شهادة من زمن الحجر الصحي
غدا، سيستيقظ الإنسان من هذه الصدمة، وسيجد أن " عالمه" قد اختفى إلى الأبد.
لم يغير الحجر المنزلي الكثير في إيقاعي اليومي. فانا لا أغادر البيت كثيرا في الأيام العادية. واظبت على إيقاعي اليومي استيقظ باكرا أشتغل الأربع ساعات الأولى من اليوم في الكتابة وباقي اليوم في القراءة والترتيبات المنزلية. السادسة مساء أجلس بانضباط لمتابعة النشرة الإحصائية لانتشار الوباء في المغرب وفي العالم. في آخر المساء أشاهد فيلما سينمائيا، وقد ركزت مؤخرا على الأفلام القيامية.
رغم رعب اللحظة، قد يكون الحجر المنزلي نعمة للكتاب وفرصة لإتمام مشاريع مفتوحة، قراءات مؤجلة، ترتيب مكتبة مهملة. قراءة أو إعادة قراءة كتاب عالميون كتبوا عن الوباء.
بحكم سياق الرواية التي اشتغل عليها أعدت قراءة رواية “الطاعون” تتخيل وباء أصاب مدينة وهران الجزائرية للكاتب الفرنسي ألبير كامو. ورواية “القلعة البيضاء” التي تتحدث في فصول منها عن وباء اجتاح إسطنبول. رواية “العمى” لجوزيه سراماغو..
شخصيا، و منذ الأسبوع الأول للحجر المنزلي، وقَّفت كتابة رواية كنت أشتغل عليها لأدخل رواية جديدة تدور أحداثها في زمن كورونا.. ليس من عادتي أن أكتب عن موضوع آني، أجد أنه من التسرع الكتابة عن ظاهرة لم تتضح بعد أو حالة في طور التكوين. لكن تحت تأثير أجواء الموت والعزلة والأخبار التي تصلنا كل يوم عبر القنوات الفضائية، وحتى الشك في الغد، لم أستطع تجاهل ما يحدث في العالم و مقاومة الكتابة على التداعيات النفسية للجائحة عليّ وعلى الآخرين، كالخوف من العدوى ومن الموت. إذ “لا يبقى كلُّ شيء على حاله، فيما كلُّ ما يحيط بك هو الموت”.
هكذا وجدتني أقود شخصية روائية إلى عوالم الموت والصراع مع وباء كورونا.
استغراقي في رواية اشتغل عليها منذ سنتين، لم يردعني عن ترك شخصية دونجوان في شرفة مقهى باريسي يشرب الكابوتشينو ويستمتع بأشعة شمس ربيعية ومرافقة شخصية (امرأة ) إلى موتها. فتحت باب الموت على مصراعيه ودخلت، دون سابق نية، عوالم رواية جديدة.
الرواية التي أنهيتها منذ أسابيع، وهي الآن في دار النشر، تحت عنوان “كجثة في رواية بوليسية” ، تعتمد حكيا كرونولوجيا يتطلب متابعة الأخبار اليومية عن انتشار وباء كورونا.
قد تكون هذه الرواية هي الجزء الثاني من روايتي الأولى “ليالي الحرير” التي نشرت سنة 2012. بعد عشر سنوات تعود الساردة إلى النفق، الذي دخلته بموتها الإكلينيكي في الرواية السابقة، هذه المرة تدخله من باب الموت الوبائي في زمن كورونا..
“كجثة في رواية بوليسية” رواية يقترن فيها مصير الرَّاوية ومصير الشخصية الرئيسية، في سباق مع الزمن وصراع ضد الموت.
هل ستعيش الرَّاوية لإنهاء الحكاية؟ وهل ستُعطى الساردة فرصة حياة أخرى؟
بصفة عامة، فجائحة كورونا، وما نتج عنها من حجر منزلي، هي لحظة تأمل في الآتي.. غدا، سيستيقظ الإنسان من هذه الصدمة، وسيجد أن العالم ” عالمه” قد اختفى إلى الأبد. وعليه أن يبني عالما آخر أكثر إيجابية. عالم يتعايش فيه الإنسان والحيوان في كنف الطبيعة، بأمن وسلام. وسيكون على الكتاب أن يساهموا في هذا البناء. الأكيد أن الكلمة التي سيطلقها كاتب لن تدمر ذلك الكائن المجهري الصغير، لكنها ستسجل اللحظة وأثر الكارثة، عسى أن لا ينسى العالم أن كوفيد-19 مر من هنا.
◆ عائشة البصري