مثقفينا، حيث أخذت في الاختفاء التدريجي القضية الفلسطينية ولم يعد لجذوتها ذلك التوهج والعنفوان الذي عرفته مراحل من تاريخ أمتنا رغم النكبات والهزائم التي مني بها المشروع التحرري العربي… وانخفض منسوب الكِتابات الفكرية والإبداع بمختلف تخصصاته الذي كان يسهم به أدباؤنا ومفكرونا وكُتَّابنا، ناهيك عما أصاب الفعّاليّات الثّقافيّة بفعل الانحطاط الذي اتسمت به الرعاية الثقافية لأنظمة الجهل والتخلف التي كانت تشيع الرداءة والتضليل والخرافة…
والآن وبعد هذا النهوض المقاوم الذي تحدى كل الموازين وأربك كما قلنا بداية العدو الصهيوني يبقى السؤال: ما حجم المسؤولية الملقاة على عاتق مثقفينا الملتزمين بقضايا التحرر في مواجهة تصفية القضية الفلسطينية واقتلاع المشروع الصهيوني من فلسطين ومن المنطقة العربية حيث أخذ في التمدد واستغلال ضعف الأنظمة المتهالكة؟ أعتقد أن المسؤولية تقع أساساً على الأحزاب السياسية وقوى التحرر العربي، والأنظمة المطبعة كي تراجع الاختيارات التي ذهبت فيها حد التطبيع معلنة اختيارات التخاذل والتفريط في حقوق أمتهم وأن يتأكدوا بأن اختيارهم للديمقراطية والعدالة الاجتماعية وثقتهم في شعوبهم وحدها الخيارات التي تمكن للسلم وترصيص البناء الوطني الديمقراطي…
إن الدعوة إلى التسامُح التي يروج لها كتاب التطبيع دعوة منزاحة عن سياقها الموضوعي والتاريخي ، وكذا كتابة نصوص عن الحوار والتواصل، وباقي الصيغ والأساليب اتي تعتبر الفعل المقاوم مجازفة ومغامرة، كلها تأتي خارج صيرورة مطالب التحرر ومقتضياته،،، ففي الوقت الذي نجد فيه العدو الإسرائيلي المدجج بالسلاح جيشا ورديفه من قطعان المستوطنين كلهم يمارسون أبشع عدوان يفوق في همجيته ما قامت به النازية والفاشية… وأن الأكاذيب المروجة للحوار والتسامُح والتعايُش، وحقوق الإنسان كلها دعايات تكذبها الأفعال على أرض الواقع في القدس وفي الضفة الغربية، وفي غزة وفي كل مكان من فلسطين المحتلة وأن ما يعيشه الشعب الفلسطيني من عدوان وقهر وتدمير وقتل يدخل في نطاق جرائم الحرب؟