صفقة

 كريمة نادر

في‭ “‬الجوطية‭” (‬سوق‭ ‬الأغراض‭ ‬المستعملة‭)‬،‭ ‬وفيما‭ ‬كان‭ “‬لمعلّم‭” ‬يستعرض‭ ‬علينا‭ ‬بعض‭ ‬الأبواب‭ ‬والنوافذ‭ ‬القديمة‭ ‬بزخرفاتها‭ ‬المغربية‭ ‬والأندلسية‭ ‬الأنيقة،‭ ‬وخشبها‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬الخبايا‭ ‬والأسرار‭ ‬ما‭ ‬تضيق‭ ‬به‭ ‬الجدران‭ ‬والقلوب‭.. ‬استجمعت‭ ‬عزيمتي‭ ‬واقترحت‭ ‬عليه‭ ‬صفقة،‭ ‬فكرت‭ ‬أنها‭ ‬لربما‭ ‬قد‭ ‬تغريه‭..‬

كل‭ ‬تلك‭ ‬الأقواس‭ ‬المتصدعة‭ ‬بداخل‭ ‬قلبي،‭ ‬والنوافذ‭ ‬المشرعة‭ ‬دون‭ ‬أقفال،‭ ‬وتلك‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬مفتوحة‭ ‬بروحي‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يأتي،‭ ‬ولا‭ ‬يأتي‭.. ‬مجموعة‭ ‬كراس‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬مضى،‭ ‬مرصوصة‭ ‬بعناية‭ ‬على‭ ‬الكبد؛‭ ‬تقتعدها‭ ‬خيالات‭ ‬آمال‭.. ‬ثم‭ ‬الكثير‭ ‬الكثير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬المصابيح‭ ‬النابضة‭ ‬بالحب؛‭ ‬لكن‭ ‬ضوءها‭ ‬يخفته‭ ‬الجفاء‭. ‬وبعض‭ ‬الأفكار‭ ‬المنقوشة‭ ‬على‭ ‬الصدر،‭ ‬ودزينة‭ ‬أحلام‭ ‬على‭ ‬كتفيّ‭ ‬كنياشين‭ ‬الحروب‭. ‬

كل‭ ‬هذا؛‭ ‬مقابل‭ ‬باب‭ ‬خشبي‭ ‬كبير،‭ ‬يتوسطه‭ ‬باب‭ ‬أصغر،‭ ‬ثم‭ ‬آخر‭ ‬أصغر،‭ ‬وآخر‭ ‬فآخر‭.. ‬كلها‭ ‬تفتح‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬فقط‭.. ‬حتى‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أسيطر،‭ ‬ولو‭ ‬لمرة،‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬الأمور‭ ‬والأشخاص‭ ‬والمشاكل‭ ‬والأحلام‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬أيامي،‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬مني،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عنوة‭..‬

نظر‭ “‬لمعلم‭” ‬قليلا‭ ‬وصمت‭ ‬برهة‭ ‬يفكر،‭ ‬ثم‭ ‬دخل‭ ‬محله‭ ‬مسرعا‭ ‬وجلب‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬كرسيا‭ ‬ورديا،‭ ‬جلست‭ ‬فناولني‭ ‬إبريقا‭ ‬مكسورا،‭ ‬دعكته؛‭ ‬فانبعثت‭ ‬من‭ ‬داخله‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعتق‭ ‬ابتساماتي‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى