ملف – التعليم عن بعد.. حصيلة مقلقة
من إنجاز : محمد تيكونسى - محمد الحمري
تفتح مجلة الطريق لهذا العدد موضوع التعليم في ظل جائحة كورونا، أولا للتأكيد على انشغالها بهذا الملف الذي فضلا عن قناعتها المبدئية على أن التعليم أساس التقدم والتنمية الشاملة والتحرر من الجهل والتبعية، وبناء الديمقراطية الحقيقية، فلأنه أيضا مسرح للصراع بين اختيارات سياسية متناقضة بين طموح لجعل التعليم قاطرة للتحرر والديمقراطية، وبين واقع يرهن التعليم باختيارات سائدة تهدف إلى تصفيته باعتباره خدمة عمومية وتحويله بشكل عملي إلى مجال للاستثمار الرأسمالي باعتباره مجالا دائما لمراكمة الأرباح عبر بيع التربية والتعليم لملايين المغاربة.
إذا كان التعليم العمومي المغربي يرزح تحت وطأة أزماته المتعددة والتي تكاد تكون مزمنة، يصعب حلها دون إرادة سياسية حقيقية، فهل يمكن أن تكون جائحة كورونا فرصة للتفكير في بناء أسس جديدة للتربية والتعليم ببلادنا تسمح ببناء مواطن الغد، الذي من مواصفاته الأساسية قدرته على البحث والابتكار والتجديد، وتملك مهارات القرن الواحد والعشرين، والتشبع بقيم المواطنة والاختلاف والنزاهة…؟
إن قراءة بسيطة لما يجري في بلادنا على الأقل منذ 16 مارس 2020 تاريخ التوقف الفعلي للدراسة الحضورية، إلى اليوم، لا يؤشر فعلا أننا بصدد فهم واستيعاب الدروس الحقيقية لهذه الجائحة، وخاصة الإدراك العميق لدور التعليم في أية نهضة مأمولة، وأن الانخراط في مجتمع العلم والمعرفة لا يمكن أن يتم سوى بالنهوض بأوضاع المدرسة المغربية والحرص على تجويد التعليم وتكافؤ الفرص أمام الجميع للاستفادة منه كخدمة عمومية تستهدف النهوض بالإنسان باعتباره أساس الحرية والتقدم.
لقد كشفت فترة التعليم عن بعد عن تخلف المدرسة المغربية عن ركب التقدم التقني والمعلوماتي، نتيجة الاختيارات السياسية للطبقة الحاكمة طوال عقود من الزمن، ورغم بعض المقتضيات الواردة في النصوص الرسمية بشأن تأهيل المدرسة لولوجها عالم الرقمنة، فإن الحصيلة لم تكن جيدة على الإطلاق، وقد ثبت ذلك بشكل ملموس بسبب غياب رقمنة المناهج، وضعف تأهيل المؤسسات التعليمية.. وتكاد تكون حصيلة التعليم عن بعد سلبية تماما، ويمكن اعتبار إلغاء الامتحانات الإشهادية في الابتدائي والإعدادي، واعتمادها في سلك الباكالوريا على الموارد المقدمة حضوريا فقط مؤشرا دالا على هذه الحصيلة السلبية.
أما خلال هذه السنة فإن تجربة التعليم بالتناوب قد كشفت، بشكل أكثر وضوحا من أي وقت مضى، عن أوجه اللاتكافؤ في الولوج إلى التعليم، من خلال تعميق الفوارق بين مؤسسات التعليم الخصوصي التي تمكن” زبناءها” من تعليم عادي أو شبه عادي، وبين غالبية مؤسسات التعليم العمومي التي لا يستفيد فيها المتعلمون، في أحسن الأحوال، سوى من نصف الحصص المقررة، في ظل محدودية أثر “التعلم الذاتي” الذي ابتدعته الوزارة للاستهلاك الإعلامي لا غير. كما كشفت عن فوارق مجالية صارخة بين الحواضر والقرى، بشكل يهدد الحق في التعلم بشكل جدي لأبناء القرى.
يضع الكثير من الإباء أيديهم على قلوبهم تحسرا على مصير أبنائهم، خاصة وأن الوزارة أصدرت مؤخرا رزنامة الامتحانات الإشهادية وفق تواريخ محددة، في وقت يعرف فيه إنجاز المقررات الدراسية تأخرا غير مسبوق، سواء بسبب نظام التعليم التناوبي، أو كثرة التوقفات والإضرابات التي تكاد تشل المدارس العمومية المغربية، بسبب احتجاجات الأساتذة الذي فرض عليهم التعاقد وأطر الإدارة التربوية وغيرهم من الفئات والهيئات التعليمية.. في مقابل ذلك تغلق الوزارة كل أبواب الحوار الجاد مع النقابات التعليمية وممثلي الفئات المتضررة، مستغلة ظروف الجائحة لإعلاء صوت القمع والتنكيل بشكل يشوه صورة البلد داخليا وخارجيا، ويهدد كل المكتسبات التي حققها المغاربة طوال عقود من النضال والتضحيات الجسام.