إنتاج البرتقال بالمغرب: أزمة تنظيم وتسويق
◆ إعداد: إسماعيل المتقي - منعم وحتي
في إطار تتبع جريدة الطريق لأزمة تسويق الفلاحين لمنتوجهم من البرتقال، حاورت جريدة الطريق، خمسة فاعلين في قطاع إنتاج الحوامض بالجهات الأساسية المنتجة للحوامض بــ: الجهة الشرقية، جهة سوس ماسة، الجهة الغربية الرباط سلا قنيطرة، وذلك لتسليط الضوء على قطاع فلاحي حيوي يمكن لإنجاح رهانات تطويره، الدفع بعجلة الإنتاج والتشغيل وتحسين وضع الفلاحين.
الجهة الشرقية
الجهة الشرقية: حسب إحصائيات 2018، مساحة الحوامض المزروعة 6700 هكتار، بزيادة %37 من المساحة، وزيادة ب %60 من الإنتاج، و %25 من إمكانية التلفيف، ورقم معاملات بزيادة %41، وبحجم إعانات من الدولة تقدر ب 1,6 مليار درهم.
حاورت جريدة الطريق السيد مسعودي كمال، رئيس مصلحة التنسيق مع وكالة التنمية الفلاحية بالمديرية الجهوية لجهة الشرق، حول إشكالية إعاقات إنتاج وتسويق البرتقال بالجهة الشرقية فأدلى لنا بالمعطيات التالية:
جريدة الطريق: كيف تفسرون عدم قدرة الفلاحين، خصوصا الصغار، بالجهة الشرقية على تسويق منتوجهم من البرتقال، والذي لا يغطي أحيانا ثمنه حتى كلفة النقل؟
السيد المسعودي كمال: إشكالية تسويق الحوامض هاته، لا تخص فقط منطقة بركان، فهي عامة، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث أن الدراسات التي تمت من خلال المخطط الأخضر مكنت من المرور من 15 ألف هكتار إلى 21 ألف هكتار، وزيادة المساحة المزروعة تؤدي ميكانيكاً إلى ارتفاع الكمية المنتجة، وقد وصلت الآن إلى 360 ألف طن على مستوى الجهة، حيث لم يكن يتجاوز الإنتاج 200 الف طن في 2008، ولم نصدر إلا كمية في حدود 70 ألف طن هذه السنة، فعلا هناك زيادة في التصدير بالمقارنة مع السنة الماضية التي عرفت فقط تصدير 50 ألف طن، لكن الكمية التي تبقى في السوق الداخلية كبيرة جدا، إذن فالتصدير لا يتماشى بالتوازي مع ارتفاع الإنتاج.
جريدة الطريق: فكيف تواصلتم مع الفلاحين لحل هاته الإشكالات؟
السيد المسعودي كمال: عقدنا عدة اجتماعات مع الفلاحين والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لجهة ملوية، وطُرِحَت إشكالات الجودة التي تمكن من اقتحام برتقال الجهة الشرقية للأسواق العالمية، وكذا ناقشنا شكاوي الفلاحين، خصوصا الصغار حول ارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية من سقي وأدوية وأسمدة، علماً أن الهدف الذي وضعه المخطط الأخضر غير قابل للتحقيق في هاته الشروط، والذي كان يتلخص بتخصيص ثلث الانتاج للسوق الداخلي، والثلث الثاني للتصدير، والثلث الأخير للتحويل،
جريدة الطريق: ما هي إكراهات اقتحام البرتقال المغربي للأسواق العالمية؟
السيد المسعودي كمال: يجب ألا ننسى في هذا السياق أن الوصول لتصدير ثلث الإنتاج، أي في حدود 120 ألف طن عملية غير سهلة، علماً أن المنافسة المحتدمة دوليا، جعلت الدول المستوردة ترفع من معايير الجودة وأن ترفع شروط دفتر تحملات الجودة في تحديد كميات التصدير، وهو ما لم نستطع لحدود اللحظة تحقيقه في المخطط الأخضر، رغم أن هذا الرهان مطروح علينا بحدة للوصول لمستويات عليا من الجودة تمكن البرتقال المغربي من المنافسة دوليا.
تواصلت جريدة الطريق، أيضاً، مع المهندس رجميل حسن رئيس قسم تنمية السلاسل الفلاحية بالمديرية الجهوية للفلاحة بالجهة الشرقية، في ذات السياق:
جريدة الطريق: هل هناك استراتيجية واضحة لتوسيع سوق تصدير الحوامض المغربية؟
السيد رجميل حسن: إنه من خلال الاجتماعات التي تمت ببركان مع الفلاحين والتعاونيات الفلاحية لمنتجي ومصدري الحوامض، وممثلي الجمعية الوطنية لمنتجي الحوامض، وعبر آلية “عقدة برنامج” التي تبرمها وزارة الفلاحة مع التنظيمات البيمهنية لمنتجي الحوامض، تم التداول في خطة للوصول لأسواق جديدة خارج المنطقة الكلاسيكية للإتحاد الأوربي، حتى يصل البرتقال المغربي بالجودة الكافية وبكميات أكبر لأسواق جديدة كروسيا، أوكرانيا، رومانيا، الخليج، أمريكا، كندا… ولا ننسى أنه في خضم تفحص إشكالات قطاع الحوامض، نسجل المنافسة المحتدمة من دول منتجة أخرى كمصر وجنوب إفريقيا والصين والبرتغال وإسبانيا،.. مما يجعل المهمة غير سهلة، رغم النجاحات التي تحققت في اقتحام السوق الروسية، حيث أن %50 من الكمية التي تم تصديرها من الجهة الشرقية، حوالي 35 ألف طن، استوعبها السوق الروسية، رغم تشديد هذه الأخيرة في معايير الجودة. من هذا المنطلق ننصح الفلاحين منتجي الحوامض للتكتل في تعاونيات تمكنهم من تحديث آلياتهم ورفع قوتهم التفاوضية في مواجهة احتدام المنافسة الدولية.
كان آخر فاعل بالجهة الشرقية، أجاب عن أسئلة جريدة الطريق، السيد المختاري حسن، رئيس قسم الري وإعداد المجال الفلاحي بالمديرية الجهوية للفلاحة بجهة الشرق، حول موضوع تدبير وفرة إنتاج البرتقال بالمنطقة:
جريدة الطريق: ماهي الإمكانيات التي يمكن أن تكون مقدمة لتفاوض الفلاحين من أجل تحقيق هدف استيعاب الثلث المتبقي من الإنتاج، من خلال الصناعة التحويلية لمُرَكَّزِ وعصير البرتقال ونكهاته والمواد العطرية، وتجنب ضياع وإتلاف منتوج البرتقال؟
السيد المختاري حسن: هناك مشروع تم إطلاقه بمنطقة بركان لاستحداث وحدة ضخمة للتبريد والتلفيف، وكان لها أثر إيجابي على الكمية المصدَّرة للخارج، هذه الوحدة التي تم عبرها تصدير 20 ألف طن، وهذا رقم مشجع، رغم أن طموحنا لصناعة تحويلية واسعة لم يتحقق بعد وهو ما يتطلب استثمارا وتجهيزات كبرى، والمدخل في نظري هو أن نشجع مصنعي المشروبات المعتمدة على البرتقال للاستثمار بالمنطقة، بدل استهلاك مركز عصير البرتقال المستورد من الدول الأجنبية، وهذا شعور وطني لدعم المنتوج المحلي، وضمانة لاستهلاك العصير الطبيعي المغربي، خصوصا أن إنتاج الحوامض وافر جدا ولا تستطيع السوق الداخلية لوحدها استيعابه. لذا نحتاج لخطة صناعية تحويلية لتقوية اقتصادنا الوطني بدل تكلفة استيراد مركز وعصير البرتقال من الخارج، وهذا المنفذ التصنيعي التحويلي كفيل بامتصاص %60 من منتوج البرتقال وتشغيل مهم لليد العاملة بالمنطقة.
جهة سوس ماسة
جهة سوس ماسة: تعتبر أول منطقة لإنتاج البواكر والحوامض بالمغرب، يمثل قطاع الفلاحة %9 من الناتج الداخلي الخام الوطني، و%17,3 من الناتج الداخلي الخام الجهوي، تبلغ مساحة الحوامض المزروعة 47700 هكتار، وبلغ إنتاج الحوامض 701000 طن في 2018، تم تصدير 446000 طن منها.
وقد أدلى لنا المهندس الملوكي عبد العزيز، المدير الإقليمي للفلاحة بتزنيت، لجريدة الطريق بالحوار التالي حول أزمة تسويق البرتقال بجهة سوس ماسة:
جريدة الطريق: هل تعيشون أزمة في تسويق البرتقال بجهة سوس ماسة؟
السيد الملوكي عبد العزيز: هناك تزايد مطرد لإنتاج البرتقال بجهة سوس ماسة، مما يفرض علينا التفكير الاستراتيجي في أسواق جديدة، ويجب عدم التفكير فقط في الأسواق الأوربية، والتي تتطلب جودة عالية، فهناك أسواق دول يمكن أن تقبل بالبرتقال بحجم أصغر وليس بالمعايير المتشددة للجودة، مثلا بإفريقيا وأسيا،..
جريدة الطريق: أعتذر عن المقاطعة، لكن ألا ترون أن تطوير وحدات التبريد والصناعة التحويلية الغذائية سيكون مدخلا للخروج من أزمة التسويق هاته؟
السيد الملوكي عبد العزيز: نعم، صحيح، ولما لا التفكير جديا في الزيادة أيضا في وحدات التبريد والتلفيف والتحويل، وللإشارة فقط ففي جهة سوس ماسة هناك استحداث ل 14 وحدة للتلفيف والتبريد لمواجهة وفرة الإنتاج، وهو قطاع يتطلب المزيد من الجهد، نظرا للتزايد السنوي في مردودية الإنتاج. ومادام المخطط الأخضر إلى حدود 2020 يضع نصب عينيه الزيادة في الانتاج، فبدون التفكير في استراتيجية للصناعة التحويلية، سيتضرر الفلاحون المنتجون، مادام السوق الداخلي غير قادر على استهلاك كل المنتوج، وهذا يتطلب اتفاقات مسبقة مع التعاونيات الفلاحية حول الكميات وضمانات الأثمنة بين المنتجين والمصنعين.
جريدة الطريق: ما موقع الفلاحين في رسم استراتيجية تسويق البرتقال؟
السيد الملوكي عبد العزيز: تجدر الإشارة إلى أن عملية تجميع الفلاحين والتعاونيات الفلاحية Agrégation، ستساهم في تمكن الفلاحين الصغار من تحديث وسائلهم وتقنيات الإنتاج، وتقوية إمكانية الضغط لديهم لتحقيق مطالبهم، وكذا الرقي بجودة منتوجهم وبالتالي التمكن من تسويقه داخليا وخارجيا، وخلاصة القول أن قطاع إنتاج الحوامض يتطلب استراتيجية وطنية تجمع الفلاحين والفيدراليات المهنية للقطاع والتعاونيات الفلاحية للمنتجين قصد وضع خطة وطنية إنتاجا وتسويقا.
الجهة الغربية
الجهة الغربية (الرباط، سلا، القنيطرة): تحتل المرتبة الأولى من الناتج الداخلي الخام الفلاحي ب %18، ومساحة مسقية تقدر ب 208000 هكتار، وقطاع الفلاحة يشغل %53 من الساكنة النشيطة، وتمتد الأراضي المزروعة للحوامض على مساحة 25700 هكتار تنتج 546500 طن، وتضم 7 وحدات صناعية لإنتاج العصير.
استضافت جريدة الطريق، المهندس خالد الگراوي، رئيس مركز التنمية الفلاحية بسيدي قاسم، وقد أنار جوانب مهمة في موضوع إشكالات قطاع الحوامض، بالمقارنة بالجهتين السابقتين:
جريدة الطريق: هل تعيش جهة الغرب نفس إشكالات جهتي الشرق وسوس فيما يخص أزمة تسويق البرتقال؟
السيد خالد الكراوي: فعلا، فلنا بجهة الغرب نفس إشكالات الجهات الأخرى كما طرحت، لكن من المفيد تدقيق أن الخواص الذين يملكون مساحات كبيرة لا يلعبون الدور التأطيري المنوط بهم، لتحسين مردودية بقية الفلاحين من داخل التعاونيات، رغم الإعانات الجزافية التي يمنحها صندوق التنمية الفلاحية في حدود 12000 درهم للهكتار، دعم الدولة هذا يكون شريطة السقي بالتنقيط، بنسبة %100 للمساحات أقل من 5 هكتارات وللتعاونيات، وفي حدود %80 للمساحات أكثر من 5 هكتارات، وهي معونات لرفع الانتاج وتحديثه، لكن في نهاية المطاف يعيق المضاربون هذا المسار بتدخلهم في تجميع وتسويق وتثمين المنتوج، لهذا يقتضي الأمر تشجيع التعاونيات والتنظيمات المهنية لقطع الطريق أمام سماسرة تجميع وتسويق المنتوج.
جريدة الطريق: هل تقصد أن نفس المضاربات التي تعرف تجميع الحليب، تضرب أيضا قطاع البرتقال؟
فعلا، فهنا تجدر بنا قراءة إكراهات مسار تجميع منتوج الحليب عند الفلاحين بتدخل الوسطاء، نفس الشي بالنسبة لسماسرة منتوج الشمندر وقصب السكر، للاستفادة من دروس تدخل الوسطاء. عموماً، بالنسبة لأزمة فائض منتوج البرتقال، فعدم تسطير استراتيجية وطنية للتسويق والتحويل، سيطيل المشكل مادام المنتوج في تزايد سنوي، ومن الأساسي التنبيه إلى أن قطاع إنتاج الزيتون وزيت الزيتون سيتعرض لنفس الإشكالات مستقبلا إذا لم نتنبه لنفس إعاقات إنتاج وتسويق الحوامض.