الاقتصاد المغربي في قبضة صندوق النقد الدولي
◆ خاليد تزلين
بالنظر إلى توصيات وإملاءات صندوق النقد الدولي المتضمنة في تقريره الصادر في يناير 2019، كرد على طلب المغرب الاستفادة من قرض رابع بقيمة 2,97 مليار دولار كخط للوقاية والسيولة، (استفاد من قرض أول سنة 2012 في إطار نفس الخط )، أو من خلال الإجراءات التي تقوم بها الدولة المغربية استجابة لهذه الإملاءات، يظهر أن هذه التوصيات وما صاحبها من اجراءات من حيث الشكل أنها تهدف الى تقوية تنافسية الاقتصاد الوطني من خلال تحسين بيئة الأعمال وإصلاح نظام الوظيفة العمومية وتشجيع القطاع الخاص ليساهم في التشغيل، بالإضافة إلى التحكم في كتلة الاجور في افق تخفيضها، لكن بالمقابل يظهر من خلال تفكيك طبيعة هذه الاملاءات والاجراءات التي صاحبتها أنها تعمق الأزمة الاقتصادية وتزيد من نسب الفقر وتفقد المغرب سيادته الاقتصادية، ومن خلال مقارنة وضعية المغرب بمجموعة من الدول التي سبق لها التعامل مع صندوق النقد الدولي في السابق كالبرازيل على سبيل المثال لم تحقق أي نمو اقتصادي حقيقي إلا بعد التخلص من التبعية لهذا المؤسسة الاستعمارية الجديدة، وفي حالة وجود نمو في ظل التبعية لهذه المؤسسة فهو غير حقيقي لأنه مرتبط بالاقتراض وليس بتطور الاقتصاد، وهذا هو وضع المغرب حاليا.
كما يظهر تنفيذ هذه التوصيات من خلال اعتماد الدولة المغربية لإجراءات مثل التوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم في أفق توسيعه على كل القطاعات الاجتماعية التي تعتبرها الدولة غير منتجة للثروة، وهذا يفتح المجال أمام هشاشة العمل وغياب الاستقرار الوظيفي والمهني، وهو ما سيجعل الوظيفة العمومية على شاكلة التوظيف في القطاع الخاص في غياب كل الضمانات القانونية وبالأخص اجراءات الحماية الاجتماعية، علما أن 10 في المائة من الشركات والمقاولات المغربية هي التي تحترم مدونة الشغل التي تعتبر من بين أضعف القوانين الشغلية في العالم، اضافة الى تهرب الدولة المغربية من المصادقة على أغلب القوانين الصادرة عن منظمة العمل الدولية وبالأخص الاتفاقية 87 الخاصة بحرية ممارسة العمل النقابي، كما تلاحظ هذه الهشاشة في القطاع الخاص في قلة الاتفاقيات الجماعية المبرمة بين المشغل والعمال، والتي يشترط فيها ان تأتي بمكاسب للعمال اكثر مما تنص عليه مدونة الشغل.
وبالعودة إلى قطاع التعليم يلاحظ أنه إلى جانب تبني التوظيف بالتعاقد هناك الآن القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين المعروض حاليا في البرلمان الذي ينص صراحة على ضرورة أداء الأسر لنفقات تمدرس أبنائها خاصة في التعليم الثانوية التأهيلي والجامعي ، وهذا سيؤدي لا محالة الى ارتفاع نسب الهدر المدرسي وسينعكس على طبيعة التعليم الذي سيتلقاه ابناء المغاربة بحيث لا يعدو ان يكون محاربة للأمية لا غير . كما أن الاهتمام بالتكوين المهني منذ السنوات الأولى لتمدرس التلاميذ بداية من السنة الرابعة ابتدائي حيث تم إدراج محور خاص باكتشاف المهن منذ السنة الرابعة ابتدائي، بالإضافة إلى اعتماد المسار المهني بالسلك الثانوي الإعدادي ومساللك الباكالوريا المهنية بالسلك الثانوي التاهيلي، وما هذه الإجراءات إلا وسيلة لتكوين جيوش من العمال في خدمة الشركات العالمية التي تستوطن المغرب بحثا عن يد عاملة مؤهلة ورخيصة ولا تشكل أي عبء اجتماعي على هذه الشركات.
كما يتضح تنفيذ هذه الإملاءات من خلال قوانين المالية، وآخرها القانون المالي لهذه السنة، الذي يستمر في الترجمة الفعلية لهذه الاملاءات ومدى الحيف الذي يطال الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة رغم تسويق الحكومة لخطاب مفاده رفع الميزانية المخصصة للبرامج الاجتماعية المخصصة للطبقات الفقيرة كبرنامج تيسير والتغطية الصحية الإجبارية ( رميد) ، ورفع منحة الطلبة، وصندوق دعم الأرامل، حيث بلغ المبلغ المرصود لهذه البرامج 12 مليار درهم، وهذا الرقم يظهر أنه ضخم، لكن عندما نقارنه بالإعفاءات الضريبية التي تستفيد منها الشركات والمقاولات الكبرى وبالتالي طبقة الاغنياء فهي تصل الى 48 مليار درهم، مما يعني أن الطبقة الغنية تستفيد 4 أضعاف مقارنة مع الطبقة الفقيرة، لتظل الطبقة المتوسطة التي تشكل 25 في المائة من مجموع السكان تتحمل العبء الضريبي لوحدها حيث يساهم الموظف ب 38 في المائة من أجرته كضرائب مقابل مساهمة الشركات ب 10 في المائة فقط كضرائب من أرباحها مع استحضار معطى في غاية الاهمية وهو التهرب الضريبي لهذه الشركات أو بالأحرى عدم التصريح بالأرباح الحقيقية، وعودة للطبقة المتوسطة فإلى جانب مساهمتها ب 38 في المائة كضريبة فهي تساهم ب 20 في المائة كضريبة على القيمة المضافة خلال استهلاكها، أي أنها تساهم ب 58 في المائة كضرائب.
ومع هذا الضغط الضريبي وضعف الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ونقل عمومي فهذه الطبقة المتوسطة تراجعت من 25 في المائة الى 15 في المائة. وهذا الرقم ضعيف جدا مقارنة مع بلدان كانت في وضع المغرب خلال الستينيات والسبعينيات من الناحية التنموية لكن الطبقة المتوسطة كانت تتجاوز فيها 50 في المائة.
وهنا نخلص إلى أنه رغم التطور الذي يظهر في الدخل الفردي للمغاربة فهو لا يعكس حقيقة الوضع، لأنه في الاصل ما هو إلا نتاج لارتفاع ثروة الأغنياء، واستمرار الطبقة المتوسطة في التراجع وازدياد الطبقة الفقيرة اتساعا.
كما يظل الاشكال المطروح داخل الوظيفية العمومية هو غياب العدالة الاجرية، حيث تستفيد فئة قليلة مكونة من الموظفين الكبار من نصيب الأسد من الكتلة الأجرية، ليبقى الفتات من نصيب الموظفين الصغار الذين يشكلون غالبية الموظفين.
ومن بين الأمور التي جاء بها التقرير ضرورة مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، فقد أظهرت الإحصائيات الرسمية أنها لا تتعدى 23 في المائة، ولكن هذا الرقم على ضعفه يخفي وراءه حقيقة مفادها التمييز الاقتصادي الذي تتعرض له النساء سواء في الأجر مقارنة بالرجال رغم قيامهم بنفس المهام، فضلا عن كل أشكال التحرش والابتزاز داخل مقرات العمل.
بالإضافة الى الاملاءات السابقة الذكر هناك حديث عن إعادة النظر في قانون الوظيفة العمومية عن طريق اعتماد الترقية بالكفاءة بدل الأقدمية، وإصلاح القطاع المالي من خلال تعويم جزئي للدرهم كخطوة ـولى، وضبط قروض الاستهلاك….
وهنا يتضح بشكل جلي أن استفادة المغرب من هذا القرض كان رهينا بتنفيذ هذه الإملاءات، وتجدر الإشارة إلى أن هذه القروض ليست التجربة الأولى للمغرب مع المؤسسات الدولية المالية، بل سبق أن دفع ثمن سياساته المالية منذ 1983م في إطار ما يسمى بسياسة التقويم الهيكلي .
لعلى أبسط خلاصة عن هذا التقرير وما صاحبه من خرجات للمسؤولين سواء المغاربة أو صندوق النقد الدولي، تظهر تباين الخطاب؛ فإذا كان المسؤولون المغاربة يسوقون لفكرة مفادها أن ما كان لصندوق النقد الدولي أن يقدم نسخة رابعة من خط الوقاية والسيولة لولا قوة وصلابة الاقتصاد الوطني، فإن مسؤولي المؤسسة المانحة يقرون أن لجوء المغرب لخط الوقاية والسيولة لدليل على عدم قدرة الاقتصاد المغربي على مواجهة الصدمات الخارجية وضعف تنافسيته.