التعليم التناوبي وتكريس الطبقية في التعليم
◆ محمد تيكونسى
الأنماط التربوية وشرعنة اللاتكافؤ
في بداية السنة الحالية، ونظرا لارتفاع حالات الإصابات المسجلة بفيروس كورونا، أصدرت الوزارة مذكرة حول الأنماط التربوية التي يمكن اعتمادها حسب درجة انتشار الفيروس في الوسط المحلي للمدرسة: نمط تعليم عن بعد في حالة الانتشار الواسع للوباء، نمط التعليم الحضوري عند انحسار المرض، وحالة التعليم بالتناوب في حالة الانتشار المحدود لحالات الإصابة. غير أن هذه الوضعية كشفت من جهة تفاوتا كبيرا بين المؤسسات التعليمية الخصوصية والعمومية من جهة أولى، وبين الوسطين الحضري والقروي من جهة ثانية.
1- شرعنة اللاتكافؤ بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي
بصرف النظر عما أظهرته فترة التعليم عن بعد من هشاشة وضعف بعض مؤسسات التعليم الخصوصي، غير أن بداية الموسم الحالي أظهرت بالفعل تفاوتا كبيرا بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، إذ تمكنت مؤسسات التعليم الخصوصي من فرض شروط جديدة، وأسعار مرتفعة مقابل الخدمة “العمومية” التي تقدمها، وذلك بسبب قدرتها على تقديم تعليم حضوري كامل “لزبنائها” نظرا للتحكم المسبق في أعداد المتعلمين في القسم ( مابين 15 و20 تلميذا)، وتوفير الموارد البشرية الكافية وهو ما انعكس مباشرة على نوعية التعليم الذي تقدمه هذه المؤسسات، ومستوى التقدم في إنجاز المقرر الدراسي.. كل ذلك مقابل استمرار تخبط المؤسسات التعليمية العمومية في مشاكلها المزمنة، خاصة الاكتظاظ بالأقسام وضعف البنى المادية وقلة الموارد البشرية في أغلبها، وهو ما نتج عنه اعتماد التعليم التناوبي في أغلب المؤسسات التعليمية، فبسبب ارتفاع أعداد المتعلمين بالقسم يتم توزيع كل قسم إلى فوجين يتبادلان الدراسة الحضورية ( 3 أيام لكل فوج) وأحيانا عندما يتجاوز عدد التلاميذ 40 تلميذا في القسم، وبسبب ضعف البنية المادية وقلة الموارد البشرية، يتم تقسيم القسم إلى ثلاثة أفواج ( يومين في الأسبوع لكل فوج)..
2- تخلي الدولة عن ضمان الحق في التعلم
بصدد ذلك من المفيد التذكير بأن التعليم هو قبل كل شيء خدمة عمومية تتحمل الدولة عبء توفيرها لكل المواطنات والمواطنات، على قدم المساواة للجميع، وهو ما يطرح مسؤولية الدولة في تدبير هذه الخدمة من خلال تنصلها من ضمان هذا الحق للجميع على قدم المساواة أولا، وثانيا من خلال تفقير المؤسسات العمومية وتركها تتخبط في بحر من الأزمات المزمنة بشكل لا يمكنها من الاستجابة للتدابير الواردة في المذكرة المشار إليها أعلاه، بما يضمن تكافؤ الفرص بين من يستفيدون من هذه الخدمة “العمومية” في المؤسسات التعليمية الخصوصية، وباقي مؤسسات التعليم العمومية. لقد عرت فترة التعليم عن بعد، وأنماط التعليم المعتمدة هذه السنة الكثير من “الماكياج” على سياسات الدولة في مجال التعليم، وظهرت على حقيقتها عارية، كسياسات طبقية، تهدف إلى تقديم هذه الخدمة ليس بما يخدم الحق في التعلم بما يعنيه من إنماء كامل لمختلف جوانب الشخصية، وليس بما يحقق التنمية الشاملة، بل بما يخدم أهداف السيطرة الطبقية.. ولذلك يظهر هذا التفاوت الصارخ في أنماط التعليم المعتمدة، بين أقلية من المدارس الخصوصية التي تتمتع بكل الإمكانات لتوفير تعليم جيد لأبناء الأغنياء، وأغلبية من المدارس العمومية، التي تأوي أغلبية أبناء الشعب،والتي تتخبط في مشاكلها المزمنة.
3- تلاميذ القرى ولا تكافؤ الفرص
إذا كان التفاوت بين التعليم الخصوصي والعمومي، إحدى أهم تجليات غياب الإنصاف وتكافؤ الفرص، في الحق في التعليم بين أبناء المغاربة، فإن التفاوتات المجالية هي الأخرى إحدى تمظهرات هذا التفاوت .. إن الصعوبات التي يواجهها تلاميذ القرى والجبال أكثر بكثير مما يواجهه غيرهم، ففضلا عن المشكلات التقليدية، كالفقر والهشاشة، وضعف البنى التحتية من طرق ونقل مدرسي ، وبعد المؤسسات التعليمية، وقلة الموارد البشرية، وغيره.. فإن تنظيم هذه السنة الدراسية يحمل لها صعوبات إضافية.. إن اعتماد التعليم التناوبي، والذي يفترض تقسيم الزمن الدراسي إلى زمن حضوري بالأقسام وزمن للتعلم الذاتي بالبيت، لا يعني هذا الأخير بالنسبة لتلاميذ العالم القروي سوى يوم عطلة، نظرا لمشكلات الفقر والهشاشة المشار إليها أعلاه، فضلا عن غياب أي دعم أسري للتلاميذ، بسبب الأمية وانشغالات الآباء طوال اليوم خارج البيت. في كثير من المؤسسات التعليمية التي بها داخليات أو مطاعم مدرسية، غالبا ما يتم الاعتماد على نمط خاص للتعليم بالتناوب، حيث يدرس التلاميذ لأسبوع ويأخذون “عطلة” في الأسبوع الموالي.. مع ما يطرحه ذلك من صعوبات عند بداية كل أسبوع للدراسة الحضورية، من حيث الاستعداد والحافزية. كما أن العديد من المؤسسات توقف فيها النقل المدرسي بصفة نهائية أو جزئية.. إن المدرسة المغربية التي كانت فيما مضى أداة للترقي الاجتماعي لعدد من أبناء القرى، ومصدرا مهما للموارد البشرية المؤهلة التي تشغل عددا من القطاعات الحكومية طوال الفترة الماضية، ستعرف إذن هذه المدرسة تحولات جوهرية تتجه إلى مزيد من الإقصاء لأبناء المدرسة العمومية بشكل عام ولكن لأبناء القرى بصفة خاصة.
جواب الحكومة: القمع لا الحوار..
يبدو أنه حان الوقت، بالنسبة للدولة وحكومتها، للتنفيذ الحرفي لتوصيات الدوائر المالية الإمبريالية، للتخلص من واجبها في ضمان الحق في التعليم للجميع، وتحويل هذه الخدمة العمومية إلى سلعة حقيقية لرأسمال الوطني والأجنبي.. وقد استغلت ظروف هذه الجائحة وتعقيداتها ليس لإدراك أهمية الاستثمار في التعليم، باعتباره الرافعة الأساسية لكل تنمية في المستقبل، بل لتعميق اختلالات المنظومة التربوية، من خلال “إهمال” المؤسسة التعليمية العمومية، وتركها لمشاكلها المتراكمة، وقد عرت تجربة السنة الماضية واقع تخلف المدرسة المغربية وعدم قدرتها على مسايرة متطلبات التعليم الرقمي، وزادت مقتضيات التعليم التناوبي خلال هذه السنة في تعميق الفوارق بين تعليم الأقلية والأغلبية من جهة ومن جهة ثانية ساهمت في تأزيم وضعية أبناء القرى أكثر من غيرهم.. ومن جهة ثالثة، وبالنظر لمختلف هذه الاختلالات وغيرها من تراكمات السياسات المتبعة في القطاع، وخاصة التوظيف بالتعاقد، وعدم الاستجابة للملف المطلبي لنساء ورجال التعليم، واستغلال هذه الجائحة لإغلاق باب الحوار، وإعلاء لغة العصا للتنكيل بمختلف فئات الشغيلة التعليمية في شوارع الرباط.. فإن الوزارة والحكومة ماضية في سياسة الآذان الصماء من حيث تجاهل وضعيات المؤسسات التعليمية العمومية المشلولة تماما خاصة مع الإضرابات المتوالية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وأطر الإدارة التربوية في جميع الأسلاك، والإضرابات المحلية والجهوية والوطنية للنقابات التعليمية، بشكل يهدد فعلا وبشكل جدي الموسم الدراسي الحالي، خاصة بالنظر لأعداد المنخرطين في هذه الاحتجاجات، وبرامجها التصعيدية والتي تتضمن مقاطعة الامتحانات الإشهادية بشكل كامل.. في وقت تشل فيه أطر الإدارة التربوية بالأسلاك الثلاثة الحياة الإدارية بالمؤسسات التعليمية وفق برنامج نضالي تصعيدي… خلال هذه الأزمة الخانقة التي تتهدد المؤسسة التعليمية العمومية، تستمر الوزارة في أجرأة عمليات إنهاء السنة الدراسية وتجاهل كل هذه الاحتجاجات، “وترك الزمن للزمان” عسى أن يتعب المحتجون.. في الوقت الذي يستمر فيه أبناء الأغنياء في تلقي تعليمهم بشكل عادي وسلس.. إن هذا الوضع غير المسبوق من تجاهل احتجاجات كافة فئات وهيئات نساء ورجال التعليم، وإغلاق باب الحوار سواء مع النقابات التعليمية أو ممثلي الفئات والهيئات التي تحتج دوريا بشوارع الرباط، وإعلاء لغة الزرواطة بشكل يسيء لصورة المغرب، وللمكتسبات التي راكمها الشعب المغربي وقواه الحية منذ الاستقلال.. لا يعني سوى أن الدولة ترغب في التخلص النهائي من ملف التعليم.