المغرب في مواجهة ندرة الماء

المغرب مطالب بتعبئة 78 مليار دولار للصمود في وجه التغيرات المناخية غلاف مالي يشكل 75 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي

عبد الواحد المهتاني

شكلت‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ “‬إحدى‭ ‬الإكراهات‭ ‬الأساسية‭ ‬أمام‭ ‬تنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬عرف‭ ‬المغرب‭ ‬خلال‭ ‬70‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عشرين‭ ‬موسم‭ ‬جفاف‭. ‬وحسب‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬والصيد‭ ‬البحري،‭ ‬فإن‭ “‬سيناريوهات‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مناخ‭ ‬المغرب‭ ‬سيصبح‭ ‬قاحلا‭ ‬أكثر‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬التساقطات‭ ‬المطرية‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬والظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬الحادة‭ ‬المتكررة‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبيا‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬والتنوع‭ ‬البيولوجي‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الفلاحي‭”. ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬القلق،‭ ‬هو‭ ‬التفاوت‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬منح‭ ‬الموارد‭ ‬المائية،‭ ‬فتبعا‭ ‬لمعطيات‭ ‬رسمية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬70٪‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬الثمينة‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬15٪‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭.‬

حسب‭ ‬دراسة،‭ ‬أنجزها‭ ‬خبراء‭ ‬مغاربة‭ ‬لفائدة‭ ‬منظمة‭ ‬التغذية‭ ‬والزراعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ “‬تقييم‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المتاحة‭ ‬على‭ ‬إنتاجية‭ ‬المحاصيل‭”- ‬حالة‭ ‬المغرب‭-‬،‭ ‬أشارت‭ ‬فيه،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لوحظ‭ ‬منذ‭ ‬1960‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬معدل‭ ‬الحرارة‭ ‬بـ‭ ‬1‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني،‭ ‬وتشير‭ ‬التوقعات‭ ‬العامة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬قد‭ ‬يبلغ‭ ‬1‭.‬6‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬سنة‭ ‬2030،‭ ‬و2‭.‬9‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬سنة‭ ‬2050،‭ ‬و4‭.‬1‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬سنة‭ ‬2080،‭ ‬كما‭ ‬يتوقع‭ ‬خصاص‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬2040‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والجنوبية‭ ‬للبلد،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للهطول‭ ‬المطري،‭ ‬فتشير‭ ‬التوقعات،‭ ‬إلى‭ ‬انخفاضه‭ ‬بـ‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬بالمائة،‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬وبـ‭ ‬30‭ ‬بالمائة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الجنوبية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬الظواهر‭ ‬المناخية‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬وأهمها‭ ‬العواصف‭ ‬والفيضانات‭.‬

وقد‭ ‬استحضر‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬لبنك‭ ‬المغرب‭ ‬برسم‭ ‬2021‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الداهم،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬العجز‭ ‬المائي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬يتزايد‭ ‬بطريقة‭ ‬مقلقة‭ ‬ويعرف‭ ‬تفاقما‭ ‬بفعل‭ ‬الضغط‭ ‬الديمغرافي‭ ‬والحاجيات‭ ‬المتنامية‭ ‬للقطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الفلاحة‭ ‬التي‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬88‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الوطني‭ ‬للماء‭.‬

وقال‭ ‬والي‭ ‬بنك‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬المرفوع‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬يزخر‭ ‬بإمكانيات‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬غير‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القدرات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬لهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تبقى‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومحدودة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬كلفتها‭ ‬المرتفعة‭.‬

ولمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬نمط‭ ‬إعداد‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬واعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬شاملة‭ ‬وصارمة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬بالاعتبارات‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬يتخذ‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الخاص‭.‬

كما‭ ‬شدد‭ ‬التقرير‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬رفع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬المائية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التكيف،‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬تقليص‭ ‬خسائر‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بحوالي‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬الصدمات‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬نبه‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬المغرب‭ ‬معرض‭ ‬لمخاطر‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مبرزا‭ ‬أنها‭ ‬تكلفه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬575‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬كل‭ ‬عام‭”‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق،‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬“الإدارة‭ ‬المتكاملة‭ ‬لمخاطر‭ ‬الكوارث‭ ‬ومواجهتها”‭ ‬ساعد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الكوارث‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬جهود‭ ‬إعداد‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬لإدارة‭ ‬مخاطر‭ ‬الكوارث‭”.‬

وكشف‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬حول‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ “‬المياه‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ‭”‬،‭ ‬أن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬توافر‭ ‬المياه‭ ‬اللازمة‭ ‬للاحتياجات‭ ‬البشرية‭ ‬الأساسية،‭ ‬ما‭ ‬سيترتب‭ ‬عليه‭ ‬تقويض‭ ‬حقوق‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬التمتع‭ ‬بمياه‭ ‬شرب‭ ‬نظيفة‭ ‬وخدمات‭ ‬صرف‭ ‬صحي‭. ‬إذ‭ ‬يحذر‭ ‬التقرير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬52٪‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050،‭ ‬فرص‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬شرب‭ ‬آمنة‭ ‬وخدمات‭ ‬صرف‭ ‬صحي،‭ ‬من‭ ‬جَرَّاء‭ ‬تأثير‭ ‬التغيُّر‭ ‬المناخي‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬المياه؛‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬الارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بينهما‭. ‬ويتوقع‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬يتأثر‭ ‬نصف‭ ‬المناطق‭ ‬الزراعية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعراق‭ ‬والمغرب‭ ‬واليمن؛‭ ‬بسبب‭ ‬تأثير‭ ‬تغيرات‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬المياه‭.‬

وفي‭ ‬تقرير‭ ‬سابق‭ ‬للمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬ذكر‭ ‬بأن‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬سنويا‭ ‬يقدر‭ ‬حاليا‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬650‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬مقابل‭ ‬2500‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1960،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تقل‭ ‬هذه‭ ‬الكمية‭ ‬عن‭ ‬500‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬بحلول‭ ‬سنة‭ ‬2030،‭ ‬وعندما‭ ‬تقل‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬بلد‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬1000‭ ‬متر‭ ‬مكعب،‭ ‬فإنه‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬خصاص‭.‬

مختلف‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬والمؤشرات،‭ ‬تدفع‭ ‬لدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬التجهيز‭ ‬والماء‭ ‬بالأرقام،‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬انخفاض‭ ‬مستوى‭ ‬الموارد‭ ‬المائية،‭ ‬بلغت‭ ‬85٪‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬وانخفاض‭ ‬حجم‭ ‬تساقط‭ ‬الثلوج‭ (‬انخفضت‭ ‬المنطقة‭ ‬المغطاة‭ ‬بالثلوج‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬إلى‭ ‬5000‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭)‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬عدد‭ ‬أيام‭ ‬تساقط‭ ‬الثلوج‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬14‭ ‬يومًا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2022،‭ ‬مقابل‭ ‬41‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

كما‭ ‬تجب‭ ‬الاشارة‭ ‬حسب‭ ‬مهندس‭ ‬في‭ ‬السقي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يستقبل‭ ‬ما‭ ‬معدله‭ ‬140‭ ‬مليار‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬منها‭ ‬118‭ ‬مليار‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬يتبخر‭ ‬أو‭ ‬يصرف‭ ‬في‭ ‬البحر‭..‬

يقودنا‭ ‬رصد‭ ‬التوقعات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬أبرز‭ ‬معوقات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمغرب‭ ‬والعالم،‭ ‬لينضاف‭ ‬إليها‭ ‬الارتفاع‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬الغير‭ ‬المعقلن‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬السطحية،‭ ‬والجوفية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لاستنزاف‭ ‬الفرشة،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬جميع‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬فالصحة‭ ‬العامة‭ ‬مهددة‭ ‬بما‭ ‬يترتب‭ ‬عن‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء،‭ ‬من‭ ‬أخطار‭ ‬كاضطرابات‭ ‬نظم‭ ‬القلب‭ ‬وسرطان‭ ‬الرئة،‭  ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬مختلف‭ ‬التوقعات‭ ‬من‭ ‬أثار‭ ‬سلبية‭ ‬خطيرة‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والمائي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وما‭ ‬سينجم‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬استفحال‭ ‬للهجرة‭ ‬القروية‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬ويرى‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬2050،‭ ‬216‭ ‬مليون‭ ‬مهاجر‭ ‬لأسباب‭ ‬مناخية‭ ‬إذ‭ ‬ستضطر‭ ‬عائلات‭ ‬بكاملها‭ ‬إلى‭ ‬النزوح‭ ‬داخل‭ ‬بلدانها‭ ‬وسيشمل‭ ‬النزوح‭ ‬19،3‭ ‬مليونا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬الخمس‭.‬

الوضع‭ ‬خطير‭:‬

‭ ‬فالجفاف‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬المغرب،‭ ‬دفع‭ ‬خبراء‭ ‬مجموعة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬توقعات‭ ‬مخيفة‭. ‬وتشير‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انخفاضًا‭ ‬بنسبة‭ ‬25٪‭ ‬في‭ ‬توافر‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية‭ ‬بسبب‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقلل‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بنسبة‭ ‬6‭.‬5٪‭. ‬وسيؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الانخفاض‭ ‬إلى‭ ‬ركود‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬وقد‭ ‬يدفع‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬1‭.‬9‭ ‬مليون‭ ‬مغربي‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬المدن‭. ‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭. ‬فالمغرب‭ ‬ظل‭ ‬عرضة‭ ‬للفيضانات‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ “‬تسجيل‭ ‬20‭ ‬حدثًا‭ ‬رئيسيًا،‭ ‬بمتوسط‭ ‬خسائر‭ ‬مباشرة‭ ‬تقدر‭ ‬بنحو‭ ‬450‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬وكانت‭ ‬آثارها‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬الضعيفة‭ “. ‬ويلاحظ‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الفيضانات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬65٪‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬وتتركز‭ ‬90‭ ‬بها‭ ‬حوالي‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭.‬

وهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬معرضة‭ ‬للأخطار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬لأن‭ ‬شواطئها‭ ‬كثيفة‭ ‬السكان‭ ‬ومهددة‭ ‬بفعل‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭. ‬ف7‭% ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أمتار‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وفق‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأوروبية‭ ‬للمتوسط‭.‬

‭ ‬وللحد‭ ‬من‭ ‬هاته‭ ‬المخاطر‭ ‬فتحت‭ ‬الدولة‭ ‬أوراش‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬لتحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬وبناء‭ ‬سدود‭ ‬جديدة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬للماء‭ (‬2020‭ ‬–‭ ‬2050‭)‬،‭ ‬بهدف‭ ‬تلبيتها‭ ‬لحاجيات‭ ‬الساكنة‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الشروب‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وحفاظها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬مكتسبات‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬قطاعا‭ ‬يولد‭ ‬14‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬ويشغل‭ ‬40‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬النشطين‭.‬

فالمغرب‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬واجهتين‭ ‬بحريتين،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬إنشاء‭ ‬محطات‭ ‬بأقل‭ ‬تكلفة،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬فوزارة‭ ‬التجهيز‭ ‬والماء‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ “‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬الاشتغال‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬مهمة‭ ‬منها،‭ ‬سواء‭ ‬الريحية‭ ‬أو‭ ‬الشمسية‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬لمشروع‭ ‬الداخلة،‭ ‬الذي‭ ‬سيعتمد‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الطاقة‭ ‬الريحية‭ ‬لتحلية‭ ‬المياه،‭ ‬والذي‭ ‬سيتم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬توفير‭ ‬الماء‭ ‬الشروب‭ ‬وسقي‭ ‬مساحات‭ ‬فلاحية‭ ‬كبيرة‭ ‬دون‭ ‬استغلال‭ ‬الفرشة‭ ‬المائية‭.‬

كما‭ ‬تنحو‭ ‬كافة‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية‭ ‬نحو‭ ‬استعمال‭ ‬تحلية‭ ‬المياه،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬المشروع‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬وسيتم‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تحلية‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2026‭-‬2027،‭ ‬وكذلك‭ ‬آسفي‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2025‭.‬

لقد‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬غشت‭ ‬2022‭ ‬عملية‭ ‬جمع‭ ‬الخطط‭ ‬ووثائق‭ ‬التخطيط‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الخبراء،‭ ‬وذلك‭ ‬لأجل‭ ‬التشاور‭ ‬بشأن‭ ‬نتائج‭ ‬الدراسات‭ ‬الفنية‭ ‬للمشاريع‭ ‬التي‭ ‬خططت‭ ‬لها‭ ‬الشبكة‭ ‬الوطنية‭ ‬للطاقة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالربط‭ ‬البيني‭ ‬لأحواض‭ ‬سبو‭ ‬وأبو‭ ‬رقراق‭ ‬وأم‭ ‬الربيع‭ ‬وتانسيفت،‭ ‬ومشروع‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬الأحواض‭ ‬الساحلية‭ ‬للبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وملوية،‭ ‬وتطوير‭ ‬حوض‭ ‬أم‭ ‬الربيع،‭ ‬والهدف‭ ‬هو‭ ‬خلق‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تضامني‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬تقرر‭ ‬وقف‭ ‬السقي‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السدود‭ ‬ذات‭ ‬الاستعمال‭ ‬الفلاحي‭ ‬بسبب‭ ‬تدني‭ ‬مخزونها‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬هم‭ ‬المناطق‭ ‬الفلاحية‭ ‬بإقليم‭ ‬تادلة‭ ‬والحوز‭ ‬ودكالة‭ ‬وعبدة‭ ‬وسوس‭ ‬ماسة‭ ‬ودرعة‭ ‬تافيلالت،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تحسن‭ ‬معدل‭ ‬ملء‭ ‬السدود‭ ‬بهذه‭ ‬الجهات،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تأخر‭ ‬سقوط‭ ‬الأمطار،‭ ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬المغروسات‭ ‬الفلاحية‭ ‬مهددة‭ ‬بالبوار،‭ ‬وخاصة‭ ‬الخضروات،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تم‭ ‬السماح‭ ‬بضخ‭ ‬الفرشات‭ ‬المائية،‭ ‬فإن‭ ‬التراخيص‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الاجراء‭ ‬تظل‭ ‬استثنائية‭ ‬ولا‭ ‬تشمل‭ ‬مختلف‭ ‬الضيعات‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬استفحل‭ ‬الوضع‭ ‬وعم‭ ‬الجفاف،‭ ‬فإن‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬المتضرر‭ ‬الأوحد،‭ ‬بل‭ ‬سيشمل‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المرتبطة‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬البذور،‭ ‬والأسمدة،‭ ‬والمكننة،‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحيواني،‭ ‬وتربية‭ ‬النحل،‭ ‬وصناعة‭ ‬العطور،‭ ‬والصناعات‭ ‬الغذائية‭ ‬والتحويلية،‭ ‬وصناعة‭ ‬الأدوية‭ ‬الفلاحية،‭ ‬والتلفيف،‭ ‬وصناعة‭ ‬الحليب‭ ‬ومشتقاته،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مطاحن‭ ‬الزيتون‭ ‬العصرية‭ ‬والتقليدية‭ ‬ومطاحن‭ ‬الحبوب،‭ ‬والأنشطة‭ ‬التعاونية،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذه‭ ‬المجالات‭ ‬من‭ ‬تجارة،‭ ‬وخدمات،‭ ‬ونقل،‭ ‬وما‭ ‬توفره‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬شغل‭ ‬سواء‭ ‬بالوسط‭ ‬القروي‭ ‬أو‭ ‬الحضري،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تمثل‭ ‬الفئة‭ ‬النشيطة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬40‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬و80‭ ‬بالمائة‭ ‬منهم‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬الفلاحة‭.‬

خلاصة‭:‬

إن‭ ‬المغرب‭ ‬مطالب‭ ‬باستثمارات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬الخضراء‭ ‬المواجهة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬تتحدد‭ ‬قيمتها‭ ‬الحالية‭ ‬تبعا‭ ‬للخبراء‭ ‬في‭ ‬78‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬المبلغ‭ ‬الإجمالي‭ ‬للاستثمارات‭ ‬المطلوبة‭. ‬سيتم‭ ‬تخصيص‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬تدريجيًا‭ ‬حسب‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات،‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬بلادنا‭ ‬مرنة‭ ‬وخالية‭ ‬من‭ ‬الكربون‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050‭. ‬

قد‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬فلكيًا‭ ‬لأننا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬75٪‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭. ‬فوفقا‭ ‬لكارول‭ ‬ميجيفاند،‭ “‬سيذهب‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬الكربون‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬53‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬مع‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬وأربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭. ‬ويجب‭ ‬تغطية‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬85٪‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭”.‬

‭ ‬ويوصي‭ ‬الخبراء،‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمناخ‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬للاستثمار،‭ ‬فإزالة‭ ‬الكربون‭ ‬تبعا‭ ‬لهم،‭ ‬ستمكن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مُصدِّرا‭ ‬صافيا‭ ‬للطاقة‭ ‬الخضراء‭ ‬والهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬ويجعل‭ ‬المغرب‭ ‬مركزًا‭ ‬للاستثمار‭ ‬والصادرات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخضراء‭. ‬لكن‭ “‬لكي‭ ‬تفوز،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تستثمر‭”‬،‭ ‬هكذا‭ ‬يقولون‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى