“بياض ساخن” بين جينالوجيا الجنون ومحكي العائلة

◆ إبراهيم الحجري ناقد وروائي من المغرب

تمهيد‭:‬

تعغّ‭ ‬موضوعة‭ ‬الجنون‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬الثيمات‭ ‬إغراء‭ ‬للمحكيات‭ ‬الروائية‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة؛‭ ‬لما‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬الروائيون‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬خصبة‭ ‬وطيعة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الحرج‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬هاويته‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي،‭ ‬تماما‭ ‬على‭ ‬التخوم‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬اليقظة‭ ‬والنوم،‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬والعقل‭ ‬والجنون‭. ‬فقد‭ ‬تصاعدت‭ ‬وتيرة‭ ‬الانفلاتات‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬وتعقدت‭ ‬أزمة‭ ‬العقل،‭ ‬واشتدت‭ ‬بالمثقف‭ ‬عواصف‭ ‬الحيرة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬عن‭ ‬إيقاف‭ ‬الدراما‭ ‬البشرية،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬معسّرا‭ ‬وافيا‭ ‬عن‭ ‬تراجيديا‭ ‬البشرية‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يحفل‭ ‬به‭ ‬المشهد‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬بؤس‭ ‬وجنوح‭ ‬وتدّ‮٩‬ٍ،‭ ‬ونكوص‭ ‬للقيم‭. 

ووجدت‭ ‬التيارات‭ ‬والأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬تحغّ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬المشاهد‭ ‬اليومية‭ ‬المعيشة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتحملها‭ ‬العقل،‭ ‬فهي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تطاق،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬مستوى‭ ‬القيم‭ ‬من‭ ‬انقلاب‭ ‬وتحول‭ ‬جذريين،‭ ‬خلخلا‭ ‬العلاقات‭ ‬البشرية،‭ ‬ومستويات‭ ‬الفهم،‭ ‬وحدود‭ ‬الاطمئنان‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يستند‭ ‬إليها‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬مكونات‭ ‬الحياة‭ ‬والعالم‭ ‬المحيط‭ ‬به،‭ ‬فراح‭ ‬يؤسس‭ ‬له‭ ‬منطلقات‭ ‬وأسس‭ ‬جديدة‭ ‬تساير‭ ‬التحولات‭ ‬الفارقة‭ ‬والرهيبة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البنيات‭ ‬الفكرية‭ ‬والشعورية،‭ ‬ونسيج‭ ‬الروابط‭ ‬التي‭ ‬تصله‭ ‬بمنظومة‭ ‬الثوابت‭ ‬والمتغيرات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬محيد‭ ‬له‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متحول؛‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يتصور‭. ‬

وجدت‭ ‬التيارات‭ ‬الروائية‭ ‬الجديدة‭ ‬ملاذها‭ ‬الدلال‮٢‬ّ‭ ‬والتداول‮٢‬ّ‭ ‬في‭ ‬اقتحام‭ ‬مناطق‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬والمنس‮٢‬ّ‭ ‬والمكبوت،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مواقع‭ ‬قاتمة‭ ‬ورهيبة‭ ‬ومتمنعة‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬والقبض،‭ ‬ومنها‭ ‬الجنون،‭ ‬والموت،‭ ‬وما‭ ‬بعدهما‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الشيزوفرينيا‮»‬‭ (‬la schizophrénie‭) (‬أو‭ ‬الفصام‭)- ‬وهي‭ ‬الاستعارة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬نسجت‭ ‬الروائية‭ ‬سهير‭ ‬المصادفة‭ ‬محكيها‭ ‬على‭ ‬أساسه‭- ‬جوهريا‭ ‬اضطرابا‭ ‬يصيب‭ ‬الأنا،‭ ‬فبحدث‭ ‬خلخلة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الأنا‭ ‬والعالم‭ ‬الخارجي‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬ويتألم‭ ‬من‭ ‬الشيزوفرينيا‭ ‬ينسحب‭ ‬من‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬مع‮٠٩‬ِضا‭ ‬عالما،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬نفاه‭ ‬وفقغَه،‭ ‬بواقع‭ ‬الهذيان‭ ‬والهلوسة،‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬الشيزوفرينيا‭ ‬مرضا‭ ‬عقليا،‭ ‬بحيث‭ ‬تتكلم‭ ‬الذات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬صُوصل‭ ‬إلى‭ ‬تشييد‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬مرجعي،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬خطابها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬وارتباطا‭ ‬به،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬مصري‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬يترنح‭ ‬على‭ ‬حافات‭ ‬الاستقرار،‭ ‬بعد‭ ‬عواصف‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬هز‭ ‬الهياكل،‭ ‬وزعزع‭ ‬البنيات،‭ ‬وحرك‭ ‬البرك‭ ‬الآسنة،‭ ‬ورج‭ ‬المسلمات‭ ‬والثوابت،‭ ‬استندت‭ ‬الروائية‭ ‬سهير‭ ‬المصادفة،‭ ‬فوق‭ ‬العادة،‭ ‬إلى‭ ‬متخيل‭ ‬الجنون،‭ ‬ومحكي‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬العائلة،‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬هجاس‮٢‬ّ‭ ‬بات‭ ‬ينحت‭ ‬مفاهيمه‭ ‬ومصطلحاته،‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬ويسلط‭ ‬عليها‭ ‬معاوله‭ ‬الزجرية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬تتهيأ‭ ‬له‭ ‬الأنساق‭ ‬والأسيقة،‭ ‬لما‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬طراوة‭ ‬تعبيرية‭ ‬تستوعب‭ ‬الصورة‭ ‬الشائهة‭ ‬التي‭ ‬يود‭ ‬المحكي‭ ‬إبلاغها‭ ‬لمتلقيه،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬محكي‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬العائلة،‭ ‬كنسق‭ ‬نوو‮٢‬ّ،‭ ‬يختزل‭ ‬الماكرو‭- ‬مجتمع،‭ ‬ويمثل‭ ‬تفاعلاته‭ ‬الكبرى‭ ‬بشكل‭ ‬حيو‮٢‬ّ،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته،‭ ‬الأقرب‭ ‬من‭ ‬العامل‭- ‬الذات،‭ ‬والأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصّحكم‭ ‬فيه‭ ‬وسط‭ ‬مادة‭ ‬ممتدة‭ ‬ومتراكمة‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬الروائي،‭ ‬مهما‭ ‬كان،‭ ‬القبض‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭.‬

  1. محكيّ عائليّكابوسيّ:

تتخذ‭ ‬الرواية‭ ‬محكي‭ ‬العائلة‭ ‬مادة‭ ‬مطواعة‭ ‬للسرد،‭ ‬وتحريك‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة،‭ ‬لرصد‭ ‬وقع‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى‭ ‬إبان‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬واستقرارها،‭ ‬وتداعيات‭ ‬الوقائع‭ ‬والتحولات‭ ‬السريعة‭ ‬على‭ ‬نفسيات‭ ‬الشخصيات،‭ ‬والعلاقات‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الأفراد،‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الانسجام‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التناقض‭ ‬والصراع‭ ‬والتطاحن،‭ ‬وأحيانا‭ ‬التصفية،‭ ‬حيث‭ ‬يصير‭ ‬الخال،‭ ‬رجل‭ ‬الأمن،‭ ‬خصما‭ ‬عنيدا‭ ‬لأبناء‭ ‬أخته،‭ ‬وهم‭ ‬ينحازون‭ ‬لاختياراتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وحيث‭ ‬تفقد‭ ‬عبلة‭ ‬صوابها‭ ‬بفعل‭ ‬اكتشاف‭ ‬انتماء‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها‭ ‬لجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬وحيث‭ ‬تفكر‭ “‬لولا‭” ‬في‭ ‬قتل‭ ‬أختها‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬عار‭ ‬إصابتها‭ ‬بالجنون،‭ ‬وحيث‭ ‬يجد‭ ‬مجدي‭ ‬نفسه؛‭ ‬مفصولا‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬اللا‭ ‬استقرار‭. ‬

وتبدو‭ ‬الصلات‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه،‭ ‬فهي‭ ‬صلات‭ ‬متوترة‭ ‬أصلا،‭ ‬بمحض‭ ‬الوراثة،‭ ‬أو‭ ‬بمحض‭ ‬الصدق‭ ‬البئيسة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لوثة‭ ‬الجنون‭ ‬مترسخة‭ ‬في‭ ‬دمائها‭ ‬الممتدة‭ ‬أبا‭ ‬عن‭ ‬جد،‭ ‬وضاربة‭ ‬بأطنابها‭ ‬على‭ ‬شجرة‭ ‬العائلة‭. ‬

ويجعل‭ ‬هذا‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬بالأعصاب‭ ‬المشدودة؛‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سيئ‭ ‬ممكن‭ ‬الحدوث‭ ‬بينها،‭ ‬وأقلها‭ ‬القتل،‭ ‬وأكثرها‭ ‬محاولة‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التنسيب‭ ‬المذل،‭ ‬والممرغ‭ ‬للكرامة‭ ‬في‭ ‬التراب‭ ‬لنسب‭ ‬ملوث‭ ‬بالعار‭ ‬والجنون،‭ ‬يقول‭ ‬الراوي‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬إحدى‭ ‬الشخصيات‭: (‬خلفة‭ ‬عفاريت‭ ‬يا‭ ‬عبلة،‭ ‬نسل‭ ‬مجانين،‭ ‬بنت‭ ‬أبالسة،‭ ‬انظري‭ ‬إلى‭ ‬عينيها،‭ ‬هما‭ ‬عينا‭ ‬شيطان‭ ‬صغير،‭ ‬بنت‭ ‬فلاح‭ ‬همجي‭ ‬يا‭ ‬عبلة‭).‬

يتتبع‭ ‬الراوي‭ ‬أثر‭ ‬لوثة‭ ‬الشيزوفرينيا‭ ‬في‭ ‬عروق‭ ‬شجرة‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التذكر‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الشخوص،‭ ‬مصورا‭ ‬الدراما‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬العائلة‭ ‬بسبب‭ ‬مرض‭ ‬الجد،‭ ‬والذي‭ ‬يتجدد‭ ‬ليكتب‭ ‬مأساته‭ ‬على‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬لـ‭”‬لولا‭” ‬وعبلة‭ ‬ومجدي‭… ‬يقول‭ ‬السارد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬لولا‭ “‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬يصرخ‭ ‬مجدي‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬هكذا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يقولون‭ ‬عن‭ ‬عبلة‭ ‬مجنونة؟‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يعرفون‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬ليس‭ ‬مجنونا؟‭”.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬السارد‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬بلسان‭ ‬المؤنث‭ ‬متلبسا‭ ‬قناع‭ ‬ضميري‭ ‬المخاطب‭ ‬والغائب‭ ‬بالتعاقب،‭ ‬كشف‭ ‬حياة‭ ‬عبلة‭ ‬المريضة،‭ ‬ومعاناتها‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭ ‬وأثر‭ ‬وتداعيات‭ ‬جنونها‭ ‬على‭ ‬أسرتها،‭ ‬بل‭ ‬تتبعت‭ ‬خيط‭ ‬تاريخ‭ ‬العائلة،‭ ‬لتكشف‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬الدراما‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الجد‭ ‬شوكت‭ ‬الملواني‭ ‬وأسرته‭. ‬يقول‭ ‬السارد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬شخصية‭ ‬لولا‭ ‬دائما‭: (‬لا‭ ‬أحول‭ ‬عيني‭ ‬عن‭ ‬عيني‭ ‬مجدي،‭ ‬لماذا‭ ‬يرث‭ ‬مجدي‭ ‬لون‭ ‬عيني‭ ‬أمي‭ ‬الخضراوين‭ ‬بلون‭ ‬الزمرد،‭ ‬بينما‭ ‬ترث‭ ‬أخته‭ ‬الكبرى‭ ‬عبلة‭ ‬جنون‭ ‬أمي‭ ‬المستتر‭ ‬الموروث‭ ‬عن‭ ‬جنون‭ ‬أبيها‭ ‬جدي‭ ‬شوكت‭ ‬الملواني،‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬فضائحه‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬النميمة،‭ ‬جدي‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬يقبض‭ ‬روحه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬نوبات‭ ‬جنونه‭ ‬وأطولها‭ ‬وأشرسها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يشفى‭ ‬بعد‭ ‬موت‭ ‬جدتي‭ ‬ناهد‭ ‬ليموت‭ ‬مجنونا‭ ‬أو‭ ‬كأنه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬انتحرت‭ ‬بسبب‭ ‬مرضه‭ ‬هذا،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬ينتقم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬نفسه‭. ‬واستطاع‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬شهرين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬أن‭ ‬يجوب‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬شمالها‭ ‬إلى‭ ‬جنوبها،‭ ‬ومن‭ ‬شرقها‭ ‬إلى‭ ‬غربها‭ ‬سيرا‭ ‬على‭ ‬قدميه‭). 

2‭.    ‬شخصيات‭ ‬بمصائر‭ ‬ملتبسة‭:‬

تناقش‭ ‬الرواية‭ ‬بشكل‭ ‬عميق‭ ‬مسألة‭ ‬تأثير‭ ‬الجينوم‭ ‬الوراثي‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬الفرد،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تتبع‭ ‬أغصان‭ ‬شجرة‭ ‬النسب‭ ‬العائلي‭ ‬للشخصيات‭ ‬الرئيسة‭ ‬المنتمين‭ ‬لأسرة‭ ‬واحدة،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬لوثة‭ ‬الجنون‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬عبلة‭ ‬ولم‭ ‬تصب‭ ‬لولا‭ ‬ومجدي‭ (‬أو‭ ‬لعلها‭ ‬أصابتهما‭ ‬بشكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭)‬،‭ ‬واقتفاء‭ ‬لآثار‭ ‬وملامح‭ ‬الشفرة‭ ‬الوراثية‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬وحركات‭ ‬وملامح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هاته‭ ‬الشخصيات،‭ ‬عبر‭ ‬تفكيك‭ ‬سير‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬والتحقيق‭ ‬في‭ ‬أرشيفاتهم،‭ ‬وقد‭ ‬صاروا‭ ‬رميما‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬الأرض،‭ ‬وأكلتهم‭ ‬ديدانها،‭ ‬فتعود‭ ‬لتعرض‭ ‬بروفايل‭ ‬العمة‭ ‬فاطمة،‭ ‬وزوجها‭ ‬سيد،‭ ‬والأم،‭ ‬والجد‭ ‬والجدة‭ ‬وزوجته‭ ‬الثانية،‭ ‬فتتوقف‭ ‬طويلا‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬الجد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬العلة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬عبلة،‭ ‬مدققة‭ ‬في‭ ‬سلوكياته،‭ ‬وحالاته‭ ‬السيكولوجية،‭ ‬واضعة‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬بطاقة‭ ‬صحية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ونفسية‭.‬

ليست‭ ‬غاية‭ ‬السرد‭ ‬استعراض‭ ‬حالات‭ ‬إنسانية‭ ‬صرفة،‭ ‬ووضعها‭ ‬عبثا‭ ‬أمام‭ ‬المتلقي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هاته‭ ‬المادة‭ ‬المعروضة،‭ ‬بقصد‭ ‬وسبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والترصد،‭ ‬ترغُ‭ ‬لتمرير‭ ‬خطاب‭ ‬نقد‮٢‬ّ‭ ‬للواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياس‮٢‬ّ‭ ‬والاقتصاد‮٢‬ّ‭ ‬الذي‭ ‬صارت‭ ‬عليه‭ ‬البلاد،‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬البنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬للأفراد‭ ‬والعوائل‭ ‬والمجموعات‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬تهلهل،‭ ‬وتنافر،‭ ‬وتخلخل،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تصوير‭ ‬القتامة‭ ‬التي‭ ‬هاجمت‭ ‬الكّيكولوج‮٢‬ّات،‭ ‬والهشاشة‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تفصّت‭ ‬القيم‭ ‬والثوابت‭ ‬والمواقف‭.‬

‭ ‬وباعتبار‭ ‬أّّ‭ ‬الفرد‭ ‬كائن‭ ‬حكّاس‭ ‬تجاه‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يرتبط‭ ‬فيه‭ ‬بعلاقات‭ ‬حميمية،‭ ‬وبروابط‭ ‬شعورية‭ ‬مفرطة‭ ‬الرهافة،‭ ‬فإّّ‭ ‬الارتجاج‭ ‬الذي‭ ‬عصف‭ ‬بالنظم،‭ ‬والعوائد،‭ ‬والسيرورة،‭ ‬والمسارات،‭ ‬والرؤى،‭ ‬جعل‭ ‬الّّسق‭ ‬العام‭ ‬يهتز،‭ ‬لينعكس‭ ‬هذا‭ ‬الاهتزاز‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬النفسية‭ ‬والعلائقية‭ ‬والسلوكية‭ ‬للأفراد‭ ‬تجاه‭ ‬جسدها،‭ ‬ذاتها،‭ ‬والناس‭ ‬الآخرين‭ ‬المرتبطين‭ ‬معها‭ ‬بأواصر‭ ‬دموية‭ ‬وثقافية‭ ‬ودينية‭ ‬وسياسية،‭ ‬والأمكنة‭ ‬التي‭ ‬دأبوا‭ ‬على‭ ‬ارتيادها‭ ‬قبل‭ ‬هبوب‭ ‬أولى‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬ساقها‭ ‬فصل‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬مجتمع‭ ‬الرواية‭ ‬يتوزع‭ ‬بين‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الأحداث،‭ ‬وبين‭ ‬متفرج‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬ومستنكر‭ ‬لها،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬من‭ ‬تزلزل‭ ‬عرش‭ ‬العقل‭ ‬لديها‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬تداعيات‭ ‬لهذا‭ ‬الربيع،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬طاقتها‭ ‬الاستيعابية‭ ‬تمثل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وتكييفه‭ ‬مع‭ ‬المتغ‮٢‬ّرات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬يمليها‭ ‬الس‮٢‬ّاق‭ ‬العام‭ ‬للمنطقة‭ ‬العرب‮٢‬ّة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التح‮٠‬ّلات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬هاته‭ ‬الشخصيات؛‭ ‬شخصية‭ ‬عبلة‭ ‬المصابة‭ ‬بشيزوفرينيا‭ ‬حادة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتجرع‭ ‬خبر‭ ‬انتماء‭ ‬ولدها‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬ففارقت‭ ‬صوابها‭ ‬أسوة‭ ‬بجدها‭ ‬وتأثرا‭ ‬بجيناته،‭ ‬جدها‭ ‬الذي‭ ‬استبد‭ ‬به‭ ‬جنونه‭ ‬حتى‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬مرميا‭ ‬في‭ ‬الخلاء‭ ‬جوار‭ ‬أحد‭ ‬أهرامات‭ ‬الجيزة،‭ ‬فصارت‭ ‬عبلة‭ ‬عافَ‭ ‬الأسرة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الجغ‮٩‬ُ‭ ‬عار‭ ‬الشجرة‭ ‬العائلية،‭ ‬فتسبب‭ ‬جنونها‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مأساة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬لكل‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬وأبناء‭ ‬وإخوة‭ ‬وأخوات‭ ‬وجيران؛‭ ‬إلى‭ ‬حغّ‭ ‬أّّ‭ ‬لولا‭ ‬فكرت‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬قتلها‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭. ‬يقول‭ ‬السارد‭ ‬على‭ ‬لسانها‭: (‬وتزداد‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬عبلة‭ ‬وضوحا‭. ‬أغرق‭ ‬في‭ ‬عرق‭ ‬بارد‭ ‬وأنا‭ ‬أتذكر‭ ‬هيئتها،‭ ‬وهي‭ ‬تجلس‭ ‬مقرفصة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬كوبري‭ ‬قصر‭ ‬النيل‭ ‬بالضبط،‭ ‬معطية‭ ‬مؤخرتها‭ ‬السمينة‭ ‬لميدان‭ ‬التحرير‭ ‬ووجهها‭ ‬لمؤخرتي‭ ‬الأسدين‭ ‬الرابضين‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الكوبري‭ ‬ناحية‭ ‬الشيراتون‭. ‬عيناها‭ ‬تتجولان‭ ‬بدون‭ ‬توقف‭ ‬وتلمعان‭ ‬بهذا‭ ‬الجنون‭. ‬تهذي‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬من‭ ‬يتوقفون‭ ‬أمامها‭ ‬وتشتم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬إنهاضها،‭ ‬وتضرب‭ ‬أطفال‭ ‬الشوارع‭ ‬الذين‭ ‬يضحكون‭ ‬عليها،‭ ‬يتطاير‭ ‬الرذاذ‭ ‬من‭ ‬فمها‭ ‬الملوث‭ ‬بما‭ ‬تأكله‭ ‬من‭ ‬صناديق‭ ‬القمامة،‭ ‬وشعرها‭ ‬المشعث‭ ‬مثل‭ ‬القنفذ‭ ‬يجعلها‭ ‬مرئية‭ ‬لجميع‭ ‬المتجهين‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬في‭ ‬سياراتهم‭ ‬أم‭ ‬كانوا‭ ‬راجلين‭. ‬كانت‭ ‬تفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬ألا‭ ‬يلاحظها‭ ‬العابرون،‭ ‬فهي‭ ‬تختار‭ ‬الأماكن‭ ‬الأكثر‭ ‬احتمالا‭ ‬لتواجد‭ ‬معارفها‭ ‬وزوجها‭ ‬وأهلها‭ ‬وأبنائها‭ ‬كأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفاجئهم‭ ‬لكي‭ ‬تتلذذ‭ ‬بمشاهدة‭ ‬العار‭ ‬في‭ ‬أعينهم،‭ ‬وهي‭ ‬تثق‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬أحد‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يتوسل‭ ‬أو‭ ‬يتكلم‭ ‬أو‭ ‬يبكي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يصفعها‭ ‬على‭ ‬وجهها‭).‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الشيزوفرينية‭ ‬الممزقة‭ ‬للشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬عبلة‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬فعل‭ ‬التذكر‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لحين،‭ ‬وترتض‭ ‬إلى‭ ‬حالتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتساكن‭ ‬ذاتها‭ ‬والذوات‭ ‬الأخرى‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬نلفي‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬المتوترة،‭ ‬المضطربة،‭ ‬المقلوبة‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬وحيون‭ ‬ونبات‭ ‬وجماد،‭ ‬علاقة‭ ‬تستهدف‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الم‮٩‬ِلات‭ ‬بين‭ ‬الذات‭ ‬ومفردات‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مقولات‭ ‬الذهان‭ ‬بمختلف‭ ‬ُِك‮٠٩‬ِناتها‭: ‬البارانوية‭ ‬والكاتاتونية‭ ‬والميتومانية‭ ‬أيضا،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬الك‮٩‬َرد‭ ‬المحورية‭ ‬هنا‭ ‬في‭ “‬بياض‭ ‬ساخن‭” ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تشغيل‭ ‬وهيمنة‭ ‬آلية‭ ‬التمثل‭ ‬للحالات‭ ‬القصوى،‭ ‬مما‭ ‬يوُ‮٩‬ِد‭ ‬صورا‭ ‬وأوضاعا‭ ‬ومواقف‭ ‬تصسّ‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬لمبدأ‭ ‬التطابق،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬الأول‭ ‬للشيزوفريني‭ ‬هو‭ ‬التطابق‭ ‬أو‭ ‬الانسجام؛‭ ‬فهو‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يتطابق‭ ‬داُّ‭ ‬اسمه‭ ‬مع‭ ‬مدلوله‭. ‬ويرفض‭ ‬أن‭ ‬تتطابق‭ ‬التسمية‭ ‬مع‭ ‬حاملها‭. ‬يرفض‭ ‬تطابق‭ ‬جسده‭ ‬مع‭ ‬روحه‭. ‬ويرفض‭ ‬أن‭ ‬يتطابق‭ ‬عقله‭ ‬مع‭ ‬وجدانه‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬ينتصر‭ ‬إلا‭ ‬للانشطار‭ ‬والتشظي‭ ‬والتعغّد‭ ‬والتناقض‭ ‬والتعارض‭.‬

وعمدت‭ ‬الروائية‭ ‬إلى‭ ‬اختلاق‭ ‬خدعة‭ ‬فنية‭ ‬سردية‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬العامل‭- ‬الذات‭ ‬الواحد‭ ‬ممثلين،‭ ‬أي‭ ‬شخصية‭ ‬بوجهين،‭ ‬فلولا‭ ‬وعبلة‭ ‬اللتان‭ ‬تتناوبان‭ ‬عرش‭ ‬السرد،‭ ‬ما‭ ‬هما،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬سوى‭ ‬شخصية‭ ‬واحدة‭ ‬بمزاجين‭ ‬متعارضين،‭ ‬وبحالتين‭ ‬متناقضتين‭ ‬تستبدان‭ ‬بها،‭ ‬حالة‭ ‬اليقظة،‭ ‬فتكون‭ ‬لولا،‭ ‬وحالة‭ ‬الجنون‭ ‬فتكون‭ ‬عبلة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬عبلة‭ ‬المعادل‭ ‬الدلالي‭ ‬للبياض‭ ‬الساخن‭ ‬الذي‭ ‬يغطي‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬معينة‭ ‬الذات‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬فيدمر‭ ‬العقل‭ ‬بلوثة‭ ‬جنونه،‭ ‬ويجعل‭ ‬شخصية‭ ‬عبلة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سعار‭ ‬وهياج‭…‬

‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬عبلة‭ ‬تلتبس‭ ‬بشخصية‭ ‬ثالثة‭ ‬كذلك‭ ‬هي‭ ‬الأم،‭ ‬أحيانا،‭ ‬ويحفر‭ ‬البياض‭ ‬الساخن،‭ ‬المقولة‭ ‬البؤرية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الروائي،‭ ‬في‭ ‬جذور‭ ‬الشجرة‭ ‬العائلية‭ ‬ليمكّ‭ ‬شخصية‭ ‬الجغّ‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجنون‭ ‬لعنة‭ ‬كتبت‭ ‬على‭ ‬العائلة،‭ ‬وسيظل‭ ‬يطاردها،‭ ‬لأسباب‭ ‬خفية،‭ ‬تشكل‭ ‬هربا‭ ‬فنيا‭ ‬من‭ ‬تنسيب‭ ‬حالة‭ ‬الانهيار‭ ‬العصب‮٢‬ّ‭ ‬والسيكولوج‮٢‬ّ‭ ‬للحظة‭ ‬انفلات‭ ‬قهرية‭ ‬عصفت‭ ‬بتقاليد‭ ‬وأسس‭ ‬لم‭ ‬تؤهل‭ ‬اللّخصيات‭ ‬لتقبلها‭ ‬سلفا،‭ ‬ومصيرا‭ ‬قاتما‭ ‬ساقته‭ ‬رياح‭ ‬التواترات‭ ‬العرقية‭ ‬الدساسة‭ ‬ليصيب‭ ‬هاته‭ ‬الأسرة‭ ‬بكابوس‭ ‬تراجيدي‭ ‬عصف‭ ‬باستقرارها‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وح‮٠‬ّل‭ ‬كل‭ ‬لحظات‭ ‬فرحها‭ ‬مجرد‭ ‬ذكريات‭ ‬تحضر‭ ‬وتغيب،‭ ‬فما‭ ‬عاد‭ ‬لذلك‭ ‬الدفء‭ ‬الأسري‭ ‬الذي‭ ‬يضمنه‭ ‬تواجد‭ ‬الأفراد،‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اللون‭ ‬الكالح‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬به‭ ‬البياض‭ ‬الساخن‭ ‬أوجههم‭ ‬كلما‭ ‬هبت‭ ‬عاصفة‭ ‬جنون‭ ‬من‭ ‬جذر‭ ‬الجينوم‭ ‬إلى‭ ‬لولا‭ ‬أو‭ ‬عبلة‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬الأخلاف‭ ‬الصاعدين‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى