الطبقة العاملة وماركس في زمن كورونا
◆ صديق بوحوت
لقد كشف ماركس وإنجلز عن المحرك المادي للتاريخ، وفق ذلك هداهما المنهج الديالكتيكي المادي، والأساسي في حركة الوجود، إلى أن الاقتصاد هو الميزة المتغيرة التي تحرك معها كل شيء و تغيره، إن تاريخ تطور الإنسان هو تاريخ تطور طريقته في تحقيق إنتاجه وإعادة إنتاجه لحياته المباشرة.
فكل حركة التطور الإنسانية تدور بالأساس حول محور واحد هو كيف يتم الإنتاج في المجتمع، وبتحديد أدق نمط الإنتاج، ويتم في إطار صراع ووحدة قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، فقوى الإنتاج أو عناصر الإنتاج هي المكونات المادية لعملية الإنتاج، أي كل ما يدخل في عملية الإنتاج سواء كان مستمدا من الأرض والطبيعة أو مستمدا من آلات ومعدات أو تكنولوجيا، أو عمل عضلي للإنسان، أو ذهني عقلي، أو إداري تنظيمي كل هذا مع بعضه يشكل قوى الإنتاج.
أما علاقات الإنتاج فهي التعبير الماركسي عن علاقات الملكية والتناقض الذي تحدثه بين من يملك ومن لا يملك، بالإضافة للصراع الطبقي الناتج عنهما، وبالتحديد تملك وسائل الإنتاج أو رأس المال والمقصود بذلك ماهية وملكية رأس المال المنتج.
إن علاقات الإنتاج هذه تمثل البنيات التحتية للمجتمع، أي الأساس المادي الذي يُبنى عليه المجتمع على أساس تناقض تناحري، وعلى أساس هذا التناقض تحديدا يقوم تغيير المجتمعات.
فشكل رأس المال وملكيته وحصيلة الإنتاج الاجتماعي الذي تولده قوة العمل، هي التي تحدد شكل الصراع الطبقي داخل المجتمع ومن ثم البناء الفوقي الذي يعكس تباين السياسات، والأفكار، والقوانين، وشكل الدولة، والتي ما هي في النهاية إلا ترجمة لأدوات السيطرة الطبقية، نظرا لامتلاكها امتياز تحديد مستوى وشروط استفادة المجتمعات من قوة عملها، خصوصا مع اختلال ميزان القوى لصالحها.
إذن فعلى مستوى هذه البنية تتحدد شروط المعيشة المادية، والتي تشكل في جميع المجتمعات إلى غاية اليوم المشكل الاجتماعي الأول، حيث عرفت عبر تاريخ تطور الرأسمالية منحى تصاعديا في تكدس رأس المال بيد الأقليات، ومنحى نكوصيا بعمق عبودي لباقي فئات المجتمع من الطبقة العاملة سواء النشيطة منها أو الاحتياطية المؤهلة بتخصصاتها المختلفة، حيث يتم ضعها في حالة عطالة، في انتظار فرصتها لولوج دورة الإنتاج واستغلالها ببيع قوة عملها بثمن بخس.
استغلالا لهذا الوضع وبفعل العولمة، تدرجت وتفننت الرأسمالية في سلب الطبقة العاملة قوة عملها وقوتها في ميزان القوى، ليعرف الصراع الطبقي اختلالا لصالح مالكي وسائل الإنتاج، وبذلك بسطت الرأسمالية هيمنتها على الدولة لتتخلى عن أدوارها الاجتماعية، وساهمت كذلك في تعميق الحصار على العمال بسن قوانين اختلفت تسمياتها من حقبة إلى أخرى، لكن جوهرها وغايتها تسهيل الاستغلال والاستحواذ على قوة العمل.
تخلي الدولة عن أدوارها الاجتماعية كان له الأثر السلبي على القدرة الشرائية للعمال، ولحل إشكالات التسويق بالنسبة للرأسمالية تم إغراق العمال بالديون، وهذا ساهم بشكل كبير في خنق وإسكات صوت العمال والحد من قدرتهم على النضال بشكل وحدوي داخل نفس البلد، وبذلك أضحى شعار “يا عمال العالم اتحدوا” شعارا بعيد المنال، وقد عرفت الطبقة العاملة خلال العقدين الأخيرين تراجعا كبيرا على مستوى تنظيمها ووحدتها ووعيها بذاتها، وذالك راجع في جزء كبير منه لشروط عيش فرضتها الرأسمالية العالمية وانفرادها بميزان القوى كما أسلفت الذكر، حيث أنها أي الرأسمالية جعلت من العالم حلبة لاحتدام التنافس الرأسمالي-الرأسمالي بغية الاستحواذ وامتصاص أكبر فائض قيمة ممكنة، وبالتالي أكبر معدل ربح ممكن، إن واكبها التسويق من طبيعة الحال “وهو عامل مهم للإلمام بأزمة 2008”.
هذا التنافس وصل إلى حده الأقصى، وأصبحت معه ضرورة انخفاض معدل الربح أمرا ملحا لاستمرار نمط الإنتاج الرأسمالي، وهذا التنافس أخد شكل أزمة جديدة، تختلف عن الأزمات السابقة وتتسم باحتدام الصراع بين الرأسمالية العالمية من جهة، واقتصادات الدول الصاعدة بقيادة الصين من جهة أخرى، إن على مستوى الإنتاج أو تكتلات التسويق.
ما يهمنا في هذا الباب، أن أزمة الرأسمالية اليوم ليست نتيجة احتدام الصراع على مستوى علاقات الإنتاج في إطار صراع ووحدة قوى الإنتاج، ما وقع أن الأزمة الوبائية ل كوفيد -19 ساهمت في تعرية هذا الصراع وأصبح مكشوفا للجميع، وفتحت المجال كذلك للعديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين والمفكرين والأحزاب اليسارية في العالم، لمحاولة تفكيك مدخلات ومخرجات الأزمة والتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه العالم ما بعد الأزمة الوبائية، والكل يجمع اليوم أن الفترة المقبلة ستتميز بانكماش الدولة
وفقدان الشغل وضياع ما يفوق %20 من رقم المعاملات بالنسبة للبرجوازية الاقتصادية، وركوض كبير في القطاعات الهشة..
وهي شروط من شأنها أن تضع الطبقة العاملة أمام مسؤوليتها التاريخية لاسترجاع توازنها على مستوى ميزان القوى، وهذا لن يتأتى إلا بالعمل الوحدوي والاستعداد لمواجهة فترات عصيبة، ستسعى من خلالها الرأسمالية إلى تسريح العمال وخفض الأجور لتعويض النقص الحاصل والمحتمل في رقم المعاملات وبالتالي تعويض ما ستفقده من الأرباح التي كانت مبرمجة قبل الأزمة.