مأزق الريع و الفساد وسبل التجاوز

◆ المصطفى زوبدي

ان‭ ‬المتتبع‭ ‬لمجريات‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬سيلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬والمأجور‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬تسويق‭ ‬خطاب،‭ ‬يتوخى‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬تلميع‭ ‬صورة‭ ‬النظام‭ ‬المخزني‭ ‬وإدراجه‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬مدارج‭ ‬الرقي،‭ ‬واعتباره‭ ‬الرائد‭ ‬افريقيا،‭ ‬والشريك‭ ‬الأساسي‭ ‬المميز‭ ‬لدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬العنيد‭ ‬المعيش‭ ‬يكشف‭ ‬زيف‭ ‬الخطاب،‭ ‬ويفنذ‭ ‬الادعاءات‭ ‬المروجة‭ ‬حول‭ ‬المشاريع‭ ‬والأوراش‭ ‬التنموية‭ ‬العائدة‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬بالنفع‭ ‬العميم،‭ ‬وهي‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬الا‭ ‬مصالح‭  ‬الأولغارشيية‭ ‬المالية‭ ‬المتنفذة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيتأكد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤشرات‭ ‬التصنيف‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬مختصة‭ ‬وذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬حل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭:‬

‭- ‬الرتبة‭ ‬118‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مؤشر‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭.‬

‭-‬الرتبة‭ ‬130‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتآكل‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬قياسا‭ ‬بالهرم‭ ‬السكاني‭.‬

‭-‬الرتبة‭ ‬112‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬مؤشر‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاجتماعي‭ (‬التعليم،‭ ‬الصحة،‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭).‬

‭-‬الرتبة‭ ‬101‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمؤشر‭ ‬الأجور‭ ‬وحقوق‭ ‬العمال‭.‬

وطبقا‭ ‬لإحصائيات‭ ‬رسمية‭ ‬فإن‭ ‬1‭/‬5‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬عتبة‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ ‬بدخل‭ ‬يومي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬1و2‭ ‬دولار‭ ‬يوميا‭.‬

اما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمديونية‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬المغرب‭ ‬رهينة‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬بنسب‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬التوقعات‭ (‬91,2%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭) ‬بما‭ ‬مجموعه‭ ‬970‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬وفق‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الاعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬عن‭ ‬سنة‭ ‬2017‭.‬

  ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬الكارثية‭ ‬دفعت‭ ‬الملك‭ ‬إلى‭ ‬الاقرار‭ ‬بفشل‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاقرار‭ ‬لا‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬شيئا،‭ ‬لكون‭ ‬الفشل‭ ‬نتاج‭ ‬اختيارات‭ ‬طبقية‭ ‬تمتح‭ ‬من‭ ‬معين‭ ‬الاستبداد‭ ‬والتبعية،‭ ‬وتشرعن‭ ‬لسيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬والمال،‭ ‬وتكرس‭ ‬الريع‭ ‬والفساد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتأكد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسات‭ ‬وقوانين‭ ‬موضوعة‭ ‬لخدمة‭ ‬التوجه‭ ‬السائد‭ ‬بدءا‭ ‬ب‭:‬

‭* ‬دستور‭ ‬مصاغ‭ ‬وفق‭ ‬منهجية‭ ‬تقر‭ ‬بحقوق‭ ‬ومكتسبات،‭ ‬لكنها‭ ‬مطوقة‭ ‬ببنود‭ ‬محكمة‭ ‬تفرغها‭ ‬من‭ ‬محتواها‭ ‬الإيجابي،‭ ‬بحكم‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المطلقة‭ ‬للملكية‭ ‬التنفيذية‭ ‬وخدام‭ ‬الدولة‭.‬

‭* ‬تنزيل‭ ‬بنود‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوانين‭ ‬ومراسيم‭ ‬تضفي‭ ‬المشروعية‭ ‬بحيثيات‭ ‬أقرب‭ ‬الى‭ ‬النصب‭  ‬لشرعنة‭ ‬الزبونية‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والامتيازات‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬قوانين‭ ‬الاستثناء‭ ‬الإعفاءات‭ ‬تمكن‭ ‬اللوبيات‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬خيرات‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬سطو‭ ‬جلية‭ (‬لوبيات‭ : ‬العقار‭-‬المقالع‭-‬الصيد‭ ‬البحري‭-‬المناجم‭- ‬الفلاحة‭ ‬الكبرى‭-‬السياحة‭-‬التعليم‭ ‬الخصوصي‭-‬التملص‭ ‬الضريبي‭-‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الأجراء‭- ‬فوضى‭ ‬الأسعار‭ ‬والمحروقات‭ ……)‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الامتيازات‭ ‬قوت‭ ‬المركب‭ ‬الطبقي‭ ‬بتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬بطانة‭ ‬المخزن‭ ‬باستقطاب‭ ‬الانتفاعيبن‭ ‬والانتهازيين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬والمشارب،‭ ‬والخطير‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬استشرى‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والنقابية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدعي‭ ‬الوطنية‭  ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬مثقفي‭ ‬الحداثة‭. ‬اما‭ ‬تيار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬وفقهاء‭ ‬البلاط‭ ‬فقد‭ ‬تمخزنوا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المخزن،‭ ‬وغرقوا‭ ‬في‭ ‬نعيم‭ ‬امتيازات‭ ‬الريع‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المأزوم‭ ‬والمعقد،‭ ‬والذي‭ ‬يطال‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭ ‬حاضرا،‭ ‬ويرهن‭ ‬الأجيال‭ ‬مستقبلا‭ ‬بفعل‭ ‬الاستغلال‭ ‬الممنهج‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬القهر‭ ‬والنصب‭ ‬الذي‭ ‬تعتمده‭ ‬اللوبيات‭ ‬تحت‭ ‬مضلة‭ ‬النظام‭ ‬المخزني،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬ببناء‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬غائبة،‭ ‬فإن‭ ‬الضرورة‭ ‬تحتم‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬التواقة‭ ‬الى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والفساد،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬جبهة‭ ‬عريضة‭ ‬قوية،‭ ‬وتتبنى‭ ‬مشروعا‭ ‬حداثيا‭ ‬تقدميا‭ ‬ديمقراطيا،‭ ‬وتشتغل‭ ‬وفق‭ ‬برنامج‭ ‬تأطيري‭ ‬تعبوي‭ ‬يستنهض‭ ‬الجماهير‭ ‬ويقودها‭ ‬للنضال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬لتفكيك‭ ‬الاستبداد‭ ‬والفساد،‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ويبدو‭ ‬ان‭ ‬اليسار‭ ‬الحقيقي‭ ‬والمنخرط‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مؤهل‭ ‬للقيام‭ ‬بمبادرة‭ ‬فعلية‭ ‬لإنجاز‭  ‬هذه‭ ‬المهمة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى