الحصيلة الحقوقية لحكومة ملتحية برائحة البنزين

مصطفى بوهو: ناشط سياسي وحقوقي

يطيب لنا أن نرصد حصيلة العمل الحكومي في ميدان حقوق الإنسان، من منطلق مدى إعمال الحكومة لحق واحد لفائدة الشعب المغربي، هو: حقه في تقرير مصيره، وإن كان تحليل تفاصيل هذا الموضوع الكوني، المندرج في المادة الأولى، لأهميته البالغة، من العهدين الدوليين الخاصين: بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، والملزمان للدولة بجميع مقتضياتهما، بعد مصادقتها عليهما منذ 42 وأربعين سنة خلت، يشبه إلى حد بعيد نوعا من الاستعراض الشامل- يلزم الدولة ولا يلزمنا -، فإننا سنقتصر على أمور تبدو لنا مهمة من أجل وضع هذا الحق مغربيا في الميزان:

  1. اللاديمقراطية عنوان الحقوق السياسية ميدانيا

1-1، أول شيء يمكن أن نشير إليه، هو قصور الدستور المغربي عن بلوغ مستوى الملاءمة المطلوبة مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، إذ لازالت كل السلطات: غير مفصولة عن بعضها، وهي في يد الملك، وتبعا لذلك فليس من شأن هذا الدستور أن يوفر ضمانات حرية تقرير المصير للشعب المغربي المؤسسة على تلازم احترام حقوق الإنسان في بيئة ديمقراطية، ما دام الحزب السياسي الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لا يمكنه أن يترجم البرنامج الذي تقدم به إلى الناخبين(ات) على أرض الواقع، فأهم أدواره دستوريا تقتصر على تأطير المواطنين، وحتى هذا الحق ليس مخولا لكل الأحزاب السياسية، تماما كما هو وضع ،احزاب يسارية حيث يعاني مناضلوها تضييقا بالغا في هذا النطاق…

وبالرغم من أن وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان قد صرحت في يوليوز 2019، من خلال “منجز حقوق الإنسان بالمغرب..” بأن دستور 2011 قد مكن: “رئيس الحكومة من حق اتخاذ المبادرة لمراجعة الدستور بموجب الفصل 172 منه، حيث كان حق اتخاذ هذه المبادرة في الدستور السابق مقتصرا على الملك ورئيسي البرلمان ومجلس المستشارين.”، إلا أن الحكومة المغربية الحالية أضعف من أن تستطيع ذلك مجتمعة، فبالأحرى أن يستطيع رئيسها ذلك، والأنكى من ذلك كله هو، أن أحزاب الائتلاف الحكومي تعتبر أن الدستور الحالي في غاية الاكتمال، وكفى المؤمنين شر القتال.

1-2، يعتبر إحداث اللجنة المركزية واللجان الفرعية: الإقليمية والجهوية لتتبع الانتخابات بتاريخ: 15 يونيو 2021، كما أورد الموقع الإلكتروني “أخبار المغرب” الخبر، مؤشرا إيجابيا على الرغبة في إصلاح الحقل السياسي، وتعزيز المشاركة السياسية لدى المواطنين(ات)، والضرب على أيادي من تسول له نفسه إفساد العمليات الانتخابية، غير أن ضم هذه اللجان مرة أخرى.. رجال وأعوان وزارة الداخلية من: وزير وولاة وعمال، ومن يعمل تحت إمرتهم.. يجعلها غير مستقلة ولا حيادية كما يفترض فيها وفق المعايير الدولية، التي من شأنها إنفاذ القوانين الزجرية والرادعة لمن ثبت تورطه في تزوير الإرادة الشعبية، وصيانة نزاهة مختلف مراحل العمليات الانتخابية بدءا من مراجعة الدوائر، والتسجيل في اللوائح… حتى إعلان النتائج، واستقبال الطعون والبث فيها بكل نزاهة وتجرد وحيادية.

ولئن كانت التمثيلية النسائية تشكل مؤشرا إيجابيا آخر في القوانين الانتخابية الصادرة بتاريخ: 21 أبريل 2021، فإنها غير متطابقة عموما في صياغتها مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، خصوصا منها المواد المتعلقة بتقلد المناصب السامية، كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا توفر بعد ضمانات إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية من شأنها ترجمة الإرادة الشعبية الحقيقية في المؤسسات الدستورية، على أساس التمثيل الديمقراطي الحقيقي، ولا هي صادرة في جو الانفراج السياسي بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ولا هي حسمت مع الفساد السياسي بمنع ترشيح الأحزاب السياسية للمفسدين المتورطين في قضايا اختلاس وتبديد وتبذير المال العام…، ولا هي أقرت تنزيل مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، كما تم إقراره في الفصل 19 من الدستور، وفي المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل المغرب، عبر إحداث “هيئة مستقلة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز”، من شأنها أن تطوير مشاركة المرأة سياسيا، وفي مختلف الميادين…

1-3، تمرير سياسات عمومية عبر مؤسسات الدولة وإداراتها، نتج عنها تفقير وتهميش عدد من الجماعات الترابية الحضرية منها والقروية، وأضرت بالمصالح الفضلى لأغلبية المواطنين (ات) ب: تحرير الأسعار، وتخفيض قيمة العملة، وتعميم البطالة والهشاشة…، كما أضرت بالموظفات والموظفين ب”إصلاحات” التقاعد، وتجميد الأجور، وتوقيف الترقيات لمدة طويلة…، ولا زالت تغض الطرف عن الرشوة والارتشاء، والفساد الإداري بمختلف أساليبه…

1-4، يبقى جانب السيادة الوطنية ذي العلاقة خصوصا مع العلاقات الخارجية، هي نقطة الضوء التي تجتهد فيها الدولة المغربية، حيث استطاعت جعل العديد من الدول تتراجع عن موقفها السلبي من الصحراء، وافتتاح عدد منها القنصليات في مدينتي العيون والداخلة، وفضح ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقع بتندوف، في ارتباط مع تحويل المساعدات الدولية لسكانها لوجهات أخرى، ثم تحكم هذا الموضوع في علاقات المغرب مع الدول إيجابا أو سلبا، بشكل حساس…

غير أن ربط الحكومة توقيع ترامب في 10 ديسمبر 2020 مرسوم اعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني ، لم يجر على قوى الشعب المغربي سواء في يوم الأرض 2021، أو في وقفات ومظاهرات احتجاجية في الرباط، سوى التضييق على المتظاهرين والمتظاهرات بمختلف المعاملات اللا إنسانية والمهينة والحاطة من كرامتهم، فيما بقي، كون الاعتراف جاء بين ولايتين رئاسيتين انتقاليتين، ولا أثر للموقف الأمريكي في الأجهزة الأممية، ولا استفادة من الاستثمارات الأمريكية في الصحراء، فيما ضحى المغرب برمزية رئاسته للجنة القدس، مقابل التضليل إعلاميا في هذا الشأن، بإبراز دور اللجنة في حماية القدس والمقدسيين، في الوقت الذي لا تستطع  فيه مجرد التأثير في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولا في تراجع أدوار الأونروا الإنسانية، ولا حمت مقدسيي حي الشيخ جراح من الترحيل، لولا تشبثهم هم بأرضهم، والتضامن الفصائلي الفلسطيني الرائع معهم في حرب تحرير شعبية دامت أحد عشر يوما خلال ماي 2021…

ما يعني أن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي: في الميزان…

  1. التمييز في تخويل الحقوق المدنية للبعض دون البعض الآخر:

تم انتهاك الحقوق المدنية لعدد من فئات الشعب المغربي من قبل القوات العمومية، بخلفية أمنية متشددة وانتقامية، بما يخالف المواد المنصوص عليها في هذا الشأن على الخصوص في: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي الدستور، من ذلك:

  1. المس بالسلامة النفسية والجسدية لعدد من نشطاء حقوق الإنسان والاعتداء عليهم، ونقلهم إلى مخافر الشرطة، لثنيهم عن مراقبة مدى إعمال أجهزة الدولة للمقاربة الحقوقية، واستغلال قوانين الطوارئ بشكل فج لإخلاء الأماكن المتظاهر فيها، بالتعذيب والمعاملة القاسية وللا إنسانية والمهينة والحاطة من الكرامة، بما يتنافى والاتفاقية الدولية في الموضوع (1984)، والبروتوكول الاختيـاري الملحق بها (2002)، بالرغم من التزام الدولة بمقتضياتهما لمصادقته عليهما، وفي خرق واضح للفصل 22 من الدستور، كل ذلك مقابل تمكين الجهات الموالية من استعمال الفضاءات العمومية، دون أدنى مراعاة لشروط الوقاية من العدوى، ما يوضح التوظيف السياسي للجائحة لمحاصرة المواقف المنتقدة.
  2. مواصلة أجهزة الدولة الأمنية لاعتقالات ظالمة في صفوف الإعلاميين والمدونين المستقلين، والزج بهم في السجون لعشرات الشهور دون محاكمة، مع تشجيع إعلاميين آخرين على ارتكاب جريمة التشهير بهؤلاء المعتقلين أنفسهم وبغيرهم، لتأليب الرأي العام ضدهم؛ مما يؤشر على الترتيب لانتهاك معايير المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن قبليا، من أجل صدار أحكام سياسية جائرة في حقهم؛
  3. التضييق على العديد من الجمعيات خصوصا منها الجمعيات الحقوقية، والتي ينتهك حقها في التنظيم، بحرمانها من وصول الإيداع، ومن القاعات العمومية، وحظر الدعم المالي المخصص لها في ميزانيات الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، في الوقت الذي يغدق فيه على الجمعيات المرضي عليها بهذا الدعم، وتكون أنشطتها مباحة في نفس القاعات المحظورة على الجمعيات المغضوب عليها.

ويتم تكريس هذه السياسة التمييزية عبر إحداث “الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب” بشكل غير مستقل، حيث تم إدماجها داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي لم يكتسب بعد كل ضمانات الاستقلالية، كل ذلك تكييفا لاستجابة الدولة في هذا الشأن للالتزامات المترتبة عن انضمام المغرب للبرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، مع السياسات العمومية الجاري بها العمل في هذا النطاق، وإن كانت هذه الآلية تضطلع فقط بإجراء زيارات منتظمة إلى أماكن الحرمان من الحرية، مع توجيه توصيات تهدف إلى حماية الأشخاص المحرومين من الحرية ووقايتهم من التعذيب وسوء المعاملة، وأنسنة ظروف اعتقالهم…

وبالرغم من دفاع الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان على استراتيجية الدولة المتعلقة بالربط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك من خلال التدابير 435 المعتبرة -حسبها- رافعات أساسية في “خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان”، لتخليص الممارسة الديمقراطية من مختلف مظاهر الهشاشة، غير أنه الاستناد إلى ما سبق ذكره، فإنه ما من ديمقراطية تم إقرارها، ولا احترام لحقوق الإنسان على أرض الواقع، ولا إعمال لكل التدابير المذكورة، فالربط إنما هو واقع بين شبه انعدامهما…

  1. حقوق اقتصادية مهلهلة:

  • المديونية:

شكلت المديونية إحدى النقط السوداء على امتداد العشرية الأخيرة، إذ كشف تقرير إحصائي صادر عن وزارة المالية والاقتصاد أن إجمالي الدين الخارجي قد بلغ عند متم سنة 2019 أزيد من 35.4 مليون دولار، أي 339.8 مليار درهم، فيما ورد في التقرير الشهري الذي تعده مديرية الخزينة العامة أن مجمل الدين الداخلي للمغرب قد بلغ خلال 2020 حوالي 613.3 مليار درهم؛

وتبعا لذلك سجلت المندوبية السامية للتخطيط أن الدين العمومي للمغرب، الذي يستوعب الدين المترتب على الخزانة العامة، والدين الخارجي الذي تتولى الدولة ضمانه لفائدة الشركات الحكومية والجماعات المحلية، سينتقل من 94.6 % من الناتج الداخلي الخام، إلى 95.6 % خلال 2021؛

لذلك ليس غريبا أن يصرح السيد وزير المالية والاقتصاد بأن الموازنة العامة قد بلغت 7.5 % وأنه يسعى – وفق تصريحه أمام البرلمان وهو يقدم ميزانية سنة 2021- إلى تقليص عجز الموازنة إلى نسبة 6.5 % من الناتج الداخلي الخام. “ومنين؟؟؟”

من خلال ما سبق، يبدو ظاهرا أن الحكومة المغربية قد أغرقت البلاد والعباد في يم المديونية وخدمتها على مر السنين، حتى إنها قد رهنت عددا من الأجيال لم تولد بعد لدى الدول والمؤسسات المالية الأجنبية المانحة، ومن المتوقع، وفق خبراء الدولة أنفسهم، أن ترتفع المديونية الخارجية والداخلية بسبب استمرار آثار جائحة كوفيد 19 نحو أرقام ونسب مقلقة، خصوصا مع ركود ميادين مهمة من الاقتصاد المغربي.

  • حرمان الشعب من موارده الطبيعية:

لئن نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) والمصادق عليه من قبل المغرب سنة 1979، في مادته الأولى على أن ” لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق … حرة في التصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية … “، فإن إيرادات الكثير من المعادن النفيسة التي تزخر بها أرضنا المعطاء لا أثر لها في الميزانية العامة للدولة، كون الهولدينغ الملكي: “أونا” هو من يستفيد منها، ما يعتبر إيغالا في حرمان الشعب المغربي من موارده الطبيعية، كما أن نسب مهمة من إيرادات عدد من المشاريع: كخطوط السكك الحديدية، وعدد من الطرق الرابطة بين المدن… تؤول لفائدة “أمنا” الاستعمارية فرنسا، إلى غاية 2056…

وبالنظر إلى سوء توزيع الأراضي الفلاحية، فضلا عن تشجيع اكتراء المستثمرين المحليين والأجانب أراضي شاسعة من الأراضي الجماعية لعدد غير قليل من الجماعات السلالية لحوالي قرن من الزمن، وبالرغم من بعض الانتعاش الذي شهدته السنة الحالية من حيث معدل التساقطات المطرية، فإن كبار الملاكين منهمكون في توسيع اسواقهم الخارجية بتشجيع من الحكومة، في الوقت الذي لا زالت تستورد فيه عددا كبيرا من حاجياتنا الغذائية بالعملة الصعبة من الخارج؛

فيما يستمر نهب المال العام عبر تهريبه إلى الأبناك الأجنبية في مشارق الأرض ومغاربها، إذ إنه وفق معطيات نشرها مكتب الصرف فإن مجموع المبالغ المصرح بها لسنة 2020، قد بلغ 5,93 مليار درهم، وأن حوالي 1959 شخصا أدلوا بتصريحات في هذا الشأن، قد استفادوا سياسة الإفلات من العقاب التي تم إقرارها في القانون المالي لسنة 2020، مقابل استرداد هذه المبالغ… ورغم ذلك فلم يسترجع منها إلا النزر القليل، فأي إعمال هذا، لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

وتتردى الأوضاع الاقتصادية بشكل مقرف، ببروز جريمة خيانة الأمانة بجلاء واستدامة اقتصاد الريع، مع استمرار فساد أولي الأمر، باستغلالهم السلطات المخولة لهم لاختلاس وتبديد ونهب الأموال العمومية بملايير الدراهم، من خلال المشاريع الفاشلة، وإفشال إنجاز مشاريع حيوية، مثل: “الحسيمة منارة المتوسط”، و”مراكش الحاضرة المتجددة”، و”ورزازات مدينة الأنوار”… وابتزاز المواطنات والمواطنين بالرشوة، والتمتع بتقاعد مريح مدى الحياة، بشكل “مشرعن” رغم أنف الشعب المغربي، بالرغم من مخالفة ذلك للقواعد الدولية للمهام العمومية من نوع: الاستوزار، والاستشارة داخل البرلمان ومجلس المستشارين.. ” سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ”…

والمثير جدا، هو أن المتابعات والأحكام، التي تصدر عن القضاء بشأن قضايا قليلة من هذا القبيل، مخجلة، بل ومشجعة على التمادي في الفساد، وما زالت مقتصرة على بعض الموظفين والمنتخبين والمقاولين دون أن تطال كبار المسؤولين، مما ينتهك نطاق الانطباق، وممارسات مكافحة الفساد الوقائية المنصوص عليها في المادتين 3 و5 من “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” (2003)، والملزمة مقتضياتها للدولة بعد مصادقتها عليها بتاريخ: 9 ماي 2007.

  1. أوضاع اجتماعية تغلب عليها سمات الفقر والتخلف:

بناء على ما ورد في الملف الاقتصادي، كشفت جائحة كوفيد 19 عورة الدولة بشأن مدى كفالتها الحقوق الاجتماعية للمغاربة، في ظل تجميد الحوار الاجتماعي مع النقابات الأكثر تمثيلية خلال العشرية الأخيرة، وما ترتب عن ذلك من تجميد للأجور وتفقير للطبقة المتوسطة، أمام غلاء المعيشة والارتفاع المضطرد للأسعار، ف:

التعليم واستمرار الازمة المركبة

  • كيف لنا أن نتصور التعليم، بغض النظر عن كل الإجراءات الاستثنائية القسرية المتخذة في زمن كوفيد 19، سوى ما عليه الآن من إقرار لـ:
  • مقررات وبرامج دراسية غير مواكبة للتطور: العلمي والتكنولوجي والأدبي والفني والتربوي، على الصعيد العالمي؛
  • كتب مدرسية لازالت الأخطاء المطبعية والمعرفية تشوبها وتعيبها؛
  • الخصاص البنيوي المهول في الموارد البشرية: التربوية منها والإدارية والتقنية والخدماتية؛
  • توظيف أطر الأكاديميات وفق قانون إطار جهوي، ما جعلهم يخوضون إضرابات من أجل الإدماج في سلك الوظيفة العمومية، ورفض ادماجهم  كحق مشروع  ،مقابل المس الخطير بحق المتمدرسين(ات) في التعليم ؛
  • خصاص مهول في هيئة المراقبة والتفتيش، حتى بات بعض المفتشين تقع تحت نفوذهم مناطق بسعة دول كبلجيكا وهولندا واللكسمبورغ…، دون توفير وسائل النقل اللازمة والكافية لإنجازهم المتعين، والموجود منها بات في حالة ميكانيكية يندى لها الجبين…
  • تجهيزات لوجيستيكية تقادمت أيما تقادم في عدد لا بأس به من القاعات الدراسية، ولم يتم تجديدها منذ أمد بعيد، وشبه انعدام الأجهزة الإلكترونية وصبيب الأنترنت ضعيف لإنجاز بعض الدروس؛
  • تحويل برنامج “تيسير” إلى مورد للاسترزاق ومحاربة الفقر، بدل دعم مسار الأطفال الدراسي وحمايتهم من الهدر المدرسي؛
  • فضاءات مدرسية لا تستجيب ولو لمجرد ما سطرته الوزارة في كتيب الحياة المدرسية…

أما الأمية، فرغم جهود المجتمع المدني المتعلقة بمحاربتها، فإن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، قد حددت نسبتها في حوالي 43% بالوسط الحضري، فيما بلغت بحوالي 57% بالوسط القروي، مما يعتبر عيبا لا يغتفر في دولة تعتبر نفسها مستلقة، قياسا على انعدامها في دولة محتلة كفلسطين…

وعلى أنقاض هذه الوضعية تأسست الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، تحت شعار لماع هو: “من أجل مدرسة للإنصاف والجودة والارتقاء” لم يتحقق منه شيء إلى حد الساعة، سوى تنزيل هذه الاستراتيجية في نص قانون إطار رقم 51.17 متعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، تمت المصادقة عليه في الفاتح من شهر غشت 2019، دون إشراك الهيئات النقابية الأكثر تمثيلية في صياغته، ولا استشارة ممثلي جمعيات الآباء والأمهات والأولياء على الصعيد الوطني بشأنه… وفي حدود “تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين من حق الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج”، كما هو منصوص عليه في الفصل 31 من الدستور، دون ذي جودة…

وضع صحي مقلق

  • ثم كيف لنا أن نتصور قطاع الصحة خصوصا في ظرفية جائحة كوفيد 19، التي شهدت الكثير من الوفيات يوميا، وفضحت وضعه، حيث سجل:
  • خصاص مهول في الموارد البشرية في الأقسام الاستشفائية، بالرغم من وجود خريجات وخريجين بدون شغل، حتى إن الكثير من أطبائنا وممرضينا وتقنيينا قد فضلوا الهجرة على البقاء في الوطن بدون كرامة؛
  • بطء ممتد في تحديد المواعيد لفائدة المريضات والمرضى في المستشفيات العمومية لأجل الكشف عن الحالات المرضية لدى الأطباء الاختصاصيين، وإن غاب الطبيب عن العمل لأي سبب من الأسباب، تضاعفت معاناتهم أمدا بعيدا، لارتباط الكثير من الأطباء بالقطاع الخاص في المدن الكبرى، ولا حسيب ولا رقيب؟؟؟
  • نقص في الكثير من التجهيزات التي من شأنها المساعدة على العلاج، وحتى إن وجدت في بعض المستشفيات الإقليمية، فإنها إما معطلة، أو ليس بالمستشفى التقني الذي يمكنه تشغيلها، ولا الطبيب الذي من شأنه تحرير تقرير طبي دقيق بناء على الكشف بها؛
  • عدا النقص الكبير في البنيات التحتية، وعدد الأسرة اللازمة للأعداد المضطردة للمريضات والمرضى؛
  • بعد الخدمات الطبية المتخصصة عن المدن الصغرى، ومحيطها القروي، أدى ويؤدي إلى تسجيل أعداد كبيرة من الوفيات في منتصف الطريق نحو المدن الكبرى…
  • هشاشة التشغيل
  • ثم كيف لنا أن نتصور قطاع التشغيل خصوصا في ظرفية جائحة كوفيد 19، حيث افتضحت هشاشة التشغيل، ويكفي ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط من صعود نسبة البطالة إلى 11.9 % خلال العام 2020، بعدما كانت لم تتجاوز 9.2 % بنهاية 2019، وقالت المندوبية، إن عدد العاطلين عن العمل في السوق المحلية ارتفع بمقدار 322 ألف فرد خلال 2020، مقارنة مع 1.429 مليون فرد سنة 2019، مقابل ذلك انكب العديد من المسؤولين في الحكومة على تشغيل ذوي القربى: عائليا وحزبيا، وتكثيف عدد من المناصب بمردودها المالي لفائدة أقلية من المحظوظين…

وبالاستناد إلى “العمق المغربي” عدد يوم 08 يونيو 2021، كشف تقرير رسمي أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن حوالي %45 من المغاربة يعتبرون “فقراء ذاتيا” سنة 2019: (%38,6 في الوسط الحضري و%58,4 في الوسط القروي)، مسجلة أن الفقر الذاتي يطال جميع الطبقات الاجتماعية ولكن بمستويات مختلفة.

وهي نسب وأعداد متواضعة مقارنة مع ما يمكن كشفه حقا بالتوازي مع ما سجل من جفاف في القطاع الفلاحي، وشظف العيش على امتداد الوطن الحبيب، بعد:

  • تسريح عدد من العمال في المؤسسات الفندقية، والمقاهي، والصناعات التقليدية…
  • عطالة عدد من العمال الذين دأبوا على العمل في القطاع السينمائي؛
  • تخفيض أعداد العمال الصناعيين والزراعيين بتواز مع التقليص في الإنتاج؛
  • انخفاض إيراد أصحاب وسائل النقل العمومية بشكل مهول، مع نقصان حركية النقل، وبموازاة مع إغلاق الحدود؛
  • انعدام فرص الشغل عموما، باستثناء الأعداد القليلة التي تلج باب التوظيف في قطاع التربية والتكوين، وبعض القطاعات العمومية؛
  • بروز بطالة مقنعة بالترسيم غير القانوني لأشغال تعتبر عارا في دولة تعتبر نفسها مستقلة، ك: التسول المجرم طبقا للقانون الجنائي، فضلا عن مرتادي الحراسة النهارية والليلية في مواقف السيارات، وملمعي الأحذية…
  • بروز جرائم: السرقة والنشل، والنصب والاحتيال، والقتل… بشكل لافت.

عدالة غير سليمة

فلم تشهد التحسن المنظور عقب استقلال النيابة العامة غير المكتمل بعد، خصوصا في قضايا ذات الارتباط بالأحداث الاجتماعية، كأحداث الريف، وزاكورة، وجرادة…، التي ترتبت عنها اعتقالات حولت الصراع الاجتماعي إلى صراع قضائي من أجل تحرير المعتقلين، حيث تدخل الملك، عقب إصدار أحكام ثقيلة مسيسة وانتقامية ضدهم، لإصدار عفوه على عدد منهم، لتصحيح الأخطاء التي وقع فيها القضاء؛

أما في قضايا الرأي والتعبير، فيكفي الوقوف عند قضيتين بشيء من التعريض على:

  • توقيف عمر الراضي بأمر من النيابة العامة بتاريخ: 29 يوليوز 2020، بعدما نسبت له تهمة الاغتصاب، فضلا عن تهم “المس بسلامة الدولة” والتخابر مع “عملاء دولة أجنبية”، ويستفاد من موسوعة “ويكيبيديا”، أن ما جر عليه كل ذلك إنما هو أعماله الصحفية، التي حققت بعمق في ملفات ذات علاقة برجال الدولة والموظفين الكبار، ضمنهم مستشارين للملك ووزراء سابقين وموظفين سامين وشخصيات أجنبية، وتغطيته للحركات الاجتماعية الاحتجاجية في سيدي إيفني، إيميضر، والريف، والأراضي السلالية؛ واحتجاجا منه على احتجازه التعسفي والتحكمي والإداري الممتد لحد الآن، خاض إضرابا عن الطعام لمدة 21 يوما، مطالبا بمتابعته في حالة سراح؛
  • اعتقال سليمان الريسوني المتهم ب”هتك عرض شاب مثلي بالعنف والاحتجاز”، منذ 22 مايو 2020، إذ صرحت منظمة العفو الدولية بتاريخ: 28 مايو 2021، “أنه قد تم احتجازه لمدة عام في زنزانة واحدة، دون أي اتصال ذي معنى مع أي شخص آخر لأكثر من 22 ساعة في اليوم، ويعاني من ارتفاع ضغط الدم المزمن، وهو مرض يتطلب تلقي علاج منتظم، ومنذ أن بدأ إضرابه عن الطعام في 08 أبريل 2021، فقد 31 كيلوغراما من وزنه، وتدهورت صحته بشكل حاد”، والأخطر من ذلك أن حقه في الحياة صار مهددا، بما ينتهك الفصل 20 من الدستور، لاستمراره إلى حد الآن في إضرابه عن الطعام مطالبا بمتابعته بدوره في حالة سراح؛ والحال أن اعتقاله في الأصل، ما هو إلا رد فعل انتقامي ضد شجاعة افتتاحياته في جريدة “أخبار اليوم”، لتشخيصه الدقيق لحالة المغرب المزرية، وانتقادا جريئا: لتدبير وسياسات الدولة، ولمسالك التدبير الاقتصادي والاجتماعي، ولدوائر القرار السياسي والأمني، كان آخرها قبل اعتقاله تناوله لاعتقالات مخترقي قانون الطوارئ الصحية، التي قال عنها إن عدد المعتقلين قيدها فاق عدد الإصابات بالفيروس.

وما من ناه ولا منتهي بشأن القضيتين…

وقس على ذلك قضايا: توفيق بوعشرين، وحميد المهداوي، والمعطي مونجيب، وهاجر الريسوني…

ولا يفوتنا أن نسجل أن للقضاء الجالس جولات مهيبة ونزيهة ومشرفة، حدت من شطط استعمال السلطة من قبل النيابة العامة، ورجال الشرطة القضائية وقضاة التحقيق، بإصدارها لأحكام بالبراءة خصوصا في القضاء الإداري، غير ذلك فمظاهر الرشوة والارتشاء قد أفسدت القضاء في العديد من المدن إلا من رحم ربك.

ازمة الحق في السكن

  • أما الحق في السكن اللائق، كحق أساسي إنساني، كما حددت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في تعليقها العام رقم 4، معاييره في: أمن حيازته القانوني، والقدرة على تحمل تكاليفه دون تهديد تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى لصاحبه أو الانتقاص منها، وصلاحيته، ويسر توافر الخدمات والمواد والمرافق والهياكل الأساسية له، وتلبية الاحتياجات خصوصا للفقراء، والأشخاص الذين يواجهون تمييزاً، والأشخاص ذوي الإعاقة، وضحايا الكوارث الطبيعية…، ومن حيث إتاحة موقعه إمكانية الاستفادة من خيارات العمل، وخدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الطفل…، وألا يكون مبنياً في موقع ملوث، ثم ملاءمته من الناحية الثقافية بتعبيره عن الهوية الثقافية وأساليب الحياة الجاري بها العمل، غير أنه في واقع الأمر لا زلنا نشهد في المغرب تهميشا صارخا للمواطنات والمواطنين، عبر تنظيماته الجماهيرية المؤطرة لهم، من قبل الإدارات والمصالح اللامركزية بشأن تحديد البرامج، في تناقض صارخ مع الحديث عن سياسة القرب، وإعمال مقاربة وزارة الداخلية الكلاسيكية عبر العمال والولاة المشبعة بالهاجس الأمني وما يرافقها من رشوة ومحسوبية، بدل المقاربة التشاركية الاجتماعية بكل دلالاتها الديمقراطية.

كما نشهد التواطؤ المقيت من قبل سلطات الوصاية، مع لوبيات الفساد العقاري، وما يسمى ب”المستثمرين” المغاربة منهم والأجانب، من أجل الترامي على الأراضي الجماعية في العالم القروي، وتقديم كل المساعدات الضرورية لهم لإنجاز أكرية بشأنها تدوم 99 عاما…، بدل العمل على تمتيع ذوي الحقوق من بحقهم في ملكية الأراضي عبر المحافظة العقارية لفائدتهم، بما يتلاءم وما ورد في الفصل 35 من الدستور، وتقديم الخدمات المالية المناسبة، وفق ما التزمت به الدولة في المنتدى السياسي الرفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة – المنبر المركزي للأمم المتحدة لمتابعة واستعراض خطة التنمية المستدامة لعام 2030، المعتمدة في قمة الأمم المتحدة بتاريخ: 25 سبتمبر 2015.

فضلا عن حشر سكان هوامش المدن في سكن غير لائق بما يشكل تحايلا على تعهدات الدولة إزاء المنتظم الدولي في هذا الشأن…

لذلك يصنف المغرب في أواخر الترتيب في التقارير الدولية للتنمية والشفافية وغيرها.. وهو ما يضر بالسمعة الوطنية، ويفوت على الوطن الكثير من فرص الاستثمار الأجنبي، التي من شأنها أن تلعب دورا كبيرا في توفير الشغل، ومحاربة الفقر، وضمان إحقاق عدد من أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، وهي أهداف لم يتحقق منها إلا النزر القليل بعد مرور ست سنوات على تعهدات المغرب أمام رؤساء العالم في هذا الشأن..

بناء على كل ذلك، فإن المغرب لم يفشل فقط في نموذجه التنموي، بل بقي حق الشعب المغربي في تقرير مصيره – في مهب الريح…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى