مهارة التفكير النقدي وتنمية السلوك المدني

في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمة‭ ‬الوبائية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬يقف‭ ‬الملاحظ‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬إجراءات‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والوعي‭ ‬بخطورة‭ ‬الوباء،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬حتى‭ ‬الترسانة‭ ‬الأمنية‭ ‬والقانونية‭ ‬من‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومة‭ ‬لأوساط‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬قسطها‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬والنماذج‭  ‬داخل‭ ‬الحواضر‭ ‬بادية‭ ‬للعيان‭. ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬يُعد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬بدائل‭ ‬بيداغوجية‭ ‬أمرا‭ ‬مطلوبا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬الجذرية‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬المدرسة‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬البدائل‭ ‬المقترحة‭ ‬مقاربة‭ ‬المهارات‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تلقح‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وتجعله‭ ‬صامدا‭ ‬أمام‭ ‬وضعيات‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬مثل‭ ‬تدبير‭ ‬القلق‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬اللامتوقع‭… ‬وكلها‭ ‬مهارات‭ ‬حياتية‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬مدرسة‭ ‬الغد‭ ‬أن‭ ‬تدمجها‭ ‬في‭ ‬المنهاج‭ ‬الدراسي‭ ‬كي‭ ‬تتمكن‭ ‬المضامين‭ ‬الدراسية‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬سلوكات‭ ‬مدنية‭ ‬ناجعة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجتمع‭ ‬متحول‭.‬

1‭. ‬ في‭ ‬المفهوم‭ ‬والدلالات‭:‬

    ‬يتأسس‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬وتقويم‭ ‬مكونات‭ ‬المسارات‭ ‬الفكرية‭ ‬المسلوكة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭. ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬مهارة‭ ‬حياتية‭ ‬تتيح‭ ‬للفرد‭ ‬التسلح‭ ‬بعدة‭ ‬نظرية‭ ‬وتطبيقية‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬الحقائق‭ ‬واتخاذ‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التهييء‭. ‬ويقوم‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬على‭ ‬تمحيص‭ ‬الفرضيات‭ ‬والنظر‭ ‬الموضوعي‭ ‬في‭ ‬القناعات‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬المجتمع‭ ‬حقائق‭ ‬ضمن‭ ‬سياقات‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬ويتم‭ ‬تمحيص‭ ‬وتقويم‭ ‬المواقف‭ ‬والآراء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الملاحظة‭ ‬أو‭ ‬التجربة‭  ‬أو‭ ‬توظيف‭ ‬المنهج‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬الأولية‭ ‬والعناصر‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إقحامها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عدم‭ ‬الفقز‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬أو‭ ‬توجيهها‭ ‬وجهة‭ ‬معينة‭. ‬ويفترض‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬الوضوح‭ ‬والدقة‭ ‬والموضوعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها‭ ‬كي‭ ‬يتم‭ ‬تفنيد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إرساء‭ ‬الانطباعات‭ ‬الذاتية،‭ ‬وضمن‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يرتبط‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬بالشك‭ ‬المنهجي‭ ‬المفضي‭ ‬إلى‭ ‬كشف‭ ‬الزيف‭ ‬والتدليس‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬اليقين‭ ‬المنطقي‭. ‬ومن‭ ‬منهجيات‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬سلوك‭ ‬مسار‭ ‬يبدأ‭ ‬بمعرفة‭ ‬الشيء‭ ‬أو‭ ‬الموضوع‭  ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬بنائه‭ ‬المنطقي،‭ ‬وتحليل‭ ‬البنية‭ ‬الحجاجية‭ ‬التي‭ ‬يستند‭ ‬عليها‭ ‬وذلك‭ ‬بتجاوز‭ ‬الأفكار‭ ‬المسبقة‭ ‬والأحكام‭ ‬الجاهزة‭ ‬المرتبطة‭ ‬به‭. ‬ويستعمل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الذكاء‭ ‬العقلي‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآليات‭ ‬مثل‭ ‬المقارنة‭ ‬والقياس‭ ‬المنطقي‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬النماذج‭ ‬المشابهة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمحيص‭ ‬الحجج‭ ‬المقدمة‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬مصادرها‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬ومعرفة‭ ‬الرأي‭ ‬والرأي‭ ‬المضاد‭ ( ‬http‭, ‬lesdefinitions.fr‭ ).‬

2‭. ‬ المدرسة‭ ‬ومهارة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭:‬

    ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المدرسة‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬الأولي‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساسها‭ ‬الإبستمولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬عالمة‭ ‬خضعت‭ ‬لعمليات‭ ‬النقل‭ ‬الديداكتيكي‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مواد‭ ‬قابلة‭ ‬للتدريس،‭ ‬ورغم‭ ‬التشويه‭ ‬والتبسيط‭ ‬الذي‭ ‬يلحقها‭ ‬فإن‭ ‬الأساس‭ ‬المنطقي‭ ‬والحجاجي‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الفاعلين‭/‬ن‭ ‬الرئيسين‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ( ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬–‭ ‬المدرس‭/‬ة‭ ). ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬يستثمر‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬مهارة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬ولو‭ ‬ظاهريا‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬مواد‭ ‬الفلسفة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والرياضيات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭..‬تحيل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أنشطتها‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬مهارة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬نظرا‭ ‬لبنيتها‭ ‬وجهازها‭ ‬المفاهيمي‭  ‬الخاص‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لايعني‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬الأخرى‭ ‬لاتفعل‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬الذي‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬تنميته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرق‭ ‬ومنهجيات‭ ‬التدريس‭ ‬ونوع‭ ‬التدبير‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬به‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬المختلفة‭ ‬ضمن‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تفرزها‭ ‬التفاعلات‭ ‬الصفية‭. ‬وقد‭ ‬أوصت‭ ‬الأبحاث‭ ‬التجريبية‭ ‬التربوية‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مهارات‭  ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭  ‬جدا‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬العمليات‭ ‬العقلية‭ ‬المنطقية‭ ‬اللاحقة‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المعارف‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأولية‭ ‬للتعلم‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬اعتبرت‭ ‬فرق‭ ‬البحث‭ ‬المتخصصة‭ ‬أن‭ ‬استعمال‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تعليمية‭ ‬محددة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مهارات‭ ‬وقدرات‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬ومنها‭ :‬

‭ ‬وضوح‭ ‬المهام‭ ‬المطلوبة‭:‬

المهام‭ ‬Taches‭   ‬هي‭ ‬أنشطة‭ ‬ينجزها‭ ‬الفرد‭ ‬لهدف‭ ‬معين‭ ‬ضمن‭ ‬شروط‭ ‬محددة‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬أنشطة‭ ‬مجزأة‭ ‬أو‭ ‬مندمجة‭. ‬وتعد‭ ‬المهام‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أنشطة‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬المختلفة‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ونوع‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمارسها‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭ ‬في‭ ‬ظلها‭.‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬تتأسس‭ ‬بشكل‭ ‬كلي‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭. ‬ولكي‭ ‬تتوضح‭ ‬المادة‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬خصوصيتها‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬كأجوبة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تتحول‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬جاهزة‭ ‬لا‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬أصلية،‭ ‬مما‭ ‬ينزع‭ ‬عنها‭ ‬طابع‭ ‬الأشكلة‭ ‬الأولي‭ ‬الذي‭ ‬تتميز‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الأصل‭. ‬إذن‭ ‬فالمادة‭ ‬الدراسية‭ ‬بهذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬هي‭ ‬بناء‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬ويحيل‭ ‬على‭ ‬توجيهات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬التعلم‭. ‬إذن‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬تعلمية‭ ‬شفافة‭ ‬يتعين‭ ‬توضيح‭ ‬المهام‭ ‬بدقة‭ ‬كي‭ ‬يبرز‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح‭ ‬لدى‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭  ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬تعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬الملائمة‭ ‬ويتخلص‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الموضوع‭ ‬كمعطى‭ ‬جاهز‭. ‬ومن‭ ‬الملاحظات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬عليها‭ ‬الأبحاث‭ ‬التربوية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التلاميذ‭/‬ات‭ ‬عندما‭ ‬يُوجٙهون‭ ‬لإنجاز‭ ‬مهمة،‭ ‬فهم‭ ‬ينطلقون‭ ‬نحوها‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترضهم‭/‬ن‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬تلميذ‭/‬ة‭ ‬وآخر‭ ‬حسب‭ ‬قدراته‭ : ‬فالتلميذ‭/‬ة‭ ( ‬أ‭ ‬‭) ‬نجده‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬تفكيك‭ ‬معنى‭ ‬التعليمة‭/ ‬السؤال‭ ‬لصعوبات‭ ‬في‭ ‬الفهم،‭ ‬بينما‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭ ( ‬ب‭) ‬اشتغل‭ ‬على‭ ‬تمثل‭ ‬أحالته‭ ‬عليه‭ ‬وضعية‭ ‬المهمة‭ ‬المسندة‭ ‬إليه،‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭ ( ‬س‭) ‬غرق‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬خارج‭ ‬صفي‭ ‬نظرا‭ ‬لعدم‭ ‬فهمه‭ ‬المقصود‭… ‬إذن‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭/‬ات‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬نكلف‭ ‬تلاميذ‭/‬ات‭ ‬مثلا‭ ‬بفهم‭ ‬نص‭ ‬فإنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بنفس‭ ‬المهمة،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬اختلافات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العقبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بكل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭/‬ن‭. ‬فالمهمة‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬تجاوز‭ ‬العوائق‭ ‬المعروفة‭ ‬أو‭ ‬المفترضة‭ ‬أو‭ ‬الطارئة،‭ ‬ولن‭ ‬يحصل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬دون‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬القواعد‭ ‬والآليات‭ ‬ومنطق‭ ‬اشتغال‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬يشتغل‭ ‬عليه‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭. ‬فتلخيص‭ ‬نص‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬تجاوز‭ ‬عقبة‭ ‬عدد‭ ‬الحروف‭ ‬أو‭ ‬السطور‭ ‬أو‭ ‬الصفحات‭ ‬التي‭ ‬يتكون‭ ‬منها‭. ‬لذا‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭ ‬تعبئة‭  ‬مهارات‭ ‬لغوية‭ ‬وصرفية‭ ‬ومعرفية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بموضوع‭ ‬النص‭ ‬كي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬فرز‭ ‬الجمل‭ ‬الاعتراضية‭ ‬والاستطرادات‭ ‬والأمثلة‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المعرفة‭ ‬بالموضوع‭ ‬تتيح‭ ‬فرز‭ ‬الرئيسي‭ ‬عن‭ ‬الثانوي‭ ‬وكشف‭ ‬التداخلات‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭.‬ويخلص‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬التربية‭  ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬المعارف‭ ‬داخل‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بعلم‭ ‬التدريس‭ (‬الديداكتيك‭) ‬يتمفصل‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬المهمة‭ ‬الذي‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬التساؤلات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬المادة‭ ‬الدراسية‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ( ‬البعد‭ ‬الآبستمولوجي‭ ) ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬السيرورة‭ ‬التي‭ ‬تسعف‭ ‬في‭ ‬تملك‭ ‬المعارف‭ ( ‬الأبعاد‭ ‬النفسية‭ ) ( ‬Develay‭ , ‬1994‭, ‬pp34-88‭). ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الاستفهامي‭ ‬والإشكالي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬شرعية‭ ‬للتفكير‭ ‬النقدي‭ ‬ويجعل‭ ‬ممارسته‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬الصفية‭ ‬وضمن‭ ‬المهام‭ ‬الأولية‭ ‬والفرعية‭ ‬المنجزة‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬حماية‭ ‬التلميذ‭/‬ة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬المسبقة‭ ‬والمواقف‭ ‬الجاهزة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬ضمن‭ ‬بيئات‭ ‬تتميز‭ ‬بالهشاشة‭.‬

‭ ‬التعليم‭ ‬التعاوني‭:‬

تمتد‭ ‬الخلفية‭ ‬التاريخية‭ ‬التكوينية‭ ‬للتعليم‭ ‬التعاوني‭ ‬إلى‭ ‬القرنين‭ ‬18‭ ‬و‭ ‬19‭ ‬حين‭ ‬وجدت‭ ‬أوربا‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬معادلة‭ ‬صعبة‭ ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬تحتاج‭ ‬النهضة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ليد‭ ‬عاملة‭ ‬مؤهلة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬عدم‭ ‬اقتناع‭ ‬الدول‭ ‬بضرورة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الاستجابة‭ ‬لهذا‭ ‬الطلب‭ ‬لاجتماعي‭ ‬ظهرت‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعاونية‭ ‬في‭ ‬إطارِ‭ ‬هَمٍ‭ ‬اجتماعي‭ ‬فظهرت‭ ‬أولا‭ “‬التعاونية‭ ‬المدرسية‭” ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬لبعض‭ ‬الحاجيات‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬تعاونية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والتدرب‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭. ‬فالتعليم‭ ‬التعاوني‭ ‬إذن‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬وأدوار‭ ‬وأدوات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬العلاقات‭ ‬والأهداف‭ : ‬فداخل‭ ‬القسم‭ ‬ليس‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬جماعة‭. ‬وقد‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬المنهجية‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬الفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬داخل‭ ‬الفصل‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬التربوية‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬داخل‭ ‬المشروع‭ ‬التعاوني،‭ ‬وأن‭ ‬المضمون‭ ‬يتحدد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نوعية‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬ننهجها‭ ‬للتعلم‭ ( ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬–‭ ‬البحث‭ ‬–‭ ‬التقصي‭ ‬–‭ ‬المشروع‭ ‬–‭ ‬التقويم‭ ‬المسؤول‭..). ‬أما‭ ‬العلاقات‭ ‬فتدبر‭ ‬بشكل‭ ‬مفتوح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التناوب‭ ‬على‭ ‬الأدوار‭ ‬والمراوحة‭ ‬بين‭ ‬الإشتغال‭ ‬داخل‭ ‬المجموعة‭ ‬والعمل‭ ‬المُنْفرِد‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ ‬وتفتق‭ ‬المواهب‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬أفكار‭ ‬ومقاربات‭ ‬نيرة‭ ‬ضمن‭ ‬جماعة‭ ‬غير‭ ‬متجانسة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سرعة‭ ‬وقيمة‭ ‬الأداء‭ ( ‬https‭.‬meirieu.com‭). ‬تتيح‭ ‬إذن‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬مشروع‭ ‬واحد‭ ‬لكن‭ ‬بهدف‭ ‬مزدوج‭ : ‬تعلم‭ ‬التعاون‭ ‬والتعاون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعلم،‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬تطوير‭ ‬مهارة‭ ‬التفكير‭ ‬الناقد‭ ‬للممارسة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬البناء‭ ‬المنهجي‭ ‬لهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬تقترح‭ ‬الأبحاث‭ ‬تحقيق‭ ‬الشروط‭ ‬التالية‭ :‬

‭ ‬تفاعل‭ ‬المجموعات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬دون‭ ‬فصل‭ ‬للتعليمات‭ ‬؛

‭ ‬اشتغال‭ ‬التلاميذ‭/‬ت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وضعية‭ ‬مساعدة‭ ‬دائمة‭ ‬للزملاء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تحقيق‭ ‬مشروع‭ ‬موحد‭ ‬؛

‭ ‬المسؤولية‭ ‬الفردية‭ ‬لكل‭ ‬عضو‭ ‬ضمن‭ ‬المجموعة؛

‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬مختلفي‭ ‬القناعات،‭ ‬القيم،‭ ‬المواقف‭..‬؛

‭ ‬قبول‭ ‬المجموعة‭ ‬الخضوع‭ ‬لتقويم‭ ‬ومناقشة‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬ضمنها‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭.‬

‭ ‬النمذجة‭  ‬Modelisation‭ :‬

النمذجة‭ ‬هي‭ ‬تجسيد‭ ‬للواقع‭ ‬بشكل‭ ‬لفظي‭ ‬أو‭ ‬ذهني‭ ‬أو‭ ‬رمزي‭ ‬بهدف‭ ‬تجاوز‭ ‬التعقيد‭  ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬أو‭ ‬نسق‭ ‬معين،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تبسيط‭ ‬مكوناته‭ ‬والنفاذ‭ ‬لفهمه‭ ‬بوسائل‭ ‬وأدوات‭ ‬مخالفة‭ ‬لبنائه‭ ‬الأصلي‭. ‬وتساهم‭ ‬النمذجة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬أنظمة‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬بناءات‭ ‬نظرية‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختزال‭ ‬مكوناتها‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬متناغمة‭ ‬منطقيا‭ ‬أو‭ ‬هندسيا‭. ‬وتمكن‭ ‬النمذجة‭  ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬مشكلات‭ ‬متشابكة‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬رياضية‭ ‬مختزلة‭ ‬تبسط‭ ‬المعطيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحويلها‭ ‬مثلا‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬قابلة‭ ‬للتدريس‭ ‬أو‭ ‬استعمالها‭ ‬ضمن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجماهيري‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فهمها‭ ‬وانتشارها‭ ‬الواسع‭.‬وتعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬نموذج‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬النسخة‭ ‬الأصلية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسهيل‭ ‬فهمها‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬وضعيات‭ ‬جديدة‭. ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ ‬تساعد‭ ‬النمذجة‭ ‬على‭ ‬تملك‭ ‬طرق‭ ‬ومنهجيات‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجميع‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬لهم‭ ‬اتخاذ‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬وإسقاط‭ ‬تمثلاتهم‭/‬ن‭ ‬وآرائهم‭ ‬عليها‭. ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يذكي‭ ‬الحس‭ ‬النقدي‭ ‬لدى‭ ‬التلاميذ‭/‬ات‭ ‬ويساعدهم‭/‬ن‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬الموضوعي‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬المعرفة‭.‬وتنقسم‭ ‬النماذج‭ ‬إلى‭ :‬

•‭ ‬نماذج‭ ‬نظرية‭ : ‬وهي‭ ‬بناءات‭ ‬منطقية‭ ‬توضح‭ ‬المراحل‭ ‬المسلوكة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬النمذجة،‭ ‬ويكون‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬النظرية‭ ‬الأصلية‭ ‬هي‭ ‬مرجعها‭ ‬وبواسطتها‭ ‬يتم‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬دقة‭ ‬وصحة‭ ‬النموذج‭ ‬؛

•‭ ‬نماذج‭ ‬تجريبية‭ : ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬لو‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬مسوغ‭ ‬ابستمولوجي‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬النماذج‭ ‬هي‭ ‬نظرية‭. ‬وتستمد‭ ‬النماذج‭ ‬التجريبية‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬إنجاز‭ ‬مراحل‭ ‬النمذجة‭ ‬؛‭(‬Marchive‭ ,   ‬2003‭ ‬p 144‭ ) .‬

تستند‭ ‬إذن‭ ‬النمذجة‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التعميم‭ ‬وتجاوز‭ ‬الخصوصيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقل‭ ‬علمي‭ ‬أو‭ ‬مادة‭ ‬دراسية‭ ‬معينة‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تلخص‭ ‬معلومات‭ ‬وبيانات‭ ‬وظواهر‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬ذهني‭ ‬يسمح‭ ‬برصد‭ ‬بنيات‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للملاحظة‭ ‬ومن‭ ‬خصائصها‭: ‬الاستناد‭ ‬على‭ ‬فرضيات‭ ‬و‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الخصائص‭ ‬واختزالها‭ ‬و‭ ‬تبسيط‭ ‬الظواهر‭ ‬المعقدة‭ ‬وفرز‭ ‬بعض‭ ‬الوقائع‭ ‬حسب‭ ‬مقاييس‭ ‬محددة‭ ‬و‭ ‬البناء‭ ‬النظري‭ ‬المبسط‭ ‬ثم‭ ‬أخيرا‭ ‬إمكانيات‭ ‬نقل‭ ‬النمذجة‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬دراسية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬منهجيات‭ ‬التدريس‭ ‬البنائي‭:‬

تعتمد‭ ‬منهجيات‭  ‬التدريس‭ ‬البنائي‭ ‬على‭ ‬إسهامات‭ ‬العالم‭ ‬بياجي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬نموذج‭ ‬يقوم‭ ‬على‭  ‬ربط‭ ‬التعلمات‭  ‬بثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬فيه‭ ‬التعلم،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬التلاميذ‭/‬ات‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مفاهيمهم‭  ‬وتعلماتهم‭/‬ن‭  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أربع‭ ‬مراحل‭ ‬مستخلصة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬دورة‭ ‬التعلم‭ ‬الثلاث‭ (‬استكشاف‭ ‬المفهوم،‭ ‬استخلاص‭ ‬المفهوم،‭ ‬تطبيق‭ ‬المفهوم‭)‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الأربع‭ ‬مراحل‭ ‬هي‭: ‬مرحلة‭ ‬التعرف،‭ ‬ومرحلة‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬ومرحلة‭ ‬اقتراح‭ ‬التفسيرات‭ ‬والحلول،‭ ‬ومرحلة‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭). ‬واعتمدت‭ ‬مراحل‭ ‬نموذج‭ ‬التعلم‭ ‬البنائي‭ ‬على‭ ‬البيداغوجية‭ ‬البنائية‭ ‬التكوينية‭  ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬لمفاهيمه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العقلية،‭ ‬كما‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬يتعلمها‭ ‬المتخصصون‭ ‬ويعملون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬العلوم‭ ‬الحقة‭.‬وتسير‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭ ‬بشكل‭ ‬متتابع‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬الدرس،‭ ‬فهي‭ ‬تبدأ‭ ‬بوضعية‭ ‬انطلاق‭ ‬وطرح‭ ‬إشكالي‭ ‬ووضع‭ ‬فرضيات‭  ‬وتنتهي‭ ‬باتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬باستنتاج‭ ‬أو‭ ‬تعميم‭ ‬أو‭ ‬قاعدة‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعتبر‭ ‬متداخلة‭ ‬ومتكاملة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬ضمن‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬المختلفة‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬تقنية‭ ‬أو‭ ‬أدبية‭ ‬أو‭ ‬إبداع،‭  ‬وتتفاعل‭ ‬معهما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستقصاء‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات‭.‬إضافة‭ ‬إلى‭  ‬أنها‭ ‬تدبر‭ ‬بها‭ ‬عمليات‭ ‬التعلم‭ ‬بطريقة‭ ‬دينامكية‭ ‬ومتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬والفاعلين‭/‬ات‭ ‬الآخرين‭ ‬ضمن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬خطة‭ ‬الدرس‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬التعليمي‭ ‬التعلمي‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬عليه‭ ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬العمليات‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬وإن‭ ‬أي‭ ‬اعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬التعلم‭ ‬يحصل‭ ‬خارجه‭ ‬فهو‭ ‬تمثل‭ ‬خاطئ‭ ‬يرجعنا‭ ‬إلى‭ ‬النظريات‭ ‬التربوية‭ ‬الما‭ ‬قبل‭ ‬بنائية‭.‬

وتتميز‭ ‬منهجبات‭ ‬التعلم‭ ‬البنائي‭ ‬بعدة‭ ‬سمات‭ ‬منها‭:‬

‭ ‬محورة‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬حول‭ ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬الاكتشاف‭ ‬والبحث‭ ‬وتنفيذ‭ ‬أنشطة‭ ‬الدرس‭ ‬؛

‭ ‬محاكاة‭ ‬المتعلم‭/‬ة‭  ‬لمنهجيات‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استعمال‭ ‬منهجه‭ ‬التجريبي‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المعرفة‭ ‬؛

‭ ‬إعطاء‭  ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬فرصة‭ ‬المناقشة‭ ‬والحوار‭ ‬مع‭ ‬زملاءه‭ ‬المتعلمين‭/‬ات‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬المدرس‭/‬ة؛‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬خطة‭ ‬تواصلية‭ ‬فعالة‭ ‬؛

‭ ‬منح‭  ‬الفرصة‭ ‬للمتعلمين‭/‬ات‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬اكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬للمشكلة‭ ‬الواحدة،‭  ‬مما‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنمية‭ ‬الحس‭ ‬النقدي‭ ‬لديهم‭/‬ن‭ ‬؛

‭ ‬تشجع‭ ‬منهجية‭ ‬التعلم‭ ‬البنائي‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجموعات‭ ‬والتعلم‭ ‬التعاوني؛‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬روح‭ ‬العمل‭ ‬بالفريق‭ ‬التي‭ ‬يتيح‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬الذاتية‭ ‬والتمركز‭ ‬على‭ ‬الذات‭. ‬

3‭ – ‬ تنمية‭ ‬السلوك‭ ‬المدني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مهارة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭:‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السلوك‭ ‬المدني‭ ‬فإن‭ ‬المعطيات‭ ‬السالفة‭ ‬تدخل‭ ‬كلها‭ ‬ضمنيا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مواقف‭ ‬سليمة‭ ‬من‭ ‬الوضعيات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والسلوكية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭. ‬ويمكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬التقدم‭ ‬بالتوضيحات‭ ‬والمسارات‭ ‬الآتية‭ ‬انسجاما‭ ‬وتكملة‭ ‬لما‭ ‬سبق‭: ‬

•‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬سلوك‭ ‬هو‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬قابل‭ ‬للتحليل‭ ‬والمعالجة‭ ‬وبحث‭ ‬دوافعه‭ ‬فالمعرفة‭ ‬بالأسباب‭ ‬هي‭ ‬بوابة‭ ‬نحو‭ ‬تعديل‭ ‬السلوك‭ ‬واعتناق‭ ‬سلوكات‭ ‬ايجابية؛

•‭ ‬أناي‭ ‬سلوك‭ ‬قابل‭ ‬للخضوع‭ ‬لمجهر‭ ‬التشريح‭ ‬والنقد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استخراج‭ ‬نماذج‭ ‬تفسيرية‭ ‬تسعف‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطاطات‭ ‬توضح‭ ‬الأهداف‭ ‬والمراحل‭ ‬والنتائج؛

•‭ ‬لعل‭ ‬الشك‭ ‬المنهجي‭ ‬كآلية‭ ‬علمية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬السلوك‭ ‬وعدم‭ ‬الخضوع‭ ‬للأفكار‭ ‬المسبقة‭ ‬والتطرف‭ ‬والنفسي‭ ‬الأحادي‭ ‬للظواهر‭.‬

•‭ ‬يقدم‭ ‬ميريو‭  ‬Meirieu‭ ‬نموذجا‭ ‬توضيحيا‭ ‬لمآلات‭ ‬المعرفة‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالسلوك‭ ‬المترتب‭ ‬عنها‭ ‬حيث‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬علم‭ ‬الأعصاب‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬كمية‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعالجها‭ ‬ذهن‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬توجيه‭ ‬المعارف‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقدمها‭ ‬له‭ ‬وكذا‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسهل‭ ‬عليه‭ ‬العمليات‭ ‬العقلية‭. ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يتعامل‭ ‬الميكانيكي‭ ‬مع‭ ‬السيارة‭ ‬فعند‭ ‬قيامه‭ ‬بمراقبتها‭ ‬وإصلاح‭ ‬أعطابها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراءات‭ ‬تقنية‭ ‬وتجريبية‭. ‬فإنه‭ ‬يبقى‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬تحديد‭ ‬الوجهة‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يأخذها‭ ‬السائق‭ ‬بعد‭ ‬المغادرة‭ ‬ومدى‭ ‬احترامه‭ ‬لقانون‭ ‬السير‭. ‬نفس‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬يمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬مع‭ ‬المدرس‭/‬ة‭ ‬فرغم‭ ‬اعتقاده‭ ‬أنه‭ ‬قام‭ ‬بالمتعين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المعرفة‭ ‬والمنهجية‭ ‬والتقويم‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬السلوكات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬المتعلم‭/‬ة‭ ‬عندما‭ ‬ينتهي‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬او‭ ‬بعد‭ ‬مغادرته‭ ‬المدرسة‭. ( ‬Meirieu‭ ,‬2019‭, ‬p 27‭ ).‬لذا‭ ‬يتعين‭ ‬تغيير‭ ‬النظرة‭ ‬والمنهجية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬بناء‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬مقاربات‭ ‬كميكانيكية‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬إنسانية‭ ‬تستحضر‭ ‬الإنسان‭ ‬كذات‭ ‬مفكرة‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للبرمجة‭ ‬الآلية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى