مهارة التفكير النقدي وتنمية السلوك المدني
في ظل الأزمة الوبائية التي يعيشها اليوم يقف الملاحظ على حقيقة أن الشعوب التي استثمرت في التربية لم تجد صعوبة في تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي والوعي بخطورة الوباء، بينما لم تفلح حتى الترسانة الأمنية والقانونية من إيصال المعلومة لأوساط لم تنل قسطها من التربية والنماذج داخل الحواضر بادية للعيان. ففي ظل هذه الحالة الاستثنائية يُعد التفكير في بدائل بيداغوجية أمرا مطلوبا في ظل إعادة النظر الجذرية في وظيفة المدرسة. ومن هذه البدائل المقترحة مقاربة المهارات الحياتية التي يمكن تلقح الإنسان من الداخل وتجعله صامدا أمام وضعيات فريدة من نوعها مثل تدبير القلق والقدرة على مواجهة اللامتوقع… وكلها مهارات حياتية يتعين على مدرسة الغد أن تدمجها في المنهاج الدراسي كي تتمكن المضامين الدراسية من إنتاج سلوكات مدنية ناجعة في إطار مجتمع متحول.
1. في المفهوم والدلالات:
يتأسس التفكير النقدي على تحليل وتقويم مكونات المسارات الفكرية المسلوكة من أجل إنتاج المعرفة. وهو بذلك مهارة حياتية تتيح للفرد التسلح بعدة نظرية وتطبيقية تتيح له الفصل في الحقائق واتخاذ بعد من المواقف المعبر عنها أو التي في طور التهييء. ويقوم التفكير النقدي على تمحيص الفرضيات والنظر الموضوعي في القناعات التي يعتبرها المجتمع حقائق ضمن سياقات الحياة اليومية. ويتم تمحيص وتقويم المواقف والآراء عن طريق الملاحظة أو التجربة أو توظيف المنهج العلمي من أجل الكشف عن الحقائق الأولية والعناصر التي تم إقحامها من أجل عدم الفقز على المواقف أو توجيهها وجهة معينة. ويفترض التفكير النقدي الوضوح والدقة والموضوعية التي لا غبار عليها كي يتم تفنيد كل ما من شأنه إرساء الانطباعات الذاتية، وضمن هذا السياق يرتبط التفكير النقدي بالشك المنهجي المفضي إلى كشف الزيف والتدليس والوصول إلى اليقين المنطقي. ومن منهجيات التفكير النقدي سلوك مسار يبدأ بمعرفة الشيء أو الموضوع من أجل الوصول إلى بنائه المنطقي، وتحليل البنية الحجاجية التي يستند عليها وذلك بتجاوز الأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة المرتبطة به. ويستعمل في ذلك الذكاء العقلي عبر مجموعة من الآليات مثل المقارنة والقياس المنطقي والبحث في النماذج المشابهة من أجل تمحيص الحجج المقدمة عبر وضع مصادرها أمام الجميع ومعرفة الرأي والرأي المضاد ( http, lesdefinitions.fr ).
2. المدرسة ومهارة التفكير النقدي:
على مستوى المدرسة نجد في الحقيقة أن المواد الدراسية في بنائها الأولي تستند على التفكير النقدي من خلال أساسها الإبستمولوجي الذي يستند على معرفة عالمة خضعت لعمليات النقل الديداكتيكي حتى أصبحت مواد قابلة للتدريس، ورغم التشويه والتبسيط الذي يلحقها فإن الأساس المنطقي والحجاجي يبقى في متناول الفاعلين/ن الرئيسين في المدرسة ( المتعلم/ة – المدرس/ة ). وبالنظر إلى المواد الدراسية نجد أن بعضها يستثمر أكثر في تنمية مهارة التفكير النقدي ولو ظاهريا حيث نجد مواد الفلسفة والتاريخ والرياضيات والنقد الأدبي..تحيل كثير من أنشطتها على تنمية مهارة التفكير النقدي نظرا لبنيتها وجهازها المفاهيمي الخاص لكن هذا لايعني أن المواد الأخرى لاتفعل التفكير النقدي. كما لا يجب التغاضي عن بعد آخر في التفكير النقدي الذي يحيل على تنميته من خلال طرق ومنهجيات التدريس ونوع التدبير الذي يمكن أن تسير به المواد الدراسية المختلفة ضمن الفصول الدراسية، إضافة إلى العلاقات التي تفرزها التفاعلات الصفية. وقد أوصت الأبحاث التجريبية التربوية أن الأطفال قادرون على تطوير مهارات التفكير النقدي في سن مبكرة جدا مما يسهم في تسهيل العمليات العقلية المنطقية اللاحقة التي يحتاجها الأطفال في بناء المعارف والمبادئ الأولية للتعلم. وفي نفس الاتجاه اعتبرت فرق البحث المتخصصة أن استعمال استراتيجيات تعليمية محددة تساعد على تطوير مهارات وقدرات التفكير النقدي ومنها :
⎫ وضوح المهام المطلوبة:
المهام Taches هي أنشطة ينجزها الفرد لهدف معين ضمن شروط محددة وقد تكون أنشطة مجزأة أو مندمجة. وتعد المهام من العناصر الأساسية في بناء أنشطة التعليم والتعلم حيث أن المواد الدراسية المختلفة تتأسس على شكل ونوع المهام التي يمكن أن يمارسها التلميذ/ة في ظلها.ومن المعروف أن المواد الدراسية تتأسس بشكل كلي على نوع الأسئلة التي تطرحها على الواقع المعيش. ولكي تتوضح المادة الدراسية في خصوصيتها يتعين أن يتم التعامل معها كأجوبة عن أسئلة، وغالبا ما تتحول المواد الدراسية في الفصول الدراسية الحالية إلى معطيات جاهزة لا تحيل على مشكلة أصلية، مما ينزع عنها طابع الأشكلة الأولي الذي تتميز به في الأصل. إذن فالمادة الدراسية بهذا المستوى من الفهم هي بناء يجيب على أسئلة ويحيل على توجيهات من أجل الوصول إلى موضوع التعلم. إذن في وضعية تعلمية شفافة يتعين توضيح المهام بدقة كي يبرز المسار الصحيح لدى التلميذ/ة مما يتيح له تعبئة الموارد الملائمة ويتخلص من ثقل الموضوع كمعطى جاهز. ومن الملاحظات الأساسية التي وقفت عليها الأبحاث التربوية نجد أن التلاميذ/ات عندما يُوجٙهون لإنجاز مهمة، فهم ينطلقون نحوها بطرق مختلفة حيث أن العقبات التي تعترضهم/ن تختلف بين تلميذ/ة وآخر حسب قدراته : فالتلميذ/ة ( أ ) نجده في وضعية تفكيك معنى التعليمة/ السؤال لصعوبات في الفهم، بينما التلميذ/ة ( ب) اشتغل على تمثل أحالته عليه وضعية المهمة المسندة إليه، التلميذ/ة ( س) غرق في تفكير حول موضوع خارج صفي نظرا لعدم فهمه المقصود… إذن فالكثير من المدرسين/ات يعتقدون أنه عندما نكلف تلاميذ/ات مثلا بفهم نص فإنهم يقومون بنفس المهمة، لكن الواقع يشير إلى اختلافات في مواجهة العقبات الخاصة بكل واحد منهم/ن. فالمهمة في المحصلة هي مجموعة من الآليات التي تتيح تجاوز العوائق المعروفة أو المفترضة أو الطارئة، ولن يحصل هذا الأمر دون التحكم في القواعد والآليات ومنطق اشتغال الموضوع الذي يشتغل عليه التلميذ/ة. فتلخيص نص ما يستوجب تجاوز عقبة عدد الحروف أو السطور أو الصفحات التي يتكون منها. لذا يتعين على التلميذ/ة تعبئة مهارات لغوية وصرفية ومعرفية مرتبطة بموضوع النص كي يتمكن من فرز الجمل الاعتراضية والاستطرادات والأمثلة.. كما أن المعرفة بالموضوع تتيح فرز الرئيسي عن الثانوي وكشف التداخلات الحاصلة في النص الأصلي.ويخلص أحد الباحثين في علوم التربية إلى أن بناء المعارف داخل الفصول الدراسية أو ما يسمى بعلم التدريس (الديداكتيك) يتمفصل بشكل قوي مع مفهوم المهمة الذي تحيل على التساؤلات الخاصة التي تطرحها المادة الدراسية على الواقع ( البعد الآبستمولوجي ) وكذلك على السيرورة التي تسعف في تملك المعارف ( الأبعاد النفسية ) ( Develay , 1994, pp34-88). هذا المسار الاستفهامي والإشكالي في نفس الآن هو الذي يعطي شرعية للتفكير النقدي ويجعل ممارسته كامنة في جميع الأنشطة الصفية وضمن المهام الأولية والفرعية المنجزة. ومن شأن هذا البعد حماية التلميذ/ة من الأفكار المسبقة والمواقف الجاهزة التي تؤدي إلى العنف والتطرف ضمن بيئات تتميز بالهشاشة.
⎫ التعليم التعاوني:
تمتد الخلفية التاريخية التكوينية للتعليم التعاوني إلى القرنين 18 و 19 حين وجدت أوربا نفسها أمام معادلة صعبة فمن جهة تحتاج النهضة الاقتصادية ليد عاملة مؤهلة في جميع الميادين، وفي نفس الوقت عدم اقتناع الدول بضرورة الاستثمار في التعليم بالقدر الكافي. ومن أجل الاستجابة لهذا الطلب لاجتماعي ظهرت المؤسسات التعاونية في إطارِ هَمٍ اجتماعي فظهرت أولا “التعاونية المدرسية” التي تساعد المؤسسات التعليمية على الاستجابة لبعض الحاجيات ثم تحولت إلى مدرسة تعاونية ساهمت في التنمية البشرية والتدرب على العيش المشترك سواء داخل المدرسة أو خارجها. فالتعليم التعاوني إذن عبارة عن مشروع وأدوار وأدوات تهدف إلى تغيير العلاقات والأهداف : فداخل القسم ليس المهم هو أن نتعلم فقط، لكن الأهم هو أن نتعلم جماعة. وقد أثرت هذه المنهجية في وضعية الفاعلين التربويين داخل الفصل حيث أن القيادة التربوية تنبع من المسؤولية داخل المشروع التعاوني، وأن المضمون يتحدد من خلال نوعية الطرق التي ننهجها للتعلم ( العمل الجماعي – البحث – التقصي – المشروع – التقويم المسؤول..). أما العلاقات فتدبر بشكل مفتوح من خلال التناوب على الأدوار والمراوحة بين الإشتغال داخل المجموعة والعمل المُنْفرِد الذي يؤدي إلى الإبداع وتفتق المواهب لكي لا تضيع أفكار ومقاربات نيرة ضمن جماعة غير متجانسة من حيث سرعة وقيمة الأداء ( https.meirieu.com). تتيح إذن هذه المقاربة التوجه نحو مشروع واحد لكن بهدف مزدوج : تعلم التعاون والتعاون من أجل التعلم، مما يتيح تطوير مهارة التفكير الناقد للممارسة التعليمية في حد ذاتها. ومن أجل البناء المنهجي لهذه المقاربة تقترح الأبحاث تحقيق الشروط التالية :
⎫ تفاعل المجموعات في نفس الوقت دون فصل للتعليمات ؛
⎫ اشتغال التلاميذ/ت في إطار وضعية مساعدة دائمة للزملاء في إطار تحقيق مشروع موحد ؛
⎫ المسؤولية الفردية لكل عضو ضمن المجموعة؛
⎫ اكتساب مهارات التعامل مع أفراد مختلفي القناعات، القيم، المواقف..؛
⎫ قبول المجموعة الخضوع لتقويم ومناقشة ما يحصل ضمنها على جميع الأصعدة.
⎫ النمذجة Modelisation :
النمذجة هي تجسيد للواقع بشكل لفظي أو ذهني أو رمزي بهدف تجاوز التعقيد الناتج عن نظام أو نسق معين، أو من أجل الوصول إلى تبسيط مكوناته والنفاذ لفهمه بوسائل وأدوات مخالفة لبنائه الأصلي. وتساهم النمذجة في فهم أنظمة طبيعية أو بناءات نظرية معقدة من خلال اختزال مكوناتها إلى عناصر متناغمة منطقيا أو هندسيا. وتمكن النمذجة من ترجمة مشكلات متشابكة إلى لغة رياضية مختزلة تبسط المعطيات من أجل تحويلها مثلا إلى معرفة قابلة للتدريس أو استعمالها ضمن وسائل الإعلام الجماهيري مما يؤدي إلى فهمها وانتشارها الواسع.وتعتمد هذه الآلية على إنتاج نموذج بديل عن النسخة الأصلية من أجل تسهيل فهمها ونقلها إلى وضعيات جديدة. وفي المجال التربوي تساعد النمذجة على تملك طرق ومنهجيات معقدة من طرف الجميع مما يتيح لهم اتخاذ بعد من المعرفة وإسقاط تمثلاتهم/ن وآرائهم عليها. هذا البعد هو الذي يذكي الحس النقدي لدى التلاميذ/ات ويساعدهم/ن على التعامل الموضوعي مع موضوع المعرفة.وتنقسم النماذج إلى :
• نماذج نظرية : وهي بناءات منطقية توضح المراحل المسلوكة للوصول إلى النمذجة، ويكون الواقع أو النظرية الأصلية هي مرجعها وبواسطتها يتم الحكم على دقة وصحة النموذج ؛
• نماذج تجريبية : في الواقع أن هذه النماذج لو يعد لها مسوغ ابستمولوجي لأن جميع النماذج هي نظرية. وتستمد النماذج التجريبية وجودها من مكونات إنجاز مراحل النمذجة ؛(Marchive , 2003 p 144 ) .
تستند إذن النمذجة على عمليات التعميم وتجاوز الخصوصيات المتعلقة بحقل علمي أو مادة دراسية معينة كما أنها تلخص معلومات وبيانات وظواهر وتحولها إلى بناء ذهني يسمح برصد بنيات غير قابلة للملاحظة ومن خصائصها: الاستناد على فرضيات و الاقتصار على بعض الخصائص واختزالها و تبسيط الظواهر المعقدة وفرز بعض الوقائع حسب مقاييس محددة و البناء النظري المبسط ثم أخيرا إمكانيات نقل النمذجة من مادة دراسية إلى أخرى.
⎫ منهجيات التدريس البنائي:
تعتمد منهجيات التدريس البنائي على إسهامات العالم بياجي من خلال اعتماد نموذج يقوم على ربط التعلمات بثقافة المجتمع الذي يحصل فيه التعلم، وتسعى إلى مساعدة التلاميذ/ات على بناء مفاهيمهم وتعلماتهم/ن من خلال أربع مراحل مستخلصة من مراحل دورة التعلم الثلاث (استكشاف المفهوم، استخلاص المفهوم، تطبيق المفهوم)، وهذه الأربع مراحل هي: مرحلة التعرف، ومرحلة الاستكشاف، ومرحلة اقتراح التفسيرات والحلول، ومرحلة اتخاذ القرار). واعتمدت مراحل نموذج التعلم البنائي على البيداغوجية البنائية التكوينية في بناء المتعلم/ة لمفاهيمه من خلال العمليات العقلية، كما اعتمدت على الطرق التي يتعلمها المتخصصون ويعملون بها في ميادين العلوم الحقة.وتسير هذه المراحل بشكل متتابع في تخطيط الدرس، فهي تبدأ بوضعية انطلاق وطرح إشكالي ووضع فرضيات وتنتهي باتخاذ القرار أو الخروج باستنتاج أو تعميم أو قاعدة. كما أنها تعتبر متداخلة ومتكاملة مع بعضها البعض ضمن المواد الدراسية المختلفة سواء كانت علمية أو تقنية أو أدبية أو إبداع، وتتفاعل معهما من خلال الاستقصاء وحل المشكلات.إضافة إلى أنها تدبر بها عمليات التعلم بطريقة دينامكية ومتفاعلة مع الواقع والفاعلين/ات الآخرين ضمن المؤسسة التعليمية، لذا فإن خطة الدرس تتوقف على الموقف التعليمي التعلمي الذي يوجد عليه المتعلم/ة حيث أن جميع العمليات تتم في ذهنه وإن أي اعتقاد بأن التعلم يحصل خارجه فهو تمثل خاطئ يرجعنا إلى النظريات التربوية الما قبل بنائية.
وتتميز منهجبات التعلم البنائي بعدة سمات منها:
⎫ محورة العملية التعليمية حول المتعلم/ة من خلال تفعيل دوره في الاكتشاف والبحث وتنفيذ أنشطة الدرس ؛
⎫ محاكاة المتعلم/ة لمنهجيات العلم من خلال استعمال منهجه التجريبي مثلا في بناء المعرفة ؛
⎫ إعطاء المتعلم/ة فرصة المناقشة والحوار مع زملاءه المتعلمين/ات أو مع المدرس/ة؛ مما يساعد على بناء خطة تواصلية فعالة ؛
⎫ منح الفرصة للمتعلمين/ات للتفكير في اكبر عدد ممكن من الحلول للمشكلة الواحدة، مما يشجع على استخدام التفكير الإبداعي، وبالتالي تنمية الحس النقدي لديهم/ن ؛
⎫ تشجع منهجية التعلم البنائي على العمل في إطار مجموعات والتعلم التعاوني؛ مما يساعد على تنمية روح العمل بالفريق التي يتيح الانفتاح على الآخر ويحد من الذاتية والتمركز على الذات.
3 – تنمية السلوك المدني من خلال مهارة التفكير النقدي:
أما على مستوى السلوك المدني فإن المعطيات السالفة تدخل كلها ضمنيا في بناء مواقف سليمة من الوضعيات المجتمعية والسلوكية المرتبطة بها. ويمكن في هذا الصدد التقدم بالتوضيحات والمسارات الآتية انسجاما وتكملة لما سبق:
• إن أي سلوك هو نابع من موقف قابل للتحليل والمعالجة وبحث دوافعه فالمعرفة بالأسباب هي بوابة نحو تعديل السلوك واعتناق سلوكات ايجابية؛
• أناي سلوك قابل للخضوع لمجهر التشريح والنقد من أجل استخراج نماذج تفسيرية تسعف في وضع خطاطات توضح الأهداف والمراحل والنتائج؛
• لعل الشك المنهجي كآلية علمية قادرة على تعديل السلوك وعدم الخضوع للأفكار المسبقة والتطرف والنفسي الأحادي للظواهر.
• يقدم ميريو Meirieu نموذجا توضيحيا لمآلات المعرفة المدرسة في علاقتها بالسلوك المترتب عنها حيث يبين أن علم الأعصاب قادر على معرفة كمية المعلومات التي يمكن أن يعالجها ذهن الطفل في المدرسة، بل يمكن توجيه المعارف التي يمكن أن نقدمها له وكذا الطرق التي يمكن أن تسهل عليه العمليات العقلية. تماما كما يتعامل الميكانيكي مع السيارة فعند قيامه بمراقبتها وإصلاح أعطابها من خلال إجراءات تقنية وتجريبية. فإنه يبقى عاجزا عن تحديد الوجهة التي يريد أن يأخذها السائق بعد المغادرة ومدى احترامه لقانون السير. نفس هذه الصورة يمكن الوقوف عندها مع المدرس/ة فرغم اعتقاده أنه قام بالمتعين على مستوى المعرفة والمنهجية والتقويم فهو غير قادر على معرفة السلوكات التي يمكن أن يقوم بها المتعلم/ة عندما ينتهي من الدرس او بعد مغادرته المدرسة. ( Meirieu ,2019, p 27 ).لذا يتعين تغيير النظرة والمنهجية التي يتم بها بناء المعرفة من مقاربات كميكانيكية إلى مقاربات إنسانية تستحضر الإنسان كذات مفكرة وغير قابلة للبرمجة الآلية.