منتدى فالداي بروسيا – العالم ما بعد الهيمنة
من خلال قراءتنا للخطاب الأخير لبوتين في منتدى “فالداي” في نسخته الـ19 في ضواحي العاصمة موسكو في الفترة من 24 إلى 27 أكتوبر الأخير، نفهم جيدا أبعاد و تطورات وأفق الحرب الروسية الأوكرانية. الملتقى جاء تحت عنوان “العالم بعد الهيمنة: العدالة والأمان للجميع.”
ويهدف منتدى فالداي إلى تعزيز الحوار بين مختلف النخب الفكرية وتقديم تحليل علمي واقعي مستقل للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في روسيا والعالم. وقد صرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدى “فالداي” سيجري تحليلها وقراءتها وإعادة قراءتها لعدة أيام أخرى، لما لها من أهمية استراتيجية.
وقد شدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته أمام منتدى “فالداي”، على أن الأزمة الحالية تطال الجميع وأن البشرية أمام طريقين، مشيرا إلى أن العالم يتجه إلى مسار متعدد الأقطاب. وشملت الكلمة مختلف القضايا السياسية والاقتصادية الملحة التي يواجهها العالم. ومن أبرز تصريحاته أن العالم يتجه نحو السيناريو الأسوأ، وأن الغرب أشعل الحرب في أوكرانيا وارتكب عددا من الأخطاء المنهجية، ويسعى لكي ينصاع له الجميع ويتجاهل مصالح الدول الأخرى وقيمها وثقافاتها. وأشار إلى ضرورة فتح قنوات الحوار بين الحضارات، والبحث عن جوهر الوجود الإنساني الذي نلتقي فيه جميعا. ولن يكون بمقدور أي أحد أن يملي على روسيا نوع المجتمع الذي يجب أن تعيش فيه وأي قيم يجب أن تتبعها. وجاء في كلامه:
“فليفعلوا ما يشاؤون…، لكن ما لا يملكون الحق فيه هو إجبار الآخرين على الحياة في نفس النهج.”
وحذر بوتين الغرب بأن من يزرع الريح يحصد الزوبعة. فالأزمة تطال الجميع الآن وليس هناك أي أوهام، أمام البشرية طريقان، إما المضي قدما نحو الانهيار، أو العمل على نظام جديد معا. وأشار إلى أن الأحداث العالمية الجديدة، دفعت بالقضايا البيئية إلى المشهد الخلفي، في الوقت الذي لم تختف فيه هذه التهديدات الأساسية وما زال اختلال التوازن البيئي يمثل تحديا لنا جميعا.
وأكد بوتين أن الشخصية السياسية لأوروبا اليوم أصبحت محدودة للغاية. وأن روسيا ليست عدوا للغرب، وحاولت بناء علاقات مع الغرب وحلف “الناتو”، وكانت رسالتها: “فلنعش سويا”. وأشاد بوتين بأن هناك الغرب التقليدي الذي يرتبط بالديانات وحتى بالتاريخ القديم، والذي تعده روسيا قريبا منها، وهناك غرب آخر عدواني واستعماري بعيد عن القيم والمبادئ وأن روسيا على عكس الغرب، تدخل البيوت من أبوابها لا من الفناء الخلفي وأنه من المستحيل بالنسبة لروسيا تطبيق سيناريو التدمير أو تحويلها لأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية.
إن التسويات بالعملات الوطنية ستهيمن تدريجيا على العالم، كما أشار بوتين ويجب أن تستفيد الغالبية من التجارة العالمية وليس من “الشركات الفردية فائقة الثراء، وإن روسيا تسعى لإنشاء منصات مالية دولية جديدة في العالم لا تعتمد على مركز تحكم واحد.
وسلط بوتين الضوء على أن التطور التكنولوجي لا ينبغي أن تزيد من عدم المساواة على الصعيد العالمي، بل يجب أن تقلله. وذكر بوتين بأن انهيار الاتحاد السوفيتي أخل بالتوازن الجيوسياسي في العالم. وبأن العالم يمر بنقطة تحول تاريخية هي الأخطر والأهم منذ الحرب العالمية الثانية وأن فترة الهيمنة المطلقة للغرب على الشؤون العالمية تقترب من نهايتها. وأن التغيير كان يجري منذ سنوات عديدة، ذلك التغيير التكويني في العالم شأنه شأن طبقات الأرض في حركة دائمة. هناك تغيير دائم. وأصبحت تظهر قوى جديدة في آسيا وإفريقيا لديها آفاق واسعة، على الرغم من كونها فقيرة حتى اللحظة.
وأكد بوتين على كون الاقتصاد الروسي تكيف مع العقوبات وتجاوز المرحلة الصعبة وأن
الشركاء الغربيين يفعلون كل شيء لتشويه سمعة روسيا وإذلالها. كما ذكر العالم في الأخير بأن طالما أن الأسلحة النووية موجودة فهناك دائما خطر استخدامها. وأن ما سيحدث في النهاية سوف يكون في مصلحة روسيا ومستقبلها.