الضريبة على السيارات شكل من أشكال الأتاوة

في يونيو 1956 سنت الحكومة الفرنسية لأول مرة في العالم، ضريبة على السيارات سمتها la vignette  جاعلة مداخيلها لرعاية المسنين فوق 65 سنة، لهذا فهي في شكلها أتاوة تأخذ من تلك الأتاوات التي كان يعرف بها الاقتصاد القديم القائم على الاستبداد، إلا أنها مضمونا، موجهة لخدمة حاجة اجتماعية ولعل الفرنسيين أخذوا الشكل من استعمارهم للمغرب الذي كان معروفا بالأتاوات والمكوس: أتاوة على الرأس، على الأذنين، على الدواب خارج السوق وداخله، أتاوة على الرٌكِيًة(بقعة صغيرة)  لبيع منتوج… وهذه الأشكال ما يزال لها أشباه لحد الآن مثل ما يفرضه أعوان المقاطعات بشكل غير قانوني على الباعة المتجولين والفراشين وعلى أصحاب الحوانيت الذين يعرضون بضائعم خارج الدكان محتلين للرصيف.

في سنة 2000 حذفت الحكومة الاشتراكية الفرنسية الضريبة على السيارات، لكن المغرب الذي يتبع فرنسا في السيئات لم يتبعها في الحسنات، إذ أنه بعد سنة واحدة من إقرار الضريبة في فرنسا في 1956 قررها المغرب في 1957 أثناء حكومة البكاي بظهير ملكي. وكما هي العادة فإن المداخيل تذهب إلى الخزينة، وليست مخصصة لحالة اجتماعية محددة وهذه الطريقة مقصودة حتى تملك الحكومة هامشا واسعا لتدبير الميزانية كما يحلو لها في إطار إعادة التوزيع. والملاحظ أن عددا من الدول غيرت من طبيعة الضريبة وخففت من وطأتها إلا المغرب، لقد كان عدد السيارات في 1957 قليلا وكانت السيارة عند الأسر من الكماليات، لكن بعد سنوات قليلة اتضح أنه كلما زاد عدد السيارات زاد حجم الضريبة عليها.

في اسبانيا وعدد من الدول الأوروبية تم ربط هذه الضريبة مع الحفاظ على البيئة، فكلما انبعث من السيارة غازات ملوثة ارتفعت الضريبة وكلما نقصت انخفضت حتى تنعدم،وهي أصلا في المدة الأخيرة منخفضة، وفي فرنسا التي عادت إليها أيام حكومة ساركوزي في بعض المدن فقط، بنيت أيضا في ربط مع مقدار الغازات المنبعثة منها، وبعض الدول مثل السويد والتي كانت سباقة إلى هذا الربط جمعت بين هذه الضريبة والفحص التقني في مبلغ قريب من 400 درهم سنويا، بل أكثر من هذا تقدم الحكومة السويدية منحة لكل من رغب في استبدال سيارته أو دراجته النارية التي تستعمل الوقود بسيارة أو دراجة كهربائية، ليظهر أن رغبة الحكومة ليس هو الجباية في حد ذاتها بل حفظ البيئة من التلوث.

إذا كانت هذه هي السياسة العامة للدول العريقة في الديمقراطية، فما هي سياسة المغرب؟ إنها سياسة ما تزال تعيش نفس منطق الجباية على كل ما يتحرك في السماء والأرض، ولنلق نظرة على بعض الأمثلة من الجزائر وتونس، وسنزيد مثالا من اسبانيا لأنها تقع شمال المغرب وهي بلد لا يعيش الديمقراطية إلا منذ أواخر السبعينات وكثيرا ما عاش ارهاصات أزمات اقتصادية، ومع ذلك لم تدفعه إلى منطق الجباية والإتاوات :

نثبت هنا جدولا ومنحنى يوضحان أثمان الفينييت في البلدان الثلاثة مقارنة مع المغرب:

أثمان الفينييت في البلدان الثلاثة مقارنة مع المغرب

 

أثمان الفينييت في البلدان الثلاثة مقارنة مع المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى