كان من الممكن أن يكون المغرب في وضع أفضل

افتتاحية العدد 328

بالرغم‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬الظرفية‭ ‬ودقتها،‭ ‬والتي‭ ‬تواجه‭ ‬فيها‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬تحديات‭ ‬وجودية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬بسبب‭ ‬التداعيات‭ ‬الكارثية‭ ‬الصحية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لوباء‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭. ‬ووعيا‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬اللحظة‭ ‬لحظة‭ ‬تعبئة‭ ‬وطنية‭ ‬وتضامن‭ ‬اجتماعي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬للنقد‭ ‬والمحاسبة،‭ ‬فإن‭ ‬حبنا‭ ‬لوطننا‭ ‬وغيرتنا‭ ‬على‭ ‬شعبنا،‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬تسجيل‭ ‬الملاحظات‭ ‬التالية‭ : ‬

ـ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬المجهودات‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬الدولة،‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬الوضعية‭ ‬الوبائية،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬المدمر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمجتمع؛‭ ‬لكنه‭ ‬يصعب‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬سد‭ ‬الخصاص‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬المنظومتين‭ ‬الصحية‭ ‬والتعليمية‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تعرضتا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تخريب‭ ‬ممنهج،‭ ‬وخوصصة‭ ‬قسرية‭ ‬منذ‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسية‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬سيئة‭ ‬الذكر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بضغط‭ ‬وتوجيه‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الموجة‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬فيها‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وتغول‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الأمريكية‭. ‬

ـ‭ ‬لقد‭ ‬استمرت‭ ‬سياسة‭ ‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والمرافق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬الاختلالات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية‭ ‬والبيئية،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬ملايين‭ ‬المغاربة‭ ‬لممارسة‭ ‬أنشطة‭ ‬غير‭ ‬قارة‭ ‬وهامشية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬بعدما‭ ‬تخلت‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬أدوارها‭ ‬ومهامها‭ ‬الأساسية،‭ ‬ودعمت‭ ‬لوبيات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬التي‭ ‬اغتنت‭ ‬وراكمت‭ ‬الثروات‭ ‬من‭ ‬الامتيازات‭ ‬المتنوعة‭ ‬واقتصاد‭ ‬الريع،‭ ‬وهي‭ ‬لوبيات‭ ‬كشفت‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬عن‭ ‬فقدانها‭ ‬للغيرة‭ ‬الوطنية‭ ‬والضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬بدليل‭ ‬هضمها‭ ‬لحقوق‭ ‬الدولة‭ (‬التهرب‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬الضرائب‭)‬،‭ ‬وحقوق‭ ‬الشغيلة‭ (‬الأجور‭ ‬الهزيلة‭ ‬والاستحواذ‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭). 

ـ‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬حاولت‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬تدارك‭ ‬الأمور‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬وتأهيل‭ ‬بعض‭ ‬المدن،‭ ‬لكنها‭ ‬استمرت‭ ‬بعناد‭ ‬غريب‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬نفس‭ ‬الاختيارات‭ ‬الفاسدة‭ ‬التي‭ ‬أدامت‭ ‬التخلف‭ ‬وأوصلت‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬بالسكتة‭ ‬القلبية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬فالأموال‭ ‬العمومية‭ ‬الطائلة‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬للسياحة،‭ ‬وقطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬أقل‭ ‬أولوية،‭ ‬لو‭ ‬رصد‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬لتطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬وتأهيلها،‭ ‬بتحديث‭ ‬بنياتها‭ ‬الاستقبالية‭ ‬وتوظيف‭ ‬كل‭ ‬خريجي‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة‭ ‬ومعاهد‭ ‬تكوين‭ ‬باقي‭ ‬الأطر‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬قلتهم،‭ ‬لما‭ ‬اضطروا‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬وتكوينهم‭ ‬الآن،‭ ‬ولكان‭ ‬المغرب‭ ‬يتوفر‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬صحية‭ ‬نموذجية،‭ ‬مثل‭ ‬بلدان‭ ‬أقل‭ ‬مساحة‭ ‬وإمكانيات‭ ‬مادية‭ ‬وبشرية‭ ‬ككوبا‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭. ‬

ـ‭ ‬الآن،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ “‬البكا‭ ‬ورا‭ ‬الميت‭ ‬خسارة‭”‬،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وباقي‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين،‭ ‬إعطاء‭ ‬الأسبقية‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬الاختيارات‭ ‬اللاشعبية‭ ‬واللاديموقراطية‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬بلادنا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬خطيرة،‭ ‬أصبحنا‭ ‬فيها‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬المستلزمات‭ ‬الأساسية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الوباء‭ ‬الخطير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬اقل‭ ‬أو‭ ‬مماثل‭ ‬لبلادنا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالنموذج‭ ‬التنموي،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬نموذج‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬فهو‭ ‬نموذج‭ ‬مرفوض‭ ‬وغير‭ ‬مجد‭. ‬

ـ‭ ‬لقد‭ ‬أضاعت‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬فرصا‭ ‬لا‭ ‬تعوض،‭ ‬وسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لاهثة‭ ‬وراء‭ ‬سراب‭ ‬ووعود‭ ‬قوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬الامبريالي،‭ ‬وزجت‭ ‬بلادنا‭ ‬وشعبنا‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مصالحه‭ ‬ومصالح‭ ‬وكلائه‭ ‬المحليين،‭ ‬

ولقد‭ ‬أصبح‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الوباء‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬قبله،‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬يمر‭ ‬بمنعطف‭ ‬تاريخي‭ ‬مؤلم‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬يتوقعه،‭ ‬رغم‭ ‬تحذيرات‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء،‭ ‬فهل‭ ‬تتعظ‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وتأخذ‭ ‬العبرة‭ ‬مما‭ ‬حصل؟‭ ‬نتمنى‭ ‬ذلك،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬غير‭ ‬واهمين‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،على‭ ‬رفض‭ ‬المتاجرة‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬المغربي‭ ‬وتعليمه‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ببساطة‭ ‬أنه‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لتأميم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬التعليمية‭ ‬والصحية،‭ ‬وتحويلها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬تعاونيات‭ ‬لأولياء‭ ‬التلاميذ‭ ‬والطلبة،والأطباء‭ ‬ومهنيي‭ ‬الصحة‭ ‬المشتغلين‭ ‬بها،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تكامل‭ ‬مؤطر‭ ‬قانونيا‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى