الملفطريق التنوير

التصوف.. بارود مرطب في أيادي مرتجفة

◆ ذ. رشيد العلوي

للزوايا‭ ‬الصوفيَّة‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬بل‭ ‬ولبعضها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاستبداد‭ ‬السيَّاسي،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تتمتع‭ ‬باستبداد‭ ‬ديني‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬له‭. ‬ليست‭ ‬علاقة‭ ‬الزوايا‭ ‬بالقصر‭ ‬دوماً‭ ‬علاقة‭ ‬تكافؤيَّة‭ ‬ولا‭ ‬تصالحيَّة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لبعض‭ ‬الزوايا‭ ‬دور‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬معارضة‭ ‬النِّظام‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة‭. ‬يقول‭ ‬حمودي‭: “‬انتشرت‭ ‬الطريقة‭ ‬الدرقاويَّة،‭ ‬كما‭ ‬نعلم،‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والبوادي،‭ ‬وتجاوزت‭ “‬المغرب‭ ‬الأقصى‭” ‬إلى‭ ‬سائر‭ ‬بلدان‭ ‬الشمال‭ ‬الافريقي‭. ‬وقد‭ ‬حركت‭ ‬معارضة‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬الأطلس‭ ‬المتوسط‭ ‬وضعت‭ ‬السُّلطة‭ ‬في‭ ‬مأزق‭” (‬الشيخ‭ ‬والمريد،‭ ‬ص‭ ‬126‭).‬

ظهر‭ ‬مفعول‭ ‬خطة‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الدِّيني‭ ‬مع‭ ‬نضالات‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير،‭ ‬حيث‭ ‬سارعت‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشيَّة‭ ‬لحشد‭ ‬أنصارها‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬البيضاء‭ ‬لدعم‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬ولمواجهة‭ ‬جماعة‭ ‬العدل‭ ‬والإحسان‭ ‬التي‭ ‬ينحدر‭ ‬زعيمها‭ ‬ومؤسسها‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الزاوية‭. ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬اصطفاف‭ ‬كافة‭ ‬المنخرطين‭ ‬بهاته‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السيَّاسة‭ ‬الدينيَّة‭ ‬الجديدة،‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬المناهضين‭ ‬لـحركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭. ‬ورغم‭ ‬وجود‭ ‬استثناءات،‭ ‬فالأمر،‭ ‬كان‭ ‬متعلقاً‭ ‬بدواع‭ ‬مصلحيَّة‭ ‬وليس‭ ‬بمنظور‭ ‬نقدي‭ ‬للتسلُّط‭: ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬بحضور‭ ‬أنصار‭ ‬المغراوي‭ ‬لبعض‭ ‬المظاهرات‭ ‬لغاية‭ ‬فتح‭ ‬دور‭ ‬القرآن‭ ‬التي‭ ‬أغلقتها‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬سنة‭ ‬2003،‭ ‬ثم‭ ‬بعض‭ ‬الفقهاء‭ ‬المحتجين‭ ‬لتحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬وقليل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬المرتبطين‭ ‬بتيَّارات‭ ‬إسلاميَّة‭ ‬ضمنهم‭ ‬نددوا‭ ‬بوصاية‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬على‭ ‬المساجد،‭ ‬لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬تحرك‭ ‬الآلية‭ ‬المخزنيَّة‭ ‬وفق‭ ‬ثنائيَّة‭ ‬العطايا‭ ‬والوعيد‭ ‬حتى‭ ‬تبخر‭ ‬ذلك‭.‬

المسألة‭ ‬الأكثر‭ ‬دلالةً،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السيَّاق،‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مظاهرات‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬ضد‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬السيَّاسيَّة‭ ‬حشد‭ ‬أنصارها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الدستور‭ ‬رغم‭ ‬اصطفافها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الملك‭. ‬والقوة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬القيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬هي‭ ‬الزاوية‭ ‬البودشيشيَّة‭ ‬التي‭ ‬حشدت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬بالبيضاء‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬ضخمة‭. ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬استخلاصه‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فقدان‭ ‬أدوات‭ ‬الوساطة‭ ‬السيَّاسيَّة‭ ‬للملك‭ (‬أحزاباً‭ ‬ونقابات‭ ‬وجمعيَّات‭) ‬لمشروعيَّتها‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬تنامي‭ ‬الكفاح‭ ‬الجماهيري‭ ‬فإن‭ ‬الخزَّان‭ ‬الاحتياطي‭ ‬للمشروعيَّة‭ ‬ستبحث‭ ‬عنه‭ ‬الملكيَّة‭ ‬في‭ ‬قوى‭ ‬دينيَّة‭ ‬أخرى‭ ‬محافِظة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬الطابور‭ ‬الخامس‭ ‬للدولة‭. ‬

في‭ ‬مارس‭ ‬2012‭ ‬قدم‭ ‬القصر‭ ‬الملكي‭ ‬هِبات‭ ‬عدَّة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأضرحة‭ ‬والزوايا‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭: ‬هبة‭ ‬ملكيَّة‭ ‬لشرفاء‭ ‬ومريدي‭ ‬ضريح‭ ‬مولاي‭ ‬بوعزة‭ (‬خنيفرة‭)‬،‭ ‬هبات‭ ‬لشرفاء‭ ‬ومريدي‭ ‬زاويتي‭ ‬سيدي‭ ‬حمزة‭ ‬وسيدي‭ ‬يحي‭ ‬أو‭ ‬يوسف‭ (‬ميدلت‭)‬،‭ ‬شرفاء‭ ‬مكناس،‭ ‬زاوية‭ ‬مولاي‭ ‬بوسلهام‭ (‬القنيطرة‭)‬،‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأضرحة‭ ‬بالعرائش‭ ‬والقصر‭ ‬الكبير‭ ‬وطنجة،‭ ‬شرفاء‭ ‬زاوية‭ ‬سيدي‭ ‬لغليمي‭ (‬سطات‭)‬،‭ ‬زاويتي‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬سالم٬‭ ‬والشيخ‭ ‬محمد‭ ‬المامي‭ (‬الداخلة‭)‬،‭ ‬الزاوية‭ ‬الوزانيَّة‭ (‬تطوان‭)… ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬الهبات‭ ‬دعماً‭ ‬مباشراً‭ ‬للطرق‭ ‬الصوفيَّة‭ ‬والأضرحة‭ ‬لمواصلة‭ ‬أنشطتها‭ ‬الدينيَّة‭ ‬العاديَّة‭ ‬وتنظيم‭ ‬مزاراتها،‭ ‬للقيام‭ ‬بأدوارها‭ ‬في‭ ‬عمليَّة‭ ‬إعادة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬هذا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ “‬الاستشفائي‭” ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأضرحة،‭ ‬ولعل‭ ‬أبرزها‭ “‬بويا‭ ‬عمر‭” ‬الذي‭ ‬قرَّر‭ ‬وزير‭ ‬الصحة‭ ‬إغلاقه‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬الإيواء‭ ‬لمرتاديه‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬النَّفسانيِّين‭ ‬والعقليِّين‭. ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهبات‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬فعل‭ ‬خيري‭ ‬إحساني‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالشرعيَّة‭ ‬الدينيَّة‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين؟‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬الهبات‭ ‬الملكيَّة‭ ‬مجرد‭ ‬عطف‭ ‬وبركة‭ ‬يخصها‭ ‬الملك‭ ‬لرعاياه‭ ‬الصوفيِّين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مصالح‭ ‬وخدمات‭ ‬متبادلة،‭ ‬والعطف‭ ‬هنا‭ ‬يأخذ‭ ‬بمعانيه‭ ‬السيَّاسيَّة‭ ‬كاملةً،‭ ‬أي‭ ‬كعطف‭ ‬محكوم‭ ‬بمصالح‭ ‬متبادلة،‭ ‬لهذا‭ ‬يجمل‭ ‬موليم‭ ‬العروسي‭ ‬كلامه‭ ‬في‭ ‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬التصوف‭ ‬والسُّلطان‭ ‬في‭ ‬قوله‭: “‬يتلازم‭ ‬الدِّين‭ ‬والسيَّاسة‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬الحرجة‭. ‬فبالنسبة‭ ‬للملك‭ ‬يتراجع‭ ‬الدِّين‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة‭ ‬لصالح‭ ‬الإستراتيجية؛‭ ‬بمعنى‭ ‬في‭ ‬القبَّة‭ ‬عندما‭ ‬أحس‭ ‬السُّلطان‭ ‬بالخطر‭ ‬طرح‭ ‬تساؤلاً‭: ‬ماذا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أفعل؟‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬الشيخ‭ “‬الهسكوري‭” ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬بالقرويِّين‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متصوفاً‭ ‬ويشيِّد‭ ‬زاويَّة‭. ‬لكن‭ ‬منطق‭ ‬الدولة‭ ‬طغى‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬التصوف‭. ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬موجود‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محاربين‭ ‬ويلزمهم‭ ‬مال‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ملتزمين‭. ‬فالمسألة‭ ‬واضحة،‭ ‬فالقُدسِي‭ ‬والدُنيوي‭ ‬يحملان‭ ‬بعداً‭ ‬آخر‭ ‬عندما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نغطي‭ ‬على‭ ‬مسائل‭ ‬محددة‭. ” ‬‭(‬جريدة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬رمضان‭ ‬2016‭).‬

اخترق‭ ‬المغرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأمن‭ ‬الروحي‭ ‬للمملكة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتفاقات‭ ‬ثنائيَّة‭ ‬تهم‭ ‬علاقة‭ ‬المغرب‭ ‬ببعض‭ ‬البلدان،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬المغرب‭ ‬وجمهوريَّة‭ ‬الصومال‭ ‬الفيدراليَّة،‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬يوليو‭ ‬2016‭ ‬بالرباط،‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬للتعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬وتبادل‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬الوزير‭ ‬الصومالي‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيَّة‭ ‬ستتيح‭ ‬لبلاده‭ ‬الاسترشاد‭ ‬بتجربة‭ ‬المغرب‭ ‬الرائِدة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الوسطيَّة‭ ‬والاعتدال‭ ‬والتسامح‭ ‬ومنهجيَّته‭ ‬الحكيمة‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬التطرُّف‭ ‬وتجفيف‭ ‬منابِعه،‭ ‬مؤكداً‭ ‬حاجة‭ ‬جمهوريَّة‭ ‬الصومال‭ ‬الماسَّة‭ ‬إلى‭ ‬الاسترشاد‭ ‬بمنهجيَّتِه‭ ‬المتميزة‭ ‬والسَّير‭ ‬على‭ ‬منوالها،‭ ‬بالنَّظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬راكم‭ ‬تجربة‭ “‬شاملة‭ ‬ومتميزة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الوقاية‭ ‬منه‭”‬،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بدول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الإشادة‭ ‬بها‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬استلهامها‭. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬أحمد‭ ‬التوفيق‭ ‬وزير‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلاميَّة،‭ ‬إن‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الدِّيني‭ ‬بالمغرب‭ ‬منوط‭ ‬بإمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬بمقتضى‭ ‬عقد‭ ‬البيعة‭ ‬باعتبارها‭ “‬نظاماً‭ ‬سيَّاسيّاً‭ ‬دينيّاً‭ ‬مستمداً‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الإسلام‭ ‬منذ‭ ‬نشأ،‭ ‬نشأ‭ ‬دينا‭ ‬ودولة‭”.  ‬وأبرز‭ ‬التوفيق،‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬المنظم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ “‬الملتقى‭ ‬الديبلوماسي‭” ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬5‭ ‬رجب‭ ‬1437هـ‭ (‬13‭ ‬أبريل‭ ‬2016‭) ‬بالرباط،‭ ‬بحضور‭ ‬ممثلي‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المعتمد‭ ‬بالمغرب،‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬والساهر‭ ‬على‭ “‬حفظ‭ ‬الكليَّات‭ ‬الخمس‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الدِّين‭ ‬والنفس‭ ‬والنِّظام‭ ‬العام‭ ‬والأموال‭ ‬والعرض‭”‬،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬اندمج‭ ‬في‭ ‬اللُّغة‭ ‬الحديثة‭ ‬للسيَّاسة،‭ ‬نص‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬41‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدِّين‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ “‬لأنه‭ ‬موضع‭ ‬اتفاق‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الأمة‭”. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬مشروعية‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ “‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬مكتوب‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬يسمى‭ ‬البيعة‭”‬،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬ضمان‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬للدين‭ ‬يكون‭ ‬باحترام‭ ‬الكليات‭ ‬المذكورة‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الناس‭ ‬وتصورهم‭ ‬للعالم‭ ‬والحياة‭. ‬لأن‭ ‬التوجه‭ ‬الإفريقي‭ ‬لسيَّاسة‭ ‬الملك‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد،‭ ‬يستمد‭ ‬تميزه‭ ‬من‭ ‬الأواصر‭ ‬الجغرافية‭ ‬والروابط‭ ‬التاريخيَّة‭ ‬والأسانيد‭ ‬العلمية،‭ ‬مشيرا‭ ‬كرئيس‭ ‬منتدب‭ ‬لمؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬في‭ ‬جنوبي‭ ‬الصحراء،‭ ‬تقترن‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬أهل‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬برصيد‭ ‬المغرب‭ ‬الدِّيني‭ ‬والعلمي‭ ‬والروحي‭ ‬المشترك،‭ ‬حيث‭ ‬يقر‭ ‬المصنفون‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬عبر‭ ‬العصور،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ذلك‭ ‬الرأسمال‭ ‬اللامادي،‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬بنفع‭ ‬ولا‭ ‬يقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬وهو‭ ‬باق‭ ‬صامد‭ ‬لكل‭ ‬حوادث‭ ‬الزمان،‭ ‬ومن‭ ‬ثمراته‭ ‬أن‭ ‬علاقات‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬الغربيَّة‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬شعبي‭ ‬مستدام،‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بالظروف‭ ‬العابرة‭. ‬وقد‭ ‬أبرز‭ ‬أن‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬“تستشرف‭ ‬تحقيق‭ ‬ربط‭ ‬فعال‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬القارة‭ ‬بين‭ ‬العلماء،‭ ‬والغاية‭ ‬المشتركة‭ ‬هي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬لهذه‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬إيمانها‭ ‬وعقليتها‭ ‬المحبة‭ ‬للسلم،‭ ‬وأن‭ ‬تصان‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬ثقافتها‭ ‬المتميزة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخرجها‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬توحيد‭ ‬الله‭ ‬والعمل‭ ‬بمكارم‭ ‬دينه،‭ ‬المبين‭ ‬بسنة‭ ‬رسوله‭ ‬الأكرم”‭. ‬وسجل‭ ‬أن‭ ‬أفاق‭ ‬مستقبل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة،‭ ‬كما‭ ‬خطط‭ ‬لها‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬الظهير‭ ‬الشريف،‭ ‬ستتبلور‭ ‬في‭ ‬شراكة‭ ‬في‭ ‬الخبرة‭ ‬بين‭ ‬علماء‭ ‬المغرب‭ ‬وعلماء‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وبالقدر‭ ‬المتاح‭ ‬لهم‭ ‬سياقا‭ ‬وقانونا،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مقاربة‭ ‬شمولية‭ ‬لقيام‭ ‬الدِّين،‭ ‬بحمايته‭ ‬وتنمية‭ ‬خدماته‭: “‬لقد‭ ‬ابتكرتم،‭ ‬هذه‭ ‬الآليَّة،‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بقصد‭ ‬نيل‭ ‬رضا‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بالأمانة‭ ‬الموضوعة‭ ‬على‭ ‬عاتقكم،‭ ‬كحام‭ ‬للملة‭ ‬والدِّين،‭ ‬وكراع‭ ‬للتاريخ‭ ‬الروحي‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬وكغيور‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭”‬،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤسسة،‭ ‬ستمتد،‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬التأطير‭ ‬العلمي،‭ ‬وذلك‭ ‬بإسهام‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬تبليغ‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الوسطيَّة،‭ ‬وبتنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬لنشر‭ ‬فكرة‭ ‬أولويَّة‭ ‬دفع‭ ‬الفِتنة‭ ‬واستدامة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬كضرورة‭ ‬شرعيَّة‭ ‬قصوى‭..‬

في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الثالث‭ ‬لأتباع‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانيَّة‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬14‭ ‬ماي‭ ‬2014‭ ‬وجه‭ ‬الملك‭ ‬بصفته‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المشاركين‭ ‬ألقاها‭ ‬وزير‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشون‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭:‬

‭”‬ننوه‭ ‬بما‭ ‬يجمع‭ ‬التيجانيِّين‭ ‬قاطِبةً،‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬طريقتهم‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬التعلق‭ ‬والوفاء‭ ‬لملك‭ ‬المغرب،‭ ‬بوصفه‭ ‬أميراً‭ ‬للمؤمنين‭ ‬وسيطا‭ ‬للنَّبي‭ ‬الأمين،‭ ‬مبادلين‭ ‬إياهم‭ ‬نفس‭ ‬الوفاء،‭ ‬مسبغين‭ ‬عليهم‭ ‬موصول‭ ‬الرعاية‭ ‬أينما‭ ‬كانوا،‭ ‬داعين‭ ‬إياهم‭ ‬أن‭ ‬يحافظوا‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬المغرب‭ ‬قبلة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الورد‭ ‬والصدر‭”. ‬وفيها‭ ‬نتلمس‭ ‬المصلحة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬والطريقة‭ ‬التيجانيَّة‭ ‬في‭ ‬تعاون‭ ‬وثيق‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الشرعيَّة‭ ‬الدينيَّة‭ ‬للإمارة‭ ‬،‭ ‬مقابل‭ ‬الدعم‭ ‬السيَّاسي‭ ‬للطريقة‭.‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬استعراض‭ ‬هاته‭ ‬المقولات‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬السلطاني،‭ ‬أن‭ ‬تثبيت‭ ‬دعائم‭ ‬السلطة‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الشرعية‭ ‬الدينية،‭ ‬وضمان‭ ‬ولاء‭ ‬الزوايا‭ ‬وتداخل‭ ‬البعد‭ ‬السياسي‭ ‬بالديني‭ ‬بإدخال‭ ‬مفهوم‭ ‬البيعة‭ ‬لمجال‭ ‬القداسة،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬شرعية‭ ‬دينية‭ ‬تعلو‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬فالريع‭ ‬المخزني‭ ‬يضخ‭ ‬إمكانيات‭ ‬استمرار‭ ‬الولاء‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى