بروز أوكرانيا وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك
لفهم طبيعة الصراع الروسي الأوكراني، نرى من الضروري الرجوع إلى تاريخ تأسيس دولة أوكرانيا وإلى طبيعة التحولات التي عرفتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. والمهم من كل هذا هو فهم التدخل الأمريكي فيها والسطو على مقدساتها الدينية والثقافية واللغوية وطمس تاريخها وهويتها السلافية وعلى خيراتها الزراعية وثرواتها المعدنية، من خلال سياسات استعمارية جديدة. كل ذلك لإبعادها عن جدورها الروسية. واستعمالها كرحى لزعزعة روسيا وكل بلدان البلطيق وإضعاف أوروبا.
بروز أوكرانيا دولة مستقلة
بحلول بداية القرن العشرين، تم تقسيم أراضي أوكرانيا الحالية بين بولندا والنمسا والمجر وروسيا. بعد ثورة 1917، حيث أعلنت بعض هذه الأراضي استقلالها مؤقتا. وفي عام 1922 انضموا إلى الاتحاد السوفيتي باسم جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية. واكتسبت أوكرانيا بذلك مشروعيتها كدولة، على الرغم من محدوديتها.
في عام 1918، بناء على اقتراح فلاديمير لينين، تم نقل ست مناطق صناعية روسية إلى أوكرانيا بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك التي لم تكن أبدا جزءا من أوكرانيا وذلك لتقوية البروليتاريا الأوكرانية التي كانت ضعيفة. وفي الحرب العالمية الثانية، ضم ستالين منطقة ليفيف إلى أوكرانيا، التي كانت في السابق جزءا من بولندا، ومركزا للنازية.
لقد كان السياسيون الأوكرانيون مهيمنين في القيادة السوفيتية: خروشوف، بريجنيف، تشرنينكو وأداروا الاتحاد السوفيتي من 1953 إلى 1983. وساهم كل من موقعه في توسيع أوكرانيا وتم ”إهداء القرم” لها. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة لأول مرة في تاريخها.
لكن الاستقلال الجغرافي، لم يجعل من أوكرانيا دولة سيادية وجعلها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي لقمة سائغة بيد الولايات المتحدة الأمريكية. لتهديد روسيا وإضعاف أوروبا. منذ ذلك الحين، عملت الولايات المتحدة على استقطاب الفئات المثقفة وعلى تغيير الكتاب المدرسي والاشتغال منذ 1991على جيل جديد مبني على العداء للحضارة السلافية ولروسيا ومتشبع بالنموذج الغربي والأمريكي.
بروز جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك
بعد عام 2014، تم تنفيذ انقلاب حكومي مدعوم من الولايات المتحدة وحلف الناتو في أوكرانيا. حيث صرحت وزارة الخارجية الأمريكية علانية أنها استثمرت 5 مليارات دولار في إعداده. فجاء النازيون الجدد إلى السلطة، حسب التعبير الروسي. وتم غرس الإيديولوجية النازية في أوكرانيا. وتم إلغاء يوم النصر على الفاشية في 9 ماي. وأصبح الفاشيون الأوكرانيون – المنظمون والمشاركون في فظائع الحرب – معترفا بهم رسميا كأبطال وطنيين. ودمروا كل النصب التذكارية التي لها علاقة بالحياة السلافية. في الوقت نفسه، بدأت محاولة الضغط على السكان في أوكرانيا بالقوة لمنع اللغة الروسية. ”بما يشبه محاولة إدخال اللغة الإنجليزية بدل الأفريقانية في جنوب إفريقيا حيث أدت إلى انتفاضة سويتو في عام 1976”. وحدث نفس الشيء في أوكرانيا، حينما تم نقل التعليم المدرسي من اللغة الروسية إلى الأوكرانية، مما أدى إلى مقاومة قوية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك.
وفي ماي 2014، تم إجراء استفتاء في نفس المنطقتين، حيث صوت %87 من المواطنين لصالح الاستقلال. ونشأت بذلك جمهوريات دونيتسك ولوغانسك الشعبية.
ومنذ ذلك الحين تعرض سكان هذه المناطق إلى القصف بالمدافع من العيار الثقيل، وإلى القتل والتنكيل بكل وحشية، ولقي أكثر من 13 ألف مدني، بينهم أطفال ونساء وشيوخ مصرعهم في دونيتسك ولوغانسك مع الصمت التام للمجتمع العالمي ودون إدانة لأي منظمة دولية إنسانية أو حقوقية.
وفي هذه الظروف المشحونة بتسويق التفوق الأمريكي، وبالوعود الغربية، بدأ الأوكرانيون الحرب شاملة معتقدين معها تحقيق نصر استراتيجي وشيك باسترداد المناطق التي خرجت من سلطتهم.