القراءة والتحدي الرقمي

تم‭ ‬إقرار‭ ‬تاريخ‭ ‬10‭ ‬ماي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬يوما‭ ‬وطنيا‭ ‬للقراءة،‭ ‬وهي‭ ‬مناسبة‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لفعل‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ولتقييم‭ ‬وضع‭ ‬الكتابة‭ ‬والكتاب‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬إحصائياتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬عرفت‭ ‬صدور‭ ‬حوالي‭ ‬6000‭ ‬عنوان‭ ‬جديد،‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬50‭ % ‬عن‭ ‬سنة‭  ‬2014،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭  ” ‬مشجع‭ ” ‬إلى‭  ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الوضع‭ ‬الثقافي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬وجود‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬صناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬بالمغرب،‭ ‬خصوصا‭  ‬مع‭  ” ‬طغيان‭” ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الرقمي‭ ‬والتمدد‭ ‬المستمر‭ ‬لامبراطورية‭ ‬الصورة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬والعولمة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أبعادها،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التوكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬البيئة‭ ‬الرقمية‭ ‬المتجددة‭ ‬باستمرار‭  ‬تبقى‭ ‬هي‭ ‬الوسيلة‭ ‬التي‭ ‬ستؤمن‭ ‬حياة‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي،‭ ‬بل‭ ‬وتظل‭ ‬آلية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬تحقيق‭ ‬اندماج‭ ‬الأفراد‭ ‬داخل‭ ‬الأوساط‭ ‬التي‭ ‬ينتمون‭ ‬إليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬تقوم‭ ‬بتحريك‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬كعامل‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬تسريع‭ ‬وثيرة‭ ‬التغيير‭ ‬المجتمعي،‭ ‬فأمام‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ” ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ “‬،‭  ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬نهوضا‭ ‬مجتمعيا‭  ‬حقيقيا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المعرفي‭ ‬والفكري،‭ ‬وأساس‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬هي‭ ‬القراءة‭ ‬بأوسع‭ ‬معانيها‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬إحصائيات‭ ‬وطنية‭ ‬دقيقة‭ ‬بشأن‭ ‬السلوك‭ ‬القرائي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فإن‭ ‬الانطباع‭ ‬العام‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬أزمة‭ ‬القراءة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وهو‭ ‬حديث‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ – ‬يخفي‭ ‬وراءه‭ ‬غابة‭ ‬ممتدة‭ ‬من‭ ‬الإشكالات‭ ‬والقضايا‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بمجالات‭ ‬وحقول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬مجال‭ ‬القراءة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فأزمة‭ ‬القراءة‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬عنوان‭ ‬يختزل‭ ‬أزمة‭ ‬مستويات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬المجتمعي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬والتربوي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

لذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬المقروئية‭ ‬لا‭ ‬يمس‭ ‬فقط‭ ‬الأفراد‭ ” ‬العاديين‭ ” ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولكنه‭ ‬يظهر‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬فيها‭ ‬القراءة‭ ‬والتطلع‭ ‬المعرفي‭ ‬مبرر‭ ‬وجودهم‭ ‬المهني‭ ‬أصلا‭ ( ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬التعليم،‭ ‬المحامون،‭ ‬الأطباء‭… ‬إلخ‭ )‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬ضرورة‭ ‬إدراج‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬البيداغوجي‭ ‬والتكويني‭ ‬العام،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬توجيه‭ ‬مسارات‭ ‬التمكين‭ ‬والتأهيل‭ ‬وجهة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المعرفي‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وإنشاء‭ ‬تخصصات‭ ‬جامعية‭ ‬تعنى‭ ‬أساسا‭ ‬بالنشاط‭ ‬الثقافي‭ ‬وبالهندسة‭ ‬الثقافية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وأيضا‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬أولويات‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬والتدخل‭ ‬المؤسساتي‭ ‬المؤطر‭ ‬للممارسة‭ ‬التربوية‭ ‬والثقافية‭ ‬فيه‭.‬

إن‭ ‬أي‭ ‬بناء‭ ‬لمشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬للإنسان‭ ‬المبدع‭ ‬وللفكر‭ ‬النقدي‭ ‬والسلطة‭ ‬العقل‭  ‬المكانة‭ ‬الأساس‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬الثقافة‭ ‬والمعرفة،‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أطروحة‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ‭ .. ‬مجتمع‭ ‬يتغير‭ .. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى