مشروع القانون 22.20 تكميم للأفواه شكلا ومضمونا

حوار مع الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس: عبد الرحمان حداد

نستضيف في هذا العدد من جريدة الطريق الدكتور عبد الرحمان حداد، فاعل جمعوي وأستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، للخوض في أسئلة إشكالية مرتبطة بموضوع مشروع القانون 22.20، المتعلق “باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوحة والشبكات المماثلة”، و الذي حاولت الدولة تمريره في سياق يتسم بتسارع وتيرة الانتقال الرقمي داخل المجتمع وفي ظل وطأة أزمة كورونا، والذي اعتبرا تكميما لحرية الرأي وانتهاكا جسيما للحق في التعبير.
عبد الرحمان حداد

مرحبا‭ ‬بكم‭ ‬أستاذنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬الطريق،‭ ‬نحن‭ ‬سعداء‭ ‬باستضافتكم‭.‬

بداية أستاذ، هل يمكنكم مشاركتنا رأيكم حول الوضع العام الذي يعيشه العالم ومن ضمنه بلدنا المغرب في ظل هاته الأزمة الوبائية العصيبة ؟

من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬بأننا‭ ‬نجتاز‭ ‬فترة‭ ‬عصيبة‭ ‬لم‭ ‬يعشها‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية،‭ ‬وهي‭ ‬فرصة‭ ‬لكي‭ ‬نعبر‭ ‬عن‭ ‬متمنياتنا‭ ‬الصادقة‭ ‬بالسلامة‭ ‬لكل‭ ‬الإنسانية‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬ذهبنا‭ ‬أعمق‭ ‬قليلا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬لحظة‭ ‬سؤال‭ ‬ومراجعة‭ ‬جماعية‭. ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬مساءلة‭ ‬سلم‭ ‬أولوياتنا‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬العمومي،‭ ‬وإلى‭ ‬مساءلة‭ ‬السياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬فشل‭ ‬تدبيري‭ ‬لعقود،‭ ‬وأمام‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستجابة‭ ‬الفورية‭ ‬والعاجلة‭ ‬لمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الانتظارات‭ ‬المباشرة‭. ‬جعلنا‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬نساءل‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر،‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬تحدي‭ ‬التنمية‭ ‬وعلى‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ليس‭ ‬الوقت‭ ‬وقت‭ ‬محاسبة،‭ ‬وستأتي‭ ‬لاحقا،‭ ‬ولكنه‭ ‬فرصة‭ ‬لمراجعة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاختيارات‭ ‬وتجويد‭ ‬أخرى‭ ‬بكل‭ ‬جرأة‭ ‬وبكل‭ ‬وطنية‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬تهافت‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬ومن‭ ‬مضاربة‭ ‬حول‭ ‬أثمانها،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬خرق‭ ‬متعمد‭ ‬وأرعن‭ ‬للحجر‭ ‬الصحي‭ ‬ولتعليمات‭ ‬الصحة‭ ‬العامة،‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬مدعاة‭ ‬لطرح‭ ‬سؤال‭ ‬القيم‭ ‬وضوابط‭ ‬السلوك‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬دعوة‭ ‬لإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للإنسان،‭ ‬باعتباره‭ ‬مركز‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعلم‭ ‬وللبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬حامل‭ ‬لقيم‭ ‬العقلانية‭ ‬والحداثة‭ ‬ولآمال‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬السلامة‭ ‬وفي‭ ‬غد‭ ‬أفضل‭. ‬

اطلعتم دون شك على مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوحة والشبكات المماثلة. من الناحية الشكلية، ما رأيكم في طريقة ظهوره، أقصد التسريب ؟

مسألة‭ ‬التسريب‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬هي‭ ‬مدخل‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سياسوي‭ ‬لمقاربة‭ ‬الموضوع،‭ ‬مدخل‭ ‬قوامه‭ ‬الوشاية‭ ‬والتخوين‭ ‬والكواليس‭ ‬والغرف‭ ‬المظلمة،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬صحي‭ ‬ولا‭ ‬أحبذ‭ ‬أن‭ ‬أتبناه،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬شكوك‭ ‬ومن‭ ‬اتهامات‭ ‬ويزيد‭ ‬بالتالي‭ ‬من‭ ‬وضاعة‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬بالمغرب‭. ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تسريب‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالذات،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتقاسم‭ ‬فيها‭ ‬الوحدة‭ ‬والتضامن،‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬تصور‭ ‬ميكيافليي‭ ‬للشأن‭ ‬السياسي‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬تدافعات‭ ‬وخلافات‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الجسم‭ ‬الحكومي،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬الحكومات،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬أطياف‭ ‬سياسية‭ ‬مختلفة‭ ‬وعلى‭ ‬تحالفات‭ ‬هجينة،‭ ‬لكن‭ ‬تصريف‭ ‬هذه‭ ‬التدافعات‭ ‬والاختلافات‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الأساليب‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وعبر‭ ‬الحوار‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬ليشمل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬السياسي‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬الممارس‭ ‬والجمعوي‭ ‬والجامعي‭.‬

نحن‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬خطوات‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬جديدة‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬تنموي‭ ‬جديد‭ ‬يسمح‭ ‬بإيجاد‭ ‬أجوبة‭ ‬حقيقية‭ ‬لأسئلة‭ ‬الكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية‭. ‬وأفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لإعداد‭ ‬هذه‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬قطعا‭ ‬بالضرب‭ ‬تحت‭ ‬الحزام‭ ‬أو‭ ‬بالتنصل‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬أو‭ ‬بمحاولة‭ ‬خدمة‭ ‬أجندة‭ ‬معينة‭ ‬داخل‭ ‬التقاطعات‭ ‬المجتمعية‭ ‬أو‭ ‬إرضاء‭ ‬لوبيات‭ ‬بعينها‭. ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استحضرنا‭ ‬نسب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬ونسب‭ ‬الانتماء‭ ‬الحزبي‭ ‬والجمعوي،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬نسب‭ ‬مخجلة،‭ ‬فالرهان‭ ‬الحقيقي‭ ‬اليوم‭ ‬سيكون‭ ‬مصالحة‭ ‬المواطن‭ ‬والمواطنة‭ ‬مع‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬ببلدنا‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مدخل‭ ‬أساسي‭ ‬لكل‭ ‬مشروع‭ ‬تنموي‭ ‬جديد‭. ‬حيث‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭ ‬بلادنا‭ ‬إلا‭ ‬بالسياسة،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬نفسها‭ ‬أولا‭. ‬اليوم،‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورها‭ ‬التربوي‭ ‬بجعل‭ ‬الناس‭ ‬يعيدون‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الفاعل‭ ‬العمومي،‭ ‬وهو‭ ‬شرط‭ ‬أساسي‭ ‬لتعبئة‭ ‬كل‭ ‬الطاقات‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬عادل‭ ‬ومنصف‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬التحديات‭ ‬الجديدة‭ ‬للقرن‭.‬

ما قراءتكم لمضامينه؟ هل هو فعلا مشروع قانون جاء “كما هو مشار في المذكرة التقديمية”، لسد القصور التشريعي والملاءمة مع المعايير الدولية في محاربة الجريمة الإلكترونية وتقوية آليات مواجهتها، أم يتعلق الأمر بمشروع قانون لتقوية الترسانة القانونية بمواد قادرة على مصادرة حق تعبير المواطنين في “الفضاء العام الرقمي” ؟

دعنا‭ ‬نتفق‭ ‬على‭ ‬أمرين‭ ‬مهمين‭: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الرقمي‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬فوضى‭ ‬حقيقية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فوضى‭ ‬خلاقة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أفرزته‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الإبداع‭ ‬والتواصل‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وما‭ ‬أنتجته‭ ‬من‭ ‬منصات‭ ‬ترافعية،‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬انتباه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬صنع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬والتأثير‭ ‬فيه‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬أيضا‭ ‬فوضى‭ ‬مدمرة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭ ‬الابتذال‭ ‬والإسفاف‭ ‬ومظاهر‭ ‬اللاقانون‭ ‬والعبث‭ ‬بأعراض‭ ‬الناس‭ ‬وخصوصياتهم،‭ ‬حتى‭ ‬الأكثر‭ ‬حميمية‭ ‬منها،‭ ‬زيادة‭ ‬على‭ ‬سيل‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬أو‭ ‬المزيفة‭ ‬عمدا‭. ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬صارت‭ ‬تقتضي‭ ‬تأطيرا‭ ‬قانونيا‭ ‬بدون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭.‬

الأمر‭ ‬الثاني،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬فراغ‭ ‬تشريعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لا،‭ ‬ويكفي‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬قانون‭ ‬المنافسة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قانون‭ ‬الإرهاب،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستعمل‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬تكييفها‭ ‬لمحاصرة‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭. ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬التوفر‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التخصص‭ ‬والتدقيق‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬الشأن‭ ‬التشريعي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬محمود‭ ‬بالطبع،‭ ‬لكن‭ ‬التشريع‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الخنق‭ ‬والتضييق‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬التقنين‭ ‬وجعل‭ ‬الناس‭ ‬سواسية‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬المجردة‭ ‬والموضوعية،‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬لبنة‭ ‬جديدة‭ ‬لدولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون‭. ‬هذا‭ ‬يدفع‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬مسطريا‭ ‬وجوهريا‭. ‬مسطريا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ضرورة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ ‬والعمل‭ ‬التشريعي‭ ‬الشفاف‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬حق‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المعلومة،‭ ‬وفي‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي،‭ ‬وفي‭ ‬تنقيح‭ ‬وتجويد‭ ‬مسودات‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬إطلاق‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬الجماعي‭ ‬ومن‭ ‬الخبرة‭ ‬المواطنة‭ ‬المجانية‭. ‬جوهريا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬المشروع‭ ‬أداة‭ ‬لتطوير‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وليس‭ ‬احتوائها‭ ‬وخلق‭ ‬ممنوعات‭ ‬جديدة‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬فضاءات‭ ‬الحرية‭ ‬بل‭ ‬وتوسيعها‭ ‬مع‭ ‬التزام‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

لكننا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬مجرد‭ ‬إطلالة‭ ‬قانونية‭ ‬تقيد‭ ‬أو‭ ‬تمنع‭ ‬أو‭ ‬تبيح،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثقافي‭ ‬وتربوي‭ ‬بالأساس‭. ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬ممارسات‭ ‬ثقافية‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬وتربيتهم‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المسؤولية‭ ‬والإبداع،‭ ‬عوض‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الغباء‭ ‬الجماعي‭ ‬والخواء‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يخيم‭ ‬على‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬والإعلام‭. ‬الخيار‭ ‬الثقافي‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬مدخل‭ ‬أساسي‭ ‬للتنموي‭.‬

ما رأيكم في سياق نزوله؟ وما الخلفيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة به، خصوصا وأن جزء منه يتحدث عن “النظام العام الاقتصادي”؟ هل يحاول صاحب هاته المبادرة التشريعية أن يِضيف “سمات دلالية” جديدة لمفهوم “النظام العام الاقتصادي؟

القانون‭ ‬ابن‭ ‬بيئته‭. ‬فهو‭ ‬تشريع‭ ‬لتقنين‭ ‬أحداث‭ ‬ظهرت‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواكبة‭ ‬قانونية،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬تشريعا‭ ‬للمستقبل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالممارسة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬من‭ ‬الميادين،‭ ‬فيسبق‭ ‬القانون‭ ‬المجتمع‭ ‬ويصير‭ ‬عاملا‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬التغيير‭ ‬داخله‭. ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬22‭.‬20،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬ظرفيتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬تشكل‭ ‬خلفيته‭ ‬المجتمعية‭. ‬الظرفية‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬وباء‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬وكل‭ ‬تبعاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والإدارية‭ ‬والنفسية‭. ‬وهو‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الالتحام‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يقع،‭ ‬نتساءل‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬الظرفية‭ ‬مواتية‭ ‬لطرح‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع؟‭ ‬أليس‭ ‬الانشغال‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬استعجالي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬التفرغ‭ ‬لامتصاص‭ ‬حجم‭ ‬الخسائر‭ ‬ومحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬الانطلاق؟‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تمرير‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الشبهات‭ ‬حول‭ ‬هدفه‭ ‬المستتر‭. ‬فالمشرع‭ ‬لا‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬الظلمة‭.‬

أما‭ ‬الظرفية‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬الأولى‭ ‬وتتعلق‭ ‬بموجة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬دشنه‭ ‬المغاربة‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اعتبروه‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬واحتكار‭ ‬بعضها‭ ‬للسوق،‭ ‬مع‭ ‬هوامش‭ ‬أرباح‭ ‬غير‭ ‬معقولة‭. ‬وهي‭ ‬الموجة‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬وتوسعت‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واستعملت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬كمنصة‭ ‬ترافعية‭ ‬وكوسيلة‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وفي‭ ‬الاختيارات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬للمواطنين‭. ‬والمغرب،‭ ‬كبقية‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬يعرف‭ ‬تواجد‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوقية‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المستهلك،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬إنشاء‭ ‬مجلس‭ ‬للمنافسة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬اعتراف‭ ‬بوحشية‭ ‬السوق‭ ‬وبضرورة‭ ‬تنظيمه،‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬حظوظ‭  ‬كل‭ ‬المستثمرين،‭ ‬وعلى‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمستهلك‭ ‬وعلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كنتيجة‭ ‬نهائية‭. ‬اليوم‭ ‬صارت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تلعب‭ ‬أيضا‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار،‭ ‬والمطلوب‭ ‬هو‭ ‬التقنين‭ ‬وليس‭ ‬التكميم‭.‬

تابعتم في وسائط التواصل حملة الرفض الواسعة لهذا المشروع، وكيف تم تأجيل أشغال اللجنة التقنية المنتدبة لغرض إدخال تعديلات وتحيينات الوزراء، وبالتالي تأجيل أشغال اللجنة الوزارية المكلفة بالصياغة النهائية لتقديم المشروع للبرلمان. كيف ترون هذه الخطوة ؟ هل المطلوب هو الإسقاط المطلق والنهائي للمشروع، أم أن تأجيل النظر فيه هو أمر جيد من أجل تصويب طريقة اقتراحه وتعديل مضمونه بشكل يكفل الحقوق والحريات ؟ ما بدائل الشكل والجوهر في نظركم ؟

عندما‭ ‬تقوم‭ ‬الحكومة‭ ‬بتعطيل‭ ‬مسار‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬وتؤجل‭ ‬النظر‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬حول‭ ‬خلافات‭ ‬داخلية‭ ‬صاحبته،‭ ‬وعندما‭ ‬نشاهد‭ ‬تسابق‭ ‬الأحزاب،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬صياغته‭ ‬وطرحه‭ ‬لإصدار‭ ‬بيانات‭ ‬الشجب‭ ‬والبراءة،‭ ‬وكأنها‭ ‬تتقاذف‭ ‬بينها‭ ‬دم‭ ‬يوسف،‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬خلاف‭ ‬داخلي‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬الشيء‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬أظهر‭ ‬وجود‭ ‬واتساع‭ ‬حجم‭ ‬اليقظة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والمدنية‭ ‬ببلادنا،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ساهمت‭ ‬فيه‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحررته‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭. ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬يقظة‭ ‬مجتمعية‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نقصد‭ ‬بها‭ ‬خلق‭ ‬معارضات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬التأليب‭ ‬والتحريض‭ ‬المجاني،‭ ‬وإنما‭ ‬نقصد‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستقي‭ ‬تعريفها‭ ‬ومشروعيتها‭ ‬من‭ ‬الأعداد‭ ‬فقط‭ ‬ومن‭ ‬سؤال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬ولكن‭ ‬الممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬صارت‭ ‬تقوم‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬الذكاء‭ ‬الجماعي،‭ ‬وجعل‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬أكورا‭ ‬مفتوحة‭ ‬للقوى‭ ‬الاقتراحية،‭ ‬والقادرة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬القرار‭ ‬العمومي،‭ ‬اقتراحا‭ ‬وتتبعا‭ ‬وتقييما‭. ‬

فقد‭ ‬أظهر‭ ‬المشروع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬أثارها،‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬فضاء‭ ‬لممارسة‭ ‬الفعل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وللتعبير‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي،‭ ‬ولتجويد‭ ‬آليات‭ ‬الرقابة‭ ‬والمساءلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المشروعة‭. ‬وعدم‭ ‬فهم‭ ‬المشروع‭ ‬لهذا‭ ‬المعطى‭ ‬يجعله‭ ‬خارج‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬لتطور‭ ‬الفعل‭ ‬المدني‭.‬

ما‭ ‬أججه‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬غضب‭ ‬واحتجاج‭ ‬ومطالب‭ ‬بالسحب‭ ‬أو‭ ‬الإلغاء‭ ‬أو‭ ‬التعديل،‭ ‬دليل‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الميكانزمات‭ ‬التقليدية‭ ‬لصنع‭ ‬القرار‭ ‬وللتشريع،‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬مشروعية‭ ‬انتخابية،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكفي،‭ ‬وأن‭ ‬تجويد‭ ‬القرار‭ ‬العمومي‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بإنتاج‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬واقعية‭ ‬وفعالة،‭ ‬ونصوص‭ ‬قانونية‭ ‬تخلق‭ ‬التراكم‭ ‬الحقوقي‭ ‬وتكرس‭ ‬المساواة،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬صار‭ ‬يتطلب‭ ‬التفكير‭ ‬الجماعي‭. ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬بعين‭ ‬الحسبان،‭ ‬سنكون‭ ‬أمام‭ ‬مغامرات‭ ‬سياسية‭ ‬ستجعلنا‭ ‬حبيسي‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬عوض‭ ‬الاشتغال‭ ‬الاستباقي‭ ‬والمسؤول‭ ‬والجماعي‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تنتظرنا‭. ‬كان‭ ‬لوباء‭ ‬كورونا‭ “‬فضل‭” ‬كبير‭ ‬إذ‭ ‬نبهنا‭ ‬لسوءاتنا،‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نعرفها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ظهرت‭ ‬اليوم‭ ‬لترسم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬الغد‭. ‬تغير‭ ‬أو‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬سلم‭ ‬الأولويات،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تفكير‭ ‬عميق‭ ‬وجدي‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬الدولة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭. ‬

◆‭ ‬حاوره‭ : ‬ساجي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى