العمل الوطني الفلسطيني.. بين الانقسام وآمال الوحدة

◆ رامز مصطفى عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة

لم‭ ‬يعد‭ ‬خافياً‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬وتحديات‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬حيث‭ ‬بذلت‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وحكومة‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬برئاسة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬جهوداً‭ ‬محمومة‭ ‬هدفت‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬عبر‭ ‬عدة‭ ‬مسارات‭. ‬الأول،‭ ‬إبقاء‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬رهانات،‭ ‬عبّر‭ ‬عنهم‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬السيد‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬الأمناء‭ ‬العامين‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ورام‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أيلول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬أكّد‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬ب‭ “‬حل‭ ‬الدولتين‭”‬،‭ ‬والتمسك‭ ‬بالرباعية‭ ‬الدولية،‭ ‬واستئناف‭ ‬المفاوضات‭. ‬والثاني،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عما‭ ‬تسمى‭ ‬ب‭ “‬صفقة‭ ‬القرن‭”‬،‭ ‬ومقدماتها،‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالقدس‭ ‬الموحدة‭ ‬عاصمة‭ ‬للكيان،‭ ‬ونقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬مغتصبة‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭. ‬وبالتالي‭ ‬تنفيذ‭ “‬خطة‭ ‬الضم‭”‬،‭ ‬التي‭ ‬وإن‭ ‬قد‭ ‬تمّ‭ ‬تأجليها‭  ‬فهي‭ ‬تنفذ‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬حكومة‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭. ‬والثالث،‭ ‬مسار‭ ‬اتفاقات‭ ‬التطبيع‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬والسودان‭ ‬والمغرب،‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭. ‬تلك‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬سياقاً‭ ‬خطيراً‭  ‬لتشكيل‭ ‬تحالفات‭ ‬خدمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدفين‭ ‬متلازمين،‭ ‬الأول،‭ ‬لاستبدال‭ ‬أولويات‭ ‬الصراع،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ليتحول‭ ‬صراعاً‭ ‬مع‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ومحور‭ ‬المقاومة‭. ‬والثاني،‭ ‬تهميش‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عزلها‭ ‬عن‭ ‬واقعها‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬تمهيداً‭ ‬لتصفيتها،‭ ‬وفرض‭ ‬حلها‭ ‬وفق‭ ‬الرؤية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬خيار‭ ‬الوطن‭ ‬البديل‭ (‬الخيار‭ ‬الأردني‭)‬،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية،‭ ‬بالمعنى‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والديمغرافي‭. ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬قناعة‭ ‬راسخة‭ ‬لدى‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬أنّ‭ ‬الأردن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬وضعه‭ ‬الراهن،‭ ‬بل‭ ‬سيشهد‭ ‬تحولات‭ ‬تُسهّل‭ ‬تنفيذ‭ ‬وتطبيق‭ ‬خيار‭ ‬الوطن‭ ‬البديل‭ ‬للفلسطينيين‭. ‬

لقد‭ ‬شكّل‭ ‬الموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الرافض‭ ‬ل‭”‬صفقة‭ ‬القرن‭” ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي،‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬أمام‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لصياغة‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الصفقة،‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬عناوين‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭. ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنفيذ‭ ‬مقررات‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬والوطني،‭ ‬لجهة‭ ‬وقف‭ ‬العمل‭ ‬باتفاقات‭ “‬أوسلو‭”‬،‭ ‬وسحب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالكيان،‭ ‬ووقف‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني،‭ ‬وبرتوكول‭ ‬باريس‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬إصلاح‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تطويراً‭ ‬وتفعيلاً‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬توافقت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬و2005‭ ‬و2011‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬سياسية‭ ‬وديمقراطية،‭ ‬وتحقيق‭ ‬شراكة‭ ‬وطنية‭ ‬كاملة،‭ ‬وجعل‭ ‬وثيقة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2007‭ ‬سقفاً‭ ‬سياسياً‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭.‬

غير‭ ‬أنّ‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لم‭ ‬تبادر‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التحرك‭ ‬لرأب‭ ‬الصدع‭ ‬والانقسام‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وأبقت‭ ‬على‭ ‬رفضها‭ ‬وقف‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬وإدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬أية‭ ‬خطوات‭ ‬عملية،‭ ‬كمؤشر‭ ‬على‭ ‬جديتها‭. ‬ومن‭ ‬خارج‭ ‬المتوقع‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬الفصائل،‭ ‬تحركت‭ ‬مياه‭ ‬الانقسام‭ ‬الراكدة‭ ‬بين‭ ‬فتح‭ ‬وحماس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلالة‭ ‬إعلامية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬صالح‭ ‬العاروري‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وجبريل‭ ‬الرجوب‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬لحركة‭ ‬فتح‭ ‬في‭ ‬تموز‭ ‬2020،‭ ‬تأكد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أنّ‭ ‬سياقاً‭ ‬حوارياً‭ ‬ثنائياً‭ ‬قد‭ ‬قطع‭ ‬شوطاً‭ ‬متقدماً‭ ‬بين‭ ‬الحركتين،‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬لقاء‭ ‬تمهيدي‭ ‬للفصائل‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬أواخر‭ ‬تموز،‭ ‬ولقاء‭ ‬الأمناء‭ ‬العامين‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ورام‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أيلول‭ ‬2020،‭ ‬ولقاءاً‭ ‬ثنائياً‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وفتح‭ ‬في‭ ‬اسطنبول‭ ‬أواخر‭ ‬أيلول‭ ‬2020‭. ‬وقد‭ ‬اتفقا‭ ‬خلاله‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬والرئاسية‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬خلافاً‭ ‬قد‭ ‬برز‭ ‬بين‭ ‬الحركتين‭ ‬يتعلق‭ ‬بمفهومي‭ ‬التوازي‭ ‬والتوالي‭ ‬لتلك‭ ‬الانتخابات،‭ ‬حيث‭ ‬اتهمت‭ ‬فتح‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أنها‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬توالي‭ ‬الانتخابات‭ ‬الثلاثة‭. ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءاً‭ ‬إعادة‭ ‬السلطة‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬بشتى‭ ‬المجالات،‭ ‬ووافقت‭ ‬على‭ ‬استلام‭ ‬أموال‭ ‬المقاصة‭ ‬المستحقة‭ ‬للسلطة‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬لصهيوني‭. ‬مما‭ ‬أعاد‭ ‬مشهد‭ ‬التفاؤل‭ ‬بإنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬إلى‭ ‬المربع‭ ‬الأول،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬لقاء‭ ‬الأمناء‭ ‬العامين‭ ‬في‭ ‬أيلول،‭ ‬ونسف‭ ‬مخرجات‭ ‬ذاك‭ ‬اللقاء‭.‬

وكما‭ ‬بدأت‭ ‬حوارات‭ ‬حماس‭ ‬وفتح‭ ‬في‭ ‬تموز‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقدمات،‭ ‬تراجعت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬عن‭ ‬اشتراطاتها‭ ‬بتوازي‭ ‬الانتخابات،‭ ‬والموافقة‭ ‬على‭ ‬تواليها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رسالة‭ ‬بعث‭ ‬بها‭ ‬السيد‭ ‬اسماعيل‭ ‬هنية‭ ‬رئيس‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬لرئيس‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬رحب‭ ‬بها‭. ‬خطوة‭ ‬حماس‭ ‬بررتها‭ ‬بتلقيها‭ ‬نصائح‭ ‬تركية‭ ‬ومصرية‭ ‬وقطرية‭ ‬مع‭ ‬ضمانات‭ ‬مقدمة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بإنجاز‭ ‬الانتخابات‭ ‬بمراحلها‭ ‬الثلاثة‭. ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬حماس‭ ‬أصدر‭ ‬السيد‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬المراسيم‭ ‬اللازمة‭ ‬لإنجاز‭ ‬الانتخابات‭ ‬الثلاثة‭ ‬بتواريخ‭ ‬محددة،‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬أيار‭ ‬القادم‭ ‬بانتخابات‭ ‬التشريعي،‭ ‬وتنتهي‭ ‬في‭ ‬أب‭ ‬2021‭ ‬باستكمال‭ ‬تشكيل‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭.‬

مع‭ ‬إصدار‭ ‬المراسيم‭ ‬الانتخابية،‭ ‬بات‭ ‬الطريق‭ ‬معبداً‭ ‬أمام‭ ‬إجراء‭ ‬حوارات‭ ‬فلسطينية‭ ‬‭ ‬فلسطينية،‭ ‬توجت‭ ‬بتوجيه‭ ‬القيادة‭ ‬المصرية‭ ‬الدعوة‭ ‬لأربعة‭ ‬عشرة‭ ‬فصيلاً‭ ‬فلسطينياً‭ ‬هم‭ (‬حماس،‭ ‬وفتح،‭ ‬والجبهة‭ ‬الشعبية‭ ‬‭ ‬القيادة‭ ‬العامة،‭ ‬والجبهة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وحركة‭ ‬الجهاد‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والجبهة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وقوات‭ ‬الصاعقة،‭ ‬والمبادرة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وحزب‭ ‬الشعب،‭ ‬وجبهة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وجبهة‭ ‬النضال،‭ ‬والجبهة‭ ‬العربية،‭ ‬وجبهة‭ ‬العربية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وحزب‭ ‬فدا‭. ‬بالإضافة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المستقلين‭ ‬استقدمتهم‭ ‬حركة‭ ‬فتح‭ ‬من‭ ‬رام‭ ‬الله‭). ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البدء‭ ‬بحوار‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬8‭ ‬شباط‭ ‬الجاري،‭ ‬بحضور‭ ‬وزير‭ ‬المخابرات‭ ‬المصرية،‭ ‬وقادة‭ ‬الفصائل‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الحوار‭. ‬والذي‭ ‬استمر‭ ‬إلى‭ ‬مساء‭ ‬الثلاثاء‭ ‬9‭ ‬شباط‭.‬

وكما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً،‭ ‬الاجتماع‭ ‬لم‭ ‬يوضع‭ ‬له‭ ‬جدول‭ ‬أعمال،‭ ‬فالواضح‭ ‬أنّ‭ ‬التوجه‭ ‬لدى‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الحوار،‭ ‬أي‭ ‬المصريين،‭ ‬ومعهم‭ ‬حركتي‭ ‬حماس‭ ‬وفتح،‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يريدون‭ ‬مناقشتها،‭ ‬وترحيل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬موعد‭ ‬لاحق‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬الوزير‭ ‬المصري‭ ‬عباس‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬افتتاح‭ ‬الحوار،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: “‬لابد‭ ‬من‭ ‬مناقشة‭ ‬الإجراءات‭ ‬العملية‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬للانتخابات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتشريعي‭”. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬احتجاج‭ ‬معظم‭ ‬الفصائل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مداخلات‭ ‬رؤساء‭ ‬الوفود،‭ ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬مناقشة‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬باعتبارها‭ ‬سلة‭ ‬واحدة‭. ‬وأكد‭ ‬المتحدثون‭ ‬وخاصة‭ ‬الفصائل‭ ‬الخمسة‭ ‬وهي‭ (‬القيادة‭ ‬العامة،‭ ‬والجهاد،‭ ‬والشعبية،‭ ‬والصاعقة،‭ ‬والديمقراطية‭)‬،‭ ‬أنّ‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬وميثاقها‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستقيم‭ ‬الأمور،‭ ‬إلاّ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭. ‬

وتمّ‭ ‬طرح‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬وغزة‭ ‬؟‭ ‬،‭ ‬فهناك‭ ‬حوالي‭ ‬14‭ ‬مليون‭ ‬فلسطيني،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬لأمر،‭ ‬وإلاّ‭ ‬الانقسام‭ ‬سيبقى‭ ‬قائماً،‭ ‬والحديث‭ ‬ناقصاً‭. ‬المسألة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬تتهدد‭ ‬الكيانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬والقفز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الفشل،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬معالجة‭ ‬كافة‭ ‬الملفات‭ ‬بشكل‭ ‬متكامل‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإنّ‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬أساس‭ “‬أوسلو‭”. ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الأمر،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذه‭ ‬السلطة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معنياً‭ ‬بوضع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مهتماً‭ ‬به‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تصحيح‭ ‬المعادلة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬شعبنا،‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬لموضوع‭ ‬اللاجئين،‭ ‬ودور‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أينما‭ ‬تواجدوا‭ ‬في‭ ‬الشتات‭.‬

إضافة‭ ‬لذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬القلق‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬المداخلات،‭ ‬بأنّ‭ ‬الانتخابات‭ ‬تجري‭ ‬بناءاً‭ ‬لمطلب‭ ‬ورغبة‭ ‬دولية‭. ‬والخشية‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬العناوين‭ ‬وتطيير‭ ‬الترتيبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬حيث‭ ‬اللجنة‭ ‬التحضيرية‭ ‬التي‭ ‬اجتمعت‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬وضعت‭ ‬الآليات‭ ‬والتوصيات‭ ‬الواجب‭ ‬العمل‭ ‬عليها‭. ‬والخشية‭ ‬أيضاً‭ ‬عدم‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمنظمة،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬السلطات،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬المنظمة‭ ‬والسلطة‭.‬‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬تساءل‭ ‬عما‭ ‬سيحصل‭ ‬بعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬؟،‭ ‬وكيف‭ ‬سيتم‭ ‬نعي‭ ‬الانقسام‭ ‬؟،‭ ‬وكيف‭ ‬سيتم‭ ‬إنهاء‭ ‬مظهره‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬وغزة‭ ‬؟‭. ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬لم‭ ‬يتفقا‭ ‬عليها،‭ ‬وكانت‭ ‬موضع‭ ‬أخذ‭ ‬ورد‭. ‬إلاّ‭ ‬أنهما‭ ‬أي‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬تقولان‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬لن‭ ‬يشكل‭ ‬عائقاً‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬المصالحة‭ ‬وإنهاء‭ ‬الانقسام‭. ‬وهنا‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬كبيرة‭ ‬؟‭.‬

انتهت‭ ‬جلسات‭ ‬الحوار‭ ‬مساء‭ ‬الثلاثاء‭ ‬9‭ ‬شباط،‭ ‬بإصدار‭ ‬بيان‭ ‬ختامي،‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيل‭ ‬الملاحظات‭ ‬التالية‭ ‬عليه‭ :‬

1‭. ‬الفصائل‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريده،‭ ‬لأنّ‭ ‬البيان‭ ‬هو‭ ‬توافقي‭ ‬بين‭ ‬الجميع،‭ ‬شريطة‭ ‬ألاّ‭ ‬يتم‭ ‬تغليب‭ ‬المحصلات‭ ‬على‭ ‬الأساسيات،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنّ‭ ‬المدخلات‭ ‬والبدايات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬وإصلاح‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وأولها‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭. 

2‭. ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الانتخابات‭ ‬ستجري‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬التوافقات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬السابقة،‭ ‬لاسيما‭ ‬وثيقة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬ومخرجات‭ ‬اجتماع‭ ‬الأمناء‭ ‬العامين‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أيلول‭ ‬2020‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬أنّ‭ ‬الانتخابات‭ ‬ليست‭ ‬مسقوفة‭ ‬باتفاقات‭ “‬أوسلو‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ستجري‭ ‬وفق‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقات‭ ‬مهما‭ ‬حمل‭ ‬البيان‭ ‬من‭ ‬عبارات‭. ‬وما‭ ‬ورد‭ ‬ذر‭ ‬للرماد‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والفصائل‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬حماس‭ ‬وفتح‭.  

3‭. ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬عقد‭ ‬اجتماع‭ ‬الفصائل‭ ‬مرة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬أذار‭ ‬القادم،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬كمن‭ ‬يمنح‭ ‬جائزة‭ ‬ترضية‭ ‬للآخرين،‭ ‬مقابل‭ ‬تمرير‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬مدخل‭ ‬للشراكة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬تماماً‭. ‬بل‭ ‬خطوة‭ ‬الاجتماع‭ ‬القادم‭ ‬لطمأنة‭ ‬المتوجسين‭ ‬من‭ ‬الفصائل‭ ‬حول‭ ‬استكمال‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني‭.‬

4‭. ‬تكريس‭ ‬مظاهر‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع،‭ ‬أولاً،‭ ‬بتشكيل‭ ‬محكمة‭ ‬قضايا‭ ‬الانتخابات،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬توافقياً‭ ‬من‭ ‬قضاة‭ ‬بالضفة‭ ‬وغزة‭ ‬والقدس،‭ ‬وجعل‭ ‬مرجعيتها‭ ‬مبهماً‭ ‬بعد‭ ‬الخلاف‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭. ‬وثانياً،‭ ‬تولي‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬مسؤولية‭ ‬أمن‭ ‬الانتخابات‭ ‬هناك،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬مسؤولية‭ ‬أمن‭ ‬الانتخابات‭. 

5‭. ‬ترحيل‭ ‬معالجة‭ ‬إفرازات‭ ‬الانقسام‭ ‬بكل‭ ‬جوانبها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والقانونية،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انتخابات‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬وتشكيل‭ ‬الحكومة‭. ‬وكأن‭ ‬المعالجة‭ ‬مشروطة‭ ‬باستكمال‭ ‬وإنجاز‭ ‬انتخابات‭ ‬التشريعي‭.‬

المؤسف‭ ‬أنّ‭ ‬التطلعات‭ ‬المعقودة‭ ‬على‭ ‬حوارات‭ ‬الفصائل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬خلصت‭ ‬إليها‭ ‬تلك‭ ‬الحوارات‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬الفصائل‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬مستوياتها‭. ‬وبالتالي‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬مشروعة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتطورات‭ ‬السياسية،‭ ‬لجهة‭ ‬تحريك‭ ‬مياه‭ ‬المفاوضات‭ ‬الراكدة‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬والكيان،‭ ‬بدفع‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بايدن،‭ ‬والرباعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وواقع‭ ‬إقليمي‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ووقف‭ ‬خلف‭ ‬إقناع‭ ‬حماس‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬شرط‭ ‬التزامن‭ ‬والقبول‭ ‬بتوالي‭ ‬الانتخابات‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬الشيخ‭ ‬صالح‭ ‬العاروري‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬مداخلته‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬جلسات‭ ‬الحوار،‭ ‬بالقول‭ : ‬إنّ‭ ‬الظروف‭ ‬الضاغطة‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬الاتصال‭ ‬بفتح‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭.” ‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬تمّ‭ ‬عرضه‭ ‬واستعراضه،‭ ‬تبقى‭ ‬هناك‭ ‬مهمتان‭ ‬ملحتان‭. ‬الأولى،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالفصائل‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬حماس‭ ‬وفتح،‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التحشيد‭ ‬بهدف‭  ‬تثبيت‭ ‬مواقفها‭ ‬المعلنة‭ ‬خلال‭ ‬جلسات‭ ‬الحوار،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬آذار‭ ‬2021،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬اعتباره‭ ‬المدخل‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬الوطنية‭. ‬ودون‭ ‬ذلك‭ ‬ستبقى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعناوينها‭ ‬االوطنية‭ ‬عرضة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التبديد‭ ‬والتصفية‭ . ‬والثانية،‭ ‬تتمثل‭ ‬فيما‭ ‬سيقدم‭ ‬عليه‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬استحقاق‭ ‬الانتخابات،‭ ‬إن‭ ‬لجهة‭ ‬منعها‭ ‬وأقله‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بأنها‭ ‬العاصمة‭ ‬الموحدة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬أو‭ ‬لجهة‭ ‬التضييق‭ ‬عللى‭ ‬المرشحين‭ ‬من‭ ‬الفصائل‭ ‬والشخصيات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬حركة‭ ‬فتح‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى