بصوت مرتفع: مذكرة ” أمزازي” وسؤال العنف بالجامعة المغربية
◆ محمد امباركي
أثارت المذكرة الأخيرة لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي”سعيد أمزازي” القاضية بمنع تنظيم الأنشطة داخل المؤسسات الجامعية جدلا كبيرا واستنكارا حقوقيا وسياسيا ونقابيا واسعا باعتبارها تضييقا على الحريات العامة والحريات الأكاديمية بشكل خاص واستهدافا مباشرا للفعل النقابي الطلابي الذي تشكل الأنشطة الإشعاعية والثقافية إحدى واجهاته الأساسية.
دفوعات كثيرة قدمتها الوزارة دفاعا عن المذكرة وعلى رأسها منع استغلال الحرية الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي من أجل التشويش على الفضاء الجامعي وأن الوزارة ” لن تسمح باستغلال سماحة الطلبة وإدارة المؤسسات لممارسة العنف ومناهضة التعدد الثقافي والفكري، باعتبار الجامعة قلعة فكر ومنار علم ومنبرا لحرية الرأي وذلك في احترام تام للقوانين والتشريعات المعمول بها “.
بقدر ما يبدو هذا الخطاب جميلا و “معقولا” بقدر ما يخفي حقيقة وتاريخية العنف داخل الجامعة المغربية على الأقل منذ الاستقلال الى المرحلة الراهنة أو ما يمكن أن نسميه بأركيولوجيا العنف ” الجامعي ” و الذي يستدعي طرح الأسئلة الحقيقية والمزعجة من قبيل : كيف تحولت الجامعة من فضاء للعلم والمعرفة ومن مشتل للفكر الديمقراطي إلى بؤرة حقيقية للعنف وثقافة الإلغاء والإقصاء؟ من أدخل العنف الى الجامعة؟ من أغلق معهد السوسيولوجيا سنة 1970؟ من حارب الفلسفة كحاجة ضرورية لاستنبات وتطوير الروح النقدية في تكوين أجيال المستقبل، وعوضها بشعبة الدراسات الإسلامية؟.. من حارب اليسار طيلة تاريخ ممتد من القمع ومنع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى حدود نهاية الثمانينيات؟ . في هذه الفترة بالضبط تم فتح الأبواب مشرعة أمام تدفق وانتشار الإديولوجيا الوهابية الظلامية وتوظيف تنظيمات الإسلام السياسي في خطة استهدفت اقتلاع اليسار والفكر التنويري من الجامعة المغربية، فاضطرت الحركة الطلابية كحركة نقابية سلمية الى رفع شعار ” الدفاع عن الهوية التقدمية لأوطم” في مواجهة هجوم أصولي شامل ضد المجتمع وذلك في بيئة إقليمية ودولية شهدت تحالف أنظمة الاستبداد وحركات ” الإسلام السياسي ” ودعم هاته الأخيرة من طرف القوى الإمبريالية العالمية تأمينا لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
منذ تلك المرحلة أي نهاية الثمانينيات، أصبحت مساحات النقاش الديمقراطي داخل الحقل الجامعي يطالها الحصار والاغتيال والمصادرة يوما عن يوم عبر بوابتين تغذي إحداهما الأخرى، بوابة إصلاحات ومذكرات تعليمية لاديمقراطية تتعاقب بتعاقب الحكومات والوزارات خارج منطق المساءلة ( الميثاق، المذكرة الثلاثية، المخطط الاستعجالي، وصولا الى الرؤية الاستراتيجية و القانون الإطار)، وجميعها تتكلم لغة واحدة هي خوصصة المدرسة العمومية بمختلف أسلاكها، ثم بوابة قمع الحريات النقابية وتغذية وإعادة إنتاج بعض التيارات ” السائدة ” داخل الحقل الطلابي كتيارات تتصارع فيما بينها على أرضية ” تكفيرية ” لبعضها البعض على أسس جهوية وهوياتية وعرقية ودينية ما قبل حداثية مما جعل منها تجليا من تجليات الأزمة الذاتية للحركة الطلابية المغربية وبالتالي ظل الباب مفتوحا على مصراعيه أمام العسكرة والقمع ومصادرة الحريات وتنمية شروط وذهنية العنف طالما أن الدولة تستفيد من تلك الصراعات الفصائلية الضيقة للتغطية على المعضلات الحقيقية التي يتخبط فيها التعليم العالي في بلادنا وإضفاء المشروعية على جوابها الأمني الذي تظل مذكرة ” أمزازي ” وفية له.
إن منطق المذكرات لا يكفي لتحويل الجامعة الى فضاء لتنمية وتطوير قيم الحوار الديمقراطي والفكر العقلاني وثقافة الاختلاف والتعايش ونبذ كل أشكال العنف، لأن مذكرات سابقة فشلت في هذا المسعى ومنها مذكرة ثلاثية سابقة تسمح لقوات الأمن بالتدخل في الجامعات في حالة وقوع أحداث عنف دون انتظار إذن رئيس الجامعة !!… وبالتالي فإن استئصال العنف من الحقل الجامعي لن يكتب له النجاح دون الاحترام الفعلي لاستقلالية المؤسسة الجامعية بمختلف مكوناتها وإعادة بناء الصوت الديمقراطي التقدمي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.