سؤال المرحلة… من جديد: ما معنى الماركسية ؟

مقاربة‭ ‬الموضوع‭ ‬تقتضي‭ ‬منا،‭ ‬منهاجيا،‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تسطير‭ ‬مكوناته‭ ‬وفق‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬التالية‭: ‬طرح‭ ‬الأرضية‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يتم‭ ‬فهم‭ ‬راهنية‭ ‬‮«‬‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬،‭ ‬فطرح‭ ‬أربعة‭ ‬تصورات‭ ‬لمعنى‭ ‬‮«‬الماركسية‮»‬،‭ ‬يليها‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الطبقة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تتوحد‭ ‬اديالكتيكيا‭ ‬مكونات‭ ‬الماركسية،‭ ‬فالجانب‭ ‬‮«‬التنظيمي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نربطه‭ ‬بجماعية‭ ‬امتلاك‭ ‬المكان‭ ‬،‭ ‬فنكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬أدلينا‭ ‬بمقترحنا‭ ‬حول‭: ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية؟‭                                    ‬‭                       

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬والتوحش‭ ‬والمظلومية‭ ‬والفساد‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬المسيئة‭ ‬لكرامة‭ ‬المجتمع‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أهم‭ ‬مميزات‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬وتوابعه،‭ ‬يقتضي‭ ‬خلق‭ ‬شروط‭ ‬إبداع‭ ‬وضبط‭ ‬أدوات‭ ‬الاشتغال‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬القدرة‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬تعرية‭ ‬ونقد‭ ‬المساوئ‭ ‬تلك‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬أهمية‭ ‬ضبط‭ ‬المفهوم‭ ‬وكذا‭ ‬السياق‭ ‬المنهاجي‭ ‬المنظم‭ ‬له‭. ‬إنه‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬تعرية‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وكذا‭ ‬ضبط‭ ‬التعاملات‭ ‬المجانبة‭ ‬للصواب،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬شعوري‭ ‬أو‭ ‬لاشعوري‭ ‬أو‭ ‬بهما‭ ‬معا،‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬والمفاهيم،‭ ‬فنكون‭ ‬أمام‭ ‬التشويه‭ ‬والتسطيح‭ ‬والمغالطات‭ ‬التي‭ ‬قلنا‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ ‬لعلة‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬هو‭ ‬مكان‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬وجود‭ ‬نقيضها،‭ ‬فتعمد‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬شروط‭ ‬ومؤسسات‭ ‬وثقافة‭ ‬تشويهه‭ ‬وإبرازه‭ ‬بمثابة‭ ‬الشيطان‭ ‬المهدد‭ ‬لوجود‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬الحضارة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تهجمها‭ ‬على‭ ‬الماركسية‭ ‬تشويها‭ ‬وشيطنة‭ ‬وهو‭ ‬الحاصل‭ ‬والسائد‭ ‬اليوم‭ ‬بقيادة‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الذي‭ ‬يتغنى‭ ‬ويتباهى‭ ‬بمشروعية‭ ‬ممارساته‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي،‭ ‬الحامل،‭ ‬في‭ ‬نظره،‭ ‬الفلسفة‭ ‬الماركسية‭. ‬وهنا‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭: ‬هل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬هو‭ ‬الماركسية؟‭ ‬أليس‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬بأزماته‭ ‬وحروبه،‭ ‬وخلق‭ ‬شروط‭ ‬القتال‭ ‬والاقتتال،‭ ‬ودعم‭ ‬وتدعيم‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والخرق‭ ‬الماكر‭ ‬لسيادة‭ ‬الدول‭ ‬باسم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية؛‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬الفقر‭ ‬والأمراض‭ ‬وأشكال‭ ‬العنصرية‭. ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬السئ‭ ‬يستدعي‭ ‬نجاعة‭ ‬وراهنية‭ ‬الفلسفة‭ ‬الماركسية‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭ ‬الإبداعية‭ ‬عوض‭ ‬الأشكال‭ ‬الخشبية‭ ‬والدوغمائية‭ ‬والأوحدية‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬وممارساته‭ ‬سابقا‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬اليوم؟‭. ‬

ما‭ ‬سبق‭ ‬يقودنا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬الأكبر‭: ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية؟‭..  ‬سؤال‭ ‬طرحه‭ ‬ويطرحه‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬العالمي،‭ ‬لكن‭ ‬بأشكال‭ ‬دوغمائية‭ ‬وواحدية،‭ ‬بفعل‭ ‬انغلاق‭ ‬مرجعيتهم‭ ‬وفرضها‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬تستوجب‭ ‬ماركسية‭ ‬أو‭ ‬ماركسيات‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬جدلية‭ ‬النهاية‭ ‬واللانهاية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬استحضار‭ ‬الشرط‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬البنية‭ ‬المجتمعية‭ ‬بمكوناتها‭ ‬المادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭. ‬إنها‭ ‬الدائرة‭ ‬المغلقة‭ ‬اللاجدلية‭ ‬واللاتاريخية‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬ووجهت‭ ‬الشكل‭ ‬الأوحد‭ ‬للماركسية‭ ‬وما‭ ‬زالت؛‭ ‬فقانون‭ ‬الوجود‭ ‬الطبيعي‭ ‬منه‭ ‬والمجتمعي‭ ‬والحيواني‭ ‬والنباتي‭ ‬والانساني‭ ‬هو‭ ‬قانون‭ ‬التطور‭ ‬وفق‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬المعقدة‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬المتغيرات‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني،‭ ‬وبالكاد،‭ ‬فشل‭ ‬التصور‭ ‬الخشبي‭ ‬والدوغمائي‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬تقديسه‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬تصور‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬قوانين‭ ‬الواقع‭ ‬المجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬دوما‭ ‬محددا‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭.       

هذا‭ ‬المدخل‭ ‬يعبد‭ ‬لنا‭ ‬الطريق‭ ‬لمقاربة‭ ‬سؤالنا‭:‬‮»‬‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية؟‮»‬‭..‬

‭ ‬إنه‭ ‬سؤال‭ ‬أحيط‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والخلط‭ ‬والتبسيط‭ ‬والتشويه‭ ‬والاستغلال‭. ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬تضمنته‭ ‬مختلف‭ ‬الحوارات‭ ‬الماركسية،‭ ‬ومختلف‭ ‬المحاضرات‭ ‬عن‭ ‬الماركسية،‭ ‬وتضمنته‭ ‬مختلف‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬الماركسيين،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬مجمل‭ ‬الكتب‭ ‬الماركسية‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬مفهوم‭ ‬عصي‭ ‬عن‭ ‬التبسيط‭ ‬والخشبية‭ ‬والتشويه‭ ‬لعلة‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬‮«‬؛‭ ‬ولكن،‭ ‬ولتلافي‭ ‬الغموض،‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‮»‬‭ ‬الحقيقة‭ ‬‮«‬؟‭ ‬فلا‭ ‬يعنى‭ ‬بها‭ ‬الأحكام‭ ‬المعيارية‭ ‬والمنطقية‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؛‭ ‬ف‭ ‬‮«‬‭ ‬الحقيقة‭ ‬‮«‬‭ ‬تلك‭ ‬كل‭ ‬عمليات‭ ‬إبداع‭ ‬الواقع‭ ‬المفهوم‭ ‬بمعناه‭ ‬الكوني‭ ‬والذي‭ ‬تتحدد‭ ‬مرجعيته‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬نتاج‭ ‬الممارسة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬ربط‭ ‬الحقيقة‭ ‬بفعالية‭ ‬الإنسان‭ ‬باعتباره‭ ‬القوة‭ ‬الفاعلة‭ ‬على‭ ‬مستويي‭ ‬النهاية‭ ‬واللانهاية‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الإبداع‭ ‬والفعالية‭ ‬تحصل‭ ‬باستثمار‭ ‬العلم‭ ‬والسياسة‭ ‬والتاريخ‭ ‬دون‭ ‬نفي‭ ‬غيرهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬علم‭ ‬وتاريخ‭ ‬وسياسة‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الإبداع‭ ‬والفعل‭/‬الانفعال‭ ‬في‭ ‬وبتغيير‭ ‬الواقع‭ ‬يستحيل‭ ‬حصوله‭ ‬بتغييب‭ ‬المجالات‭ ‬تلك‭. ‬لذا،‭ ‬فهي‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬‮«‬الماركسية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬انها‭ ‬الماركسية‭ – ‬دون‭ ‬نفي‭ ‬غيرها‭ -‬،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الماركسيين‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الماركسية‭ ‬بتلك‭ ‬المجالات‭: ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬علم‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬علم‭ ‬السياسة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬بأنها‭ ‬فلسفة‭. ‬وهذه‭ ‬الخلافات‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬سيمكننا‭ ‬من‭ ‬التقرب‭ ‬أكثر‭ ‬لضبط‭ ‬وتحديد‭ ‬صيغة‭ ‬طرحنا‭: ‬‮«‬‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬؟‭                                 

هناك‭ ‬التصور‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬علم‭ ‬وهو‭ ‬التصور‭ ‬الذي‭ ‬طرحه‭ ‬ألتوسير‭ ‬بكل‭ ‬وضوح،‭ ‬بل‭ ‬وطرحه‭ ‬غيره‭ ‬قبله‭ ‬وبعده‭. ‬فهذا‭ ‬الطرح‭ ‬اعتمد‭ ‬أساسا‭ ‬مؤلف‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬‭ ‬الرأسمال‭ ‬‮«‬‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تذييل‭ ‬ماركس‭ ‬له‭ ‬بصيغة‭ ‬‮«‬‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬بصيغة‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسي‮»‬؛‭ ‬والنقد‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬العلم‭. ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الماركسية‭ ‬علما‭ ‬فهي‭ ‬علم‭ ‬ماذا‭ ‬بالضبط؟‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الأفكار‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬بنية‭ ‬الماركسية‭ ‬غير‭ ‬مستنتجة‭ ‬حصريا‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كعلم‭ . ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاستعانة‭ ‬بماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬لإثبات‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬طرحه‭ ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬السابق‭ ‬الذكر‭: ‬ما‭ ‬مصدر‭ ‬الأفكار‭ ‬‮«‬‭ ‬الحقيقية‭ ‬‮«‬؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬منظورا‭ ‬إليه‭ ‬كعلم؟‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يجيبنا‭ ‬ماو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬مصادر‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الأفكار‭ ‬‮«‬حقيقية‮»‬‭: ‬أولها‭ ‬الإنتاج‭ ‬باعتباره‭ ‬مجال‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة،‭ ‬وثانيها‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭  ‬الحقل‭ ‬السياسي،‭ ‬وثالثها‭ ‬العلوم‭ ‬التجريبية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الممارسة‭ ‬التجريبية‭ ‬المستقلة‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬المجتمعية‭. ‬وعليه،‭ ‬يستنتج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬استحالة‭ ‬اختزال‭ ‬الماركسية‭ ‬في‭ ‬صيغة‭: ‬الماركسية‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بشكل‭ ‬حصري‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الانجليزي‭ (‬ريكاردو‭ ‬وغيره‭) ‬اهتم‭ ‬بالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬الأشياء‭ ‬ملغيا‭ ‬اعتبارها‭ ‬علاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬فانتفت‭ ‬عنه‭ ‬صفة‭ ‬العلمية‭.      

أما‭ ‬التصور‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬بالمادية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬موقف‭ ‬ألتوسير‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬علما‭ ‬وفلسفة‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬سلبيات‭ ‬هذا‭ ‬التحديد‭ ‬هو‭ ‬إفراغه‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬جندت‭ ‬الماركسية‭ ‬نفسها‭ ‬طوال‭ ‬حياتها‭ ‬دفاعا‭ ‬عنها‭. ‬فالماركسية‭ ‬تتساءل‭ ‬دوما‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬باعتماد‭ ‬عقلنة‭ ‬التاريخ؛‭ ‬ففي‭ ‬التاريخ‭ ‬يوجد‭ ‬الفاعل‭ ‬السياسي‭. ‬إنه‭ ‬الطرح‭ ‬الذي‭ ‬يرفضه‭ ‬أنصار‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬الثاني‭ ‬وهو‭ ‬تصور‭ ‬قال‭ ‬بموت‭ ‬الفاعل‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬إن‭ ‬الماركسية‭ ‬باعتبارها‭ ‬علم‭ ‬التاريخ‭ ‬تنتظم‭ ‬بفعل‭ ‬عواملها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬رفض‭ ‬فكرة‭ ‬الفاعل‭ ‬كقوة‭ ‬تمارس‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البنية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬فعندما‭ ‬يتكلم‭ ‬أنصار‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬عن‭ ‬الفاعلين‭ ‬داخل‭ ‬البنية‭ ‬فيقصدون‭ ‬بذلك‭ ‬صراع‭ ‬الطبقات،‭ ‬لا‭ ‬صراع‭ ‬الأفراد‭ ‬معتمدين‭ ‬الفكرة‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الشيوعي‭ ‬للحزب‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبدا‭ ‬سوى‭ ‬تاريخ‭ ‬صراع‭ ‬الطبقات؛‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬ينتبهوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الماركسية‭ ‬لها‭ ‬برنامجها‭ ‬الذي‭ ‬ميزت‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬الطبقة‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬والطبقة‭ ‬لذاتها‭ ‬وهو‭ ‬التمييز‭ ‬الذي‭ ‬يستلزم،‭ ‬وبالضرورة،‭ ‬البرنامج‭ ‬السياسي‭. ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬للطبقتين‭ ‬يسجل‭ ‬حضوره‭ ‬وكمونه‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬والفاعل‭ ‬لذاته‭ ‬وكذا‭ ‬رفض‭ ‬فكرة‭ ‬الفاعل‭ ‬مطلقا،‭ ‬حسم‭ ‬حلها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الماركسيين‭ ‬بالقول‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬فاعلا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬الماركسية‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬وبالتاريخ‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬ب‮»‬‭ ‬البروليتاريا‭ ‬‮«‬‭. ‬فهل‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الماركسية‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬البروليتاريا‭ ‬هي‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والذي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬رفضه‭ ‬أنصار‭ ‬التصور‭ ‬الثاني؛‭ ‬فكيف‭ ‬حصل‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬بالانتقال‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬المنغلق‭ ‬وفق‭ ‬قاعدة‭ ‬الإطلاقية‭ ‬أو‭ ‬القطيعة‭ ‬الذاتية‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬فاعل‭ ‬هو‭ ‬بالكاد‭ ‬الطبقة‭ ‬المنتقلة‭ ‬من‭ ‬ذاتها‭ ‬إلى‭ ‬لذاتها؟‭.. ‬هنا‭ ‬نكون‭ ‬حتما‭ ‬أمام‭ ‬السياسة؛‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬ذلك‭ ‬باعتماد‭ ‬أدوات‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية‭ ‬بمعناها‭ ‬السائد؟‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬نستحضر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬الذي‭ ‬عالج‭ ‬موضوع‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭: ‬البروليتاريا‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬التي‭ ‬تتحدد‭ ‬مكوناتها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬ب‮»‬‭ ‬مجموع‭ ‬أصدقاء‭ ‬الثورة‭ ‬‮«‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬تكلم‭ ‬عن‮»‬‭ ‬الشعب‭ ‬‮«‬محتفظا‭ ‬له‭ ‬بنفس‭ ‬الوظيفة،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وبنفس‭ ‬التوجه،‭ ‬تكلم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬الجمهور‭ ‬‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬المركز‭ ‬المحرك‭ ‬للتاريخ؛‭ ‬فالربط،‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬ماو،‭ ‬بين‭ ‬الطبقة‭ ‬العمالية‭ ‬والشعب‭ ‬والجمهور‭ ‬هو‭ ‬العملية‭ ‬المرادفة‭ ‬لمفهوم‭ ‬البروليتاريا‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬وظيفتها‭ ‬بتحديدها‭ ‬كفاعل‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬هكذا،‭ ‬فالقول‭ ‬بأن‭ ‬الماركسية‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬التاريخ‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية‭ ‬يطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬والنقاشات‭.                                  ‬‭                                         

أما‭ ‬التصور‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الماركسية‭ ‬بمثابة‭ ‬علم‭ ‬السياسة‭. ‬ما‭ ‬طرحناه‭ ‬بصدد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتاريخ‭ ‬نطرحه‭ ‬أيضا‭ ‬بصدد‭ ‬السياسة‭: ‬ما‭ ‬مكونات‭ ‬السياسة؟‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬الملاحظة‭ ‬التالية‭: ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬الغموض‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نعتر‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬‮«‬‭ ‬السياسة‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬عند‭ ‬مراجعتنا‭ ‬تاريخ‭ ‬وتطور‭ ‬الماركسية؛‭ ‬فما‭ ‬نعتر‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬صيغ‭ ‬‮«‬السياسة‭ ‬الشيوعية‮»‬،‭ ‬‮«‬السياسة‭ ‬الاشتراكية‮»‬،‮»‬الدولة‭ ‬الاشتراكية‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬نعتر‭ ‬على‭ ‬صيغة‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭. ‬ولكن،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬فيوجد‭ ‬وراء‭ ‬مختلف‭ ‬الصيغ‭ ‬مفهوم‭ ‬الماركسية‭. ‬وتباعا‭ ‬لما‭ ‬سبق،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬السياسة؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬نفي‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬نهاية‭ ‬السياسة؟‭ ‬إن‭ ‬‮«‬حقيقة‮»‬‭ ‬حركتها‭ ‬الكامنة‭ ‬هي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭ ‬تدمير‭ ‬السياسة؛‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬للبروليتاريا‭ ‬ذات‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬الطبقة‭ ‬المسيطرة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬إزالتها‭ ‬الدولة‭ ‬والسياسة،‭ ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الممثلة‭ ‬والحامية،‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬والخفاء،‭ ‬للطبقة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الطبقات‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬مصيرها‭ ‬بدورها‭ ‬عندما‭ ‬تنضج‭ ‬الشروط‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الماركسيين‭ ‬ينسون‭ ‬أن‭ ‬للسياسة‭ ‬مكونات‭ ‬أخرى‭ ‬كالممارسة‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمارس‭ ‬كسلطة‭ ‬ولكن‭ ‬ك‭ ‬‮«‬‭ ‬تغيير‭ ‬ثوري‭ ‬‮«‬‭ ‬تحكمه‭ ‬قوانين‭ ‬الصيرورة‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬اختفاء‭ ‬الثورة‭ ‬تلك‭ ‬لتحل‭ ‬محلها‭ ‬ثورة‭ ‬إبداعا‭ ‬وتطورا‭ ‬وهكذا‭. ‬ومعروف‭ ‬أن‭ ‬جوهر‭ ‬السياسة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬سائدة‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إزالة‭ ‬السلطة‭ ‬والدولة‭ ‬بالاستحواذ‭ ‬على‭ ‬السلطة؛‭ ‬لذلك‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قلنا‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬‭ ‬السياسة‭ ‬الماركسية‮»‬‭.                                                     

لكن‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬السياسة‭ ‬‮«‬‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬باستثمار‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬محاولة‭ ‬احتلالها؟‭.. ‬يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬السياسة‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬المجال‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬لإزالة‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬وإزالة‭ ‬حتى‭ ‬نفسها‭ ‬كدولة‭ ‬انتقالية‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬التحديد‭ ‬يمكننا‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬السياسة‮»‬‭ ‬ك‭ ‬‮«‬سياسة‭ ‬ماركسية‮»‬‭ ‬عوض‭ ‬اعتماد‭ ‬العلاقة‭ ‬بالسلطة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬اليوم‭ – ‬كما‭ ‬بالأمس‭- ‬يجانب‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬هذا‭ ‬التحديد‭ ‬حيث‭ ‬يبقى‭ ‬مفهوم‭ ‬الماركسية‭ ‬خلف‭ ‬الواجهة‭ ‬دون‭ ‬نفي‭ ‬أهميته‭ ‬كأداة‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العمليات‭ ‬الفعلية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬لا‭ ‬تنجو‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الماركسية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ضعيفا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬كوننا‭ ‬لا‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬السياسة‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أننا‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬السياسة‭ ‬الثورية‭ ‬‮«‬‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يرى‭ ‬لينين‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الثورية‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬المكرهة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭. ‬وهكذا،‭ ‬فالقول‭ ‬بتطابق‭ ‬الماركسية‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬تطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إشكال‭.‬

وهناك‭ ‬التصور‭ ‬الرابع‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الماركسية‭ ‬فلسفة‭ ‬‮«‬،‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬إنها‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية‭ ‬والمادية‭ ‬الجدلية‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالماركسية‭ ‬هي‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلم‭ ‬التي‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬التجريد‭ ‬المثالي‭ ‬الهيجلي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬ماركس‭ ‬ب‭ ‬‮«‬‭ ‬انقلاب‭ ‬الجدل‭ ‬الهيجلي‭ ‬‮«‬‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الأطروحة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لماركس‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬انخراط‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬تفسيره‭ ‬فقط‭. ‬فالفلسفة‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسمى‭ ‬كذلك‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مكونا‭ ‬يستحيل‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬الممارسة‭ ‬الثورية‭. ‬والماركسية‭ ‬كفلسفة‭ ‬تتجسد‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬ستالين‭ ‬الذي‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية‭ ‬والجدلية‭ ‬وهو‭ ‬النموذج‭ ‬السائد‭ ‬اليوم‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬بالأمس‭- ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره؛‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الماركسية،‭ ‬وفق‭ ‬تصور‭ ‬لينين‭ ‬لا‭ ‬تختصر‭ ‬في‭ ‬مفهومين‭ ‬اثنين‭ ‬هما‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية‭ ‬والمادية‭ ‬الجدلية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬فلسفة‭ ‬تشكلها‭ ‬ثلاثة‭ ‬مفاهيم‭: ‬علم‭ + ‬فلسفة‭ + ‬سياسية؛‭ ‬وهذا‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬إشكالية‭ ‬التحديد‭: ‬فالانتقال‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬بمكونين‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بثلاثة،‭ ‬جعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الماركسيين‭ ‬يطرحون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭.                       

يتضح‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬الأربعة‭ ‬ل‮»‬‭ ‬معنى‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬بشكل‭ ‬حصري‭ ‬مع‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬علم‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬الثورية،‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬الفلسفة‭. ‬فماذا‭ ‬عساه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معناها‭ ‬إذن؟‭ ‬لنتابع‭ ‬الرحلة‭ ‬ونواجه‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمكونات‭ ‬الماركسية‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬وحدة‭ ‬جدلية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬تسمى‭ ‬ب‭ ‬‮«‬‭ ‬الماركسية‭ ‬‮«‬؟‭ ‬وما‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬لتشكل‭ ‬لنا‭ ‬وحدة‭ ‬على‭ ‬مستويي‭ ‬النظرية‭ ‬والممارسة‭. ‬سنتابع‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬تالية‭ ‬أن‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تتمكن‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬المكونات‭ ‬الثلاثة‭ ‬للماركسية‭ :‬الفلسفة‭ ‬والعلم‭ ‬والسياسة‭ ‬هي‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬‭ ‬الطبقة‮»‬‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى