في البيروقراطية النقابية

ظلت البيروقراطية إحدى الأعطاب التنظيمية التي لازمت العمل النقابي في بلادنا، وغالبا ما تنتهي البيروقراطيات إلى الصراع فيما بينها، ويكون سلاح المواجهة المفتري عليه هو ادعاء كل واحدة أنها أكثر ديمقراطية من الأخرى، بل أكثر شفافية ونزاهة!. وهكذا تكون البيروقراطية ضحية لبيروقراطية أخرى سبق لهما أن تعايشا في زمن ما تعايشا مصلحيا إلى أن بلغا مرحلة استحال فيها هذا التعايش لأن الكعكة بمدلولها المادي والرمزي أصبحت لا تكفي للاثنين. و ينطلق مسلسل الفضح تحت مسميات ” الديمقراطية الداخلية ” و” الغيرة على العمال ” أو من خلال شعار “الحركة التصحيحية ” دون النفاذ إلى عمق المسألة أي الكشف عن حجم التجاوزات التنظيمية والمالية للبيروقراطيتين معا… وهذا ما يفسر طبيعة معظم المؤتمرات التي تجري والتي غالبا ما تكون مؤتمرات تنظيمية يحكمها بالدرجة الأولى هاجس الأجهزة على حساب اللحظة الأدبية وتطوير آليات العمل ودمقرطة التدبير، بل أصبحنا أمام مؤتمرات بدون مشاريع أوراق ومقررات حيث تكون عملية تشكيل الأجهزة هي الأساسية مع العلم أن معظم تلك الأجهزة يظل معطلا ولا يشتغل بل قد لا يجتمع إطلاقا خاصة تلك المفروض فيها محاسبة وتقييم أداء الجهاز القيادي المركزي..

لقد أثبتت العديد من الوقائع في تاريخ الممارسة النقابية بالمغرب أن عملية خلق أجهزة وتعطيل عملها هما من صميم البيروقراطية التي تعني في نهاية المطاف قتل الديمقراطية عن طريق تعويمها عبر فسيفساء مؤسساتي معقد قد يبدو في المظهر عبارة عن صياغة ديمقراطية للقرار، لكن هذا الأخير تحتكره نواة صلبة تسهر جيدا على التدبير الاستراتيجي الفوقي لشؤون النقابة من خلال ” ديمقراطية صورية ” قائمة بالدرجة الأولى على شبكة من الولاءات في المركز والهامش، وكل معارض لاختيارات البيروقراطية يتهم ب ” الحزبية ” التي تحيل مباشرة على القوى التقدمية أو كما قال القائد النقابي والعمالي في مواجهة البيروقراطية الشهيد عمر بن جلون في إحدى رسائله الموجهة للقيادة النقابية سنة 1962 ” أن أنتقد (ونحن كثيرون في ذلك) أساليب لا تشرف منظمة عمالية أنتمي إليها، أساليب ما كانت لتقع إلا لأن لا شيء وقع من أجل الخروج من دوامة الممارسات المزدوجة، والغبية التي لا تشكل كلمات «عمال»، «خبز»، «سياسيين» «متطرفين» «يساريين» سوى ذرائع تستعمل حسب ظروف ومصالح ” النظام..”، والمفارقة أن تلك البيروقراطية ذاتها تضع نفسها بشكل واع في خدمة قوى حزبية قريبة من مربع السلطة ودائرة الباطرونا خاصة خلال الاستشارات الانتخابية حيث تتحول القطاعات العمالية إلى خزان انتخابي في خدمة تلك القوى التي هي في بنيتها و توجهاتها ليبرالية ريعية، وبالتالي معادية لحقوق الطبقة العاملة وفي ذات الوقت غير معادية للقيادة النقابية البيروقراطية، بل قد تتحول هذه القيادة نفسها إلى جزء من تلك القوى من حيث مراكمة المنافع والمصالح.

البيروقراطية هي في نهاية المطاف سلوك تنظيمي وسياسي يعكس تصورا طبقيا للديمقراطية العمالية من حيث هيمنة قيادة غير عمالية على سلطة القرار والتوجيه وتظل القواعد العمالية في خدمة تلك القيادة المسنودة من طرف السلطة والباطرونا، ولا شك أن تنامي نضالات فئوية وانتظامها في لجان وتنسيقيات من تجليات أزمة الديمقراطية الداخلية للحركة النقابية في بلادنا واستمرار منطق التحييد السياسي للعمال، وبالتالي يظل السؤال القديم / الجديد مطروحا:أية شروط ممكنة لتنظيم الطبقة العاملة لنفسها وبناء حركة عمالية ديمقراطية، متحررة سياسيا ومستقلة من الناحية الفكرية والتنظيمية في ظل تركيبة طبقية شبه رأسمالية وتحولات معقدة لعالم الشغل المعولم وتصاعد حركات اجتماعية عابرة للطبقات والفئات الاجتماعية ؟..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى