محطات في “تراب البيضان”
◆ كريمة بنعثمان
كريمة خورشا بنعثمان، دكتورة في التاريخ المعاصر، إجازة في القانون العام، إجازة في الأدب الفرنسي، ماستر متخصص في تواصل المنظمات، رئيسة مركز تواصل للإعلام والدراسات، لها كتاب قيم بعنوان “نزاع الصحراء في إطار الأمم المتحدة”، تقول فيه عن الموضوع: “هو نزاع كلما طال في الزمن كلما ازدادت خيوطه تشابكا، وازدادت منزلقاته خطرا..” سنكون جد مسرورين أن نقدم لقرائنا هذا الركن الذي تلتقون فيه في كل عدد من الطريق، مع باحثة في موضوع الصحراء من جوانبه المتعددة، بل لن نجانب الصواب إذا قلنا.. وتحظى باحترام كل الأطراف لأنها تتناوله تناولا علميا، وإذ نرحب بها على صفحات الجريدة نؤكد أننا سنعمل على احترام وجهات نظرها كما تفرض علينا الرسالة الصحفية ذلك. -الطريق- في هذا اليونيو من هذه السنة، ينبعث أحمد الهيبة بعد قرن من رماده المئوي.. يعيد تحريك جيشه من السمارة إلى مراكش رافضا ما تم من توقيع حماية ما للبلد، معلنا نفسه سلطانا، عازما على الوقوف منتصرا على ضفاف المتوسط… كانت الخارطة أكثر مرونة وأرحب صدرا.. ومات الهيبة مسموما بسوس في يونيو 1919…
في يونيو سابق، يرفع “بصيري” يديه محتجا ضد إسبانيا في أحد أحياء مدينة العيون.. يرسم شارة النصر بابتسامة شاب يحلم بالديموقراطية والعدالة والحرية في وطنه كما تخيلها وهو خارج الحدود… يرافع عن مصير “ترابه”.. فيستشهد مختطفا في يونيو 1970…
في يونيو آخر، يستقل الولي مصطفى السيد عربة عسكرية نحو نواكشوط.. يسر لبعض رفاقه أن أي سلاح هو ذو حدين بالضرورة.. قد نجنب عائلاتنا و “تراب البيضان” عقودا من التشظي والمعاناة، وقد نكتب التاريخ بصيغة اخرى، غير ما يكتب الآن في دهاليز مظلمة… استشهد الولي على أرض معركة مستوردة.. في يونيو 1976…
كانت جغرافية البلد تتسع للتاريخ وأكثر… قبل أن نخطئ الطريق إلى الصحراء في العديد من مفترقات طرق السياسات الداخلية والخارجية…
الهيبة، بصيري، الولي وآخرون شباب قادوا حركات و”حراكات” في أزمانهم.. لم يستمع الوطن ل”مطالبهم” في كيفية “التعامل” مع المستعمر، وتطورت الحركات لشوكات مؤلمة في الحلق والخاصرة، نسخا أولية لما سيجري في الزمان والمكان المغربيين سنوات وعقودا بعد ذلك.. من ثورة الخطابي وموحا أوحمو والروكي وغيرهم… إلى حراكات ابنائهم وابناء الهامش المغربي هنا وهناك…
هل تغير شيء في الصحراء؟ نعم تغير.. تغير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تغيرت العادات والطبائع وجزء كبير من المشترك.. لسنا طرفا في معادلة ثابتة حتى نتوقع النتائج بدقة، نحن جزء من معادلة صعبة تتقن أسرارها أطراف أخرى، لا تقل عنا “مصلحة” في رمال الصحراء…
تتناسل الأسئلة: ماذا وكيف ولماذا؟ يحيط بها السؤال الكبير: ما العمل؟
في هذا الركن من الطريق.. سنحاول ان نتلمس طريقا إلى الصحراء وإلى الصحراويين.. نسائلها عبر متاهات صنعنا بعضا منها في الماضي، عبر أحداث متسارعة في الحاضر، وعبر استشرافات لمستقبل لا نريده قاتما…