المغرب في مواجهة ندرة الماء
المغرب مطالب بتعبئة 78 مليار دولار للصمود في وجه التغيرات المناخية غلاف مالي يشكل 75 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي
شكلت التغيرات المناخية على الدوام “إحدى الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب، حيث عرف المغرب خلال 70 سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف. وحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، فإن “سيناريوهات التغيرات المناخية تشير إلى أن مناخ المغرب سيصبح قاحلا أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة. ومن شأن هذا التوجه أن يؤثر سلبيا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على المشهد الفلاحي”. وما يزيد من حدة القلق، هو التفاوت الكبير بين مناطق المغرب من حيث منح الموارد المائية، فتبعا لمعطيات رسمية، نجد أن 70٪ من هذه المادة الثمينة تتركز في 15٪ فقط من التراب الوطني.
حسب دراسة، أنجزها خبراء مغاربة لفائدة منظمة التغذية والزراعة للأمم المتحدة حول “تقييم التغيرات في المياه المتاحة على إنتاجية المحاصيل”- حالة المغرب-، أشارت فيه، إلى أنه لوحظ منذ 1960 ارتفاع في معدل الحرارة بـ 1 درجة مئوية على المستوى الوطني، وتشير التوقعات العامة إلى ارتفاع درجة الحرارة قد يبلغ 1.6 درجة مئوية في أفق سنة 2030، و2.9 درجة مئوية في أفق سنة 2050، و4.1 في المائة في أفق سنة 2080، كما يتوقع خصاص في المياه في حدود سنة 2040 بكل من المنطقة الوسطى والجنوبية للبلد، أما بالنسبة للهطول المطري، فتشير التوقعات، إلى انخفاضه بـ 10 في المائة إلى 20 بالمائة، بالمنطقة الوسطى، وبـ 30 بالمائة بالمنطقة الجنوبية، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في الظواهر المناخية الاستثنائية، وأهمها العواصف والفيضانات.
وقد استحضر التقرير السنوي لبنك المغرب برسم 2021 هذا الخطر الداهم، حيث قال إن العجز المائي في البلاد يتزايد بطريقة مقلقة ويعرف تفاقما بفعل الضغط الديمغرافي والحاجيات المتنامية للقطاعات الاقتصادية لا سيما الفلاحة التي تستحوذ على حوالي 88 في المائة من الاستهلاك الوطني للماء.
وقال والي بنك المغرب، في تقريره المرفوع إلى الملك محمد السادس، مؤخرا، إن المغرب يزخر بإمكانيات مهمة من حيث الموارد المائية غير التقليدية، مثل تحلية مياه البحر؛ إلا أن القدرات الإنتاجية لهذه الأخيرة تبقى ضعيفة ومحدودة، ناهيك عن كلفتها المرتفعة.
ولمواجهة هذا الوضع، أكد على ضرورة تغيير نمط إعداد السياسات العمومية واعتماد مقاربة شاملة وصارمة لتعزيز الوعي بالاعتبارات المناخية في أي قرار يتخذ في المجال العام أو الخاص.
كما شدد التقرير على ضرورة رفع الاستثمارات في البنيات التحتية المائية القادرة على التكيف، للتمكن من تقليص خسائر الناتج الداخلي الإجمالي بحوالي 60 في المائة والتخفيف من الصدمات على الدين العمومي.
من جانبه، نبه البنك الدولي إلى أن “المغرب معرض لمخاطر التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، مبرزا أنها تكلفه أكثر من 575 مليون دولار كل عام”، مؤكدا في ذات السياق، أن مشروع “الإدارة المتكاملة لمخاطر الكوارث ومواجهتها” ساعد المغرب على الصمود في مواجهة الكوارث وتغير المناخ، من خلال تعزيز جهود إعداد استراتيجية وطنية لإدارة مخاطر الكوارث”.
وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 22 مارس 2020، حول تنمية الموارد المائية في العالم “المياه وتغير المناخ”، أن التغير المناخي سيؤثر على إمكانية توافر المياه اللازمة للاحتياجات البشرية الأساسية، ما سيترتب عليه تقويض حقوق المليارات من البشر في التمتع بمياه شرب نظيفة وخدمات صرف صحي. إذ يحذر التقرير من أن يفقد 52٪ من سكان العالم، بحلول عام 2050، فرص الحصول على حقهم في مياه شرب آمنة وخدمات صرف صحي، من جَرَّاء تأثير التغيُّر المناخي على موارد المياه؛ مشددًا على الارتباط الوثيق بينهما. ويتوقع التقرير أن يتأثر نصف المناطق الزراعية في الوطن العربي، خاصةً في مصر والعراق والمغرب واليمن؛ بسبب تأثير تغيرات المناخ على المياه.
وفي تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ذكر بأن نصيب الفرد المغربي من الماء سنويا يقدر حاليا بأقل من 650 متر مكعب مقابل 2500 متر مكعب في سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، وعندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب، فإنه يعتبر في وضعية خصاص.
مختلف هذه التوقعات والمؤشرات، تدفع لدق ناقوس الخطر، حيث أعلنت وزارة التجهيز والماء بالأرقام، أن نسبة انخفاض مستوى الموارد المائية، بلغت 85٪ بسبب قلة هطول الأمطار وانخفاض حجم تساقط الثلوج (انخفضت المنطقة المغطاة بالثلوج من 45 ألف كيلومتر مربع إلى 5000 كيلومتر مربع)، بالإضافة إلى انخفاض عدد أيام تساقط الثلوج التي وصلت إلى 14 يومًا هذا العام 2022، مقابل 41 يومًا في السنة بشكل عام.
كما تجب الاشارة حسب مهندس في السقي، إلى أن المغرب يستقبل ما معدله 140 مليار متر مكعب من المياه، منها 118 مليار متر مكعب يتبخر أو يصرف في البحر..
يقودنا رصد التوقعات الناجمة عن التغيرات المناخية إلى أنها تشكل أبرز معوقات الإنتاج الفلاحي بالمغرب والعالم، لينضاف إليها الارتفاع المتزايد في الاستغلال الغير المعقلن للموارد الطبيعية، السطحية، والجوفية التي تتعرض لاستنزاف الفرشة، من هنا تأتي أهمية الاستثمار في مشاريع التكيف مع التغيرات المناخية، التي تهدد جميع مناحي الحياة، فالصحة العامة مهددة بما يترتب عن تلوث الهواء، من أخطار كاضطرابات نظم القلب وسرطان الرئة، والأخطر من ذلك ما تشير إليه مختلف التوقعات من أثار سلبية خطيرة للتغيرات المناخية على الأمن الغذائي والمائي بالمغرب، وما سينجم عنه من استفحال للهجرة القروية. وما لم يتم العمل على الحد من التغيرات المناخية، ويرى البنك الدولي أنه سيكون هناك بحلول العام 2050، 216 مليون مهاجر لأسباب مناخية إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها وسيشمل النزوح 19،3 مليونا في دول شمال إفريقيا الخمس.
الوضع خطير:
فالجفاف الذي ضرب المغرب، دفع خبراء مجموعة البنك الدولي إلى وضع توقعات مخيفة. وتشير على سبيل المثال إلى أن انخفاضًا بنسبة 25٪ في توافر المياه في جميع قطاعات الاقتصاد، جنبًا إلى جنب مع انخفاض المحاصيل الزراعية بسبب تغير المناخ، يمكن أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.5٪. وسيؤدي هذا الانخفاض إلى ركود مستمر في المغرب. وقد يدفع الإجهاد المائي 1.9 مليون مغربي إلى مغادرة العالم القروي للاستقرار في المدن.
ليس هذا فقط. فالمغرب ظل عرضة للفيضانات خلال العقدين الأخيرين، والتي عرفت “تسجيل 20 حدثًا رئيسيًا، بمتوسط خسائر مباشرة تقدر بنحو 450 مليون دولار سنويًا وكانت آثارها بشكل أكبر على الأسر الضعيفة “. ويلاحظ أيضًا أن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى تفاقم الفيضانات في المناطق الساحلية التي تضم أكثر من 65٪ من السكان وتتركز 90 بها حوالي ٪ من قطاع الصناعة.
وهذه المنطقة معرضة للأخطار أكثر من غيرها لأن شواطئها كثيفة السكان ومهددة بفعل ارتفاع مستوى مياه البحر. ف7% من سكانها يعيشون على ارتفاع أقل من خمسة أمتار من سطح البحر، وفق المؤسسة الأوروبية للمتوسط.
وللحد من هاته المخاطر فتحت الدولة أوراش البنيات التحتية لتحلية مياه البحر وبناء سدود جديدة، فضلا عن وضع الخطة الوطنية للماء (2020 – 2050)، بهدف تلبيتها لحاجيات الساكنة في الماء الشروب من جهة، وحفاظها على بعض مكتسبات القطاع الفلاحي، التي تعتبر قطاعا يولد 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل 40 بالمائة من السكان النشطين.
فالمغرب يتوفر على واجهتين بحريتين، ومن المهم إنشاء محطات بأقل تكلفة، في ذات السياق فوزارة التجهيز والماء قد أعلنت “أنه سيتم الاشتغال أيضا على الطاقات المتجددة التي يتوفر المغرب على مكامن مهمة منها، سواء الريحية أو الشمسية”، كما هو الحال لمشروع الداخلة، الذي سيعتمد على استغلال الطاقة الريحية لتحلية المياه، والذي سيتم من خلاله توفير الماء الشروب وسقي مساحات فلاحية كبيرة دون استغلال الفرشة المائية.
كما تنحو كافة المدن الساحلية نحو استعمال تحلية المياه، على غرار الدار البيضاء التي انطلق المشروع الخاص بها هذه السنة وسيتم الشروع في تحلية المياه في أفق 2026-2027، وكذلك آسفي في أفق 2025.
لقد انطلقت مع بداية شهر غشت 2022 عملية جمع الخطط ووثائق التخطيط من طرف الخبراء، وذلك لأجل التشاور بشأن نتائج الدراسات الفنية للمشاريع التي خططت لها الشبكة الوطنية للطاقة، لا سيما تلك المتعلقة بالربط البيني لأحواض سبو وأبو رقراق وأم الربيع وتانسيفت، ومشروع الربط بين الأحواض الساحلية للبحر الأبيض المتوسط وملوية، وتطوير حوض أم الربيع، والهدف هو خلق التوازن في تدبير الموارد المائية بين الجهات في إطار تضامني.
ومع ذلك، فقد تقرر وقف السقي من عدد من السدود ذات الاستعمال الفلاحي بسبب تدني مخزونها من المياه، وهو قرار هم المناطق الفلاحية بإقليم تادلة والحوز ودكالة وعبدة وسوس ماسة ودرعة تافيلالت، في انتظار تحسن معدل ملء السدود بهذه الجهات، وفي ظل تأخر سقوط الأمطار، فالعديد من المغروسات الفلاحية مهددة بالبوار، وخاصة الخضروات، حتى وإن تم السماح بضخ الفرشات المائية، فإن التراخيص المتعلقة بهذا الاجراء تظل استثنائية ولا تشمل مختلف الضيعات.
وإذا ما استفحل الوضع وعم الجفاف، فإن القطاع الفلاحي لن يكون المتضرر الأوحد، بل سيشمل مختلف الأنشطة الاقتصادية المرتبطة به بشكل مباشر، من تجارة البذور، والأسمدة، والمكننة، والإنتاج الحيواني، وتربية النحل، وصناعة العطور، والصناعات الغذائية والتحويلية، وصناعة الأدوية الفلاحية، والتلفيف، وصناعة الحليب ومشتقاته، فضلا عن مطاحن الزيتون العصرية والتقليدية ومطاحن الحبوب، والأنشطة التعاونية، وكل ما يتعلق بهذه المجالات من تجارة، وخدمات، ونقل، وما توفره من مناصب شغل سواء بالوسط القروي أو الحضري، حيث لا زالت تمثل الفئة النشيطة في العالم القروي ما يقرب 40 بالمائة من السكان، و80 بالمائة منهم يعيشون على الفلاحة.
خلاصة:
إن المغرب مطالب باستثمارات كبيرة في الطاقة الخضراء المواجهة التغيرات المناخية، تتحدد قيمتها الحالية تبعا للخبراء في 78 مليار دولار، وهو المبلغ الإجمالي للاستثمارات المطلوبة. سيتم تخصيص هذا الظرف تدريجيًا حسب بعض الدراسات، حتى تصبح بلادنا مرنة وخالية من الكربون بحلول عام 2050.
قد يبدو هذا المبلغ فلكيًا لأننا نتحدث عن 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي. فوفقا لكارول ميجيفاند، “سيذهب الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات إلى إزالة الكربون من الاقتصاد، بما يصل إلى 53 مليار درهم، مع التوسع في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الحالي. ويجب تغطية هذه الاستثمارات بنسبة تصل إلى 85٪ من قبل القطاع الخاص”.
ويوصي الخبراء، أنه يجب على المغرب أن يحول هذه الأزمات المتعلقة بالمناخ إلى فرص للاستثمار، فإزالة الكربون تبعا لهم، ستمكن المغرب من أن يصبح مُصدِّرا صافيا للطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر ويجعل المغرب مركزًا للاستثمار والصادرات الصناعية الخضراء. لكن “لكي تفوز، عليك أن تستثمر”، هكذا يقولون.